مثنى الشلال
الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 09:33
المحور:
ملف ذكرى ثورة أكتوبر الاشتراكية... الانهيار وأفاق الاشتراكية في عالم اليوم
النظام الاقتصادي مشكلة اجتماعية كبرى عاصرت الانسانية منذ بداياتها الاولى والى يومنا هذا , لانه نظام يدخل بين ثنايا حياة الفرد ويعتبر العصب والمؤثلر في كيانه وديمومته .
لذا ضلت الانسانية بين مد وجزر وظلام دامس في العصور الغابرة تهدد حياة الفقراء بالزوال على مدى هذه العصور وتدرجت البشرية تطلب الكمال في كل شئ ومنها نظامها الاقتصادي وهذا هو هدف الانسان المنشود , وسبب هذا التدرج جاء من تدرج العقول واستكمالها عصر بعد عصر ومن نقصان العقول التي تحمل الافكار العظيمة وتكون مؤهلة لحملها , لهذا كان لابد من ان يحدث مد وجزر في النظريات والافكار ومنها الاقتصادية والتي كان محورها الانسان وكرامته وعيشه الرغيد وتوفير مايمكن توفيره من احتياجات لهذا الكائن أكانت لبّته او لم تلبيه له , لذلك كان كثير من المثقفين والمفكرين الغربيين والعرب يدافعون عن افكار مشابهة لفكرة الشيوعية , ففي القرن الرابع قبل الميلاد قام الفيلسوف اليوناني أفلاطون بأقتراح يضع فيه ملكية العقار بيد طبقة مثقفة من المجتمع لكي يبعد عن الطبقات الدنيا التناحر فيما بينها في ملكية العقار ( واعتقد رغم نظريته هذه فأنها ان دلت فهي شئ فهي تدل على نزعته البرجوازية مقارنة بأستاذه سقراط) , اما سقراط فأنه يختلف عنه تماماً فهوكان من الطبقة الكادحة والعامة من الشعب وكان ابن الشعب يبث افكارة واشتراكيته وسط الجموع وبين الاسواق ودعى للمساواة بين البشر ونبذ البرجوازية .
وفي عصور لاحقة من عصور العرب الجاهلية تبنوا فكرة الاشتراكية أناس آمنوا بالمساواة ونصرة المظلوم ومساعدة الفقراء هذه العصبة الشريفة التي ينتمي لها عروة بن الورد والحصين والسليك اللذين بنذوا قبائلهم وملكهم وتمردوا على واقعهم في سبيل مبادئهم وعاشروا عامة الشعب وكانوا جزءاً لاتجزء منه .... وعند مجئ الاسلام ظهرت الطبقة الاشتراكية فيه التي تؤمن بهذه المبادئ وتدافع عن الحقوق للاغلبية العامة من الشعب الفقير والمساكين من امثال علي ابن ابي طالب وعمار بن ياسر وابو ذر الغفاري والمقداد وغيرهم اللذين رفعوا شعار الاشتراكية حينها .
أما في القرن التاسع عشر وأبان الثورة الصناعية سأم الكثير من الانحطاط والاضطهاد اللذين المّا بالناس نتيجة اللهث وراء لقمة العيش فاعتزلوا المجتمع واذكر منهم روبرت أوين الذي اعتزل المجتمع وكوّن مجتمعاً صغيراً اسماه نيو هارموني في ولاية انديانا الاميركية وكان المجتمع الصغير الذي انشأه يتخذ طابعاً شيوعياً ..
وقد نضجت هذه الافكار على يدل الفيلسوف " هيجل " والذي جاء بعده " كارل ماركس " و " فريدريك أنجلز " اللذان تبنوا الشيوعية كحركة ثورية ولكن ليس من الضروري ان تتبلور هذه الحركة في بقعة معينة من العالم بل من الممكن ان تحدث في العالم كله استناداً على الورقة التي تقدم بها الرجلان في وصف الشيوعية , لذلك فسرا التأريخ تفسيراً مادياً بطريقة ديالكتيكية , حيث يصف الرجلان التأريخ بحلوه ومره بأنه صراع بين طبقات المجتمع , وفي كل مجتمع نجد ان طبقة صغيرة متنفذة تشرف على عملية الانتاج والعطاء بينما السواد الاعظم من المجتمع يسهم اساهماً قليلاً في عجلة المجتمع الاقتصادية والانتاجية , لهذا كانت الرأسمالية تتحكم وتسيّر عجلة الاقتصاد بصورة غير منصفة من وجهة نظر كارل ماركس في نظريته المسماة " قيمة العمل " .
