|
دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث
عباس سعيد الاسدي
الحوار المتمدن-العدد: 2427 - 2008 / 10 / 7 - 00:56
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
رسالة ماجستير نال الباحث بموجبها شهادة الماجستير في القانون الدولي من جامعة سانت كليمنتس البريطانية الفهرست المقدمة دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث القســــم الأول دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث بوجه عام الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه المبحث الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي المبحث الثاني أسباب تلوث الغلاف الجوي المطلب الأول تعريف التلوث المطلب الثاني أسباب التلوث الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث المبحث الأول المبادئ العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث المطلب الأول مبدأ عدم تلويث البيئة المطلب الثاني مبدأ حسن الجوار المبحث الثاني بعض المبادئ الدولية الحديثة في حماية الغلاف الجوي من التلوث المطلب الأول مبدأ المنع المطلب الثاني مبدأ الحذر المطلب الثالث مبدأ التنمية المستدامة المطلب الرابع مبدأ الملوِث يدفع الفصل الثالث الإلتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث المبحث الأول الاستخدامات السلمية للغلاف الجوي المبحث الثاني عدم جواز الادعاء بملكية الغلاف الجوي المبحث الثالث التعاون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث القســــم الثاني دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من بعض أوجه التلوث الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى المبحث الأول الأمطار الحامضية ومخاطرها على الغلاف الجوي المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة الأمطار الحامضية الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون المبحث الأول استنفاد طبقة الأوزون ومخاطره على الغلاف الجوي المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة استنفاد طبقة الأوزون الفصل الثالث تغير المناخ المبحث الأول ظاهرة الاحتباس الحراري ومخاطرها على الغلاف الجوي المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري الخاتـــــمة النتائج والتوصيات المراجع
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين ،سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين. وبعد...
إن مشكلة التلوث البيئي ليست مشكلة جديدة أو طارئة بالنسبة للأرض، وإنما الجديد فيها هو زيادة شدة التلوث كماً وكيفاً في عصرنا الحاضر مما أثر بدوره على الغلاف الجوي المحيط بالكرة الأرضية مما ينذر بعواقب وخيمة على المستقبل البيئي لكوكب الأرض وبالتالي على مستقبل الأجيال المقبلة . لذا باتت مشكلة التلوث البيئي تشغل فكر العلماء والباحثين والعقلاء وتقض مضاجعهم ، فبدءوا يدقون نواقيس الخطر ، ويدعون لوقف أو الحد من هذا التلوث الذي تتعرض له البيئة نتيجة للنهضة الصناعية والتقدم التكنولوجي في هذا العصر، فالتلوث مشكلة عالمية ، لا تعترف بالحدود السياسية لذلك حظيت باهتمام دولي لأنها فرضت نفسها فرضاً، ولأن التصدي لها يجاوز حدود وإمكانيات التحرك الفردي لمواجهة هذا الخطر المخيف ، والحق أن الأخطار البيئية لا تقل خطراً عن النزاعات والحروب والأمراض الفتاكة إن لم تزد عليها.
والغلاف الجوي هو أحد المشتركات العالمية ويعرف بأنه كتلة من الغازات التي تحيط بالكرة الأرضية ، ويقع خارج حدود الولاية الإقليمية الوطنية لأية دولة ولا يمكن لأي من الدول أن تدعي ملكيته أو فرض السيادة عليه ، إلا انه يمكن لجميع الدول استخدامه لإغراضها السلمية المشروعة . وصفة الاشتراك العالمي للغلاف الجوي تفرض على جميع الدول الإسهام بحمايته من التلوث الذي يصيبه نتيجة نشاطاتها الصناعية المؤثرة سلبا على فاعليته ، كون للغلاف الجوي وظائف مهمة جدا ، منها امتصاص الغازات التي تسبب التغيرات العالمية ويعمل كذلك على توازن درجات الحرارة في الأرض إذ لولا هذا الغلاف الجوي لاحترقت الأرض من شدة الحرارة في النهار ولتجمدت ليلاً . ويعمل كذلك بمثابة درع يقي الأرض من الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس ويمنع نفاذها كلها ، ولكن يسمح بمرور النسب والتراكيز المطلوبة فعلا ويمتص الزائد منها ، وهذه الوظيفة تقوم بها طبقة الأوزون التي تشكل الطبقة الثانية من طبقات الغلاف الجوي . وفي الآونة الأخيرة بدأت الدراسات تأخذ اهتماما واسعا بهذا الموضوع ، وكذلك الفكر القانوني صار يهتم بقضايا البيئة ويأخذها مأخذ الجد ، وظهرت العديد من المؤلفات والبحوث والدراسات ، وعقدت عدة مؤتمرات ووقعت الكثير من الاتفاقيات التي تعالج هذا الموضوع ، ومشكلة التلوث عموماً قد أخذت حيزاً من الاهتمام الدولي بسبب بعدها العالمي ومخاطرها التي وصلت إلى التأثير على الغلاف الجوي المحيط بالأرض خاصة بعد التوسع الهائل في الصناعة والذي بدأ بعد الحرب العالمية الثانية حيث جاءت هذه الصناعة دون إعارة لأهمية البيئة واحترامها وهذا ما انتقل بالمشاكل البيئية المحلية إلى مشاكل إقليمية وعالمية ايضاً ، وهذا الأمر أدى إلى ظهور المشاكل البيئية ليس فقط في الدول المسببة للتلوث وإنما في دول أخرى لا علاقة لها بهذه الملوثات البيئية الخطيرة ، وهذا يعني أن التلوث بدأ يؤثر على المجتمع الدولي والإنساني بأكمله . ونتيجة للوعي العالمي وإدراك مؤسسات المجتمع الدولي من دول ومنظمات وغيرها للمخاطر التي تنجم في حال عدم التعاون المشترك للحد من تلوث الغلاف الجوي ، فقد عقدت المؤتمرات وأبرمت الاتفاقيات والمعاهدات التي تسهم بشكل أو بآخر في الحد من هذه الظاهرة الخطيرة . أما أهم الأسباب التي دفعت إلى بحث موضوع " دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث " فهي :- 1- حداثة هذا الموضوع والاهتمام العالمي به في الوقت الحاضر . 2- أهمية الغلاف الجوي بوصفه عاملا رئيسيا في استمرار الحياة على الأرض . 3- شمول آثار تلوث الغلاف الجوي للمجتمع العالمي ككل ، مما يستدعي تضافر كافة الجهود دون اقتصارها على بعض الدول دون الأخرى .
ولبحث هذا الموضوع فقد قسم البحث على قسمين ، تضمن القسم الأول منه ثلاثة فصول تناول الفصل الأول دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث بوجه عام الذي بحث في مبحثين ، حيث تناول المبحث الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي ، بينما تناول المبحث الثاني أسباب تلوث الغلاف الجوي وجاء في مطلبين بحث الأول تعريف التلوث وبحث المطلب الثاني أسباب التلوث.
أما الفصل الثاني فقد تم فيه بيان المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث ، وبحث ذلك في مبحثين كان الأول في المبادئ العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث وتناولها في مطلبين ، المطلب الأول في مبدأ عدم تلويث البيئة والمطلب الثاني في مبدأ حسن الجوار ، والمبحث الثاني بحث في بعض المبادئ الدولية الحديثة في حماية الغلاف الجوي من التلوث وتضمن أربعة مطالب تناول الأول منها مبدأ المنع والثاني تناول مبدأ الحذر والثالث في مبدأ التنمية المستدامة أما الرابع فكان في مبدأ الملوث يدفع .
وفي الفصل الثالث تم بحث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث ، وفيه ثلاث مباحث ، تناول المبحث الأول الاستخدامات السلمية للغلاف الجوي وتناول المبحث الثاني عدم جواز الإدعاء بملكية الغلاف الجوي أما المبحث الثالث فتناول التعاون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث .
أما القسم الثاني من هذا البحث فقد تناول دور القانون الدولي في حماية الغلاف الجوي من بعض أوجه التلوث ، وكان في ثلاث فصول ، بحث في الفصل الأول منه تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى وتضمن هذا الفصل مبحثين بيّن في المبحث الأول موضوع الأمطار الحامضية ومخاطرها على الغلاف الجوي وفي المبحث الثاني تم تناول الجهود الدولية في معالجة الأمطار الحامضية . وجاء الفصل الثاني في بحث استنفاد طبقة الأوزون وهو من مبحثين ، تناول الأول استنفاد طبقة الأوزون ومخاطره على الغلاف الجوي والمبحث الثاني في الجهود الدولية في معالجة استنفاد طبقة الأوزون . وفي الفصل الثالث من هذا القسم تم بحث تغير المناخ وجاء في مبحثين ، المبحث الأول في ظاهرة الاحتباس الحراري ومخاطرها على الغلاف الجوي ، أما المبحث الثاني والأخير فقد تناول الجهود الدولية في معالجة ظاهرة الإحتباس الحراري . وبعد ذلك جاءت الخاتمة والتي تحوي على ما تم التوصل إليه من استنتاجات وتوصيات .
وفي ختام هذه المقدمة أدعو كل من يجد في نفسه القدرة على تسديد خطوات المساهمة البحثية في مجال حماية البيئة بشكل عام والغلاف الجوي بشكل خاص أن يكتبوا في ذلك ولا يحملهم توقع التقصير على الامتناع عن ذلك ، حيث أن الجهود إذا اجتمعت بعضها إلى بعض شكلت رصيداً لا بأس به من التكامل وفيما نعتقده ما زال المدى طويلاً والمساحة متسعة فليأخذ كلٌ حسب ما تتسع له قدراته . أما بالنسبة لي فهذا ما دونته ، فإن وجد فيه ما هو مفيد فذاك ، وإلاّّ فهذا جناي وخياره فيه . والله من وراء القصد . . والله ولي التوفيق والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبة أجمعين .
الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
إن الأهمية البالغة للغلاف الجوي والمتمثلة بوظائفه التي يقوم بها تجعل الاهتمام الدولي به أمراً لازماً ، كونه يعتبر الدرع الواقي للأرض وأحد أسرار استمرار الحياة عليها ، حيث أن أي تغيير يطرأ في مكونات هذا الغلاف ستكون له عواقب وخيمة سواء على البيئة بصورة عامة أو على اقتصاديات الدول بصورة خاصة . ويتعين هنا أن نكشف عن طبيعة هذا الغلاف الجوي من الناحية القانونية الدولية وما هي الأسباب التي تؤدي إلى تلوثه بالصورة التي تضر بمكوناته الأساسية مما ينعكس بالضرر على الحياة في هذه الأرض . ولبيان طبيعة الغلاف الجوي وأسباب تلوثه قسم هذا الفصل إلى مبحثين :
المبحث الأول : الطبيعة القانونية للغلاف الجوي .
المبحث الثاني : أسباب تلوث الغلاف الجوي .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه المبحث الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي
تمتد سيادة الدولة على إقليمها بالإضافة إلى عنصري البر والبحر إلى عنصر ثالث هو عنصر الجو الذي يعلو هذين الإقليمين الخاضعين لسيادة الدولة . ومما تجدر إليه الإشارة أن الاهتمام الدولي بعنصر الجو لم يبدأ إلا في مطلع القرن العشرين وذلك على اثر محاولات الطيران الأولى حيث اهتم الفقهاء بدراسة الوضع القانوني للجو لوضع لتحديد ما يكون للدولة عليه من سلطان . ولكن هل أن للدولة سلطة مطلقة في فرض سيادتها على الجو الذي يعلو إقليمها البري وإقليمها البحري، أم أن هناك مدى محدد من العلو يمكن للدولة أن تدعي سيادتها عليه ؟ وللإجابة على هذه الأسئلة لابد أولا من القول بأن إقليم الدولة الجوي ينقسم إلى منطقتين ، الأولى تخضع لسيادة الدولة الوطنية وتسمى المجال الجوي ( Airspace ) والثانية تقع خارج الولاية الوطنية لأية دولة وتسمى الفضاء الخارجي ( Outer space) ، وان الحدود الفاصلة مابين هاتين الطبقتين لا تزال غير محددة لغاية الآن ، فلا يعرف من الناحية القانونية في الأقل أين ينتهي المجال الجوي وأين يبدأ الفضاء الخارجي . وقد ذهبت آراء الفقهاء إلى عدة اتجاهات في تحديد طبيعة حق الدولة على طبقات الجو التي تعلو إقليمها لعل من أهمها:
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
الاتجاه الأول : يرى هذا الاتجاه بأن سيادة الدولة تمتد إلى الفضاء الذي يعلو إقليمها ، ويبررون ذلك بأنه لا يمكن الانتفاع بالأرض أو الحياة بغير الجو ، ونادى به الفقيه ماكمهون ، غير أن هذا الاتجاه يعتبر مبالغا فيه إلى حد بعيد . ويضيف أصحاب هذا الاتجاه بأنه لا حاجة لوضع حدود تفصل ما بين المجال الجوي والفضاء الخارجي ، وهناك من يؤكد بأن الغلاف الجوي هو جزء لا ينفصل عن سطح الأرض كون الحياة بدونه غير ممكنة ومن ثم فأن نظامه القانوني يجب أن يتحدد بما يتناسب والنظام القانوني لسطح الأرض الذي يغطيه وفقا لقاعدة التابع يتبع المتبوع .
