|
الاتحاد السوفيتي: أسطورة اشتراكية القرن العشرين – القسم الثاني
أنور نجم الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2430 - 2008 / 10 / 10 - 09:45
المحور:
ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم
إنَّ الماركسيين المذهبيين، كالاقتصاديين السوقيين البرجوازيين، يكتفون دائماً، بتبني التعابير الشائعة، في أوساط التافهين ضيقي الأفق، حول العلاقات العالمية لرأس المال و العمل، و إنَّ أسلوبهم غير الانتقادي و العقائدي، في معالجة المواضيع، سيضعهم بالضرورة، في موقف المعارضة مع المادية التاريخية، لأنَّهم على العكس من الماديين، يُحِلون دائماً اعتقاداتهم الشخصية محل الدراسات التاريخية، و على العكس من كارل ماركس، فإنَّ الماركسيين العقائديين، لا يرون أنَّ القوانين الاقتصادية، تتحكم في العالم و الدول أياً كان حكامهم السياسيون (لينين، ستالين، خروتشوف، هتلر، بوش، إلخ...) ولا يرون أنَّ التجارة العالمية و التبادل العالمي، ستجبر كلَّ بلد من البلدان، على الخضوع أمام جبروت قانون العرض و الطلب، القانون الذي يتحكم في العالم بأسره، كما يقول كارل ماركس، لذا فإنَّ خروج الاتحاد السوفياتي، أو أي بلد آخر، من دائرة هذا القانون في استغلال نسبة العمل و عرض البضائع، وإنتاج المواد الأولية، و تحديد الأسعار في السوق العالمية، يشبه في الواقع خروج الأرض من دائرة المنظومة الشمسية، ولكن دون التأثير على الحياة فيها.
إنَّ النسب بين العرض و الطلب، عرض البضائع و طلبها، عرض العمل و طلبه، خاضعة كلياً للعلاقة التنافسية في السوق العالمية، إنَّ العرض و الطلب ينظمان كل التقلبات الاقتصادية في السوق العالمية: الأسعار كالأجور، البضائع كالوسائل الإنتاجية، الاستيراد كالتصدير، إلخ.
إنَّ درجة استغلال العمل في أمريكا، و نسبة فائض القيمة في اليابان، و معدَّل الربح في الاتحاد السوفيتي، ستحدد بالقوانين الاقتصادية، التي تحكم السوق العالمية، مهما تكن الأشكال السياسية للدول فيها، الملكية المطلقة، الجمهورية الاشتراكية، الدكتاتورية، الديمقراطية، الدينية، أو العلمانية، ولو لم يكن الأمر كذلك، لما كان قانون العرض و الطلب شيئاً مفهوماً لدى الماديين، إنَّ كلَّ تغير في رأس المال المستثمر، و علاقته بالعمل في أوروبا، ستؤدي الى التغير في رأس المال المستثمر، و علاقته بالعمل في السوق العالمية، و لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان التغير في التركيب العضوي المتوسط لرأس المال العالمي، مفهوماً على الإطلاق، إنَّ كلَّ ازدياد في رأس المال الثابت في أمريكا، يناسب الانخفاض في رأس المال المتحول في السوق العالمية، مادام رأس المال الأمريكي هذا، جزءاً من رأس المال العالمي، ولذلك، ستكون النتيجة النهايئة، هبوطاً في المعدل العام للربح في المستوى الكلي للعالم، و لو لم يكن الأمر كذلك، لما كانت الأزمات شيئاً مفهوماً لدى الماديين، إذاً فالمسألة هي درجة استغلال قوة العمل، من جانب رأس المال على الصعيد العالمي، وعليه، سيؤثر عرض العمل و طلبه على السوق التنافسي في العالم، رغم أنف الماركسيين المذهبيين، و الاقتصاديين السوقيين.
إنَّ الكتلة العالمية المتوفرة من الأيدي العاملة، هي الكتلة التي تكون تحت إمرة الرأسماليين في السوق العالمية، فإذا ما زاد أو انخفض عدد السكان العاملين في آسيا بسبب التغيرات في السوق، أي بسبب قانون العرض و الطلب، فإنَّ كتلة العمل الزائد، قد تزيد أو تنخفض، بالضرورة، في الاتحاد السوفيتي، أو أمريكا، أو اليابان بتأثير نفس القانون.
و هكذا، فإنَّ معدل الربح المتوسط، محلياً و عالمياً، يُحدد بتركيبه الاجتماعي المتوسط لرأس المال العالمي، و إنَّ أزمات المجتمع الرأسمالي، أي هبوط المعدل العام للربح، لا تعبر إلاَّ عن عدم توازن، يُولَدُ بالضرورة، من الصورة الرأسمالية للاستغلال العالمي للعمل.
إنَّ التجارة الخارجية، تشجع في الوطن الأم، نمو نمط الإنتاج الرأسمالي، كما يقول كارل ماركس، و عليه سيكون من السهل، إجابة السؤال الذي يطرح بصدد الاقتصاد السوفيتي: هل كان السوفيت مجتمعاً اشتراكياً؟ على العكس من لينين، يقول كارل ماركس، إنَّ التجارة الخارجية، تؤدي إلى تخفيض رأس المال المتحول، بالنسبة لرأس المال الثابت، و هي تخلق من جهة أخرى، بالنسبة للبلاد الأجنبية، إنتاجاً زائدا،ً و تنتهي بالتالي من جديد، بالتأثير في الاتجاه المعاكس.
