|
نهاية الإنلكوسكسونية .. والدخول في عصر التنين ( الفصل الأول - ما بعد العقلانية )
وليد مهدي
الحوار المتمدن-العدد: 2430 - 2008 / 10 / 10 - 00:56
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
• ماذا ( بعد ) العقلانيــة ؟ تطالعنا أقلام المفكرين والعلماء اليوم بتوصيفها مراحل تطور الفكر الإنساني من مرحلــة إلى أخرى ، فتوصف وكأنها مراحل إنتقال من عصور الغيبيات إلى عصر التفكير العقلاني القائم على العقل والحس التجريبي ، وهذا التصوير يوحي لنا بطريقة ٍ أو أخرى وكأننا نتحول من عصور الظلام الغيبية الماورائية الحدسية إلى عصر النور الواقعي الحسي اليقيني الذي لا يقبل الشك . الإنطباع العام السائد لدى أوساط المثقفين والمفكرين اليوم حول هذا التحول الفكري بين الغيبيات والعلم الواقعي التجريبي هو إن قدر الإنسانية مر بشوطين : • شوط الغفلة والإيمان بالخرافات ... • شوط العقل والمنهج العلمي .... ويسود التصور عن الشوط الثاني من مراحل التحول في التفكير البشري بأنه القدر الأخير للعقل الإنساني ، وهو بالتأكيد إنطباع نمطي لا علمي ناتج عن خواص العقل الفردي في المرحلة الحالية من التأريخ ، وهي خصائص " حدية " لا تعرف الحدود الوسط .. فالحس والتجربة المستندة عليه ليست قيمة مطلقة وإنما هي أدوات عقلية في الإستدلال العلمي ولا أحد يستطيع أن يجزم بأن العقل البشري لن يتمكن يوما من إبتكار أدوات ٍ فكرية جديدة غير التجربة الحسية قادرة على القفز بالمسيرة العقلية والتقنية إلى مجالات أرحب تحقق الإزدهار والتقدم البشري في مختلف الميادين بصورة أكبر مما نحن عليه اليوم .. وموضوعة التحول من الأسود الظلامي إلى النور العقلي ، أو التحول من منهج ماضوي خاطيء إلى منهج عصري صحيح ( حسب المفهوم المتعارف )... من حد موجب إلى حد سالب وبالعكس إنما هي جذرية في البناء الفكري الإجتماعي للجنس البشري قاطبة منذ اليونان والمنطق الأرسطي ذي القاعدة الفكرية المعروفة " الوسط المرفوع " أو " الثالث المرفوع " ... فعلى الرغم من إن الكثير من المفكرين والعلماء يعتقدون إن المنطق الأرسطي وقواعده الفكرية قد غادرت الذهنية العلمية البشرية منذ ما يزيد على النصف قرن ، إلا إن هذا المنطق لا يزال مستبطنا ً في مناهجنا العلمية خصوصا ً وهي لم تزل تعتمد على البناء اللغوي كثيراً ، والمنطق الأرسطي أساس علم الكلام الإسلامي والمدرسي المسيحي هو المنهج الفكري السائد لدى عامة الناس ، وهو المنهج الباطني الخفي لدى النخب العلمية ، التي تصطبغ بالمنهج التجريبي القائم على المنطق الإحصائي المتدرج القابل لوجود حدٍ ثالث محايد في القضايا الفكرية ، لكن ، الدوافع الباطنية للتفكير لم تزل تعتمد مبدأ : صفر واحد ، خير وشر ، نور وظلام ، صح وخطأ ..... إلخ .. ، حيث لا وجود للحدود الوسط بالتالي ، فإن العقلانية المعاصرة مهما تنوعت مدارسها و إتجاهاتها الفكرية ، فإن الإنسانية برمتها تكاد تتفق على الأساس الأرسطي للتفكير اللاواعي لعموم البشر على سطح الكوكب .. و اللاوعي ... هو الدافع الأساس والحقيقي المحرك لكل أفكارنا ، وهو عماد برمجة العقل الإنساني ، هذه البرمجة القائمة حاليا على قاعدة " أبيض أسود " أو " صفر واحد " هي نفس البرمجة التي قام العقل البشري ببرمجة الحواسيب بها ....! هل من الصدفة يا ترى أن تقوم برمجة الحاسوب بنفس المبدأ : الوجود والعدم ..... 