أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - من مبطلات الصيام: تقرير الحريات الدينية















المزيد.....

من مبطلات الصيام: تقرير الحريات الدينية


سعد هجرس

الحوار المتمدن-العدد: 2430 - 2008 / 10 / 10 - 09:58
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


منذ عشر سنوات يتكرر نفس السيناريو بصورة رتيبة ومملة في نفس الوعد وبنفس الكلمات تقريباً.
ففي هذا التوقيت تصدر وزارة الخارجية الأمريكية تقريرها السنوي حول الحريات الدنية في العالم.
وفي هذا التقرير ــ الذي تنتحل به الإدارة الأمريكية صفة رجل الشرطة للعالم بأسره وصفة الوصي علي كل المجتمعات وكل الدول في جميع القارات ومختلف الثقافات ــ دأبت الخارجية الأمريكية علي وضع مصر ضمن »القائمة السوداء« التي تضم الدول المتهمة بتقييد الحريات الدينية »من وجهة نظر واشنطن طبعاً«.
ورداً علي هذا الاتهام »السنوي« دأبت الحكومة علي نفي هذه الادعاءات الأمريكية، وتوجيه اتهام مضاد لها باعتبارها تدخلاً في الشئون الداخلية المصرية يستند إلي تقارير منحازة وغير موضوعية »من وجهة نظر الحكومة المصرية طبعاً«.
بينما تشن نفس الأقلام حملتها الموسمية التي تندد فيها بالاستقواء بالخارج من ناحية، كما تندد من ناحية أخري بازدواجية المعايير الأمريكية التي تكيل بمكيالين وتستخدم الدين كورقة سياسية تشهرها ضد من تشاء عندما تكون لها مصلحة في ذلك، بينما حقيقة الأمر أن الإدارة الأمريكية لا تهمها الديمقراطية أو حقوق الإنسان أو الحرية الدينية من قريب أو بعيد بدليل مساندة هذه الإدارة لأنظمة دكتاتورية متعددة، وانتهاكها هي ذاتها لحقوق الإنسان علي النحو الذي نري نموذجاً صارخاً له في قضية سجن أبو غريب وجرائم الحرب التي ترتكبها قوات الاحتلال الأمريكية بالعراق وأفغانستان.
الجديد ــ نسبياً ــ هذه المرة، مع ثبات الملامح الرئيسية للسيناريو ذاته، هو ملاحظة تقرير للزميل عمرو عبدالحميد مراسل هيئة الإذاعة البريطانية بالقاهرة أن »الحيثيات التي بني عليها التقرير اتهامه للحكومة المصرية تجد قبولاً لدي قوي إسلامية ومسيحية علي حد سواء«.
فمن ناحية نجد الداعية المعروف الشيخ يوسف البدري يقول »في مصر تقييد لكل الحريات، بما في ذلك الحريات الدينية فالسلطة تمنعني من الخطابة، ولست وحدي في هذا الأمر، كما أن خطباء الجمعة ممنوعون من التطرق لقضايا معينة، بل يفرضون عليهم موضوعات محددة لا يخرجون عنها«.
ومن ناحية ثانية يقول الناشط المسيحي وأحد مستشاري الكنيسة الأرثوذكسية، نجيب جبرائيل، إن الأقباط »يعيشون مهمشين، كمواطنين من الدرجة الثانية.. وما جاء في التقرير الأمريكي مطابقا تماماً للواقع.. بل هناك الكثير مما لم يشمله التقرير.. فهل يعقل أن يرفض قاض في محكمة مدنية شهادة مسيحي في قضية عادية، لا شيء سوي لأنه مسيحي؟ وهل يجوز إجبار أبناء المسيحي الذي اعتنق الإسلام علي أن يصبحوا مسلمين أيضاً كأبيهم؟ إنها أمثلة بسيطة علي ما يجري من تمييز للمسيحيين«.
وهذا معناه ــ وفقاً لما يقوله الشيخ يوسف البدري ــ أن المسلمين مضطهدون، وأن المسيحيين ــ وفقاً لما يقوله المستشار نجيب جبرائيل ــ مضطهدون.. الأمر الذي يعطي صورة كاريكاتورية عن الوضع في مصر، حيث يختلط الحابل بالنابل لدرجة تربك أي مراقب خارجي وتجعله لا يعرف من يضطهد من؟
ونحن لسنا في حاجة إلي تقرير أمريكي أو من أي جنسية أخري لنضع أيدينا علي تشخيص صحيح لحالة الحريات الدينية في مصر وتحديد مشاكلها الأساسية ووضع روشتة لحلها وعلاجها، بل إن هذا هو واجب الجماعة الوطنية بالدرجة الأولي.. وأن تقاعسنا ــ في الداخل ــ عن القيام بهذا الواجب هو الذي يعطي الفرصة لأن يتنطع »الخارج« علي شئوننا الداخلية.
ورغم اشمئزازنا من التقرير الأمريكي، ورفضنا من الأساس لأن تنصب وزارة الخارجية الأمريكية نفسها »واعظاً« للبشرية بأسرها دون مبرر أو مسوغ، فإننا يجب أن نعترف بأن الحريات الدينية في مصر ليست علي ما يرام.
فهناك ــ بالفعل ــ هالة من التعصب والتزمت تجتاح مصر بصورة لم يسبق لها مثيل، وبشكل يتنافي مع تراث مصر من التسامح الديني.
وهناك ــ بالفعل ــ تراجع متزايد للروح »الوطنية« والرابطة الوطنية المصرية الجامعة لصالح تغلغل متصاعد للروح »الطائفية«.
