|
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني والسياسي (10) ؟
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2428 - 2008 / 10 / 8 - 09:33
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
رأينا ، في المقالات السابقة ، تبلور الحد الأدنى من الاقتناع بجدوى الفصل بين الديني/الدعوي وبين السياسي لدى غالبية أعضاء المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية . وستكون أمام الأطر مناسبات عديدة لاختبار مدى الاستعداد النفسي والفكري والسياسي لدى أعضاء الحزب في مختلف المواقع والأجهزة الحزبية لتنزيل قرار الفصل والتمييز بين المجالين على أرض الواقع . قد يبدو الأمر سهلا على مستوى الخطاب ، لكن الممارسة تظل محكومة بسلسلة من القناعات التي ترسخت على مدى عقود . ولعل الموقف الذي اتخذه الحزب من الدورية التي أصدرها المندوب العام لإدارة السجون في موضوع فرض الزي الرسمي على موظفات وموظفي السجون ، يعكس صعوبة انخراط الحزب في عملية الفصل والتمييز بين المجال الديني والمجال السياسي . إذ بالعودة إلى البلاغ الذي أصدره الحزب في الموضوع نقف على التالي : 1 ـ إن الحزب انخرط في صراع حول قضية ذات بعد ديني/دعوي وهي قضية حجاب الموظفات بالسجون . وكان الأولى بقيادة الحزب أن تنأى بنفسها عن الموضوع انسجاما مع أطروحة المؤتمر السادس وتترك المجال لحركة التوحيد والإصلاح بحكم طبيعتها الدعوية . 2 ـ إن تركيز بلاغ الأمانة العامة للحزب على البعد القانوني والدستوري من حيث ( استنكارها لهذا القرار الذي لا يستند إلى أي أساس قانوني ويتعارض بشكل واضح مع مقتضيات الدستور الذي ينص صراحة على ضمان حرية المواطنين في ممارسة شعائرهم ومعتقداتهم الدينية ) ، لا يخفي الاستغلال السياسي للديني . لأن الاهتمام بحجاب الموظفات بالسجون دون غيره من القضايا والمشاكل التي يعانيها السجناء وموظفو السجون يكرس النزعة الدينية المتحكمة في مواقف الحزب وقراراته بشكل عام ، سواء تعلق الأمر بالحجاب ، أو بالقروض الصغرى ، أو بالترخيص للأبناك "الإسلامية" ، أو بالسياحة الخ . 3 ـ إن إثارة الجانب المتعلق بحقوق الإنسان والحريات الشخصية في البلاغ إياه لا يراد به التأسيس لموقف جديد للحزب من ثقافة حقوق الإنسان وقيم المواطنة ، بقدر ما كان الهدف هو إبعاد شبهة استغلال الدين لأغراض سياسية . إذ لو كان الأمر كذلك ، لترك الحزب مسألة إثارة موضوع منع الحجاب على الموظفات بالسجون تتولاها هيئته الحقوقية . ودرءا للشبهة جاء البلاغ يشير إلى كون قرار المندوب العام لإدارة السجون "متعارض مع مبادئ الحريات الشخصية" دون الإشارة كونه"متعارض" مع أحكام الشريعة . إلا أن سياق البلاغ وأسباب نزوله يكرسان الموقف التقليدي للحزب الذي يجعل منه "المدافع" الوحيد عن الدين . إذن لا زالت مسألة الفصل أو التمييز بين المجال الديني/الدعوي والمجال السياسي عسيرة على الاستيعاب وعصية على التطبيق من طرف حزب العدالة والتنمية . ورغم كون أطروحة المؤتمر السادس تشيد بتجربة حزب العدالة والتنمية التركي في تعاطيه مع القضايا الأساسية بعيدا عن أي استغلال للدين ، فإن حزب العدالة المغربي يتعذر عليه تمثل تجربة نظيره التركي لأسباب ثقافية/إيديولوجية وعقائدية . فحزب العدالة والتنمية المغربي ينهل عقائده من التراث الإيديولوجي الذي أنتجه منظرو الأصولية الإسلامية أو الإسلام السياسي أمثال المودودي وقطب والبنا . إن هذا التراث هو الذي يخلق قناعة لدى تيار الإسلام السياسي بمختلف فصائله بأن الهوية الإسلامية مغايرة لبقية الهويات ومتناقضة معها ، مما يجعل الحفاظ على صفائها أمرا مفروضا شرعا . ومن ثم يصير التعامل والتفاعل مع باقي الهويات الثقافية والدينية المغايرة "ولاء" مذموما ومنهيا عنه . إذ الولاء لا يكون إلا لنفس الهوية . والعلاقة بين الهوية الإسلامية والهويات الأخرى علاقة