ويتحدث ماركس عن كيفية استغلال البرجوازيين للطبقة الكادحة ويستدل بالطريقة التي يشترى بها أرباب الاعمال وقت العامل عن طريق دفع راتب مقطوع لهذا العامل ومن ثم يقدم ربّ العمل ببيع السلعة التي يصنعها العامل بفارق ربح كبير لذلك يرى هذا اجحافاً بحق العامل وان هناك خللاً في تطبيق العدالة بين ما يجنيه العامل من عائد متمثل براتبه المقطوع وبين الربح الفاحش الذي يجنيه أرباب الاعمال .... ويعتقد ماركس انها مسالة وقت يعي فيها العمّال في شتى انحاء العالم هذه الاهداف المشتركة في تحقيق العدالة الاجتماعية ويتخذ العمّال الخطوط الاولى في الاطاحة بأرباب الاعمال والقيام على تقسيم الثروة بينهم وعزل البرجوازيين من معادلة الربح .
وهذا سوف يتم تلقائياً وحتمياً ( اي التمهيد او تحضير الشعوب للثورة في وجه الظلم والتعسف من قبل البرجوازيين ) .
ويستمر هذا الفيلسوف ( والذي يعتبر قائد الثورة الشيوعية ومعلمها الاول ) الى ان يتم تحويل العالم الرأسمالي الى عالم أشتراكي وفي النهاية سيصل به المطاف الى الشيوعية وهي كخطوة لاحقة , لهذا ضلت نظريته ومازالت تبحث عن المطبقين الحقيقيين اللذين يتحملون وفهم هذه النظرية حتى يتسنى لها النجاح .... ( ولهذا قال أنجلز ان التدابير الثورية تكون حسب ظروف الدول ) , وهنا جاء فلاديمير لينين ليضع اساسيات هذه التدابير واسس تنظيم الاحزاب الشيوعية وقام بأول ثورة شيوعية هزت العالم وأرتبط اسمه بأسم الشيوعية واصبحت الاحزاب الشيوعية تنتهج " الماركسية اللينينية " حيث يعبر اسم ماركس عن ايدولوجية الاحزاب الشيوعية واسم لينين يعبر عن اسس التنظيم والعمل في الاحزاب الشيوعية .
حيث ان الشيوعية كنظرية وحركة سياسية تأتي بعد مرحلة الاشتراكية التي تقوم على مرحلة اللاقومية لذلك تأتي الشيوعية كتطور تأريخي للأشتراكية اي ان عهدها عهد أممي تذوب فيه الدول تلقائياً وتضمحل وتتلاشى ... وهذا هو امر طبيعي لتطور العقل البشري الذي بدأ باساسيات الاشتراكية وناشد بها وأنهاها بالنظرية الشيوعية بعد كل هذه العصور التي مرت , لذلك ضلت الانسانية في صراع منذ قيامها الى ان وصلت مرحلة التطبيق والايمان بالفكرة وترجمت الى ثورة اكتوبر سنة 1917 م في القرن المنصرم على يد فلاديمير لينين ( عاش من 22 أبريل 1870 م الى 21 يناير 1924 م ) , الذي درس الماركسية في مدينة سانت بيترسبرغ وتنقل بين فلندا وانحاء اوربا وجاء بها الى روسيا وحدث ماحدث من الثورة ...
هذه كمقدمة بسيطة للأشتراكية والشيوعية من بعدها والان يجب اعطاء اسباب انهيار هذه النظرية وهذا النظام :
حقيقةً ان فكرة النظرية الأشتراكية الشيوعية كنظرية وفكرة تؤمن بالمساواة واضمحلال التفاوت الطبقي الفاحش وتأمين كل أحتياجات الشعوب وضمان حقوق الطبقة الكادحة هي اساسيات تحترم الانسان وتشعر بما يحس ويحتاج وتحترم وجوده , لكن احد اسباب انهيارها هو المطبقين والناس اللذين طبقوا هذه النظرية , حيث ان ماركس وانجلز حاولوا تطبيق افكارهم على المجتمعات الصناعية مثل المانيا وبريطانيا لكنهم فشلوا في ذلك ولو تم لهم ماارادوا اعتقد لكانت نظرية فعالة ولها نجاحاتها الكبيرة , لذلك بعد فشلهم هذا تبناها لينين واخذها وطبقها على مجتمعه الروسي الزراعي وأكد هنا " الزراعي " اي الطبقة الفلاحية الغير مؤهلة لحمل مثل هكذا افكار مما ادى الى التخلخل في التطبيق وتفكيكها ... لان هذا النظام وان عالج مشاكل النظام الرأسمالي في محو الملكية الخاصة غير ان هذا العلاج له مضاعفات طبيعية لمثل هكذا فئة من الناس , فبقت الطريقة في تنفيذها شلقة على النفس وصعبة , ولم يضمن او لم يتم فيه القضاء على الفساد الاجتماعي كله لانه انطلق من النقطة التي انطلق منها النظام الرأسمالي وتنفيذها ومحورها الملكية الخاصة ومضاعفات هذه النقطة جسيمة على مجتمع زراعي مثل المجتمع الروسي التي طبقت بيه بدايات الثورة , فأنه من شأنه القضاء على حريات الافراد فيما بعد في اقامة الملكيات الشيوعية مقام الملكيات الخاصة والتي تضاربت مع الطبيعة الانسانية وغريزة التملك التي تربى عليها الانسان وخاصة المزارعين .