ووفقاً لهذا الاتجاه يكون للدولة السلطة الكاملة في السماح لغيرها من الدول بالمرور في اجوائها من عدمه وذلك حسبما ورد في اتفاقية شيكاغو لعام 1949 والخاصة بالنظام الجوي الدولي حيث نصت على أن " تعترف الدول المتعاقدة بأن لكل دولة السيادة الكاملة والخالصة على مجالها الجوي الذي يعلو إقليمها " ولكن يتبين من هذا النص انه ذكر المجال الجوي تحديداً وأخضعه لسيادة الدولة دون الفضاء الخارجي ، والمجال الجوي هنا هو الحيز الذي توجد فيه قوة رد الفعل المساعدة على الطيران . لقد انتقد هذا الاتجاه بالقول انه لا يصمد أمام الاكتشافات الحديثة في مجال الفضاء فضلا عن كونه لا يتفق وضرورات التعامل الدولي. الاتجاه الثاني : أما أصحاب هذا الاتجاه فيرون بأنه ليس للدولة أية سيادة على الهواء الذي يعلو إقليمها والهواء شأنه شأن البحر العام الذي لا يخضع لســيادة
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
الدول ، ويبرر هؤلاء رأيهم بأن الدول لا قبل لها بالسيطرة على الهواء وبالتالي لا يمكنها ممارسة أي نوع من السيادة عليه . وانتقد الفقه الأنكلوسكسوني هذا الاتجاه كونه يهدد السلامة الإقليمية للدولة التي تأخذ به . الاتجاه الثالث : قسم أصحاب هذا الاتجاه الفضاء المحيط بالأرض إلى ثلاثة مناطق هي ، النطاق الجوي ، والمنطقة المجاورة التي ترتفع إلى 300 ميل فوق سطح البحر والتي يسمح للطائرات غير الحربية بالمرور عبرها ، والمنطقة الثالثة هي الفضاء الخارجي . وان الأخذ بهذا الاتجاه سيؤدي إلى دخول جزء من الغلاف الجوي ضمن سيادة الدولة ، وتحديدا طبقتي الغلاف الجوي المهمتين الستراتوسفير والتربوسفير وجزء من طبقة الميزوسفير وما عداها يكون ضمن الفضاء الخارجي وبالتالي يخرج من سيادة الدولة . وهناك بعض المعايير التي يتحدد من خلالها الحد الذي يعتبر فيه الغلاف الجوي جزء من المشتركات العالمية ، وهذه المعايير هي :
المعيار الأول / حدد أصحاب هذا المعيار المجال الجوي الذي يمكن للدولة أن تدعي سيادتها عليه بارتفاع 47 ميلاً وما يعلوه يكون خارج سلطان الدولة ، وهذا هو الارتفاع الذي يمكن للطائرات أن تصل إليه .
ووفقا لهذا المعيار ، تدخل طبقة التربوسفير ( ترتفع 11 كم ) وطبقة الستراتوسفير ( ترتفع 50 كم ) ضمن سيادة الدولة الإقليمية الوطنية وبالتالي خروجهما من نطاق المشتركات العالمية ( Global Commons ) .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
المعيار الثاني / يعتقد أصحاب هذا المعيار أن المجال الجوي هو ذاته الغلاف الجوي وهو مرادف له ويمكن للدولة وفقا لهذا المعيار أن تدعي بالسيادة على الهواء إلى حد 10000 ميل فوق إقليمها . ولكن الأخذ بهذا المعيار سيجعل الغلاف الجوي داخلا ضمن السيادة الإقليمية للدولة وخارج عن نطاق المشتركات العالمية باستثناء القدر الذي يعلو البحر العام والقارة القطبية الجنوبية كونهما من المشتركات العالمية .
المعيار الثالث / ذهب أصحاب هذا المعيار إلى أن سيادة الدولة على إقليمها الجوي تمتد إلى مسافة 75 ميلاً فوق سطح البحر ، وقسموا هذا الارتفاع على منطقتين ، ترتفع المنطقة الأولى لغاية 25 ميلاً وتخضع لسيادة الدولة المطلقة ، وترتفع الثانية حتى 75 ميلاً فوق سطح البحر وتكون خاضعة لسيادة مقيدة وذلك بضرورة السماح للأجهزة الفضائية بالمرور عبرها . ووفقا لهذا المعيار ستقع طبقة التربوسفير وجزء من طبقة الستراتوسفير ضمن حدود السيادة الإقليمية للدولة . وفي الواقع ، لا يمكن الأخذ بأي من المعايير أعلاه كون ذلك سيجعل من الغلاف الجوي بأكمله أو جزء منه ضمن يقع ضمن السيادة الإقليمية للدولة وهذا لا يمكن قبوله . فالغلاف الجوي هو عبارة عن مجموعة من الغازات ، أو هو الهواء نفسه ، والهواء بحكم طبيعته لا يمكن اعتباره جزءً من إقليم أية دولة ، كون الهواء لا يعرف معنى للحدود السياسية ولا يتحدد بحدود ، فالهواء ينتقل من إقليم دولة إلى أخرى دون أن تستطيع أي دولة أن تسيطر على هذا الانتقال أو توقفه أن تحد منه.
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
كما كان هناك دور واضح من قبل اللجنة الدولية للاستخدامات السلمية للفضاء الخارجــي ، حيث أقرت هذه اللجنة بالضرورات العملية التي تقتضي أن تكون هناك حدود بين المجال الجوي والفضاء الخارجي . إضافة إلى إن هذه اللجنة اكدت بأن هذا التحديد ليس بالضرورة أن تكون له علاقة بموضوع الغلاف الجوي والمشاكل المتصلة به ، بل لغرض توضيح اللبس والغموض فيما يعتبر خرقا لسيادة الدولة أم لا يعتبر كذلك .
لقد اجمع غالبية الفقهاء على أن الهواء يعتبر من الموارد الطبيعية الدولية التي لا يجوز إخضاعها للسيادة الوطنية ، كون المسائل المتعلقة بالغلاف الجوي تثير مشاكل دولية ذات طبيعة عالمية لا يمكن المساس بها ، ولو أصبح الغلاف الجوي ضمن سلطة الدولة وخاضعا لسيادتها الإقليمية فأن ذلك يؤدي إلى عجز القانون الدولي من التدخل لتنظيم هذا الموضوع المهم بسبب تمسك الدول بسيادتها الإقليمية وعدم السماح لغيرها في التدخل بشؤونها . وقد تم اعتماد هذا المفهوم عند صياغة مبادئ التعاون الدولي في مجال التأثير بالطقس عام 1980 من قبل خبراء برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأرصاد الجوية من أن " الغلاف الجوي يعد مورداً طبيعيا " . كما طرح مفهوم " الإرث الشائع للإنسانية " عند إعداد مشروع المبادئ المتعلقة بالطقس في الأمم المتحدة من قبل برنامج الأمم المتحدة للبيئة في المبدأ الأول الذي ينص على ( إن الغلاف الجوي جزءا من الإرث الإنساني الشائع ) غير أن هذا النص لم يعتمد في الصيغة النهائية للمشروع .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
يقول البروفسور الفريد بان " لا يمكن لأية دولة الإدعاء بملكية الغلاف الجوي ، فأن الدول في حقيقة الأمر تســاهم جميعها بالإضرار به من خلال زيادة تراكيز الغازات فيه والتي تؤدي إلى تغير المناخ واستنفاد طبقة الأوزون ، إذ أن مثل هذه القضايا تسمح بالنظر إلى الغلاف الجوي كتراث مشترك للإنسانية " كما إن هناك من يصف طبقة الأوزون بالتراث المشترك للإنسانية بالاعتماد على وظيفتها المتمثلة بمنع الأشعة فوق البنفسجية من النفاذ إلى الأرض . إن الغرض من تطبيق مفهوم التراث المشترك للإنسانية هو محاولة لتطوير التنظيم الدولي في المشتركات العالمية ، وهناك من نادى بهذا المفهوم ليشمل به الغلاف الجوي ايضا بوصفه من المشتركات الإنسانية ، غير انه برغم ذلك فان هذا المفهوم لم يلق قبولا واسعا في نطاق الغلاف الجوي ، وسوغ أصحاب هذا الرأي ذلك بأن النشاطات ذات التأثير في الغلاف الجوي تكون خاضعة لسيادة كل دولة وتنفذ في إقليمها الذي يخضع لسيادتها وحدها ، في حين أن تطبيق مفهوم التراث المشترك للإنسانية قد برز ليطبق على الموارد الطبيعية وثرواتها الموجودة في المناطق الواقعة خارج نطاق حدود السيادة أو الولاية الوطنية لكل دولة .
بينما يرى الأستاذ ألن بويل أن التعامل مع الغلاف الجوي كمشترك عالمي هو غير مناسب ، وذلك لأن الغلاف الجوي هو حيز ضروري لكل من سيادة الدولة على مجالها الجوي والملكية المشتركة ، فيرى أنه لا يوجد تشابه بين أعالي البحار كمشترك عالمي وبين الغلاف الجوي ، وفي الوقت نفسه يرى بويل بأنه لا يمكن النظر إلى الغلاف الجوي كملكية مشتركة بالمعنى العادي المقبول للمناطق التي تقع خارج حدود الولاية الوطنية للدولة .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
ومهما يكن من أمر ، فليس هناك أي اتفاق في نطاق القانون الدولي حول اعتبار الغلاف الجوي هو مشترك عالمي ، بل ولا يوجد اعتراف واضح من القانون الدولي بذلك . ولكن بالإمكان الاستناد في ذلك على القانون الدولي العرفي . حيث تم قبول قرار الحكم الصادر من محكمة التحكيم في قضية مصهر تريل بشكل واسع والذي جاء فيه (( لا يمكن لأية دولة أن تستخدم أو أن تسمح باستخدام إقليمها بالطريقة التي تسبب الإضرار بالدول الأخرى )) . وقد ورد نص مشابه لمضمون هذه القاعدة في المبدأ الحادي والعشرين من إعلان استوكهولم لعام 1972 والذي نص على " للدول وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ، الحق السيادي في استغلال مصادرها الخاصة ، وعليها مسؤولية التأكد من أن الأنشطة التي تمارس تحت ولايتها أو رقابتها لا تسبب ضررا للبيئة في دول أخرى أو في مناطق خارج حدود الولاية الوطنية " . كما أعيد صياغة هذا المبدأ مرة أخرى في إعلان ريو دي جانيرو عام 1992 حول البيئة والتنمية وذلك في المبدأ الثاني ، فالقاعدة بهذا الشكل بدأت تشكل جزءا من القانون الدولي العرفي . فضلا عن ذلك ، فقد أثبتت الاتفاقيات الدولية المتعلقة بالسيطرة على تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى والبروتوكولات الملحقة بها على إن بيئة الغلاف الجوي ليست خاصة بالدول الأطراف في الاتفاقية ، بل هي مشترك عالمي . كما أن اتفاقية فينا لعام 1985 والمتعلقة بحماية طبقة الأوزون وبروتوكول مونتريال لعام 1987 وتعديلاته أكدت على ( سواء امتدت سيادة الدولة على مجالها الجوي أو لم تمتد في طبقة الأوزون ، وبعبارة أخرى ، سواء كانت طبقة الأوزون
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
هي مشترك عالمي أو جزء منه فأن هذا ليس له علاقة بعالمية الغلاف الجوي حقيقة . حيث أن الإتفاقية والبروتوكول الملحق بها قد تعاملت مع طبقة الأوزون كوحدة واحدة ، أي ليست هناك محاولة لفصل الجزء الخارجي من طبقة الأوزون الذي لا يقع تحت سيادة الدولة وبين الجزء الذي يقع ضمن حدود سيادتها ) . كما نصت اتفاقية تغير المناخ لعام 1992 في ديباجتها على أن تغير المناخ هو ( اهتمام مشترك للإنسانية ) ، وأقرت في الفقرة الخامسة من الديباجة ( إن طبيعة المناخ تدعو إلى التعاون الواسع والمحتمل من قبل جميع الدول ومشاركتها الفعالة في تحديد الاستجابة الدولية ) ، وأعادت في الفقرة الثامنة الدعوة إلى المبدأ الحادي والعشرين من إعلان استوكهولم لعام 1972 والمبدأ الثاني من إعلان ريو لعام 1992 اللذان يوازنان بين سيادة الدولة ومسؤوليتها في نطاق البيئة ، وبهذا فان هذه اتفاقية تغير المناخ لعام 1992 لم تميز بين المناطق الواقعة ضمن ولاية الدولة من الغلاف الجوي والتي لا تقع ضمن ولايتها .
