|
المسألة الوطنية: طريق جورج عدة من اليهودية إلى الإنسانية التقدمية
زهير الخويلدي
الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 03:59
المحور:
سيرة ذاتية
" تونس هي بلدي والشعب التونسيّ هو شعبي، غير أنّ اعتقاداتي ليست اعتقادات أمّي وأبي. كلّ النساء وكلّ الرجال الذين يكابدون الجور السياسيّ والاجتماعيّ هم إخوتي وأخواتي. عرفْتُ سجون المستعمرين الفرنسيّين ومنافيهم ومعتقلاتهم من أجل تحرير بلادي. واليومَ، أرى من الواجب أنْ أساند الشعب الفلسطينيّ المعذّب المظلوم..." جورج عدة
فقدت الساحة الثقافية والسياسية في تونس في ساعة متأخرة من ليلة الأحد 28 سبتمبر 2008 واحد من أهم الرواد الذي ينتمي إلى جيل الثلاثينات الذهبي ومن أصدق المناضلين الذين قدموا حياتهم بطولها وعرضها فداء للوطن وتضحية من أجل المصلحة المشتركة وهو المناضل الكبير جورج عدة الذي ولد عام 1916 في تونس وقد أفنى عمره مواكبا فاعلا ومشاركا في المنعطفات السياسية والاجتماعية والحقوقية التي شهدتها البلاد . الأمر الرائع الذي يجلب الانتباه أن أصوله اليهودية لم تمنعه من ربط شبكة من العلاقات الواسعة والصداقات الحميمية بمختلف شرائح الطبقة السياسية والتي وصلت إلى حد الاندماج والانصهار في صلب الحزب الشيوعي التونسي- حركة التجديد حاليا- والمشاركة في النضال ضد الاستعمار الفرنسي في إطار حركة التحرر الوطني التونسية، وقد تسبب له ذلك في وضعه قيد الإقامة الجبرية في مدينتي زغوان وباجة وأبعاده إلى الجزائر قبل أن يعود ويواصل كفاحه ثم يتم نفه مع مجموعة من رفاقه في الجنوب التونسي ولم يطلق سراحه إلا سنة واحدة قبل استقلال تونس 1956 وبالتالي فانه قد قضى خمسة عشر سنة في النفي القسري ولم يزيده الإبعاد في الصحراء والعزل الإكراهي إلا تشبثا بالحقوق الوطنية للتونسيين وإيمانا بالمبادئ الأممية التي آمن بها ورغب في أن ينشرها في المجتمع التونسي وخاصة الحرية والاستقلال والسيادة والوطنية والتعايش والتسامح والعلمانية والتنوير والحداثة. ومن خصال الرجل رفضه الوقوع في مطب التجنيس الذي انساق إليه وأيده العديد من الناشطين من أبناء ملته ومعارضته الشديدة للحبيب بورقيبة الذي كان غرضه آنذاك الاستفراد بزعامة الحركة الوطنية تحت قيادة الحزب الحر الدستوري الجديد وقد صرح في أحد المناسبات ما يلي:" لقد ناضلنا وراء الزعماء الوطنيين بقيادة بورقيبة ضد الاحتلال الأجنبي وعارضت بورقيبة رئيسا بسبب أخطائه ومنها قيامه بإلغاء التعددية السياسية والحزبية...". بينما كان جورج عدة منتخبا كاتبا عاما مساعدا في الحزب الشيوعي التونسي يؤمن بالتعددية والإصلاح الديمقراطي وترجم ذلك بالحضور البارز في منتديات أحزاب المعارضة التونسية وهياكل وأطر الاتحاد العام التونسي للشغل وتقديمه العديد من المداخلات كلها تكرس مبدأ المواطنة وتدور حول دولة القانون وتدعو إلى نبذ العنف وتتمسك بالعدالة الاجتماعية كمدخل إلى التمدين والتطوير في العلم العربي، وقد عرف عن الرجل إخلاصه العميق للقضية الفلسطينية ودفاعه عن الحقوق الشرعية للسكان العرب وخاصة حق العودة وتقرير المصير ودعوته إلى إعطاء الفلسطينيين مواطنة كاملة في إطار دولة علمانية ديمقراطية تقدمية وبالتالي كان من المعادين للفكر الصهيوني المنتصرين للثقافة اليسارية داخل الفكر اليهودي المشهود لها بالجنوح نحو السلم ونبذ الحرب والغطرسة والاستيطان وسياسة العزل والإبعاد والتهجير، في هذا السياق يقول ما يلي:" ينبغي أنْ نذكّر الغرباء الذين جاؤوا، منذ نصف قرن، لاحتلال فلسطين، بهذه المعطيات، وكذلك الرأي العامّ الأوروبيّ والأمريكيّ. ينبغي أنْ نذكّر، أيضا، بأنّ للنّاجين من الهولوكست ولأحفادهم حقوقا لا تسقط بالتقادم. فلهم الحقّ في العودة إلى أوطانهم الأصليّة في أوروبا. ولهم الحقّ في التعويض عن أراضيهم المنتزعة. ينبغي أنْ نذكّر، أيضا، وبلا تراخ أنّنا لم نر، قطّ، فلسطينيّا أو عربيّا دفع شخصا من ديانة يهوديّة أو من