1 & 0 .... ؟! إن هذا المنطق الأساسي في فلسفة الرياضيات والبرمجة الحاسوبية هو نفس منطق العقلانية العام وإن حاولت العقلانية المعاصرة التمظهر بغير ذلك ، فالدوافع الباطنية الحدية تبقى هي القائد للفكر ، والذي يتوجه من حيث لا يدري من الصفر إلى الواحد وبالعكس ... وإن بدا من مناهج الإستدلال المعرفي الأكاديمية المختلفة بأن العقل تقوده المعادلات والبيانات الإحصائية ، وهو العقل الجمعي العام ، لكن تبقى الميول الفردية مدفوعة ببواطنها المبرمجة ( إجتماعيا ً ) وفق المنطق الأرسطي ، فهل ستشهد الإنسانية نقطة تحول " ما بعد عقلانيــة " ينتقل فيها لاوعي العقل الفردي إلى برمجة عقلانية باطنية تخالف الأرسطية ... بمعنى التحول من منطق الأبيض أسود الإجتماعي العام إلى منطق ( موجب سالب متعادل ) المستوحى من طبيعة البناء الذري للمادة كما كشفتها الفيزياء المعاصرة ... ؟ جواب هذا التساؤل مناط بمعرفة طبيعة هذا التحول " الما بعد العقلاني " ، هذه الطبيعة يمكن إدراكها من خلال متابعة طبيعة البناء الطبيعي القائم على البرمجة الإحصائية ثلاثية الحدود للعالم تحت الذري وليس البرمجة الحدية ثنائية الحدود للعالم الطبيعي المدرك بالحواس " عالم النور والظلمة " ، ما يعني ، إن الإنسانية برمتها مقبلة على شوط " ثالث " من التحول الفكري و البرمجي لطبيعة وخواص التفكير الفردي ، هذا التحول يتطلب في أهم شروطه التخلي عن الإنغماس في العالم الحسي ( عالم النور والظلام ) أثناء التفكير ، والدخول في عالم آخر من الوعي ، حالة ربما لم نألفها بعد ....!
الإرتقاء العقلي ... إعادة بناء أغوار اللاوعي الفردي وصناعة حضارة فكرية جديدة .... وعالم ٍ جديد
يكره وعينا الحضاري المعاصر تقبل فكرة إن العقل الإنساني يتطور إلى مالا نهايــة ، لهذا السبب نبحث دائما ً عن " النهايــة " و " اليوم الأخير " ، حالة من الإرهاق المعنوي تلك التي تصاحب تفكيرنا بالإمتداد المتواصل نحو المجهول ، ولعل هذه الخاصية ، البحث عن هدف أخير ، التوجه إلى غاية ، هي ما يؤثر على باطن الوعي الفردي العام بجعله يتعامل مع وقائع الحياة بهذه الثنائية .... السعادة وتقترن بالغاية والشقاء كسبيل للوصول لهذه الغاية ، ولهذا السبب ، فإن مسار المعرفة والعلم مهما بلغ من ذرى فإن أساس التفكير اللاواعي يبقى مقرونا ً بهذه الثنائية البرمجية في التفكير ، وهي ثنائية مستوحاة من العالم الحسي ثلاثي الأبعاد ، ولكي يتحول العقل إلى القفزة الجبارة " التاريخية " يلزم أن تتحول برمجة اللاوعي إلى الثلاثية الكونية الطبيعية ( موجب سالب متعادل ) ، وهي ثلاثية متحولة عن الثنائية ( صفر واحد ) أو ( نور ظلام ) ، فالحد الموجب يوازي النور ، والحد السالب يوازي الظلام ، أما الحد الثالث فهو الثالث المرفوع المحرم في المنطق الأرسطي ، لكن بالإمكان إستنباطه من الثنائية نفسها بدمج النور والظلام معاً .... الصفر والواحد .... الوجود والعدم ... الخير والشر ... الأرض والسماء ...!؟ بمعنى إن المنطق الطبيعي القائم على الثلاثية حالة عامة ... فيما منطق الثنائية حالة جزئية من المنطق الثلاثي ، فليس هناك تناقض بين المنطقين وإنما إختلاف في المرتبة ، حيث إن منطق الثنائية هو لغة العالم الحسي البسيط ثلاثي الأبعاد ، أما منطق الثلاثية فهو لغة العالم الباطني اللاواعي رباعي الأبعاد ( عالم الفضا – زمن ) .. كما سنأتي على إثبات هذا لاحقاً ... وهذا إنما يؤكد حقيقة إن العقل الفردي مقبل على مرحلة جديدة ( ثلاثية ) متحولة عن الثنائية الأرسطية ، هذه المرحلة تمثل قبول " التناقض " بين النور والظلمة في هوية ثالثة تجمع النور والظلام معاً ، تجمع الخير والشر معاً ، تجمع الوجود مع الفناء معاً .... !
