|
المنعطف في سياسة أوباما الخارجية
علي الشهابي
الحوار المتمدن-العدد: 2430 - 2008 / 10 / 10 - 01:08
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
في 23 نيسان 2007 ألقى أوباما كلمة في "مجلس شيكاغو للشؤون الخارجية" حدّد فيها رؤيته للسياسة الخارجية، وكانت عبارة عن خمس نقاط سيسعى إلى تحقيقها ـ في حال فوزه ـ حتى تعاود أمريكا قيادة العالم*. وسأقتصر على الأمور الأكثر أهمية بالنسبة لنا، ولن أتطرق إلى رؤيته للصراع الفلسطيني ـ الاسرائيلي طالما أنه لاجديد عنده فيه عمّا درجت عليه الإدارات الأمريكية المتعاقبة. استهل عرضه بمقدمة تطرق فيها إلى حرب العراق وقال: "نعرف جميعاً أن هذه ليست أفضل أيام سمعة أمريكا؛ ونعلم كم كلفتنا حرب العراق في الأرواح والأموال، وفي النفوذ والاحترام. إن أفعالنا خيّبت آمال الكثيرين في العالم...فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، كانت الملايين في كافة أرجاء المعمورة مستعدة للوقوف معنا؛ كانوا يرغبون بتأييد قضيتنا لأنها قضيتهم أيضاً. ولأنهم كانوا يعلمون أنّ أمريكا، إن قادت العالم نحو عصر جديد من التعاون الدولي، فإنها ستقدم الأمن لأمتنا ولكل الأمم. كلنا يعرف كيف أساءت هذه الإدارة، وأهدرت هذه الفرصة. في عام 2002 عبّرت عن معارضتي لحرب العراق. لم أعارضها فقط لأنها كانت انحرافاً لا لزوم له عن نضالنا ضد الإرهابيين الذين هاجمونا في 11 سبتمبر، بل أيضاً لأنها قائمة على سوء فهم أساسي للأخطار المحيقة بنا، هذه الأخطار التي كشفتها تلك الهجمات. كنت أعتقد وقتها، ومازلت أعتقد، أن تلك الحرب مبنية على أيديولوجيات قديمة واستراتيجيات بالية ـ إنها مبنية على الإصرار على خوض النضال في القرن الحادي والعشرين بعقلية القرن العشرين. لا شك في أن أخطاء السنوات الست الماضية صعّبت مهمتنا الحالية. لقد انقلب الرأي العام العالمي ضدنا". وتابع ليصل إلى أن النقطة الأولى التي ستدفع أمريكا إلى قيادة العالم هي ضرورة "إنهاء هذه الحرب بمسؤولية، وإعادة التركيز على التحديات الخطيرة في كل المنطقة". وبالتالي فهو يريد الانسحاب من العراق لإعادة تركيز الجهود على الشرق الأوسط ككل، حيث تشعر حماس وحزب الله أنهما صارا أقوى. وعلى إيران التي استفادت من الحرب الأمريكية على العراق وأفغانستان، وحتى تتمكن الولايات المتحدة من إرسال المزيد من الجنود إلى أفغانستان كي لا تنزلق الأخيرة إلى "عدم الاستقرار" (بحسب تعبيره) ولملاحقة ابن لادن ومحاربة القاعدة في كل مكان. أما فيما يتعلق بإيران، فيرى أن على المجتمع الدولي أن يمنعها من امتلاك السلاح النووي، وهذا لا يتم فقط بالتهديد بالسلاح. بديهي أن القابلية لاستخدام السلاح ستظل قائمة، لكنها لن تكون اللغة الوحيدة مع إيران، كما تفعل إدارة بوش. وعلى العكس من إدارة بوش التي لا تتكلم إلا مع الأصدقاء، في حين أن المطلوب هو التكلم مع الخصوم، يرى أوباما أن أول ما ينبغي القيام به ضد إيران هو دبلوماسية حثيثة ومباشرة وعدوانية aggressive، تفعل فعلها في جعل مجلس الأمن وأوروبا وبلدان الخليج ينضمون إلى الولايات المتحدة في تشديد الضغط الاقتصادي عليها. وينبه إلى ضرورة عدم السماح للدول بالحصول على أسلحة نووية بذريعة الاستخدام السلمي للطاقة النووية. ولهذا يدعو الولايات المتحدة للمبادرة إلى إنشاء بنك دولي للوقود، لدعم الامداد التجاري للوقود، لسحب هذه الذريعة. وعلى الولايات المتحدة أن تقدم الكثير لبدء العمل بهذا البنك ولدعوة الأمم الأخرى للانضمام إليه، بدءأً من روسيا. وأخيراً نراه يدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة التي درجت الموضة هذه الأيام على الاستخفاف بها. وهذا الإصلاح لا يتم بصياغة الولايات المتحدة للتعديلات والضغط على البلدان الأخرى للمصادقة عليها؛ فالإصلاح الحقيقي يتم بإقناع هذه البلدان أن لها مصلحة بالتغيير وأن هذه الإصلاحات ستجعل عالمها أفضل، وليس فقط عالم الولايات المتحدة. * * * من الواضح أن أوباما يحاول إقناع الأمريكيين بأن سياسة بوش الخارجية أساءت لمصالح الولايات المتحدة، أما هو فسيسعى لخدمتها بشكل أفضل. وأعتقد أنه سيخدمها أفضل بالشكل الذي يتصورونها هم فيه، لا نحن. ومع ذلك، وربما لذلك، سيحاول الانعطاف بالسياسة الخارجية نحو إعادة الاعتبار للقانون الدولي، والأدق لشرعية الأمم المتحدة. هذا ما أعتقد أنه سيحاول أن يفعله ليس لأنه وقف ضد غزو العراق، فتفسيره اللاحق جاء بعد خمس سنوات، وبالتالي قد يكون وقتها ضد الغزو للسبب الوجيه الذي يذكره وقد يكون لغيره. ولا لأنه يدعو إلى إصلاح المؤسسات الدولية، حتى أن دعوته أعلاه جاءت هامشية وباردة. أضف إلى ذلك أن الدعوات كثيرة بهذا الخصوص، وكلها كلام. وإذا أخذنا بالكلام، فكلامه متناقض: من جهة يدعو إلى إصلاح الأمم المتحدة، ومن جهة أخرى يعلن أنه في حال تم انتخابه قد يضرب مواقع للإرهابيين في باكستان، سواء وافقت الحكومة الباكستانية أم لا.