أصول شعائريّة عبرانيّة في أفران الغاز..." من المعلوم أن معظم اليهود التونسيين يعيشون في جزيرة جربة وهم جزء من المجموعة الوطنية ولهم معبد الغريبة يمارسون فيه قداسهم ومن الطبيعي أن يسهموا في الاستقرار والتطوير في عدة مجالات وخاصة الاقتصادية والثقافية وأن عائلة عدة هي عائلة يهودية تقدمية أنجبت الشخصية الحقوقية المعروفة سارج عدة وهو ابن جورج عدة وهو الرابطي والإعلامي اللامع الذي انتمى إلى الهيئة التنفيذية للرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان كان قد توفي هو الآخر سنة 2004 في باريس بعد أن يترأس قناة تي ف 5 موند. وقد ساهم اليهودي التونسي المعادي للصهيونية كما يسمي نفسه وأبرز وجوه اليسارية التي لا تجامل ولا تعادي والمؤمنة بحقوق الشعب الفلسطيني الشهيد – ربما قد تأثر بكتاب المناضل الوطني الكبير عبد العزيز الثعالبي تونس الشهيدة- في الحركة الوطنية والمسيرة الديمقراطية في تونس في إطار الحركية التي شهدها المجتمع المدني بعد تشكل دولة الاستقلال وقد ساهم مع عدد كبير من المثقفين والحقوقيين في تأسيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان في السبعينات وكان قريب من فضاءات الحزب الشيوعي التونسي مدافعا عن العمال ومؤمنا بضرورة احترام الإطار القانوني المشترك الذي ينظم العلاقات بين الناس ومؤكدا قدرة الإنسان على التواصل مع الآخرين بمعزل عن الانتماء العرقي وخارج إطار المعتقد الديني. ان شخصية جورج عدة هي مثال لليهودية الوطنية في تونس التي صنعت من المسألة الوطنية جسر عبور من اليهودية إلى الإنسانية التقدمية و جعلت من التنوع إثراء والاختلاف رحمة والمغايرة تكميلا وهو عبرة ودرس مستفاد لكل العقلاء من أجل حسن الظن بالمغاير في العقيدة والتوقف عن النظر إليه بعقلية الذمي ودعوة لكي نتشبث بالتعددية ونفعل التخاصب والحوار العقلاني بين المكونات المختلفة للوطن الواحد لكي نجعل المشترك الوطني والحضاري هو العروة الوثقى التي يعتصم بها الجميع ضمن مقولة العيش سويا. رحم الله جورج عدة فقد كان خير مثال لذلك الإنسان الحر الذي يتعالى عن منطق الملة ويجعل من المسألة الوطنية والإنسانية التقدمية شغله الشاغل، لقد كان حريصا على الاختلاف وتشجيعه لثقافة التنوع والتعددية عبر أحسن تعبير عما قل الفيلسوفة الألمانية من أصل يهودي حنا أرندت:"ان التعدد هو الشرط الضروري للحياة الإنسانية"؟ فمتى يعلم البعض مما ضم مجمعنا أن التماثل والتشابه في الدين واللغة والعرق لا يصنع بالضرورة وحدة وأن التنوع والتعددية هي الشرط الضروري لبناء الفضاء المشترك؟
#زهير_الخويلدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ترشيد ثقافة الافتاء
-
منطق الاختراع العلمي عند العرب
-
ملتقى فلسفي عالمي حول -الكلي ومصير الإنسان-
-
موقف ميشيل فوكو من صعود الروحانية السياسية في إيران
-
عودة من الباب الكبير
-
استحالة التعايش بين باكستان والحكم الشمولي
-
كان الشاعر محمود درويش ما سوف يكون
-
علمنة الدين شرط امكان قيام الديمقراطية
-
غرامشي والفيلسوف الديمقراطي
-
عندما يزف المقاوم واقفا المسيري يترجل
المزيد.....
-
خبراء عسكريون يدرسون حطام صاروخ -أوريشنيك- في أوكرانيا
-
النيجر تطالب الاتحاد الأوروبي بسحب سفيره الحالي وتغييره في أ
...
-
أكبر عدد في يوم واحد.. -حزب الله- ينشر -الحصاد اليومي- لعملي
...
-
-هروب مستوطنين وآثار دمار واندلاع حرائق-.. -حزب الله- يعرض م
...
-
عالم سياسة نرويجي: الدعاية الغربية المعادية لروسيا قد تقود ا
...
-
إعلام: الجنود الأوكرانيون مستعدون لتقديم تنازلات إقليمية لوق
...
-
مصر.. حبس الداعية محمد أبو بكر وغرامة للإعلامية ميار الببلاو
...
-
وسائل إعلام: هوكشتاين هدد إسرائيل بانهاء جهود الوساطة
-
شهيدان بجنين والاحتلال يقتحم عدة بلدات بالضفة
-
فيديو اشتعال النيران في طائرة ركاب روسية بمطار تركي
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|