قد لا يكون مفاجئا ً أن نعرف إن الفلسفة الزردشتية ( فلسفة شرقية فارسية ) القديمة كانت تؤمن بمنطق تضاد النور مع الظلمة ، لكن الملفت للنظر هو إن الفلسفة الطاوية تبنت في مراحل متأخرة من نموها و بوضوح صياغة ثالثة جامعة للنور والظلام معاً ، للخير والشر ، للمذكر والمؤنث ... بأيقونة الين الأسود و اليانج الأبيض وهما يدوران حول بعضهما لتكوين دائرة جامعة لكليهما
ليس بالأمر البسيط أن نتصور إن عالمنا المعرفي بما فيه من فلسفة وعلم وثقافة قامت البشرية بإنتاجهــا عبر التأريخ بمنطق ( صفر واحد ) من الممكن أن تتحول فجأة إلى إستعمال منطق باطني جديد للعقل الفردي .. * ، لأن هذا التحول يتطلب منا التخلي عن كل التأريخ ... وكل مفاهيم الحضارة ... وحتى العلوم ... ، حيث لا بد بعد ذلك أن نعيد صياغة أفكارنا بطريقة ٍ مختلفة ، وأن نعيد تأسيس وعينا وثقافتنا بمناهج معرفية وفلسفية وعلمية مختلفة نوعــاً ما ..! ومجرد نظرة عابرة لواقع الثقافة الغربية المتجذرة عن اليونان ورغم تأثرها بثقافات الشرق المختلفة ، لكن قوامها الأساس هو ( الصفر واحد ) ، وحضارة اليوم هي حضارة ٌ غربية الفكر وأسلوب الحياة ، فكيف يمكن إفتراض هذا التحول ... الذي يمكن أن يجعل الإنسانية تقتنع بجدوى الإنتقال إلى واقع ٍ حضاري جديد مؤسس بوعي معرفي وثقافي جديد ....!؟ الذي نعرفــه إن واقع الإرتقاء التأريخي العقلي هو واقع خطي ، متقدم الخطوات بأطراد ، وبما إن المنطق اللاواعي العقلي القديم قد أستهلك وبلى إلى درجة العقم في كافة الميادين ، فضلاً عن إن واقع الإرتقاء الحيوي و الإجتماعي يجعلنا نرى إن من المحتوم أن تنتقل الإنسانية من شوط " صفر واحد " إلى شوط ٍ جديد أكثر ديناميكية وحيوية من منطق الثبات والسكون الأرسطي المستبطن في اللاوعي ، لذا فإن المسألة وقت لا أكثر كي ينتقل العقل البشري إلى نقلة نوعية تأريخية جديدة تعادل ظهور الفلسفة قبل ثلاثة آلاف سنــة ..!
