نظام مارديني
الحوار المتمدن-العدد: 145 - 2002 / 5 / 29 - 13:21
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ما يجري في فلسطين اليوم ليس محاولة جديدة لاحتلال الارض، بل هو اعادة تشكيل جديد لوجدان الفلسطينيين، استكمالا لتهيئتهم لان يتحولوا بأكملهم من شعب صاحب الارض، الى شعب لاجئ لا أرض له، كما يعمل على ذلك العديد من أعضاء الكونغرس الاميركي الذين أعلنوا تبنّيهم لمخطط التوطين <<الاسرائيلي>>، وهو ما حذّر منه الأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى في وثيقة رسمية قدمها الى وزراء <<لجنة المبادرة>> العربية التي عقدت اجتماعها في بيروت مؤخرا، والتي تشير الى خطة <<اسرائيلية>> لتهجير أكبر عدد من الفلسطينيين واستقدام خمسة ملايين يهودي آخر.
اذا نجح هذا المخطط المدعوم من قوى اميركية تعمل على تهجير الفلسطينيين وتوطينهم في شمال العراق، حسبما تشير الى ذلك آخر السيناريوهات، فسيكون ذلك مقدمة لفوضى تعم منطقة الشرق الاوسط، لا سيما ان سبعين في المئة من الشعب الفلسطيني هم في عداد اللاجئين، الذين صدر أكثر من ثلاثين قرارا دوليا يؤكد حقهم في العودة الى أرضهم.
وقد تصبح الصورة قاتمة أكثر الآن مع بدء حملة الترويج ل<<خيار كردستان>> بعدما كان <<خيار الأردن>> ولسنوات عدة هو الطاغي في مداولات التوطين. ويمكن رؤية عناصر السيناريوهات الجديدة كالآتي:
الدعوة المشبوهة لرئيس الاستخبارات العراقية السابق وفيق السامرائي، الذي طالب العراق في مقال نشرته الزميلة <<الشرق الاوسط>> في 17 نيسان الماضي، يقدم فيه <<حلا جذريا>> لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين الذين يقيمون في لبنان وسوريا والاردن، وذلك في اشارة واضحة الى اعتبار العراق البيئة الصالحة لتوطين الفلسطينيين.
لا شك في ان توقيت اطلاق هذا السيناريو في هذا الوقت بالذات يثير الريبة لا سيما بعد تصاعد الحديث عن تقارير ديبلوماسية روسية تشير الى وصول عدد من عناصر القوات الاميركية الخاصة الى شمال العراق في اطار عمليات محتملة للتعامل مع الملف العراقي، ويكون في أساسها إقناع الأكراد بالتعاون مع بدء العمل العسكري ضد العراق.
دعوة السيناتور الاميركي الجمهوري تشاك هاجك لتوطين اللاجئين الفلسطينيين في شمال العراق لإرباك النظام العراقي الذي يمثل، بحسب وجهة نظر السيناتور، خطرا عسكريا على <<اسرائيل>>.
صحيح ان هاجك دعا الى ضرورة استقطاب شخصيات سياسية وعسكرية في النظام العراقي بهدف اختراق هذا النظام او إسقاطه، وتعيين حكومة عراقية جديدة متعاملة مع التوجهات الاميركية، الا انه اشار الى إمكان استمالة جماعات كردية عراقية للترحيب بهذا المشروع وإبداء التعاون المطلوب!
تقرير مساعد وزير خارجية الولايات المتحدة لشؤون الشرق الادنى، ريان كروكر، وخلاصة هذا التقرير يدعو الادارة الاميركية الى عملية عسكرية في العراق لفرض حل للمسألتين الفلسطينية والعراقية عبر إسقاط نظام صدام حسين وتوطين اللاجئين الفلسطينيين في مناطق <<كردستان العراق>>، مما سيؤدي الى خلخلة التركيبة الديموغرافية للعراق، وبالتالي استخدام هذا الخلل كوقود في صراعات عرقية عربية كردية (آشورية، تركمانية). لكن اذا كان التوطين يخدم إيران وتركيا كونه سيلغي احتمال قيام دولة كردية في المستقبل، فإنه من جهة اخرى، سيقلق طهران من ازدياد العنصر العربي (السني) على حدودها الشمالية بقدر ما سيقلق أنقرة اذا كان هذا التوطين سيتمركز في مدينة كركوك النفطية على حساب التركمان الذين ستعتمد عليهم تركيا في اي تغيير محتمل في العراق خصوصا بعدما عادت المسألة التركمانية الى واجهة الاحداث السياسية في الآونة الاخيرة مع انكشاف السيناريوهات التركية لإعلان كيان تركماني في الموصل وكركوك، وقيام أنقرة بتدريب مئات من العناصر التركمانية لانتهاز فرصة الضربة العسكرية الاميركية وإنشاء كيان سياسي <<لقيط>> تحت الوصاية التركية الاميركية.