وورد في التوصيات المقدمة من مجلس الكنائس العالمي إلى مؤتمر الأطراف السادس لاتفاقية تغير المناخ عام 2000 من أن " الغلاف الجوي هو الذي يحيط بالكرة الأرضية ، يغذيها ويحميها ، وهو يخص جميع البشر ويشتركون فيه اليوم وفي المستقبل ، وانه لا يمكن السماح لأية قوة سياسية أو اقتصادية الإضرار به أو الادعاء بملكيته " ، وجاء فيها ايضا " إننا نفهم أن الغلاف الجوي هو جزء من خلق الله ومن ثم فان الاهتمام به وحمايته تكون بالمشاركة من قبل الجميع " .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
ومما تقدم ، يمكن القول بأن الغلاف الجوي هو جزء من المشتركات العالمية التي تهم المجتمع الدولي ككل والذي يجب أن ينظر إليه شأنه شأن أعالي البحار والفضاء الخارجي ، كونه يحمي الجميع ووجوده يضمن لهم اســتمرار الحياة والعيش على هذه الأرض . ونظراً لما له من دور كبير وفعال وما يمارسه من وظائف مهمة ، فأن الاهتمام به من مسؤولية الجميع ومن ثم يجب أن ينظر إليه كمشترك عالمي وإنساني.
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
المبحث الثاني أسباب تلوث الغلاف الجوي إن مشكلة تلوث الغلاف الجوي باتت من المشاكل الرئيسة التي تواجه المجتمع الدولي بأسره ، وذلك لما لهذه الظاهرة من آثار خطيرة على البيئة والإنسان لا يمكن تجاهلها . فما هو التلوث وما أسبابه ؟ هذه مسائل سيتم بحثها في المطلبين الآتيين :-
المطلب الأول : تعريف التلوث .
المطلب الثاني : أسباب التلوث .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
المطلب الأول تعريف التلوث
بصورة عامة ، يمكن اعتبار التلوث بأنه كل ما يؤثر في جميع العناصر البيئية بما فيها من نبات وحيوان وإنسان ، وكذلك كل ما يؤثر في تركيب العناصر الطبيعية غير الحية مثل الهواء والتربة والبحيرات والبحار وغيرها . وأصبح تلوث البيئة ظاهرة يشعر بها الجميع فلم تعد البيئة قادرة على تجديد مواردها الطبيعية وأختل التوازن بين عناصرها المختلفة ، ولم تعد هذه العناصر قادرة على تحليل مخلفات الإنسان أو استهلاك النفايات الناتجة من نشاطاته المختلفة ، وأصبح جو المدن ملوثا بالدخان المتصاعد من عوادم السيارات وبالغازات المتصاعدة من مداخن المصانع ومحطات القوى ، والتربة الزراعية قد تلوثت نتيجة الاستعمال المكثف للمخصبات الزراعية والمبيدات الحشرية ، وحتى الكائنات الحية لم تخل من هذا التلوث . كذلك أدى التقدم في الصناعة الهائل الذي صحب الثورة الصناعية إلى إحداث ضغط هائل على كثير من الموارد الطبيعية ، خصوصا تلك الموارد غير المتجددة مثل الفحم وزيت البترول وبعض الخامات المعدنية والمياه الجوفية ، وهي الموارد الطبيعية التي احتاج تكوينها إلى انقضاء عصور جيولوجية طويلة ولا يمكن تعويضها في حياة الإنسان . ولقد صحب هذا التقدم الصناعي الهائل الذي أحرزه الإنسان ظهور أصناف جديدة من المواد الكيميائية لم تكن تعرفها البيئة من قبل ، فتصاعدت بعض الغازات الضارة من مداخن المصانع ولوثت الهواء وألقت هذه المصانع بمخلفاتها الكيميائية السامة في البحيرات والأنهار .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
وقد أسرف الناس في استخدام المبيدات الحشرية ومبيدات الآفات والمخصبات الزراعية ، وأدى كل ذلك إلى تلويث البيئة بكل صورها، فتلوث الهواء وتلوث الماء وتلوثت التربة واستهلكت ، وأصبحت بعض الأراضي الزراعية غير قادرة على الإنتاج ، كذلك ازدادت مساحة الأراضي التي جردت من الأحراش والغابات ، وارتفعت أعداد الحيوانات والنباتات التي تنقرض أو تنفق كل عام ، كما ارتفعت نسبة الأنهار والبحيرات التي فقدت كل ما بها من كائنات حية وتحولت إلى مستنقعات . ويمكن تشبيه بعض المدن الصناعية الكبرى مثل طوكيو ونيويورك ولندن وباريس والقاهرة ... إلخ بالبراكين الثائرة ، حيث يقذف سكان تلك المدن وآلاتهم ومصانعهم ومركباتهم بمئات الآلاف من الأطنان من الغازات السامة والأتربة وعوادم السيارات والمصانع إلى الهواء الجوي ، وتكون هذه الغازات والأتربة غلاله أو سحابة رمادية أو زرقاء اللون تغطي تلك المدن . وتزحف هذه السحب السوداء فوق القارات بفعل تيارات الهواء لتلوث مناطق أخرى . وقد برزت مشكلة التلوث وتعاظم خطرها مع تقدم الصناعة واستخدام الآلات الحديثة وأسلحة الحرب المدمرة على نطاق واسع ، وكانت الدول الصناعية الكبرى سباقة إلى اكتشاف المشكلة ومخاطرها والبحث عن الحلول المناسبة لمعالجتها ، كما كانت سباقة في إحداث التلوث والإخلال بالتوازن البيئي . ومع التزايد المستمر في عدد سكان العالم تتفاقم مشكلة التلوث وتتضخم مخاطرها ويتحتم البحث عن حلول جذرية لحماية البشرية من كوارث محققة . وأول ما يمكن ملاحظته هو أن هذا التلوث أدى إلى حدوث انقلاب خطير في النظام الكوني ، حيث اختلطت الفصول فلا يعرف الصيف من الشتاء أو الخريف
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه أو الربيع ، وذلك بسبب التزايد المستمر لغاز ثاني أكسيد الكربون، وهو السبب أيضاً في تحريك الكتل الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية وهبوب العواصف وحلول كثيــر من الكوارث الطبيعية ، كهطول الأمطـار حول الكرة الأرضية وحدوث الفيضانات وانحسار حزام الأمطار حول الكرة الأرضية عن أماكن أخرى فيصيبها الجفاف. ومن الجدير بالذكر انه ليس الإنسان فقط هو من يسبب تلوث البيئة نتيجة لقيامه بنشاطاته ، إذ أن للكوارث الطبيعية دوراً في تلويث البيئة ايضا وقد يكون ضررها أشد من فعل الإنسان . عليه ، يرى البعض بأن وضع تعريفا عاما للتلوث يجابه بصعوبات على أساس أن للتلوث مصادر متعددة وأنواعا مختلفة ، غير انه بالإمكان إيجاد تعريف عام حول مختلف أنواع التلوث والطرق التي ينجم عنها . حيث عرف التلوث في مؤتمر استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 بأنه : " أي خلل في أنظمة الماء والهواء أو الغذاء يؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر على الكائنات الحية ويلحق ضررا بالممتلكات الاقتصادية " وهناك تعريف آخر : " هو كل ما يؤدي ، نتيجة التكنولوجيات المستخدمة ، إلى إضافة مادة غريبة الى الهواء أو الماء أو الغلاف الجوي الأرضي بشكل كمي يؤثر على نوعية الموارد ويفقدها خواصها وعدم ملائمة استخدامها " . ولكن يمكن إعطاء تعريف عام عن التلوث بأنه : " التغير السلبي الذي يطرأ على احد مكونات الوسط البيئي الذي ينتج كلا أو جزءا عن النشاط البشري الحيوي أو الصناعي ، وذلك بالمقارنة مع الوضع الطبيعي الذي كان سائدا قبل تدخل الإنسان . إذ يمكن لهذه التغيرات أن تؤثر مباشرة أو بشكل غير مباشر على التوازن البيئي وذلك عن طريق الطعام والهواء والماء والمنتجات الزراعية المختلفة " . القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
المطلب الثاني أسباب التلوث إن أهم المشاكل التي يعانيها الغلاف الجوي والتي تمثل تهديدا للبيئة والحياة على الأرض تتمثل بصورة رئيسية في استنفاد طبقة الأوزون من خلال إطلاق مركبات الكلوروفلوروكاربون ( CFCs ) التي تعد المسبب الرئيس لاستنفاد طبقة الأوزون ، إضافة إلى أن مشكلة تغير المناخ والاحتباس الحراري الحاصل اليوم يمثل المشكلة الثانية التي تواجه الغلاف الجوي من خلال زيادة تراكيز الغازات الدفيئة ( Greenhouse Gas ) في الغلاف الجوي مثل غاز ثاني اوكسيد الكربون والميثان ، وتعرف الغازات الدفيئة بأنها " تلك المكونات الغازية الموجودة في الغلاف الجوي سواء كانت طبيعية المنشأ أو بشرية ، التي تمتص وتبعث بالإشعاع في أطوال موجية معينة في نطاق طيف الأشعة تحت الحمراء التي تنبعث من سطح الأرض والغلاف الجوي والسحب ، وان هذه الخاصية هي التي تسبب ظاهرة الاحتباس الحراري " . وأهم أسباب تلوث الغلاف الجوي هي تلك الملوثات التي تنبعث من المصادر الصناعية بسبب احتراق الوقود من فحم أو نفط أو غاز ، ونتيجة لزيادة تراكيز هذه الغازات في الغلاف الجوي فأنها تسبب الإضرار به ، حيث كان من نتيجة هذه الانبعاثات الخطيرة هطول الأمطار الحامضية واستنفاد طبقة الأوزون وتغير المناخ . وتتمثل هذه الملوثات في الآتي :- اولاً : أكاسيد النتروز ( NOx ) . تنبعث هذه الاكاسيد نتيجة لاحتراق الفحم والغاز الطبيعي وما يخرج من عوادم السيارات ، فتتحد هذه الاكاسيد مع غازات طبقة الأوزون وتؤدي إلى استنفاد الأوزون .
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
إن طبقة الأوزون تمنع مرور الأشعة فوق البنفسجية المنطلقة من الشمس من المرور عبرها إلا بالتراكيز المطلوبة ، واستنفاد طبقة الأوزون سوف يسمح لهذه الأشعة بالنفاذ بمعدل اكبر من المعدل المطلوب .
ثانيا : ثاني اوكسيد الكبريت ( SO2 ) . وينبعث بصورة رئيسية من احتراق الوقود ( النفط والفحم ) كونها تحتوي على نسبة من مركبات الكبريت والمستخدم في محطات توليد الطاقة الكهربائية والمراجل الصناعية والمدافيء المنزلية ، أو عن طريق البراكين الطبيعية ، ويعتبر هذا الغاز المسبب الرئيس للأمطار الحامضية .
ثالثا : ثاني اوكسيد الكاربون ( CO2 ) . يوجد هذا الغاز في تركيبة الغلاف الجوي الطبيعية بنسبة 0,03 % ، وينبعث نتيجة احتراق المواد العضوية كالفحم والنفط والغاز الطبيعي ، وتؤدي زيادة تركيزه في الغلاف الجوي إلى وجود ظاهرة الاحتباس الحراري فضلا عن تسببه بالمطر الحامضي .
رابعاً : مركبات الكلوروفلوروكاربون ( CFCs ) . العناصر الكيميائية المكونة لهذه المركبات هي عنصر الكلور ( CL) وعنصر الفلور ( F ) وعنصر الكاربون ( C ) ، ومركبات الكلوروفلوروكاربون هي مركبات عضوية صناعية تستخدم في أجهزة التبريد وتعرف بالاسم التجاري لها بغاز الفريون ، وتنتج هذه المركبات ايضا عن احتراق الوقود المستخدم في محركات الصواريخ المستخدمة لدفع مكوك الفضاء ، وتعد هذه المركبات من أكثر مسببات استنفاد طبقة الأوزون ، كون ذرات الكلـــور تتفاعل مع جزيئة
القسم الأول - الفصل الأول الطبيعة القانونية للغلاف الجوي وأسباب تلوثه
الأوزون فتحطمها وتنتج اكاسيد الكلور التي تتحلل بسرعة وتعود ذرة الكلور حرة مرة أخرى لتحطم جزيئة أخرى من الأوزون ، ومن الممكن لذرة واحدة من الكلور أن تحطم مئة ألف جزيئة من جزيئات الأوزون ، كما انه بإمكان مركبات الكلوروفلوروكاربون أن تبقى في الغلاف الجوي لمدة تزيد على المائة عام .
الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
هناك مبادئ عامة تحكم العلاقات بين الدول فيما يتعلق بحماية البيئة بوجه عام والغلاف الجوي بوجه خاص ، وقد استقرت هذه المبادئ في إطار القانون الدولي كونها تسهم في حماية وتطوير البيئة ، ومنها مبادئ دولية عامة ، ومنها مبادئ دولية ظهرت حديثا اتفقت عليها غالبية الدول . ولدراسة البعض من هذه المبادئ ، قسم هذا الفصل على مبحثين :
المبحث الأول : المبادئ العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث.
المبحث الثاني : بعض المبادئ الدولية الحديثة في حماية الغلاف الجوي من التلوث .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المبحث الأول المبادئ العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
من أهم المبادئ العامة التي استقرت في نطاق القانون الدولي والمتعلقة بحماية وتطوير البيئة والغلاف الجوي هما مبدأ عدم تلويث البيئة ومبدأ حسن الجوار . وسنتناول كل منهما في مطلب مستقل :
المطلب الأول : مبدأ عدم تلويث البيئة .
المطلب الثاني : مبدأ حسن الجوار .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الأول مبدأ عدم تلويث البيئة
عرف هذا المبدأ واستقر عن طريق العرف الذي أضفى عليه الصفة الإلزامية من خلال استمرار العمل به من قبل الدول والتزامهم به ، وهذا يؤكد بأنه ليس مبدأ حديث النشأة بل نتاج زمن طويل يكفي لتكون له صفة العرف الملزم . وصار هذا المبدأ اليوم من المبادئ الأساسية في القانون الدولي البيئي ، وهو تطبيق وانعكاس لمبدأ آخر استقر في القانون الدولي وهو مبدأ " استعمل مالك دون الإضرار بالآخرين ". الذي افرزه قرار محكمة التحكيم في قضية مصهر تريل بين الولايات المتحدة وكندا عام 1949 . كما أن المبدأ الحادي والعشرين من إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 قد تضمن هذا المبدأ وقننه ، وأعيد النص عليه في إعلان ريو حول البيئة والتنمية لعام 1992 في المبدأ الثاني منه ، وكذلك في حكم محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري بشأن شرعية التجارب النووية عام 1996.
الفرع الأول استعمل مالك دون الإضرار بالآخرين لقد استقر هذا المبدأ منذ صدور قرار الحكم في قضية مصهر تريل الذي جاء فيه: إن المحكمة وجدت بأنه " بموجب مبادئ القانون الدولي وقانون الولايات المتحدة ، ليس لأية دولة الحق في أن تستخدم إقليمها أو السماح باستخدامه بالطريقة التي تسبب الضرر في إقليم دولة أخرى أو ممتلكات الأشخاص الموجودين فيه ،
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
عندما تكون النتائج خطرة والضرر ناجم عن مصادر واضحة " . ويقول الفقيه لوترباخت " إن هذا المبدأ ينطبق على العلاقات بين الدول كما ينطبق على العلاقات بين الأفراد " . فوفقا لهذا المبدأ يحق للدولة أن تستخدم إقليمها كيفما تشاء وتمارس عليه أنشطتها المختلفة ، ولكن بحدود عدم الإضرار بالدول والأقاليم الأخرى ، كون حق الدولة في استخدام إقليمها ليس حقا مطلقا وإنما مقيد ويتأثر متى ما أتت الدولة أضرارا جسيمة بالدول الأخرى نتيجة لنشاطاتها التي تقوم بها . وأكدت ذلك محكمة العدل الدولية في حكمها الصادر بشأن قضية مضيق كورفو بين بريطانيا وألبانيا السابق الذكر والذي جاء فيه " ليس من حق أية دولة أن تستخدم إقليمها بالشكل الذي يضر بمصالح الدول الأخرى " . ويجب على الدول وفقا لهذا المبدأ أن لا تستخدم في إقليمها أي نشاط من شأنه أن يلحق الضرر بالدول الأخرى لاسيما المجاورة لها ، وعليها كذلك أن لا تسمح بتنفيذ أي نشاط على إقليمها يسبب تلك الأضرار. إن هذا المبدأ يشير إلى الأضرار الذي لا يمكن تحملها والتي توصف بالخطرة ، بينما بالإمكان تحمل الأضرار التي هي دون ذلك والتي يمكن تحملها وفقا لمبدأ حسن الجوار .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
الفرع الثاني المبدأ 21 من إعلان استوكهولم للبيئة البشرية 1972
ينص هذا المبدأ على " للدول ، وفقا لميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي ، الحق السيادي في استغلال مصادرها وفقا لسياستها البيئية ، وعليها مسؤولية التأكد من أن الأنشطة التي تمارس تحت ولايتها أو رقابتها لا تسبب ضررا للبيئة في دول أخرى أو في مناطق خارج حدود الولاية الوطنية " . وهذا يعني أن مبدأ عدم تلويث البيئة قد قنن في النص أعلاه من إعلان استوكهولم. ويؤكد غالبية الشراح إن هذا المبدأ هو انعكاس للقانون الدولي العرفي الذي تأكد في قضيتي مصهر تريل ومضيق كورفو . ويتضمن هذا المبدأ عنصرين هما: العنصر الأول / إن هذا المبدأ يؤكد الحق السيادي للدول على مصادرها الطبيعية ، ودعوة الدول لتطوير سياستها لحماية البيئة . العنصر الثاني / انه يؤكد واجب الدول في ضمان الأنشطة التي تضطلع بها أو تلك التي هي تحت رقابتها أو ولايتها أن لا تسبب ضررا لبيئة دول أخرى . ويترتب على هذه العناصر أن تلتزم الدول بألا تأتي أعمالا مضرة بالبيئة ، ليس فقط تجاه الدول والأقاليم الأخرى ، بل حتى في مواجهة المناطق التي تقع خارج حدود الولاية الوطنية لأية دولة مثل أعالي البحار والفضاء الخارجي ، أي المشتركات العالمية ومن ضمنها الغلاف الجوي .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
الفرع الثالث محكمة العدل الدولية أقرت محكمة العدل الدولية بأن القانون الدولي سواء كان عرفيا أم اتفاقيا لا يجيز ولا يمنع صراحة استخدام الأسلحة النووية ، وجاء ذلك على خلفية رأيها الاستشاري عام 1996 بشأن شرعية التجارب النووية . حيث أن المحكمة لغاية ذلك العام لم تقر بأن المصالح البيئية هي من بين المصالح التي يجب أن تحميها الدول . ورأت المحكمة إن تحريم استخدام الأسلحة النووية يجب أن يكون من خلال القانون الدولي البيئي ، وبينت المحكمة بأنه لا يمكن أن يكون المقصود من وجود الاتفاقيات البيئية هو تحريم لجوء الدول إلى حقها في الدفاع عن النفس بموجب القانون الدولي وان القانون الدولي البيئي لا يشكل مانعا مستقلا لاستخدام هذه الأسلحة ، غير أن محكمة العدل الدولية لاحظت الآتي : اعترفت المحكمة بأن البيئة تؤلف المجال المهم لحياة الإنسان الآن وفي المستقبل ، كما أقرت بأن الانتهاكات اليومية للبيئة واستخدام الأسلحة النووية يمكن أن يشكل كارثة على البيئة ، ويجب على جميع الدول أن تلتزم بضمان أن النشاطات التي تنفذ تحت ولايتها أو سيطرتها هي نشاطات تقوم بها في إطار احترام بيئة الدول الأخرى وكذلك المناطق التي لا تخضع لولاية أية دولة كالفضاء الخارجي وأعالي البحار . ويبدو هنا بأن محكمة العدل الدولية قد أعادت نص المبدأ 21 من إعلان استوكهولم بشكل مختلف نسبيا ، إلا أنها وافقت على الالتزام باحترام البيئة والعمل على حمايتها وعدم التسبب بالإضرار بها .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الثاني مبدأ حسن الجوار
جاء في ديباجة ميثاق منظمة الأمم المتحدة ، بأن تتعهد شعوب الأمم المتحدة بأن تعيش معا في سلام وحسن جوار ، كما أن المادة 47 من الميثاق أكدت هذا المبدأ ، وهو يعد من المبادئ المستقرة في القانون الدولي . وبخصوص تطبيق قواعد مبدأ حسن الجوار في نطاق حماية الغلاف الجوي من التلوث ، فأنه يجب على الدول الالتزام بعدم القيام بأي عمل من شأنه الإضرار بأقاليم الدول الأخرى على الرغم من مشروعية تلك الأعمال .
وأهم الالتزامات التي يتضمنها مبدأ حسن الجوار هي : الأول / على الدول الامتناع عن القيام بأي عمل على إقليمها ينتج عنه ضررا بمصالح دول أخرى ، وهو التزام سلبي . الثاني / على الدولة اتخاذ الاحتياطات اللازمة لمنع الخاضعين لها من القيام بأية أعمال يمكن أن تمتد آثارها إلى أقاليم الدول المجاورة ، وهو التزام ايجابي .
وحيث أن تلوث الهواء الذي يكون مصدره دولة ما ، لا يقتصر أثره على تلك الدولة بل يمتد إلى الدول المجاورة ذات الحدود المشتركة معها أو قد يصل إلى مسافات بعيدة جدا عن المصدر ، فمن هنا يمكن القول بضرورة تطبيق الالتزامات التي يفرضها مبدأ حسن الجوار في مجال حماية الغلاف الجوي ، كون الهواء بحكم طبيعته لا يعرف معنى للحدود الدولية.
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
ومثال على ذلك : إن الإمطار الحامضية وهي إحدى المشاكل التي يواجهها الغلاف الجوي ، قد سببت أضرارا بالغة الخطورة في شمال أوربا وأمريكا الشمالية . إذ أن المعالجات التي قامت بها الدول الصناعية في جنوب أوربا أدت إلى انتقال الأبخرة إلى شمالها مسببة هطول الأمطار الحامضية في الدول الاسكندنافية بشكل خاص والتي لا تربطها بالدول المصدر أي اتصال مادي .
كذلك فأن نشاطات الدول الصناعية تعتبر أهم مصادر زيادة تراكيز الغازات الدفيئة مثل ثاني اوكسيد الكربون الذي هو احد المسببات الرئيسة لتغير المناخ العالمي والذي له أخطار بيئية عالية على البيئة بصورة عامة ولا فرق بين من يساهم بهذه الانبعاثات الخطيرة وبين من لا يساهم ، فالجميع يشمله خطر التلوث ، وهذا الأمر هو ذاته فيما يتعلق باستنفاد طبقة الأوزون .
وخلاصة القول ، إن مفهوم الجوار في نطاق حماية الغلاف الجوي هو ليس جوارا ماديا فقط ، وان الالتزامات التي يقررها مبدأ حسن الجوار يجب أن تطبق على جميع الدول ولا أهمية في هذا المقام إلى الاتصال المادي للحدود ، كون الهواء بطبيعته لا يعرف معنى لسيادة الدولة ولا للحدود الدولية ، ويمكن القول بأن جميع الدول يمكن أن توصف بأنها متجاورة ما دامت كتلة الهواء تعبر من دولة إلى أخرى دون رقيب يستطيع منعها من المرور .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المبحث الثاني بعض المبادئ الدولية الحديثة في حماية الغلاف الجوي من التلوث
إن أهمية الغلاف الجوي ، بوصفه أحد المشتركات العالمية التي يقتضي التعاون الجاد من قبل المجتمع الدولي لحمايته ، وذلك لضمان استمرار الحياة على الأرض ، كل ذلك يحتم على الدول أن تساهم في حماية الغلاف الجوي من المشاكل التي يتعرض لها ، وأحد سبل هذا التعاون هو التزام الدول ببعض المبادئ الدولية الحديثة التي من شأنها الحد أو وقف تلوث الغلاف الجوي ، حيث لو تفاقمت آثار التلوث إلى الحدود الخطيرة فأنه يصعب حينها معالجة الأمر حتى لو اشترك الجميع في تلك المعالجة . وهناك بعض من المبادئ الحديثة التي تسهم في حماية الغلاف الجوي من التلوث، وسوف نخصص لكل منها مطلب وعلى النحو الآتي:
المطلب الأول : مبدأ المنع .
المطلب الثاني: مبدأ الحذر .
المطلب الثالث : مبدأ التنمية المستدامة .
المطلب الرابع: مبدأ الملوث يدفع.