و السؤآل الآن هو :
كيف يمكن أن نتصور الظروف أو طبيعة الواقع الذي سيجري فيه تحول العقل الإنساني إلى مرحلة ما بعد العقلانية الحسية الغربية ... إلى عقلانية معرفية خالصة مجردة عن الحواس ..؟
كم ستعاني الإنسانية يا ترى ... وكم هو الثمن الباهض الذي عليها أن تدفعه كي تتخلى عن عالم الوقائع الحسي ... لتدخل في عالم الباطن المجرد .. رباعي الأبعاد .. !؟ فحقيقة إن التخلي عن العقل المتأثر بالحواس تتطلب تغييرات نفسية جوهرية تساعد النفس على السكون والطمأنينة وبالتالي الإرتقاء والتسامي عن هذا العالم ، وهذا لن يحدث بسهولة ما لم تعصف بالبشرية أزمات خانقة تفسح المجال أمام هكذا تحولات جذرية إجتماعية – نفسية .
ما بعد العقل الغربي ... الدخول في عصر الشرق الجديـــــد
وربما ليس من الصدفة أن تكون الديانة الطاوية في الصين وكذلك البوذية والهندوسية في عموم الشرق هي ديانات الطمأنينة والصفاء .. خصوصاً الطاوية الداعية إلى العودة للطبيعة ** .. أو يكون فيها تثليث ، فطاو هو العقل الأول، انبثق من واحد، ومنه انبثق ثالث كان مصدر كل شيء*** . وهي مؤشرات على إن منطق الطبيعة ، الذي بني منه العالم تحت الذري كما تعرفه الفيزياء ، هو منطق ( ما بعد عقلي ) ، وإن التوسع في دراسة فلسفة الطاو ظرورية لفهم الصورة النهائية التي سيكون عليه التحول إلى مرحلة قادمة من التعقل في نفس الوقت سنتمكن من توضيح مبادئ وفلسفة الطبيعة الخالصة ما بعد الحسية .. وفيما يبدو ، فإن الإنغلاق الذي تعانيه الحضارة الصينية بصورة عامة ، والعزلة التي يحيط بها أتباع الطاوية أنفسهم خاصة ستخرج يوماً ما عن إحتباسها ، وستقوم بتأسيس نظرية معرفية شرقية جديدة .. من شأنها أن تنقل البشرية إلى حقبة جديدة من الفلسفة ما بعد الحسية ، ما بعد العقلية ، كما فعلت اليونان قبل ثلاثة آلاف عام ٍ تقريباً ..! وعلى العكس من الفلسفة والنزعة اليونانية – الرومانية القائمة على الحسية و الفردانية وما نتج عنها من فلسفة وفضول معرفي وديمقراطية ، فإن منطق الشرق الجديد ، وفلسفته القديمة - الجديدة ستقود إلى " كلانية " جمعية ، تذوب فيها الــ" أنا " في الــ" نحن " الجامعة الكلية ، و بإعتقادي الشخصي فإن هذه الفلسفة لن تضع حداً فاصلاً بين ما هو شرقي وما هو غربي كما فعلت الثقافة الغربية القائمة على الــ" أنا " وإنما ستعيد بناء العالم والحضارة والوعي الإنساني بنظم مدمجة بين ما هو شرقي وما هو غربي في تحصيل ثالث بين الشرق والغرب حسب قاعدة صيرورة الين و اليانج ...! مع ذلك ، فلن نتفاءل كثيراً ، هناك ضريبة باهضة جداً على الإنسانية دفعها قبل الإرتقاء مرتبة في اللاوعي الذي يبرمج الفكر الإنساني نحو وعي وسلوك أكثر تطوراً من وعينا وسلوكنا المعاصر ... فحسب نظريات التطور الحياتي المختلفة ، فإن الأسماك على سبيل المثال ، والتي تتنفس الأوكسجين المذاب في المياه لم تتحول عبر ملايين السنين في البحار إلى برمائيات تتنفس الهواء الجوي من تلقاء نفسها لولا ضغط الظروف الطبيعية التي قل فيها منسوب الأوكسجين المذاب في الماء ، خصوصا مياه البحيرات والمستنقعات المغلقة ما أدى بتوالي حقب طويلة من تاريخ الشقاء الذي عانته تلك المخلوقات إلى حدوث طفرات إرتقائية مكنت مخلوقات ٍ جديدة من نسلها من تنفس الهواء الجوي والتحول