صندوق الأنتخابات هي اللغة الأكثر حضـــاريه في التخاطب الجمعي للتعبير عن تطلعات الضمير العام قي قضية ما.وقد أخذت شـعوب عديده وأنظمه مختلفة بهذا المبدأ,فحققت توازنا أجتماعيا ذو معطيات تكامليه,مرسيتا قواعد قبـول الأخر وعدم ألغاءه التي تؤطر النتائج التي يتمخض عنها صندوق الأنتخاب.أن صندوق الأنتخاب
الكفيل الوحيد بأشاعة ثوابت ثقافة عدم التناحر في سيرورة أمة ما,لتخلد تلك الأمة أو ذلك الشعب الى الوئام المتصالح,لا التصارع المتناحر.
ولكن هل يسقط صندوق الأنتخاب من السماء,فيقبل عليه الناس هكذا دون معرفة أوليه بماهيته؟أو انه نتاج مخاض فكري وأجتماعي وثقافي؟
الحاصل لحد الأن ان صندوق الأنتخاب وفي سياق التجربه الأنسانية,هو نتيجه لنشاط
آدمي أمتد لآماد طويله,مارا بكل أصناف النجاح والفشل,الى أن تبلور على ما هوعليه
الأن من شكل وآلية تعملان على تجميد التناحر الذي يؤدي الى الألغاء,ويصون فـي
ذات الوقت حرمة الأختلاف التي دعت الى الأحتكام الى ذلك الصندوق. فعندما يدار
الصراع من قبل الصندوق الأنتخابي,تتنظم الروافد الأجتماعية,وتستوي الأرضية التي
يقف عليها المجتمع الذي أنتج بنشاطه العام ذلك النوع من الآلية التي هي الصندوق
الأنتخابي.
أذا فالعملية الأنتخابية هي نشاط وجداني آدمي,وليست بنشاط أفتراضي,قادم من خارج
منظمومة النشاطات الأنسانية.وتقوم تلك العمليةعلى ركيزتين أساسيتين,الديمقراطيـه
والحريه.وهاتان الخصيصتان يوفرهما ويفرخهما أيضا النشاط الأجتماعي الأنسـاني.
أذ أن أنسنة هذه الخصائص وغيرها,يجعل من لغة التفاوض الأجتماعي,التي هــي
الأنتخاب,لغة سهلة الفهم وتستمد ديمومتها من ذلك القبول العام,الذي يشرعن قانونا.
ولكن قبل كل شيءعلينا أن نقتنع قناعة مطلقة أن هذا النشاط أنما هو نشاط أخلاقـي
والذي يسميه علم الجمال بالأختيار الأخلاقي الذي ينتج عنه مفاضلة واعيةلمنهج مـا
أونهج بالسلوك,المقترن بالأرادة الأنسانية وسيان لوأتت النتيجه الذي يفرزها الصندوق مختلفة أو متفقة,لأنها في الأخير تعبير عن رأي غالبية رجحت خيارها الأخــلاقي
الذي يأخذ طابع القبول العام,وينســحب هذا الأختيار الأخلاقي على فردا وهو يقرر أمرا ما,أو مجموعة من الناس وهي تصوغ قواعد علاقاتها المتبادله(وهو ما نسميـه
بالقواعد العرفية) ,أو أن المجتمع برمته يسعى الى تغيير شامل لنظامه السياسـي من عدمه,اوتغيير دستور أمة ما أو الأبقاء عليه.أن كل هذا النشاط الأنساني يعكس مقدار الحرية الأخلاقية التي يتمتع بها ذلك المجتمع,على صعيد أفراده أوجماعاته على حد سواء.ولا نغفل أن هذا الأذعان الأجتماعي العام للأختيار الأخلاقي العــام مرتبط بالظرفيه المثالية المناسبه التي تحقق اهداف الأذعان العام,وبخلاف ذلك تنشأ كثر من حالات تصادم القيم السياسية والفكرية والأجتماعية المختلفه.
الى هنا ونحن لا نزال في في حوار باطنـــي ونظري,تمهيدا للوصول الى الحقل التطبيقي(صندوق الأقتراع) الذي يدنوا منه شعبنا العراقي في غده القريب,والــذي
يتمناه الناس صندوقا شفافا بكل المقاييس,لاكما ألفوه في زمن الدكتاتورية البائــدة,
صندوقا حديديا لا تخترقه الا الأوراق الأنتخابية المدموغة بكلمة "نعم لصدام". وحتى
لا يقال أن صداما,كان الحاكم الوحيد الذي مارس التضليل والتزوير في الظاهــرة الأنتخابية ,فأن ما كان يجري في الزمن الملكي في الظاهرة الأنتخابية,يئوول الــى
ذات النتيجه.فصندوقهم الأنتخابي رغم شفافيته,ما كان ينتج ألا الأسماء التي كانـت
تحضى برغبة الحاكم,أو المندوب السامي,أو السفير البريطاني.اما رغبة المواطن فقد
كانت ملغية عبر التزوير أو التهديد او الترغيب,بل بكل الوسائل التي تعرقل تحقيـق
الأذعان العام الحقيقي.أما في الفتره التي أعقبت ثورة 14 تموز/يوليوالخالده,فبالرغم
من العدد اليتيم التي جرت فيه ممارسة الصندوق الأنتخابي,وفي مواقع محدده ,تشمل
مؤسسات المجتمع المدني,ورغم وجود أرضية مناسبة لممارسة الأختيارات الأخلاقية
(صندوق الأقتراع),ألا انها تعرضت للكسر والعنف من قبل الشرائح الأجتماعية التي
لم تتخلق بأسس التفاوض الأيجابي الذي قامت عليه تلك الثورة الوطنية الديمقراطية,
والمتمثل بالجبهة الوطنية,وتحالف الجيش والشعب.أما الفترة التي تلت أنقلاب 8شباط
الأســـود عام 1963,والتي تشمل حكم الأخوين عبد السلام عارف وعبد الرحمن عارف,فلم توفر أي ظرف ولو بأدنى درجات النضج لأستعمال الصندوق الأنتخابي.