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الأول مبدأ المنع
يقال أن منع الشيء قبل أن يقع أفضل من تركه يقع ومن ثم التعامل معه ، وهناك قاعدة عامة تقول " الوقاية خير من العلاج " . إن مبدأ المنع يعني أن أفضل الطرق في حماية البيئة هو منع الإضرار بها بدلا من معالجة التلوث الذي يحصل فيما لو حدثت تلك الأضرار، وان منع الضرر يكون اقل تكلفة من إصلاحه إذا ما حدث. لقد تطور هذا المبدأ على المستوى الدولي حيث تضمنه إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 في المبدأ السادس منه فنص على " إن تفريغ المواد السامة أو أية مواد أخرى وإطلاق الحرارة ، في مثل الكميات أو التراكيز التي تتجاوز قابلية البيئة لدفع الضرر عنها ، يجب أن توقف لضمان أن الأضرار الخطرة التي لا يمكن ردها لا تفرض على البيئة " . لقد تم وصف هذا المبدأ من قبل بعض العلماء بأنه من القواعد الذهبية في القانون الدولي البيئي، على اعتبار أن هناك استحالة في غالب الأحيان من معالجة الأضرار البيئية ولو أمكن معالجتها فسوف تكون مكلفة جدا.
إن هذا المبدأ يفرض على الدول أن تبذل العناية وذلك من خلال تبنيها إجراءات مناسبة تمنع الإضرار بحقوق الدول الأخرى ، وإصلاح الضرر ومعاقبة المسبب وهو الالتزام المتعلق بولاية الدولة على إقليمها . وأخيرا ، يمكن القول بأن هذا المبدأ له دور مهم في معالجة التلوث من خلال منع حدوثه ابتداء أو التقليل من ضرره إلى ابعد حد ممكن .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الثاني مبدأ الحذر
ويعني به ، التأهب لأي تهديد محتمل أو افتراضي ، أي عندما لا تتوفر الدلائل القوية التي تؤيد حصول ضرر حقيقي ما . وهذا المبدأ يعتمد على المنع المعتمد على الاحتمالية والحالات الطارئة ، ولذا فهو يوصف بأنه شكلا متطورا لمبدأ المنع وقريب جدا منه ، وذلك بسبب أن كلا المبدأين تضمنا العمل المضاد لتجنب الضرر البيئي قبل حدوثه ، فهو إذن تطبيق لمبدأ المنع وذلك عندما تكون المعلومات العلمية غير مؤكدة وغير مكتملة .
ولقد تضمن إعلان ريو هذا المبدأ حيث نص في المبدأ 15 منه على : " من أجل حماية البيئة ، فأن مبدأ الحذر يجب أن يطبق بشكل واسع من قبل الدول وفقا لمقدرتها ، وحينما تكون التهديدات خطرة أو أن الأضرار لا يمكن ردها ، فأن نقص المعلومات العلمية المؤكدة يجب ألا تستخدم كسبب لإرجاء كلفة الإجراءات الفعالة لمنع الانحدار البيئي .
وقد أخذت غالبية الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحماية الغلاف الجوي بهذا المبدأ ، منها اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشان تغير المناخ لعام 1992 ، وكذلك بروتوكول غوتنبيرغ لعام 1999 الملحق باتفاقية جنيف بشان تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى لعام 1979 .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الثالث مبدأ التنمية المستدامة
وهو مبدأ يعنى بالتنظيم الاجتماعي ويتضمن تدابير التكنولوجيا وتحسينها من اجل تعزيز النمو الاقتصادي في حدود قدرة البيئة . ويمكن تعريف التنمية المستدامة بأنها " التنمية التي تلبي حاجات الحاضر دون المساومة على قدرة الأجيال المقبلة في تلبية حاجاتهم " إن المجتمعات ، ومن خلال رغبتها في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي تلجأ إلى شتى الوسائل التي تساعدها على تحقيق تلك الأهداف ، من هذه الوسائل هي التسابق في مجال الصناعة والاختراعات الحديثة ، ولكون أغلبية هذه الصناعات لا تتم إلا من خلال مزاولة النشاطات الضارة بالبيئة ، مما يعرض مستقبل الأجيال القادمة لخطر كبير . إذ أن انبعاث الغازات الملوثة إلى الجو هو تهديد خطير للأنظمة الطبيعية التي تديم الحياة على سطح الأرض ، ولهذا فأن مبدأ التنمية المستدامة يهدف إلى عدم تهديد هذه الأنظمة الطبيعية بالخطر الناتج عن التلوث البيئي ، كون هذه الأنظمة الطبيعية هي التي تديم الحياة على سطح الأرض ومنها الغلاف الجوي . والغرض من هذا المبدأ هو استيعاب آثار الأنشطة الإنسانية وتلبية الاحتياجات الضرورية لبني البشر وتوفير الفرص لهم لتحسين حياتهم ، وتغيير أنماط الحياة لجعلها في إطار ما تسمح به الوسائل البيئية . وعلى الرغم من أن للدولة حق في التنمية ، ولا يمكن أن تتوقف عجلة التنمية في أية دولة من الدول ، إلا انه في الوقت نفسه على الدولة أن تراعي احترام البيئة وان تجعل حقها في التنمية مقيدا بحدود ما تتحمله البيئة وعدم تجاوز تلك الحدود .
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
لقد نص إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 في المبدأ الحادي عشر منه على " إن سياسات كل دولة يجب أن تعزز التنمية في الدول النامية ، ويجب أن لا يكون لها تأثيرات سلبية على حاضر أو مستقبل التنمية فيها " . ومن الجدير بالذكر إن ما يقارب من ثلث مبادئ إعلان استوكهولم تتعلق بالتنسيق بين التنمية والبيئة . كما أكد إعلان ريو لعام 1992 بشان البيئة والتنمية على مبدأ التنمية المستدامة في خمس مبادئ منه هي المبادئ ( 4 ، 5 ، 20 ، 21 ، 27 ) . وترتبط التنمية المستدامة ارتباطا وثيقا بالغلاف الجوي وذلك لما لتغيرات الغلاف الجوي من اثر على النشاط البشري ، فإذا تحقق التوازن بين حق الدولة في التنمية وبين واجبها في حماية البيئة بشكل عام فأن ذلك سيؤدي إلى التقليل من الأضرار التي تصيب الغلاف الجوي . ويدعو مبدأ التنمية المستدامة في مجال استخدام الطاقة إلى المحاور الآتية : • الاستخدام الأمثل للطاقة على الصعيد المنزلي وفي القطاع التجاري منها على سبيل المثال ، إدخال استعمال مواقد محسنة أو الغاز النفطي المسيل لأجل الطبخ ، واعتماد معايير أداء طاقية دنيا بالنسبة للأجهزة والإنارة ، وقواعد بناء تتسم بالكفاءة الطاقية ، وعدادات . • تحسين الفعالية بالنسبة لإمدادات الطاقة (مثلا: توليد الطاقة ونقلها وتوزيعها). • سياسات تسهيل نقل التكنولوجيات الحديثة في مجال الطاقة، كسياسات تشجيع التصدير أو تهيئة بيئة مواتية للاستثمارات ، بما في ذلك الغايات المتوخاة من تلك السياسات وأنواع التمويل المتوفر والحوافز الأخرى المقدمة لتسهيل نقل التكنولوجيا. • إصلاح وإعادة هيكلة قطاع الطاقة خلال العشر سنوات الماضية لأجل تحسين أداء أسواق الطاقة.
القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
• تطوير الأطر القانونية والتنظيمية المتصلة بالسياسات العامة التي اعتُمدت في مجال الطاقة. • استخدام وسائل اقتصادية، من ضمنها إصلاح التسعير والتعريفات الجمركية. • مشاركة الشركات الخاصة في قطاع الكهرباء ، وتأثيرها على خدمات الكهرباء وإسهامها ( مثلا: التوليد - النقل - التوزيع ). • مشاركة المجموعات الرئيسة في صنع القرارات المتعلقة بالطاقة سواء على الصعيد الوطني أو صعيد المجتمعات المحلية . • مشاركة النساء في تقييمات الاحتياجات أو في التخطيط لها وفي صوغ السياسات المتعلقة بالطاقة، على الصعيدين المحلي والدولي . • البرامج الرامية لزيادة نسبة الطاقة المتجددة في مجموع الإمدادات الطاقية الوطنية، بما في ذلك معلومات عن غاياتها وأهدافها. • التدابير والبرامج المعتمدة لأجل تحسين كفاءة الوقود المستخدم للسيارات، مثل قواعد كفاءة وقود السيارات وبرامج فحص السيارات وصيانتها، واستعمال أنواع وقود أقل تلويثا ، أو أية تدابير وبرامج أخرى. • وجود برنامج للطاقة النووية ومعلومات عن مواد نووية تنقل داخل أو عبر الحدود الوطنية ، وتشجيع البرامج الوطنية التي تكفل سلامة وجود ترتيبات لإجراء استعراض من قبل الجمهور ولعقد جلسات استماع . • بناء القدرات والمعلومات والبحث التكنولوجي. • الجهود المبذولة لاستحداث أو تعزيز أو إصلاح المؤسسات الوطنية والمحلية القائمة التي تتولى مسؤولية البرامج الوطنية لاستخدام الطاقة لأغراض التنمية المستدامة. القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
• التدريب أو الأنشطة الأخرى الهادفة لبناء القدرات ، المضطلع بها لأجل تعزيز التخطيط في مجال الطاقة ، والاهتمام بكفاءة الطاقة أو تطوير مصادر طاقة جديدة أو متجددة. • بدء حملات إعلامية وبرامج تعليمية لرفع الوعي والكفاءة في مجال الطاقة ونظم الطاقة السليمة بيئيا. • الربط الشبكي بين مراكز الخبرة الرفيعة في مجال استخدام الطاقة لأجل التنمية المستدامة ، التي حسنت مجالات تبادل المعلومات وبناء القدرات ونقل التكنولوجيا. • مواقع الإنترنت التي تتعلق بشكل خاص ، بالقضايا الواردة في هذه المبادئ التوجيهية الخاصة بالطاقة ، وإيراد عناوين صفحات الاستقبال (URL). • الجهود المبذولة لتشجيع المزيد من البحث والتطوير في مختلف تكنولوجيات الطاقة: الطاقة المتجددة ، وكفاءة الطاقة ، والتكنولوجيات المتقدمة في مجال الطاقة ، ومن ضمنها تكنولوجيات الوقود الأحفوري الأنظف . • أما بشأن التمويل ، فينبغي اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة بيئة مواتية لجذب الاستثمارات في قطاع الطاقة: إصلاح التسعير/الإعانة ، والحوافز المالية والضريبية ، واتفاقات شراء الطاقة ، وأية ترتيبات أخرى. • التعاون مع البلدان المجاورة في تجارة الطاقة و/أو ربط شبكات الكهرباء أو الغاز، بما فيها خطوط الأنابيب العابرة للحدود الوطنية ، نوعية هذا التعاون. القسم الأول - الفصل الثاني المبادئ الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المطلب الرابع مبدأ الملوث يدفع يقصد بهذا المبدأ ، إن على من يتسبب بتلويث البيئة ، أن يتحمل كافة تكاليف الإجراءات الخاصة بمنع التلويث والسيطرة عليه أو التخفيف من آثاره ، وتكون السلطة العامة في الدولة المتسببة بالضرر هي من يتحمل تلك التكاليف والنفقات ، ولضمان ان تصبح البيئة بحالة مقبولة . إن منظمة التنمية والتعاون الاقتصادي هي التي وضعت هذا المبدأ كمبدأ اقتصادي وكطريقة فعالة لتوزيع نفقات منع التلوث وإجراءات السيطرة المقدمة من قبل السلطات العامة في الدول الأعضاء في المنظمة . ويعد تطبيق هذا المبدأ على الصعيد العالمي أمرا منطقيا وضروريا ، خصوصا في حالة التلوث العابر للحدود ، بحيث يتحمل من يتسبب بالضرر مسؤولية ذلك الضرر وعليه إصلاح آثاره الضارة ، سواء كان المتسبب فرداً أم شركةً أم منظمة أم الدولة نفسها . وقد نص إعلان ريو على مبدأ الملوث يدفع وذلك في المبدأ 16 منه والذي جاء فيه " السلطات الوطنية يجب أن تسعى إلى تشجيع التكاليف البيئية الداخلية واستخدام الاتفاقات الاقتصادية التي تأخذ بالحسبان منهج إن الملوث يجب ، من حيث المبدأ ، أن يتحمل تكاليف التلوث مع الأخذ بنظر الاعتبار المصالح العامة وبدون الإضرار بالتجارة والاستثمارات الدولية " .
الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
هناك عدد من الالتزامات العامة التي تفرض على جميع الدول في مجال حماية الغلاف الجوي من التلوث ، بوصفه مشترك عالمي ، بأن تساهم في العمل على منع الإضرار به كون آثار تلك الأضرار تصيب الجميع ما داموا يعيشوا على ظهر هذا الكوكب . وسنتناول في المباحث الثلاثة الآتية أهم هذه الالتزامات :
المبحث الأول: الاستخدامات السلمية للغلاف الجوي.
المبحث الثاني: عدم جواز الادعاء بملكية الغلاف الجوي.