** إنه سيسعى بهذا الاتجاه لأن إصلاحها يخدم مصلحة الأمريكيين، طالما أن العالم الذي لم يصر متعدد الأقطاب ما عاد أحادي القطب، بل بات أشبه ما يكون بحالٍ من انعدام القطبية. فالولايات المتحدة ما عادت تستطيع التدخل العسكري حتى في الصومال، ناهيك عن لبنان. وبالتالي فالحلول في نطاق الأمم المتحدة تعطي الولايات المتحدة شكلاً محترماً لحل المشاكل الدولية، شكل الحضاري الساعي وراء القانون والمنصاع له وقت اللزوم. لقد التقط أوباما هذا الجانب (كيف يمكن للأمم المتحدة أن تكون مخرجاً لائقاً على الأقل للتغطية على عجز الولايات المتحدة) وسرعان ما عبّر عنه في الأزمة بين روسيا وجورجيا. وموقفه العملي منها كان أشبه ما يكون بموقف الرئيس الفرنسي، الذي فاوض الروس على أساس الوضع القائم، أي على أساس بقائهم في أوستيا الجنوبية وأبخازيا. فبعدما قال أوباما بأن "الروس صعّدوا الصراع بما يتجاوز النزاع حول أوسيتيا الجنوبية" (مما يضمر أنه يتفهم ما قاموا به في أبخازيا وأوسيتيا) طالب الروس "بوقف القصف داخل جورجيا.. وسحب قواتهم من الأراضي الجورجية وقبول وقف إطلاق النار الذي عرضته جورجيا" ودعا "الولايات المتحدة وأوروبا وكل البلدان المعنية إلى الوقوف معاً بإدانة العدوان، ومواصلة حث مجلس الأمن على إصدار قرار يدعو إلى الوقف الفوري للعنف"***. وبعدما سخر بعض الجمهوريين من "سذاجته" لعدم علمه بأن لروسيا حق النقض فيه، تبين أنهم هم الساذجون عندما لم يجد بوش (الذي يعرف أن لروسيا حق النقض فيه) بداً في النهاية من دعوة مجلس الأمن لحل هذه المشكلة. ــــــــــــــــــ * يمكن العودة إليها في The Chicago Council on Global Affairs بنفس التاريخ المذكور. ** لم يذكر الباكستان في كلمته الحالية بل ذكرها، أول ما ذكرها، في 1 آب 2008 ثم عاد وكررها أثناء مناظرته الأولى مع ماكين في 26 أيلول 2008. ***Obama speaks about the Georgia-Russia conflict http://www.politicususa.com
#علي_الشهابي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
نحن وإيران وتركيا
-
نقاش مع -مشروع رؤية سياسية فلسطينية جديدة-
-
باريس تشيّع برشلونة في المتوسط
-
الديموقراطية المدنية رايتنا السياسية
-
طريق الاستقرار في العراق
-
إعلان دمشق والانعطاف المطلوب
-
هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 4
-
هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 3
-
هدف الديموقراطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً 2
-
هدف الديموقرلطية في سوريا أمريكياً وأوروبياً وسورياً -1
-
دفاعاً عن البيانوني وخدّام في وجه إعلان دمشق
-
شمولية السياسة سياسة شمولية
-
العمل السياسي في سوريا
-
العمل السياسي في سوريا ..مجرد صورة
-
بعيداً عن الأزمة الراهنة في سوريا
-
تركيا تمهد الطريق أمام سوريا
-
الطائفية و-المعارضة الوطنية الديموقراطية- في سوريا
-
الاستحقاق السياسي للانتخابات اللبنانية: مطلوب من حزب الله
-
التدخل العسكري الأمريكي حق ديموقراطي
-
المخرج السوري من المأزق السوري: من المستفيد يا سيادة الرئيس؟
المزيد.....
-
إيطاليا: اجتماع لمجموعة السبع يخيم عليه الصراع بالشرق الأوسط
...
-
إيران ترد على ادعاءات ضلوعها بمقتل الحاخام الإسرائيلي في الإ
...
-
بغداد.. إحباط بيع طفلة من قبل والدتها مقابل 80 ألف دولار
-
حريق ضخم يلتهم مجمعاً سكنياً في مانيلا ويشرد أكثر من 2000 عا
...
-
جروح حواف الورق أكثر ألمًا من السكين.. والسبب؟
-
الجيش الإسرائيلي: -حزب الله- أطلق 250 صاروخا على إسرائيل يوم
...
-
اللحظات الأولى بعد تحطم طائرة شحن تابعة لشركة DHL قرب مطار ا
...
-
الشرطة الجورجية تغلق الشوارع المؤدية إلى البرلمان في تبليسي
...
-
مسؤول طبي شمال غزة: مستشفى -كمال عدوان- محاصر منذ 40 يوم ونن
...
-
إسرائيل تستولي على 52 ألف دونم بالضفة منذ بدء حرب غزة
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|