تلكم هي حيثيات الممارسة الأنتخابية التي درج العراقيون على ممارستها منذ تأسيس
الدولة العراقية الحديثة منذ العام 1920,أما قبل ذلك التأريخ فأن العراقيين كانـــوا
بلا هوية وطنية يتسمون بها,فالدولة العثمانية لم تعط مواطنيها الحق في ممـارسة أي
نوع من أنواع الأختيار,وعلى كل الصعد, وذلك بسبب من طبيعة نظامها السياســي الذي يعتمد السلطنة كسلطة مطلقة غير خاضعة للمسائلة,شأنها قي ذلك شـأن أغلب دول العالم في ممارستها للسلطة بأعتبار أن اصحاب السلطان من ملوك وسلــاطين
وأمراء وشيوخ,مصانون غير مسؤولين.أزعم أذا,أن قرابة الثمان عقود من تجربــة
العراقيين مع حق الأختيار,لم تكن ألا علاقة مشوهة,لم يتجلى للمواطن منها غيركونها
وسيلة لأضفاء الطابع الشرعي على ما يريده الحاكم , أو صاحب الأمتياز الذي يسعى
لتأمين مصلحتة عبر شرعية مغتصبة , جاءت من بطن صندوق أنتخابي مفاتيحه بيد
ذلك المستفيد,وهو الذي يؤشر ويدمغ ال"نعم"وال"لا" أو أية جمــلة تقتضيهـا ورقة الأنتخاب.
بالعودة الى الميدان التطبيقي لصندوق الأقتراع في العراق, يطرح الواقع نفسه بثقـل
كبير,فنراه واقع مثقل بعقديات مختلفه,لاتؤمن شروط انجاح العملية الأنتخابية ,وهـذه
العقديات تتمثل بالأحتلال وتركة مترهله من التشويه الأجتماعي والثقافي المتعمده كان النظام الكتاتوري الفاشي قد رسم لها ,لمواجهة حالات التغييرالمحتمله,تلك التي كانت قوى المعارضة تعمل على أنضاج ضروفها الذاتية والموضوعية ,وكذلك فقــدان السيطرة الكاملة على الوضع الأمني مما يتيح للذين يهمهم عدم أستقرار الأوضــاع الأمنية في العراق لمآرب مختلفه,سواء من بقايا ذيول النظام السابق,او من أولائـك
الذين تضخ بهم الحدود من تنظيمات أسلامية سلفية,كما لايمكن تناسي وجود اكثــر من ربع مجموع العراقيين قاطبة,مهجرين ومهاجرين خارج الحدود العراقية,لم ينظر في أمرهم , وفوق كل ذلك هناك الفوضىالتي لاتؤمن أي حد من الأجواء الصحية
المرتبطة بالعملية الأنتخابية النموذجية ,التي نطمح كعراقيين أن تتوفر لها كل أسباب
نجاحها, فكل ما يتأسس على صحيح تكون نتائجه صحيحه,والعكس صحيح.
وحتى نخرج من دائرة الحديث المفرغ,الذي يدعوا الى أجراء الأنتخابات,حتى قبل أو
قبيل تسليم السلطة الى العراقيين,ومبررهم, هو توفر الوعي الأنتخابي للعراقييـن.ان حقيقة توفر العراقيين على الوعي الأنتخابي قضية لايشكك احد بصدقيتها,ولكن النظر
الى الأمر من هذه الزاوية فقط ـرغم صحتهاـ هي رؤيا تفتقد الرويه,وهي رؤيا لا
ترى في الأمر غير الأنجازية,لأستباق الزمن,وهي رؤيا مشبعة بروح الوصـــاية المقيته التي أدمنها النظام البائد,والتي جلبت المآسي للناس.وهنا لابد من التأكيد على وجوب وجود ثلاث مقومات لأنجاح الظاهرة الأنتخابية,السياسية,الفنية والأمنية,فبعدم
توفر هذه المقومات,تواجه الأنتخابات ونتائجها أشكاليات لاتحقق نزاهتها ونجاحها.
تؤكد مؤشرات الأخبار المتداوله,بأن هناك حوار مستمر بين مؤيدي التريث ومخالفيه, سواء في الشارع العراقي ,أو بين أقطاب مجلس الحكم الأنتقالي , أثناء تداولياتــهم الدورية أو اليومية,وهذا يعني أن الأرادوية لايمكن أن تفرض شرعتها وأحتكامهـا, مهما كان موقعها,ومهما مارست من ضغوط,أو تضبيب للأجواء لتمرر رغباتها.
أن الظرفية التي يعيشها العراق تسمح للأرادات والأرادوية ان تفتل عضلاتها,لكــن
في نفس السياق,لاتسمح لها ذات الظرفية بالأستمرار بفتل العضلات الى ما لانهايه.