المبحث الثالث: التعاون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث.
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المبحث الأول الاستخدامات السلمية للغلاف الجوي
هناك مشتركات عالمية لا تخص دولة أو دول بعينها ولا تخضع لسيادتها ، وهذه المشتركات التي أكدت عليها الاتفاقيات الدولية هي ( أعالي البحار ، القارة القطبية الجنوبية ، الفضاء الخارجي ) . فمبدأ حرية أعالي البحار قد اقر في المادة 87 من اتفاقية قانون البحار لعام 1982 ، ويترتب على هذا المبدأ أنه يجب استخدام أعالي البحار استخداما سلميا . كما أن اتفاقية القارة القطبية الجنوبية ( انتراكتا ) لعام 1959 قد أقرت في ديباجتها وفي المادة الأولى منها على الاستخدام السلمي للقارة ، وأكدت بأن الاستخدام السلمي يعني منع أية إجراءات ذات طبيعة عسكرية . وأقرت كذلك اتفاقية المبادئ التي تحكم أنشطة الدول في استكشاف واستخدام الفضاء الخارجي والتي تتضمن القمر والأجرام السماوية الأخرى عام 1967 وفي المادة الرابعة منها بالاستخدام السلمي للفضاء الخارجي . إذن هناك التزاما دوليا على عاتق الدول بألا تستخدم المشتركات العالمية بغير الاستخدامات السلمية ، وبما أن الغلاف الجوي يعتبر احد هذه المشتركات العالمية ، فان الأمر يقتضي بأن على الدول أن تحرم أي استخدام غير سلمي عليه وأن تتحاشى الإفراط في تلويث البيئة بأي شكل كان وعدم قذف الملوثات في الهواء كاستخدام الوقود في الصناعة أو في وسائل النقل البري أو من خلال حرق النفايات أو النشاط الإشعاعي . وبشكل عام فأن تلوث الهواء يختلف من مكان لأخر بحسب سرعة الرياح والظروف الجوية وحجم الملوثات ونوعها.
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث فمثلا فيما يخص عوادم السيارات فأنه ، وبسبب عدم الاحتراق الكامل للوقود في محركات السيارات في المدن المزدحمة تنتج ملوثات غازية خطيرة مثل أول وثاني أكسيد الكربون حيث أثبتت الدراسات أن السيارة الواحدة تنتج حوالي 1450 كيلوجرام سنويا منه ، وهذا يعنى أن كمية الغاز المنبعثة من 1000 سيارة حوالي 4 طن يوميا ، وهذا رقم مخيف ، ولغاز أول أكسيد الكربون مشكلة خطيرة ايضا ، فاتحاده مع الهيموجلوبين في الدم مما يؤدى إلى تقليل نسبة وجود الأكسجين بشكل لا يفي باحتياجات الجسم وبالتالي حدوث مشاكل كبيرة للقلب كزيادة في ضرباته وإجهاد في عضلته كما يعمل هذا الغاز على حدوث تصلب في الشرايين وضيق في التنفس ، وعامة يؤدى استنشاقه من قبل سائقي السيارات إلى وقوع الحوادث نتيجة لحدوث إغماءات لهم مما يجعلهم عاجزين عن القيادة السليمة ، وثاني أكسيد الكربون أيضا ينتج من عدم الاحتراق الكامل للوقود في محركات السيارات وأسباب أخرى لا يسع الحديث عنها الآن ، ولكن زيادة نسبته في الهواء يعمل على تأخير النمو في الكائنات الحية بوجه عام . وهناك ملوثات أخرى يقتضي التعاون الجماعي في سبيل منعها او التقليل منها فمثلاً الهيدروكربونات وهي مركبات عضوية تنتج من اتحاد عنصري الكربون والهيدروجين ومن أكثر المركبات الهيدروكربونية ضررا مركب البنزوبيرين الذي يتشكل من احتراق الوقود ومن القار ( الإسفلت ) المستخدم في تعبيد الطرق وسطوح المباني . ومن اشتعال الزيوت البترولية وصناعة المطاط كما يوجد في دخان السجائر والتبغ وهو من أخطر الملوثات المسببة للسرطان . ولا تقل أكاسيد النيتروجين خطورة عن غيرها من الملوثات الخطيرة ومن أشهرها أكسيد النيتريك وثاني أكسيد النيتروجين وهى أيضا تعتبر من نتائج عدم الاحتراق الكامل للوقود ، وهى غازات شديدة السمية ومهيجة للأنسجة حتى لو تواجدت بنسبة ضئيلة في الهواء حيث أن لها أضرارا بيئية فادحة كإصابة الإنسان
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث بأمراض الرئة والتقليل من مقاومة الجهاز التنفسي كما تقلل من مدى الرؤية للإنسان وحجب الضوء عنه إضافة إلى إعاقة نمو النبات وسقوط أوراقه وأزهاره وبراعمه ولها دور في حدوث ظاهرة الضباب . ومركبات الكبريت لها أثرها السلبي على البيئة والغلاف الجوي ، حيث يوجد الكبريت في صورة شوائب في كل من الفحم والبترول وبعد أن تتم عملية الاحتراق يتصاعد في الجو على شكل ثاني أكسيد الكبريت الذي يتحول بدوره إلى كبريتيد الهيدروجين أو حامض الكبريتوز وحامض الكبريتيك ، وبصفة عامة تؤثر هذه المركبات بقوة حيث يعمل زيادة تركيزها إلى حدوث بعض المشاكل الخاصة بالرئة كالالتهاب الرئوي وانتفاخ الرئة وزيادة معدلات الربو وقد حدثت مشكلة لزيادة تركيز كبيرتيد الهيدروجين في الهواء لمدة ساعة في المكسيك سنة 1950 وأدت إلى وفاة 22 شخص وافتقاد 320 شخص إحساسهم بالشم . أما الجزيئات المنتشرة في هواء المدن الملوثة الأيروسولات والغبار والأدخنة والضباب وأتربة الأسمنت ، فإنها تعمل جميعها على تقليل أشعة الشمس التي تصل للأرض وتؤثر على نمو النبات ونضج المحاصيل علاوة على مشاكل صحية في الجهاز التنفسي للإنسان والحيوان . وفي دراسة نشرتها المجلة الأمريكية لعلوم الأوبئة خاصة بتسجيل المعلومات عن للسيدات الحوامل بين عامي 1987 ، 1993 في لوس أنجلوس ومقارنة تأثير نوعية الهواء عليهن ومقارنته بسيدات أخريات في مناطق أقل تلوثا ، وجد أنهن واجهن خطر إنجاب أطفال مشوهين أو مصابين باضطرابات في القلب بسبب زيادة التلوث في لوس أنجلوس عنه في المناطق الأخرى الأقل تلوثا .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث وفى دراسة أخرى أجريت في مركز أبحاث العيون بالقاهرة ثبت أن تلوث الهواء قد يؤثر سلبا على العين ويضعفها ويزيد من حدوث حالات أمراض المياه البيضاء فيها ، كما يزيد من تسبب إصابة ملتحمة العين بالحساسية . وفى دراسة نشرتها دورية نيو أنجلاند الطبية أوضحت أن تلوث الهواء يؤخر نمو الرئتين عند المراهقين حيث أكد الباحثون الذين تابعوا 1759 حالة طفل في 12 تجمعا بجنوب كاليفورنيا ذلك . وأخيرا في دراسة لمنظمة الصحة العالمية وجد أن من يموت بسبب تلوث الهواء في فرنسا والنمسا وسويسرا كل عام يزيد على عدد من يقتل بسبب حوادث الطرق كل عام حيث أوضحت الدراسة أنه يموت كل عام 21 ألف شخص في البلدان الثلاثة المذكورة بسبب التلوث ، في حين يموت 10 آلاف شخص فيها بسبب حوادث الطرق. وقد أبرمت بعض الاتفاقيات التي تهدف إلى استخدام الغلاف الجوي استخداما سلميا والالتزام بعدم إتيان الأنشطة المسببة بتلويثه ومن هذه الاتفاقيات :
أولا / اتفاقية موسكو لحظر التجارب النووية في الجو وفي الفضاء الخارجي وتحت الماء لعام 1963 . إن التجارب النووية التي تجريها الدول ، تسبب أخطار كبيرة على البيئة والغلاف الجوي ، كون هذه التجارب تحدث إشعاعات ذرية تصل إلى الدول القريبة من مكان التفجير ، وان هناك كميات أخرى من هذه الإشعاعات تبقى عالقة في الجو وينقلها الهواء إلى مسافات بعيدة جدا عن مناطق التفجير . وقد أكدت الأبحاث العلمية بشأن هذه التجارب تلك المخاطر والأضرار التي تنجم عنها ، لاسيما الأبحاث التي أجريت بعد الحرب العالمية الثانية ، وأثبتت الأبحاث بأن الإشعاعات والغبار الذري المكون من المواد الانشطارية المشعة لا يمكن حصر آثارها ، حيـث أن لهـذا الغبـار الذري قـدرة يســـتطيع من خلالها
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
الإضرار بالكائنات الحية من الناحيتين الحيوية والوراثية ولفترات قد تصل إلى أجيال مقبلة أخرى ايضا . ولقد توصلت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق والمملكة المتحدة في 26 تموز 1963 في موسكو إلى عقد هذه الاتفاقية. وكان الهدف الرئيس من وراء عقدها ، كما أعلنه أطرافها في الديباجة ، هو نزع السلاح نزعا تاما وشاملا ، ومن جهة أخرى ابدوا رغبتهم في وضع حد لتلوث الأجواء والمحيط الذي يعيش فيه الإنسان. ويتبين من ذلك، إلى أن الغاية الأساسية من عقد الاتفاقية كانت نزع الأسلحة وليس لها علاقة مباشرة بحماية البيئة، وهذا يعني بأنها تدعو إلى استخدام الغلاف الجوي استخداما سلميا يضمن عدم الإضرار به.
ثانيا / اتفاقية جنيف لعام 1977 لحظر استخدام تقنيات التغيير في البيئة للأغراض العسكرية أو لأية أغراض عدائية أخرى . عقدت هذه الاتفاقية على اثر استخدام الولايات المتحدة الأمريكية الغلاف الجوي كسلاح . فقد قامت الولايات المتحدة في حرب فيتنام 1967-1972 بإحداث تغييرات في عناصر الغلاف الجوي مما أدى إلى هطول الأمطار الصناعية الشديدة في مناطق واسعة من فيتنام . وقام حينها الاتحاد السوفيتي السابق بتقديم مشروع اتفاقية إلى الأمم المتحدة يقضي بتحريم استخدام وسائل التأثير بالبيئة للأغراض العسكرية أو أية أغراض عدائية
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
أخرى ، ووافق على هذه الاتفاقية عدد كبير من الدول بضمنها الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي السابق . ويلاحظ بأن هذه الاتفاقية تحظر استخدام أساليب التغيير في البيئة للأغراض العسكرية، أي لم تحظر استخدامه للأغراض السلمية حتى لو ترتب على ذلك أضرار للبيئة ، فضلا عن أنها لم تبين ماهية الأغراض السلمية .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المبحث الثاني عدم جواز الادعاء بملكية الغلاف الجوي أكدت الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بالمشتركات العالمية ، بأن الغلاف الجوي شأنه شأن هذه المشتركات حيث لا يمكن لأحد الادعاء بملكيته . إن مفهوم المشترك العالمي يرفض أي ادعاء بملكيته أو فرض سيادة دولة ما عليه، وبخلافه فأن أي توجه مغاير سوف يواجه بالرفض القاطع من قبل المجتمع الدولي. إلا انه بالمقابل، فان الادعاء بعدم ملكيته لا يعني عدم السماح للدول بالاستفادة أو استغلال هذا المشترك العالمي ما دام الانتفاع يصب بمصلحة البشرية جمعاء . وهناك بعض الآراء التي تعتبر الغلاف الجوي من قبيل الدومين العام الدولي المخصص للنفع العام لجميع الدول ، والذي لا يجوز استخدامه من قبل أية دولة بصفة الاستقلال ، وبالشكل الذي لا يترتب على استخدامها له أي أضرار بالدول الأخرى .