تنافر وصراع . وبمقتضى هذه القناعة الهوياتية ، ينظر الإسلاميون ، وضمنهم حزب العدالة والتنمية ، إلى المواطنين المتشبعين بثقافة الغرب نظرة توجس تسوغ الاتهام الصريح أو الضمني لهذه الفئة من المواطنين ، وخاصة المسئولين منهم ، بكونهم يتآمرون على الدين ويسعون لمسخ ثقافة الأمة وهويتها . إن الانفتاح على الآخر ليس قيمة إيجابية في التراث المتداول بين الإسلاميين . ومن ثم يظل حزب العدالة والتنمية المغربي محكوم بجذوره التي تتغذى على تراث الأصولية الإسلامية . بينما حزب العدالة والتنمية التركي يمتلك من الأرصدة الثقافية ما يجعله منفتحا على كل الهويات الثقافية دون خوف من المسخ أو الذوبان . وإصراره على الانضمام إلى الاتحاد الأوربي بتنوعه الثقافي والحضاري والعقائدي دليل على تميز هذا الحزب عن غيره من التنظيمات الإسلامية ذات المرجعية المودودية/القطبية المتشددة . فعقيدة الولاء والبراء والحاكمية ودولة الخلافة لا تمثل الأساس العقائدي والإيديولوجي لحزب العدالة والتنمية التركي . في حين تشكل جوهر تراث الأصولية الإسلامية التي ينتمي إليها حزب العدالة والتنمية المغربي . وبهذه الخلفية يتعامل العدالة والتنمية المغربي مع الغرب تعاملا عقائديا ، أي يصنفه ضمن دائرة الكفر ، فيما حزب العدالة والتنمية التركي يؤسس علاقته مع الغرب على أسس غير عقائدية . ومن يستمع لخطباء الجمعة من أعضاء حزب العدالة والتنمية بعد المؤتمر السادس لا يجد فرقا في مواقفهم العدائية والتكفيرية والتحريضية ضد الغرب الكافر الذي يحارب الدين والمسلمين ، وهي المواقف التي سادت قبل المؤتمر . للحديث بقية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
في معنى الاحترام الواجب للملك .
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
أية آفاق أمام إعلان حزب العدالة والتنمية عن الفصل بين الديني
...
-
لنتصدى جميعا لتيار البدونة والانغلاق.
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجراء الفصل بين الديني والس
...
-
أوراش الملك وأوراش الحكومة(2) .
-
أوراش الملك وأوراش الحكومة (1).
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجراء الفصل بين الديني والس
...
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(3)
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(2)
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجرأة الفصل بين الديني والس
...
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الديني والسياسي (3) .
-
متى تضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(1)
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (2).
-
أزمة التعليم من أزمة تدبير الشأن العام .
-
متى يصبح القانون هو ملجأ كل المواطنين وحامي حقوقهم؟
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (1).
-
الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا .
-
الأمان نعمة يزعزعها الإرهابيون ويفرون لطلبها .
المزيد.....
-
غموض شديد يحيط بلقاء نادر جمع مبعوث ماكرون وفريق المترشح الر
...
-
الأردن.. جماعة الإخوان تتبنى -عملية البحر الميت-
-
أنا البندورة الحمرا ?? .. تردد قناة طيور الجنة 2024 على القم
...
-
قائد حرس الثورة الإسلامية ينعى الشهيد السنوار ويؤكد أن المقا
...
-
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان ينعى الشهيد يحيى السنوار ويؤكد
...
-
الاحتلال يقيد وصول المصلين إلى المسجد الأقصى
-
مفهوم الحرية الإسلامية تحت المجهر.. جدل متزايد وتحديات معاصر
...
-
نزلها “من هنا” تردد قناة طيور الجنة بعد التحديث على القمر ال
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
-
وزير خارجية كيان الاحتلال: غوتيريش يقود أجندة معادية لاسرائي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|