وبما انه نظام جديد طبق على شعب لايعي ماهية هذه النظرية لذلك توجب عليهم اتخاذ قوة حازمة تمسك بزمام المجتمع بيد من حديد وتحبس كل صوت يعلو وتحتكر جميع وسائل الدعاية والنشر وتضرب على المجتمع خطاً احمر لا يجوز ان يتعداه بأي حال من الاحوال ... وهذا مما أدى الى ظهور الدكتاتوريات من رحم هذا النظام أمثال ستالين وتشاوسسكو وغيرهم الكثير . وهذا امر طبيعي في كل نظام يراد فرضه على الامة والمجتمع قبل ان تنضج فيها عقلية ذلك النظام وروحيته والعقول المؤهله والحاملة لهذا الفكر .
وفي هذا التدرج في الاسباب نتج لدينا شعوب محرومة بدلاً من ان ينتج لنا شعوب مكتفية اكتفاءً ذاتياً تشعر براحة البال وتعيش برخاء وطمأنينة وموفرة لها جميع وسائلها للعيش الرغيد , وبقت تتأرجح هذه الشعوب بين العوز الملحق بها وبين افكارها العظيمة التي تبنتها والتي لم يتم تطبيقها كما يجب , الى ان تخلت عن هذه الافكار والنظريات لتلحق بالدول الرأسمالية وهذا ما زاد الخراب خراباً اعظم في انفتاحها الغير مدروس .
ولابد لنا هنا ان نعرج على النظرية المسماة " البروسترويكا " , هذا البرنامج الذي انهى الفكرة الشيوعية من هذه البلدان :
ان هذه النظرية التي جاء بها ميخائيل غورباتشوف ( والذي كان عميلاً سرياً لوكالة المخابرات الاميركية في عقد السبعينات ) , أدت الى تفكك الاتحاد السوفيتي والقضاء على النظام الشيوعي في هذه الدول , حيث انه وبعد مجيئه الى السلطة تحدث عن تعديلات في التخطيط المركزي للاتحاد السوفيتي ولكنه لم يقم بأي تعديلات جذرية حقيقية , وبعدها قدم عدة تعديلات اطلق عليها " البروسترويكا " والتي تعني ( أعادة الهيكلية الأقتصادية ) , وقدمت في سنة 1987 م في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي , والتي تركز على عدة اصلاحات اقتصادية ووافقت اللجنة المركزية للحزب الشيوعي على المشروع وقاموا بتطبيق هذا التعديل , لكن لم تفعل هذه التغيرات الاقتصادية التي ادخلها غورباتشوف لاعادة تنشيط اقتصاد الدولة الهزيل , وبحلول 1990 م كانت الحكومة قد خسرت السيطرة على الظروف الاقتصادية مما ادى الى زيادة نفقات الدولة بسبب عدد ازدياد المقاولات الخاسرة التي كانت مؤمله منها ان تساعد الدولة , واستمر دعم البضائع للمستهلكين فأنخفضت عائدات الضرائب بسبب امتناع سلطات الجمهوريات والسلطات المحلية عن تقديمها للحكومة المركزية بسبب روح الحكم الذاتي المتنامي حينها وبسبب انهاء السيطرة المركزية على قرارات الانتاج مثل قطاع البضائع الاستهلاكية فكسرت بذلك نظرية العرض والطلب التقليدية دون الاسهام في بناء علاقة عرض وطلب جديدة .
وبهذه الاسباب خلفت اساسيات انتاجية جديدة بدل من ان تقدم نفع وسلاسة للنظام الاقتصادي ... وفعل فعلته غورباتشوف وانهى هذا النظام الاقتصادي بالاتحاد السوفيتي القديم .
لكن ستبقى الأشتراكية شعلة من نار تتوهج وتنطفئ من عصر الى عصر وفكرة ونظرية وضعها الانسان لاخيه الانسان ولابد لها من ان تطبق في يومِ ما ومن خلال مجتمع ما , يعرف ويستفيد من تطبيقها وعقول ناضجة تتحمل على عاتقها هذه الافكار وتتقدم بها .
#مثنى_الشلال (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