إن عدم الادعاء بملكية الغلاف الجوي ، بوصفه مشتركا عالميا ، يشبه إلى حد كبير حالة عدم الادعاء بالمناطق المشتركة الأخرى والتي أكدتها اتفاقيات دولية ، فاتفاقية قانون البحار اعتبرت أعالي البحار مفتوحة لجميع الدول ولم تجز لأية دولة إخضاع أي جزء من أعالي البحار لسيادتها ، وكذلك الاتفاقية المتعلقة بالمنطقة الدولية للبحار لم تجز لأية دولة تملك أي جزء من هذه المنطقة .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
وجاء في التوصيات المقدمة من مجلس الكنائس العالمي إلى مؤتمر الأطراف السادس لاتفاقية تغير المناخ عام 2000 من أن ( الغلاف الجوي هو الذي يحيط
بالكرة الأرضية ، يغذيها ويحميها ، وهو يخص جميع البشر ويشتركون فيه اليوم وفي المستقبل ، وانه لا يمكن السماح لأية قوة سياسية أو اقتصادية الإضرار به أو الادعاء بملكيته ) . وطالما كان الغلاف الجوي مشاعا بين المجتمع العالمي بأجمعه ، فأن ذلك معناه إن على الجميع أن يتعاون على حمايته والاهتمام به كون الأخطار التي يتعرض لها وما ينتج عنها من آثار سلبية سوف تصيب الجميع دون استثناء . وإذا كان ثمة قصور في الوقت الحاضر لدى بعض الدول في إدراك تلك المخاطر ، فأن ذلك لا يعفي الدول الأخرى لاسيما المتقدمة منها في نشر التوعية والتثقيف بمفهوم حماية البيئة والغلاف الجوي من التلوث ، وبالكوارث والمردودات السلبية التي من الممكن أن تصيب الكرة الأرضية من جراء تلوث الغلاف الجوي ، ومساعدة الدول النامية من خلال تمكينها من الإسهام مع بقية الدول في حماية الغلاف الجوي من الأخطار ومعالجة ما قد أصابه من أضرار نتيجة للتلوث الصناعي فضلا عن نشاطات البشر الضارة الأخرى . ولا يفهم من أن صفة العمومية والشمولية التي يتصف بها الغلاف الجوي تجعل بعض الدول تتكل على غيرها في حمايته ومعالجة الأضرار التي تعرض لها نتيجة الملوثات ، بل على العكس من ذلك تماماً ، فأن صفته هذه ستؤدي بأعضاء المجتمع الدولي إلى التسابق نحو تقديم كل ما بوسعهم من إمكانات لحفظ هذا المشترك المهم والذي لولاه لما بقيت حياة على هذه المعمورة .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
المبحث الثالث التعاون الدولي في حماية الغلاف الجوي من التلوث
تتطلب حالة الاشتراك الدولي تعاونا بين جميع الدول المعنية، حيث يهمها أمر ذلك المشترك ولذا عليها المحافظة علية وعدم الإضرار به، وكذلك منع أي أعمال ونشاطات بشرية من شأنها التأثير السلبي فيه. فقد بات مستقبل الحياة على كوكب الأرض مهددا ً بأخطار جسيمة بسبب سوء تصرف الإنسان واعتداءاته العمدية وغير العمدية المتزايدة على البيئة المحيطة والتي تشبع له حاجاته ، بل وهي قوام حياته ، وبدأت البيئة بالفعل ، رغم نظامها البديع وإمكانياتها الكبيرة ، تنوء بما أصابها من جراء ذلك من تلوث وتعجز عن معالجته تلقائياً بما يحقق خير الناس . وقد أصاب التلوث كل عناصر البيئة المحيطة بالإنسان من ماء وهواء وغذاء وتربة ، وزادت الضجة المؤرقة والإشعاعات المؤذية فالماء في البحار والأنهار أصبح ملوث في حدود كبيرة أو قليلة بالكيماويات والفضلات وبقايا النفط والمعادن الثقيلة ، بل وبالماء المستعمل نفسه ، والهواء في أغلب المناطق المأهولة اختلت فيه نسب الغازات المكونة له لصالح الضار منها بفعل آلات الاحتراق الداخلي في المصانع والسيارات مع تقلص المساحات الخضراء ، والغذاء وصل إليه التلوث عن طريق المبيدات والكيماويات الحافظة وغيرها من الإضافات الضارة ، والتربة أصابها التلوث بسبب بقايا المبيدات والأسمدة الكيماوية والمخلفات الغريبة ، والأملاح الزائدة وصار التلوث الصوتي من لوازم العصر
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
بعد زيادة الضوضاء والأصوات المستنكرة بمصادرها الحديثة المختلفة ، وظهر التلوث الإشعاعي نتيجة استخدام الذرة سواء في الحرب أو في السلم. وقد برزت مشكلة التلوث وتعاظم خطرها مع تقدم الصناعة واستخدام الآلات الحديثة وأسلحة الحرب المدمرة على نطاق واسع ، فأصابت الغلاف الجوي الذي يعد الدرع الواقي للكرة الأرضية ، وكانت الدول الصناعية الكبرى سباقة إلى اكتشاف هذه المشكلة ومخاطرها والبحث عن الحلول المناسبة لمعالجتها ، كما كانت سباقة في إحداث التلوث والإخلال بالتوازن البيئي . ومع التزايد المستمر في عدد سكان العالم تتفاقم مشكلة تلوث البيئة والغلاف الجوي وتتضخم مخاطرها ويتحتم البحث عن حلول جذرية لحماية البشرية من كوارث محققة. وأول ما يمكن ملاحظته هو أن هذا التلوث أدى إلى حدوث انقلاب خطير في النظام الكوني ، حيث اختلطت الفصول فلا يعرف الصيف من الشتاء أو الخريف أو الربيع ، وذلك بسبب التزايد المستمر لغاز ثاني أكسيد الكربون ، وهو السبب أيضاً في تحريك الكتل الهوائية المحيطة بالكرة الأرضية وهبوب العواصف وحلول كثير من الكوارث الطبيعية ، كهطول الأمطار حول الكرة الأرضية وحدوث الفيضانات وانحسار حزام الأمطار حول الكرة الأرضية عن أماكن أخرى فيصيبها الجفاف. ويمكن تشبيه بعض المدن الصناعية الكبرى مثل طوكيو ونيويورك ولندن وباريس والقاهرة ... الخ بالبراكين الثائرة ، حيث يقذف سكان تلك المدن وآلاتهم ومصانعهم ومركباتهم بمئات الآلاف من الأطنان من الغازات السامة والأتربة وعوادم السيارات والمصانع إلى الهواء الجوي ، وتكون هذه الغازات والأتربة غلالة أو سحابة رمادية أو زرقاء اللون تغطي تلك المدن ، وتزحف هذه السحب السوداء فوق القارات بفعل تيارات الهواء لتلوِث مناطق أخرى .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث وفي نطاق حماية البيئة بشكل عام والغلاف الجوي بشكل خاص من الملوثات ، فقد تم تحديد أنواع التلوث ذات الاهتمام الدولي :- أ- النوع الأول : هو الذي يطلق عليه اسم " التلوث عبر الحدود " ويصدر هذا النوع من التلوث من إقليم دولة ما عابرا حدودها إلى إقليم أو أقاليم دول أخرى مجاورة أو بعيدة ، والتلوث عبر الحدود قد ينتقل من إقليم دولة إلى أخرى عبر الهواء والمياه سواءاً مياه انهار أو مياه بخار. وهذا النوع من التلوث وكما هو واضح يحتاج إلى تعاون دولي لمنع أو لتقليل الأضرار الناتجة منه ، وفي معظم الأحوال تتحمل الدولة المصدر تكاليف مكافحة أضرار التلوث الحاصل في الأقاليم المجاورة .
ب- النوع الثاني : من التلوث الذي يثير الاهتمام الدولي فهو الذي يضر بالمناطق المعروفة " بالمشتركات العالمية " وهي المناطق الواقعة فيما وراء حدود الولاية الإقليمية للدولة، والتي تعتبر ملكيتها شائعة بين كافة الدول، ومثال هذه المناطق أعالي البحار، والغلاف الجوي ، والقطب الجنوبي للكرة الأرضية.
ج- النوع الثالث : من التلوث الذي يلقي عناية واهتمام دوليين هو ما يطلق عليه التلوث الضار " بالتراث الثقافي والطبيعي العالمي " ويهدف هذا الاهتمام إلى حماية بعض الأشياء الطبيعية والتي قام الإنسان بصنعها ، وتمثل قيمة عالمية كبرى من وجهة النظر الفنية العلمية ، تدفع المجتمع الدولي في أن يتحرك أما لحمايتها أو لإيقاف مصادر التلوث المؤثرة عليها ، ولا شك أن كثير من الدول قد تعاونت إيجابياً في السماح للمجتمع الدولي بالتدخل والعمل داخل أراضيها سواءاً من خلال اتفاقيات الدول أو من خـلال المنظمات الدوليـة كاليونسكو لإنقاذ التراث الثقافي والطبيعي العالمي من التلف أو الضرر وبما لا يمس سيادتها أو التدخل في شئونها الداخلية .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
د- النوع الرابع: هو عبارة عن تلوث محلي أو داخلي: وهو تلوث يكون مصدره وأثاره الضارة داخل نفس الإقليم ، وفي نفس الوقت فإن طبيعة الاهتمام بهذا التلوث لا تدخل في أي نوع من الأنواع الثلاثة السابقة، وقد يرجع الاهتمام الدولي بمثل هذا التلوث المحلي أو الداخلي إلى باعثين أساسيين : الأول / إذا تطلب مواجهة هذا التلوث اشتراك عدد من الدول أو المنظمات الدولية من خلال خبرائها الدوليين في مجال هذا النوع من التلوث، فالدول الفقيرة لا يمكنها مواجهة كافة مصادر التلوث التي تؤثر بالضرر على بيئتها ، ومن هنا يمكن أن تطلب مساعدة المجتمع الدولي فنيا وماليا.
الثاني / في حالة التلوث الداخلي الذي يصل إلى درجة تؤثر على حركة التجارة الدولية ، فلن يقتصر الأمر على وضع قيود على البضائع القادمة من هذه الدول بل أنها ستمر على عدة اختبارات علمية وفنية لقياس مدى تلوثها مما يضيف تكاليف على أسعار هذه السلع قد تؤدي إلى إخراجها من مجال المنافسة مع البضائع المشابهة التي تنتجها دول أخرى لا تتعرض لنفس التلوث وأضراره .
أهم الاتجاهات الدولية لمعالجة فكرة التلوث على الرغم من الأخطار الداهمة التي تهدد توازن المجال الحيوي فإنه لم يفت الأوان بعد لكي تدرك الإنسانية أن الضرورة تحتم القيام بمجهود فكري وعقلي وتقبل المسؤولية لتحديد خطة من أجل مجتمع ثابت ، إن هذا التنظيم الجديد يتطلب المحافظة على المناطق الطبيعية والمواطن الإنسانية أو على الأقل الاحتفاظ بحد أدنى للتطور، وإنهاء التبذير في المواد التي لا تتجدد، وكذلك التبذير في الطاقة ووضع سياسة سكانية متزنة .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
وتستلزم حماية البيئة والغلاف الجوي في أي مكان القيام بعدة مهام أساسية لا غنى عنها جميعا لتحقيق الهدف المنشود وهي: 1- الاهتمام بالوعي البيئي : ينبغي رفع مستوى الوعي البيئي لدى السكان لتفادي مخاطر الجهل بأهمية الحفاظ على البيئة ومواجهة حالات التلوث . ويتم ذلك عن طريق إدخال حماية البيئة والغلاف الجوي ضمن برامج التعليم في المدارس والجامعات واستخدام أجهزة الإعلام العصرية واسعة الانتشار ( أهمها التلفاز ) ، وكذلك تقديم المعلومات التقنية السلمية بيئيا لرجال الأعمال . 2- إعداد الفنيين الأكفاء : يجب إعداد الفنيين الأكفاء في مجالات علوم البيئة بالقدر الكافي للعمل على حماية البيئة والغلاف الجوي ووقايتهما من كل أنواع التلوث وذلك في مجالي التخطيط والتنفيذ على السواء ، حتى تكون حماية البيئة من عناصر دراسة جدوى المشروعات المراد أقامتها، ومن أهم ضبط السلوك البشري في المجالات التنفيذية وفي حياة الناس وعاداتهم بصفة عامة . 3- سن القوانين اللازمة : يلزم سن القوانين اللازمة لحماية البيئة والغلاف الجوي من الاعتداءات التي يمكن أن تقع على أي عنصر من عناصرها، والقوانين الأكثر فعالية هي تلك التي تقي من التلوث وتحول دون وقوعه ، فموضوع العقوبات الرادعة على مخالفات البيئة ، لا يهدف إلى معاقبة المعتدين بقدر ما يهدف إلى منع الآخرين من الاعتداء على البيئة خشية العقاب . 4- منح الحوافز البيئية : يمكن الاستفادة من طموحات الإنسان ورغبته في تحقيق المكاسب المادية في حماية البيئة والغلاف الجوي، وذلك عن طريق تقديم القروض الميسرة لتحول إلى تقنيات بيئية نظيفة، وتقديم المساعدة التقنية المؤدية إلى حماية البيئة عن طريق السماح بالمتاجرة في تصاريح التلوث ، بحيث تستطيع المنشأة قليلة التلوث أن تبيع حصتها من التلوث المسموح به إلى منشأة يفوق تلوثها الحدود المسموح بها .