وهناك ــ بالفعل ــ عدوان سافر علي حرية العقيدة رغم أن الدستور ينص صراحة علي أن هذه الحرية مكفولة لجميع المصريين.
وهناك ــ بالفعل ــ صور سخيفة لأشكال متعددة من التمييز، من بينها التمييز الديني.
وهناك ــ بالفعل ــ آليات لتكريس هذا التمييز وصلت إلي بعض المؤسسات الاستراتيجية التي يفترض فيها أنها بوتقة الانصهار التي تتشكل فيها الهوية المصرية فإذا بها تتحول إلي مرتع للفرز الطائف، وفي مقدمة هذه المؤسسات المدرسة ودار الحضانة للأسف الشديد.
إزاء هذه الأوضاع السلبية لا يكفي تبويس اللحي وعناق شيخ لقسيس أمام كاميرات الصحافة والتليفزيون واجترار الشعارات التي تتغني بوحدة الهلال مع الصليب.
كما لا تكفي استراتيجية »المصاطب« والمجالس العرفية التي تنعقد كلما اندلعت أزمة تهدد باشتعال حريق في ثوب الوحدة الوطنية.
المطلوب بالأحري مواجهة شاملة وجادة تبدأ بالاعتراف بأن هناك مشكلة وأن هذه المشكلة تغذيها عوامل داخلية في الأساس رغم أن هناك أطرافا خارجية تحاول الاستفادة منها وتتحين الفرصة لصب الزيت علي النار تطبيقا للاستراتيجية الاستعمارية الخالدة فرق.. تسد.
هذا الاعتراف الذي هو نقيض لسياسة الإنكار التي تتبناها معظم الأطراف هو المقدمة لوضع استراتيجية شاملة فكرية وثقافية وتشريعية واجتماعية وتربوية لهذه القضية المتشابكة والمعقدة التي يحلو للبعض أن يتعامل معها كمجرد ملف أمني فقط.
وبطبيعة الحال فإن مثل هذه الاستراتيجية يجب أن تنطلق من الانحياز إلي الحرية عموما والحرية الدينية إحدي صورها بالطبع والانحياز إلي تعزيز مبدأ المواطنة بالفعل وليس بالقول فقط والانحياز إلي تكريس فكرة الدولة المدنية الحديثة القائمة علي احترام القانون وعدم خلط السياسة بالدين أو تديين السياسة أو تسييس الدين.
ولأن هذه العملية الثقافية التي تستهدف إعادة الاعتبار إلي فكرة المواطنة والدولة المدنية الحديثة لن تتم في يوم وليلة بل إنها ستكون علي الأرجح معركة طويلة وشرسة ضد تراكمات من التعصب الأعمي من الجانبين والشكوك المتبادلة والتغلغل المتزايد للروح الطائفية التي أصبح لها أنياب وأظافر ومؤسسات اقتصادية ومنابر ثقافية بل وصحف وقنوات تليفزيونية فضائية فإن نزع فتيل الاحتقان الذي يجب أن يتم بأقصي سرعة واليوم قبل الغد يقتضي العمل الجماعي لكل الوطنيين الحريصين علي هذا البلد من أجل أمرين عاجلين:
الأمر الأول: هو إصدار تشريع ديمقراطي لبناء دور العبادة بحل مشكلة بناء دور العبادة لغير المسلمين، بخاصة للكنائس ويجعل الإباحة هي الأصل فلا معني لأن يتحمل النظام الحالي وزر الخط الهمايوني أو لائحة العزبي باشا التي تقيد هذا الحق بصورة غير منطقية تتنافي مع متطلبات حرية العقيدة وحرية ممارسة الشعائر الدينية.
الأمر الثاني هو إصدار قانون ديمقراطي لمناهضة التمييز بكل أشكاله وفي مقدمتها التمييز الديني، بحيث يتم عزل الموظف العمومي من منصبه إذا مارس هذا التمييز ضد أي مواطن، سواء في شغل الوظائف أو غير ذلك حيث يجب أن تكون الكفاءة هي الفيصل بصرف النظر عن الدين أو الجنس أو اللون أو الانتماء الجغرافي.
وانطلاقا من هاتين الركيزتين يمكن ويجب أن بدء معركة فكرية وثقافية وتربوية ناجحة ضد خفافيش الظلام وأولئك الذين يتربحون من وظيفة تسميم آبار الوحدة الوطنية والذين أصبح لكل منهم في المعسكرات الخارجية هنا وهناك ولا عجب في أن هذه الأطراف الخارجية الإقليمية والدولية تختلف في أشكالها وفي اللغات التي تتحدث بها ولكنها تتفق علي هدف شديد واحد هو تفكيك وحدة مصر.
وينسي هؤلاء أن تجربة احتلال العراق كانت درسا داميا للمتطرفين من الجانبين.
فالعراقيون المسلمون الذين لجأوا إلي الإدارة الأمريكية وركبوا دبابات جيش الاحتلال الأمريكي متصورين أنه جيش الخلاص سرعان ما اكتشفوا أن عراق أمريكا تحول إلي ساحة لتأليب المسلمين علي بعضهم البعض سنة وشيعة أصبحوا جميعا غارقين في بحار من الدم.
أما أولئك الذين مازالوا يتوهمون أن أمريكا يمكن أن تحمي المسيحيين العرب عليهم أن يتأملوا خارطة العراق حيث أصبحت خالية تماما من المسيحيين العراقيين بعد أن احتل الأمريكيون العراق فرأي المسيحيون العراقيون اضطهادا لم يشهدوه في حياتهم فاضطروا إلي ترك وطنهم إلي المنفي!
ولا أحد مازالت لديه ذرة من عقل أو وطنية يمكن أن يقبل لمصر مثل هذا المصير... لا قدر الله. فهل نتعلم؟