إلى زواحف أرضية ، وتوالي المعاناة في صعود ٍ خطي أفضى إلى ظهور القوائم الأربعة ... ثم الجناحين والرجلين لدى الطيور من جهة ، وظهور الشعور والوعي والعقل لدى الإنسان من جهة ٍ أخرى .. وقصدنا من هذا التمثيل إبراز أهم عوامل التطور و الإرتقاء الطبيعي في المخلوقات ، ومنها الإنسان الذي لولا حاجته ومعاناته لما تمكن من بناء الحضارة وتطويرها بإستمرار ، خصوصا ً معاناته جراء الحروب والكوارث التي تلم بالإنسانية ، وليس خافيا ً ما للحربين العالميتين الأولى و الثانية من فضل في حدوث قفزات تكنولوجية هائلة كظهور الطائرات و الرادار واللاسلكي والعلوم النووية والإلكترونيات ، ولا نستبعد إن كارثـــة ً كبرى تنتظر البشريـــة .. لا لشيء ... إلا لأجل أن ترتقي فوق مستوى العقل الحسي الحالي ، وتدخل في عصر جديد من التعقل والفكر والحضارة كما تحولت الأسماك من العيش في المياه إلى اليابس فكانت زواحف ، أو تحول الديناصورات إلى طيور ... ، وبرأيي الشخصي ، فإن الطبيعة نفسها وحسب فلسفات الشرق المختلفة ليست عمياء جامدة كما يفهمها العلم الحديث والفلسفة اليونانية القديمة ، وإنما هي " واعية " و " حية " و " ذكية " .. ستقوم " هي " بدفع البشرية نحو مخاض حرب ٍ كونية نووية كبرى .. لا لشيء ... إلا إيصال الإنسانية إلى مرحلة من النفور و الإبتعاد عن كل ما هو " حسي " بعد الشقاء والويلات التي تنتظرنا في آفاق المستقبل، هذا النفور هو الذي سيتيح للعقل الجمعي العام تغيير البرمجة الفردية الأرسطية - العقلانية ، خصوصا ً وإن " القدر " حافظ على الصين كقوة كونية تأريخية وحولها مطلع القرن الحادي والعشرين إلى دولة عظمى بدأت تأخذ مكانة َ الولايات المتحدة تدريجيا ً ، والصين والدول الشرقية الأخرى التابعة لها ثقافياً مثل كوريا واليابان تمتاز البنى الإجتماعية فيها بذوبان الحسية والنزعة الفردية Personality"" في " كلانية holism " تتيح للعقل و اللاوعي تعلم أنماط جديدة من التفكير أكثر تفوقاً من التفكير العصري السائد هذه الأيام ، و علائم هذا التفوق في دول الشرق الأقصى والصين بدت واضحة منذ الربع الأخير من القرن الماضي وقد أدهشت الغربيين كثيراً ...! ولعل الطبيعة ، أو " العقل الكوني " الذكي قد رسم خطة التحول نحو العقلانية الشرقية بعناية ، وفرضها كخطوات حتمية متدرجة ، إبتداءاً من نهضة اليابان و إنتهاءاً بتعملق الصين على كافة الصعد من جهة ، أما من جهة ثانية ، فزوال الإمبراطورية البريطانية وتحول مركزية العالم الإقتصادية إلى أميركا في القرن العشرين ومن ثم بدء العد التنازلي للإنهيار الإقتصادي العاصف للولايات المتحدة اليوم إنما ينذر بإقتراب العالم القديم ( حضارة الغرب ) من نهايته والإيذان بولادة عالم ٍ جديد شرقي الحضارة بقيادة الصين والمنظومة الآسيوية ..****