لكن، برغم اهمية هذه العناصر، فان <<خيار كردستان>> قابل للتطبيق وفق تصور كروكر ومساعديه لأسباب عدة منها:
أولا: وجود إقتناع عند بعض القيادات الفلسطينية، باستحالة عودة جميع اللاجئين الفلسطينيين التي قد يصعب على الدولة الفلسطينية تحمّل أعبائها، في حال إعلانها، أضف الى ذلك ان العودة بكثافة ستشكل خطرا ديموغرافيا على الدولة العبرية ايضا، كما اشار الى ذلك مسؤول ملف القدس سري نسيبة الذي وصف في محاضرة له، في تشرين الثاني الماضي، وأمام حلقة مغلقة من المثقفين الاسرائيليين والفلسطينيين، الحديث عن حق <<العودة>> للاجئين او التفاوض حوله، ب<<مضيعة للوقت>> مشدّدا على أهمية <<احترام مخاوف اسرائيل الديموغرافية>>.
ثانيا: ستستفيد <<اسرائيل>> من إنهاء قضية اللاجئين وعزلها عن طاولة المفاوضات. وقد كشفت صحيفة <<هآرتس>> مؤخرا وثيقة تشير الى ان عملية توطين الفلسطينيين في العراق لم تغب عن مخططات القيادات <<الاسرائيلية>>، وان ليفي أشكول كان أول رئيس وزراء <<لإسرائيل>> يطرح العراق كموقع للتوطين منذ العام 1949.
ثالثا: إمكان تمويل عملية التوطين في شمال العراق عبر برنامج التعويضات الخاص باللاجئين وفق القرار 194 الصادر عن مجلس الامن الى جانب الاستفادة من المعونات الاوروبية المخصصة للاجئين في ادارة المجتمعات الجديدة.
رابعا: إمكان إقناع اللاجئين الفلسطينيين في المخيمات بالدول العربية بهذا التحول باعتبار ان الظروف التي سيعيشون فيها ستكون أفضل من الاوضاع المتردية في المخيمات.
وكان كروكر قد اشار بوضوح الى ان نقل اللاجئين على هذا النحو سيقدم حلا أشمل وسيخدم أطرافا عدة في المنطقة. واذا كان رئيس الاستخبارات العراقية السابق وفيق السامرائي قد أيد علانية توطين الفلسطينيين في شمال العراق، فان الامر يشير ايضا الى ان مناقشة هذه القضية تتم على طاولة الحوار بين المعارضة العراقية والقيادة الاميركية، لكن مع الأخذ في الاعتبار هنا ان هذا السيناريو ما زال يلفه الغموض لكون الاعلان عنه لم يتم بصورة رسمية وانما عبر التسريبات والتصريحات الفردية سواء من قيادات المعارضة العراقية أم من قبل بعض رموز القيادة الاميركية.
في الخلاصة، ان اعادة توطين الفلسطينيين في شمال العراق مع التعويض، ووضع برنامج للتنمية الاقتصادية هما السبيل الوحيد الفعال والواقعي لحل مسألة اللاجئين بحسب تقرير كروكر، لكن تحقيق هذا الهدف دونه صعوبات يمكن تلخيصها بالآتي:
1 تمرّد اللاجئين الفلسطينيين ورفضهم لكل السيناريوهات.
2 تشدّد الأكراد في قبول هذه الخطة.
3 نوع الوثائق التي سيحصل عليها اللاجئون (عراقية فلسطينية؟).
4 التكلفة المادية لإعادة تأهيل أعداد كبيرة من اللاجئين.
5 حتمية اندلاع صراعات عرقية عربية (فلسطينية) كردية.
جدير بالملاحظة هنا ان مخطط التوطين قوبل من جانب الاوساط الكردية في شمال العراق بدعوات الى عدم التورط في المخططات الاميركية والى تحلي الزعيمين الكرديين مسعود البرزاني وجلال الطالباني بالحكمة في هذه المرحلة الدقيقة التي تضع الاكراد بين حجري الرحى: الضغوط الاميركية من جهة لدفعهم الى اتخاذ موقف مؤيد لخطة غير محددة الأهداف والمعالم، والضغوط العراقية من جهة اخرى للابتعاد عن الانغماس في تهديد وحدة العراق.
ان تقاطع بعض العناصر من عملية التوطين، يشير الى خطورة هذا الطرح. في أي حال، ما يبدو الآن هو ان تل أبيب وواشنطن تواصلان قراءة سيناريوهات <<النقل والتوزيع>> للاجئين، مع اطلاق بالونات اختبار لوضع العالم العربي أمام الأمر الواقع تمهيدا للتغيير السياسي الجغرافي والديموغرافي، وكأن الادارة الاميركية تريد بذلك التأكيد على ان عودة اللاجئين الآن او حتى بعد سنوات باتت أمرا مستحيلا، وهذا ما ينبغي التصدي له بكل ما يتوافر من امكانات لتأكيد حق العودة وتطويق محاولات إلغائه.
() كاتب سوري.