#سعد_هجرس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أشواك فى طريق حب الوطن
- اعتذار.. وباقة ورد.. للدكتور إبراهيم سعد الدين
- الدولة تسحب استقالتها!
- تخاريف صيام!
- تضميد جراح الدويقة .. -حين ميسرة-!
- تقرير درويش: الحكومة ضد الحكومة -2-2-
- رثاء للدويقة.. بقلم أحمد بهاء الدين!
- اختراعات مصرية: الحكومة ضد الحكومة!
- مصر الأخرى!
- مبروك للدمايطة.. على الانتصار فى نصف المعركة
- من يستحق التعويض .. -أجريوم- أم -دمياط-؟!
- تسليم وتسلم!
- إحرقوا كتب الفلسفة.. اليوم قبل الغد!!
- وثيقة مستقبل مصر «2»
- الجريمة... والعقاب
- تنويعات علي لحن المشروع الليبرالي (1)
- دبرنا يا وزير!
- وقفة احتجاجية.. من أجل البحث العلمي!
- دماء على رمال مرسى مطروح !
- هل استعار -الأخوان- شعار -الإسلام هو الحل- من أمريكا؟!


المزيد.....




- الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج ...
- روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب ...
- للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي ...
- ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
- الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك ...
- السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
- موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
- هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب ...
- سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو ...
- إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس ...


المزيد.....

- المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021 / غازي الصوراني
- المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020 / غازي الصوراني
- المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و ... / غازي الصوراني
- دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد ... / غازي الصوراني
- تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ / غنية ولهي- - - سمية حملاوي
- دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية / سعيد الوجاني
- ، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال ... / ياسر جابر الجمَّال
- الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية / خالد فارس
- دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني / فلاح أمين الرهيمي
- .سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية . / فريد العليبي .


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - سعد هجرس - من مبطلات الصيام: تقرير الحريات الدينية