كل الدلائل تشير إلى إن هذه الولادة حتمية ، وكلها تشير إلى ظرورة وجود " عاصفة " تهز وجدان الإنسانية كي يـُـضمن التحول إلى مرحلة " ما بعد العقلانية " ، فتولي الشرق الزعامة لن يكون كونياً شاملاً مالم تحدث مخاضات عنيفة تخرج الإنسانية من سجن الإطار الفكري الكلاسيكي الحالي إلى فضاء أرحب و ارقى من الوعي والثقافة وبالتالي تصنع للإنسانية حضارة متقدمة جديدة لا يمكن حتى مقارنتها بالحضارة الحالية من ناحية التطور ...! فالتحول لن يتم بدون " شقاء ٍ " عظيم ، وأرجح الظن إن هذا الشقاء هو حرب ٌ نوويــة عالمية ٌ كبرى تأكل الأخضر واليابس تنطبع في ضمير الإنسانية و تترسخ ماثلة في التأريخ البشري كمثول الطوفان العظيم في نقوش الحضارات القديمة والذي عرف فيما بعد بطوفان نوح ... ! فذلك الطوفان ، والذي روت عنه أقدم الأساطير التي تعود لستة آلاف سنة ٍ مضت في العراق ، وكذلك روته أغلب أساطير الشعوب القديمة في الشرق والغرب ، إنما كان مخاضاً تحولياً سابقاً في الوعي والثقافة الإنسانية ، ربما نكون فقدنا أثره وماهية تحولاته ، لكن ما يمكن تأكيده إنه حدث بفعل خطة مرسومة من قبل " العقل الكوني " أو " الكل الحي " حسب الثقافات والديانات الشرقية ، وما سيجري قريباً من تحول لابد أن يأتي بتأثير صدمة عنيفة جداً تشابه ما رواه الأقدمون عن الطوفان ، وقد روت إحدى أساطير الهنود الحمر بان الكارثة المقبلة ستكون طوفاناً " ناريا ً " يملأ الأرض .. ! ومع الأسف ، فإن الحرب النووية تكاد أن تكون محتومة ، وفي كل الأحوال ، لن تزول الإنسانية وإنما تنتقل إلى مرحلة جديدة نحاول في الفصول القادمة أن نرسم أهم ملامحها الفكرية والفلسفية في ضوء متابعة مسار التطور الفكري وصولاً للمستقبل الشرقي معتمدين على تحليل واقع الثقافة الإجتماعية الشرقية في ضوء التغييرات الدراماتيكية الهائلة في السياسة الدولية .
هوامش الفصل الأول :
• { من خلال متابعة فصول الكتاب سنعرف إن المنطق الرياضـــــي البرمجي الجديد هـــــــو ( صفر ، موجب واحد ، سالب واحد ) وهو منطق الرمزية الصورية ، الحقبة المقبلة من أشواط التحول الثقافي } • Encyclopedia Britannica, 1968, 17.P. 1034 – 1054 • Doane : Bible Myths and Their Parallels in other religion. P. 172 • هذه التحولات سنقرأها برؤية مستقبلية في الفصل القادم : ماذا بعد أميركا ؟
#وليد_مهدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أميركا .. و كلمة الوداع الأخير
-
بين يدي الله .... في ذكرى تسونامي آسيا
-
المعرفة النفسية العربية ... الفلسفة والمنهج
-
إغتيال تموز ... إغتيال ٌ للأمة ، في ذكرى الثامن من شباط الأل
...
-
الشرق والغرب .. بين الثقافة والسياسة
-
وجهة نظر في : جغرافيّة الفكر لريتشارد نيسيت ، ورسالة إلى الل
...
-
المعرفة ُ الشرقية (1)
-
المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((4))
-
المعرفة ُ في الشرق ...هل لها مستقبل ؟ ((3))
-
المعرفة ُ في الشرق ... هل لها مستقبل ؟ ((2))
-
المعرفة ُ في الشرق ....... هل لها مستقبل ؟ ((1))
-
النظرية ُ الإسلامية ِ...سوء ُ تطبيق ٍ ..أم سوءُ تخطيطٍ رباني
...
-
المجتمع كما رآه الرسول محمد....العلاقة بين الديمقراطية والعل
...
-
صراع الحضارات ، حوار الحضارات، مستقبل الحضارات، هذا العالم..
...
-
الدخول إلى فضاءات النفس الداخلية وفق الطريقة البابلية
-
محاكمة صدام....ام محاكمة التاريخ ؟ للمرادي والبعثيين الجدد ب
...
-
مرثية ُ بغدادَ لبابل
-
سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر
...
-
في الطريق الى عقيدة ليبرالية عربية ج1
-
سيكولوجية التفكير لدى الفرد البابلي وعلاقتها بالعالم المعاصر
...
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|