هكذا تؤثر الدول على بعضها البعض في السوق العالمية، فالعلاقة السائدة في العالم، ستكون بالضرورة، العلاقة السائدة في كل بلد من البلدان، فالإنتاج و التوزيع في كل بلد، لا بد أنَّ يطبق أخيراً، الإنتاج و التوزيع في البلدان الصناعية الأكثر تطوراً، لذلك و على العكس من لينين، ليس من المستغرب أن يستنتج الماديون، كما استنتج كارل ماركس، أنَّ الشيوعية غير ممكنة، دون حدوثها في المستوى الأممي أولاً، ثانياً: كانت النتيجة النهائية لجميع الثورات، هي تحسين جهاز الدولة بدلاً من نبذ هذا الكابوس الخانق، أما ثورة الكومونة، لم تكن ثورة ضد هذا الشكل أو الآخر من السلطة، شرعي، دستوري، جمهوري، أو ملكي، كانت ثورةً ضد الدولة ذاتها، و هذا هو الاختلاف الجذري بين كارل ماركس و الماركسيين – اللينينيين، فالمنهج الذي يتمسك به كارل ماركس، هو، المنهج التجريبي الذي يُحِل الاختبار محل العقائد، وهو على العكس من الماركسيين – اللينينيين، لا يبحث الأشياء في المذاهب الآيديوليوجية، بل في العالم الحسي الواقعي، من حيث هو حصيلة الحركة المادية في التاريخ العالمي. (انظر: الشيوعية و اسطورة الماركسية – ماركس و لينين).
إنَّ أهم قسم من أقسام التجارة العالمية، هو تجارة رأس المال الثابت – الآلات و الأدوات - أي رأس المال الذي يستعمل من أجل الإنتاج، و عليه فإنَّ التجارة ليست سوى خادمة للإنتاج الصناعي، و الإنتاج الصناعي يتطلب باستمرار، توسيع دائرة السوق.
لذلك ((إنَّ السوق العالمية ماثلة دائماً في ذهن الرأسمالي الصناعي، فهو يقارن، و يجب أن يقارن باستمرار، تكاليف إنتاجه الخاصة مع أسعار السوق في العالم كله، و ليس في بلده فقط – كارل ماركس)).
ما هو القانون الذي يحدد أسعار السوق في العالم؟ بالطبع قانون العرض و الطلب، الأمر الذي لا يستوعبه عقل الاقتصاديين السوقيين و الماركسيين – اللينينيين، و على العكس من الماركسيين – اللينينيين، يقول كارل ماركس:
((إنَّ التجارة تتحكم في العالم بأسره من خلال علاقة العرض و الطلب، و هي علاقة تحوم فوق العالم، و توزع بيد خفية السعادة و التعاسة على البشر، و تنشئ الامبراطوريات و تدمر الامبراطوريات، و تسبب قيام الأمم و زوالها)).
إنَّ ثراء الفرد في أوروبا و فقره في أفريقيا، يتوقف كلياً على العلاقات العالمية للعمل و رأس المال.
(( إذا اخترعت في انكلترا آلة، انتزع من آلاف الكادحين في الهند و الصين خبزهم، وانقلبَ شكل هاتين الإمبراطوريتين كلُّه – كارل ماركس)).
و هكذا، كانت الأسعار كالإنتاج، الأرباح كالخسائر، النمو كالانكماش في الاتحاد السوفيتي السابق، في زمن لينين أو أي زمن آخر، خاضعاً لقوة ما فوق عقول الفلاسفة، و الساحرين السياسيين، و هذه القوة هي، قانون العرض و الطلب، و الذي ينظم السوق العالمية خلال التجارة العالمية و التبادل العالمي، و كان لينين المتعطش الى السلطة، كأي رئيس جمهوري آخر في العالم، واعياً لهذا القانون و فعاليته الكونية.
إذاً، ما هي أسباب قلب شكل الامبراطورية السوفيتية؟ هل هو خلل في الاشتراكية التي لا يمكن ظهورها إلاَّ في المستوى الأممي؟ أم خلل في النظام الرأسمالي العالمي نفسه؟
سنجيب على الأسئلة هذه في الأقسام الأخرى.
المصادر: - كارل ماركس - رأس المال – نقد الاقتصاد السياسي - كارل ماركس - الآيديولوجية الألمانية - كارل ماركس - الحرب الأهلية في فرنسا
#أنور_نجم_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاتحاد السوفياتي: إسطورة إشتراكية القرن العشرين!
-
أمريكا، بؤرة الأزمات و الحروب
المزيد.....
-
-أرض العجائب الشتوية-.. قرية ساحرة مصنوعة من كعكة الزنجبيل س
...
-
فيديو يظهر ضباط شرطة يجثون فوق فتاة ويضربونها في الشارع بأمر
...
-
الخارجية اليمنية: نعتزم إعادة فتح سفارتنا في دمشق
-
تصفية سائق هارب اقتحم مركزا تجاريا في تكساس (فيديو)
-
مقتل 4 أشخاص بحادث تحطم مروحية تابعة لوزارة الصحة التركية جن
...
-
-فيلت أم زونتاغ-: الاتحاد الأوروبي يخطط لتبنّي حزمة العقوبات
...
-
مقتل عنصر أمن فلسطيني وإصابة اثنين آخرين بإطلاق للنار في جني
...
-
بعد وصفه ضرباتها بـ-الوحشية-... إسرائيل تتهم البابا فرنسيس ب
...
-
أكاديمي إسرائيلي: بلدنا متغطرس لا تضاهيه إلا أثينا القديمة
-
كيف احتمى نازحون بجبل مرة في دارفور؟
المزيد.....
-
ثورة أكتوبر .. منجزات مذهلة تتحدى النسيان
/ حميد الحلاوي
-
بمناسبة مرور(91) عاما على ثورة اكتوبر ((الاشتراكية)) الروسية
/ حميد الحريزي
-
الرفيق غورباتشوف
/ ميسون البياتي
المزيد.....
|