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث
5- ردع ملوثي البيئة: إن خوف الإنسان من العقاب كثيرا ما يدفعه إلى تقويم سلوكه، لذلك ينبغي تنمية قدرات المؤسسات المسئولة عن الكشف عن المخالفات البيئية وعدم التراخي في توقيع العقوبات البيئية على المخالفين لقوانين البيئة .
والغلاف الجوي بوصفه مشتركا عالميا ، يقتضي من جميع الدول صغيرها وكبيرها أن تتضافر لحمايته لان الإضرار التي تحصل له تصيب الجميع دون استثناء . إن ميثاق الأمم المتحدة رغم تأكيده في المادة الأولى – الفقرة الثالثة على التعاون الدولي في حل جميع المسائل ذات الطبيعة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والإنسانية ، إلا انه لم يذكر البيئة ضمن هذه المسائل التي يجب التعاون من اجلها ، والسبب في ذلك هو أن موضوع البيئة لم ينظم بشكل واضح إلا بعد عقد مؤتمر استوكهولم للبيئة البشرية عام 1972 والتي أصبحت للبيئة على إثره مكانة عالمية تحظى باهتمام الجميع لاسيما الأمم المتحدة ذاتها . وقد أكد المبدأ الرابع والعشرين من إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 على مبدأ التعاون في نطاق حماية البيئة ، حيث نص المبدأ على : (( المسائل الدولية المتعلقة بوقاية البيئة وتحسينها يجب أن تبحث بروح التعاون بين جميع الدول صغيرها وكبيرها على قدم المساواة . إن التعاون عن طريق اتفاقيات ثنائية أو متعددة الأطراف أو بطرق مناسبة لا غنى عنها للحد بطريقة فعالة أو منع إصابة البيئة بالضرر الناتج عن النشاطات التي تمارس في كافة المجالات وذلك في إطار حماية سيادة ومصالح جميع الدول )).
القسم الأول - الفصل الثالث الالتزامات الدولية العامة لحماية الغلاف الجوي من التلوث وقد نص مؤتمر ريو دي جانيرو حول البيئة والتنمية لعام 1992 في المبدأ السابع والعشرين منه على التعاون في نطاق البيئة ، فنص على " إن الدول والشعوب يجب أن تتعاون بحسن نية وبروح المشاركة في تنفيذ المبادئ الموجودة في الإعلان ، وفضلا عن ذلك تطوير القانون الدولي في نطاق التنمية المستدامة " . وأكدت الاتفاقية الثانية بين الولايات المتحدة وكندا بشأن نوعية الهواء بين البلدين، على أن تلوث الهواء العابر للحدود يمكن أن يختزل ويخفض بفعالية من خلال التعاون والتطابق في الأعمال المتخذة من قبل البلدين للسيطرة على انبعاث الملوثات.
الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى تلوث الهواء هو الحالة التي يكون فيها الهواء محتويا على مواد بتركيزات تعتبر ضارة بصحة الإنسان أو بمكونات بيئته . وتنقسم مصادر تلوث الهواء إلى قسمين: الأول ، المصادر الطبيعية ( مثل الغازات والأتربة الناتجة من ثورات البراكين ومن حرائق الغابات والأتربة الناتجة من العواصف ) ، وهذه المصادر عاده ما تكون محدودة في مناطق معينه تحكمها العوامل الجغرافية والجيولوجية ، ويعد التلوث من هذه المصادر متقطعاً أو موسمياً . أما المصدر الثاني من مصادر تلوث الهواء فهو نتيجة لأنشطة الإنسان على سطح الأرض فاستخدام الوقود في الصناعة ووسائل النقل وتوليد الكهرباء وغيرها من الأنشطة يؤدي إلى انبعاث غازات مختلفة وجسيمات دقيقة إلى الهواء . وهذا النوع من التلوث مستمر باستمرار أنشطة الإنسان ومنتشر بانتشارها على سطح الأرض في التجمعات السكانية . وهو التلوث الذي يثير الاهتمام والقلق حيث إن مكوناته وكمياته أصبحت متنوعة وكبيرة بدرجة أحدثت خللا ملحوظا في التركيب الطبيعي للهواء . عرفت الفقرة /د من المادة الأولى من اتفاقية جنيف لعام 1979 بشأن تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى هذا النوع من التلوث بأنه " تلوث الهواء الذي يجد مصدره الطبيعي بصفة كلية أو جزئية في منطقة تخضع للاختصاص الوطني لدولة ما ، ويُحدِث آثاره الضارة في منطقة تخضع لاختصاص دولة أخرى تقع على مسافة بعيدة ، بحيث يتعذر بصفة عامة تمييز مقدار ما تسهم به المصادر الفردية أو مجموع مصادر الانبعاث ". وان أهم المشاكل في هذا النوع من التلوث هي مشكلة الأمطار الحامضية التي تعاني منها دول شمال أوربا وأمريكا الشمالية .
فما هي الأمطار الحامضية وما مخاطرها على الغلاف الجوي ؟ وهل هناك من جهود دولية في معالجتها ، ما هي هذه الجهود ؟ كل ذلك سيبحث في هذين المبحثين :
المبحث الأول : الأمطار الحامضية ومخاطرها على الغلاف الجوي .
المبحث الثاني : الجهود الدولية في معالجة الأمطار الحامضية .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
المبحث الأول الأمطار الحامضية ومخاطرها على الغلاف الجوي
يقصد بالمطر الحامضي " هو المطر الذي يحتوي على القليل من حامضي الكبريتيك والنتريك ، والذي ينجم عن اختلاط الدخان المتصاعد من احتراق الفحم أو النفط أو الغاز أو أي مادة أخرى مستخدمة كوقود مع بخار الماء الموجود في الغلاف الجوي " . والمطر الحامضي يكتسب الصفة الحمضية بسبب ذوبان الغازات الضارة بماء المطر , والمطر النقي بطبيعته حامضياً بنسبة ضئيلة بسبب ثاني أكسيد الكربون المنحل به , والمعامل الذي تقاس به درجة الحامضية للمطر هو) PH ) وكلما كان رقم هذا المعامل أقل كلما كانت نسبة الحموضة في المطر أعلى. ويتراوح بصفة عامة في المطر النقي بين(5.5-6) وكل الأمطار التي تحتوي على درجة حموضة بنسبة 5 أو أقل من ذالك تسمى أمطار حامضية . والمصطلح الأكثر دقة هو الترسيب الحمضي والذي يتألف من جزائيين: ا- ترسيب حمضي رطب ( (WETويشير إلى المطر الحمضي والضباب والثلج. 2- ترسيب حمضي جاف(DRY) يشير إلى الغازات الحمضية والجسيمات . وتؤدي الأمطار الحامضية إلى تلف الكثير من النباتات والأشجار ومياه البحيرات والأنهار وكذلك الأراضي وما تحتويه من خيرات ، كما تسبب عمليات التآكل في المنشآت الحجرية والمعدنية . ولخطورة هذه المشكلة فقد قدرت خسائر ألمانيا الغربية- خلال عام واحد - حوالي 800 مليون دولار نتيجة إتلاف المحاصيل
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى الزراعية، بسبب الأمطار الحمضية. وهناك دراسات أخرى كثيرة تبين الآثار السيئة للأمطار الحمضية . وكتب الكيميائي البريطاني( روبرت سميث) تقريرا من 600 صفحة- ولأول مرة- عام 1872 أشار فيه إلى درجة حموضة الأمطار الحمضية التي هطلت في عام 1872 على مدينة مانشستر، وعزا السبب إلى الدخان المتصاعد من مداخن المصانع ، في حين لاحظ العالم السويدي( سفانت أودين) في عام 1967 أن الأمطار الحمضية الهاطلة في السويد ، كانت حموضتها تزداد بمرور الزمن ، وأطلق عليها تسمية "حرب الإنسان الكيميائية في الطبيعة". كما وصلت درجة الحموضة في الأمطار التي هطلت في ولاية لوس أنجلوس الأميركية إلى 3 وذلك في عام 1980 ، وفي بريطانيا إلى 4.5 في عام 1979, وفي كندا إلى 3.8 في عام 1979وفي فرجينيا إلى 1.5 عام 1979, وفي اسكتلندا إلى 2.7 في عام 1977 . وأصبحت ظاهرة الأمطار الحامضية ظاهره بيئيه إقليمية ودولية خاصة في أوروبا وشمال أمريكا ، و قد ثبت من رصد كيمياء الأمطار في مناطق واسعة من أمريكا الشمالية وأوربا إن حمضيتها تصل إلى حوالي 10 أضعاف المستوى العادي. ولا تعتبر الأمطار الحامضية مشكله في مناطق أخرى في العالم في الوقت الحالي . بيد أن هناك دلائل على أن مناطق استوائية معينة مثل جنوب شرقي البرازيل وجنوبي الصين وجنوب غربي الهند وزامبيا قد تواجه في المستقبل مشاكل تتعلق بالأمطار الحامضية إذا ما استمرت الاتجاهات الحالية للتحضر والتصنيع بشكل متصاعد خلال هذا القرن . وبالرغم من أن الأمطار الحامضية ليست مشكلة في الدول العربية ( لندرة الأمطار ) ، إلا إن الترسيب الحامضي الجاف يكوّن مشكلة آخذه في الازدياد بزيادة تركيزات اكاسيد الكبريت و النيتروجين في الهواء . كما إن الضباب الحامضي الذي يتكون في الصباح الباكر في بعض دول الخليج العربي أصبح يشكل ظاهرة ملموسة .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
والتفاعلات التي تحدث في الهواء لتكوين الأمطار الحامضية غير مفهومة بالكامل ، وبعض هذه التفاعلات لا تقتصر فقط على اكاسيد الكبريت و النيتروجين وإنما تحدث ايضا عملية غسيل لملوثات أخرى مختلفة في مياه الأمطار ( وجدت في مياه الأمطار في بعض المناطق في أمريكا تركيزات مرتفعة من المبيدات والمركبات السلفونية والفلزات الثقيلة ) . من ناحية أخرى وجد في مناطق كثيرة خاصة تلك المتاخمة للمناطق الصناعية ، أن الضباب ( أو شبورة الصباح ) لها خواص حامضية واضحة نتيجة تكوين رذاذ من المركبات الحامضية فيه .
وأهم أسباب تشكل المطر الحامضي هي: - يتشكل هذا المطر بفعل الغازات التي تنحل في ماء المطر لتكون أنواعاً مختلفة من الأحماض، ومن أنواع هذه الغازات: 1- غاز ثاني أكسيد الكبريت SO2. 2- أكاسيد النيتروجين.NO NO2 (هذان النوعان لهما الدور الأكبر في تكوين المطر الحمضي). 3 - ثاني أوكسيد الكربون CO2 . 4- الكلورCL2. والتفاعلات الآتية توضح كيفية تكون هذه الأمطار: يتفاعل ثاني أكسيد الكبريتيد مع الماء ليكون حمض الكبريتيك. ( SO2+2H2O = H2SO4 +H2 ) ويتفاعل أكسيد النيتروجين مع الماء لتكون حمض النتريك. يتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع الماء ليكون الحمض الكربوني. ( CO2+H2O = H2CO3 ) كما يتفاعل الكلور مع الماء ليكون حمض الهيدروكلوريك. القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
وبذلك تتكون الأمطار الحامضية من تفاعل الغازات المحتوية على الكبريت و أهمها ثاني أكسيد الكبريتSO2 مع الأكسجين O2بوجود الأشعة فوق البنفسجية
الصادرة عن الشمس وينتج ثالث أكسيد الكبريت SO3 الذي يتحد بعد ذالك مع بخار الماء H2Oالموجود في الجو ليعطي حامض الكبريت H2SO4 , ويمكن أن يتحد مع بعض الغازات في الهواء مثل النشادر وينتج مركب جديد هو كبريتات النشادر الذي يبقى معلقا في الهواء على شكل رذاذ دقيق تنقله الرياح من مكان إلى آخر وعندما تصبح الظروف ملائمة لسقوط الأمطار فان رذاذ الكبريت ودقائق كبريتات النشادر يذوبان (ينحلان) في ماء المطر ويسقطان على الأرض بهيئة المطر الحامضي وهو غير صالح للشرب والاستخدام البشري نتيجة لشدة مرارته وارتفاع نسبة ملوحته. وتشترك أيضا اكاسيد النتروجين NO,NO2 مع اكاسيد الكبريت SO,SO2 في تكوين هذه الأمطار , حيث تتحول اكاسيد النيتروجين بوجود الأكسجين و الأشعة فوق البنفسجية (كوسيط في المعادلات الكيميائية المعبرة عن التفاعل) إلى حامض النيتروجين ، ويبقى مثل غيره معلقا في الهواء الساكن أو يسير مع تيارات الهواء إلى تصبح الظروف ملائمة لهطول المطر لتذوب فيه مكونة الأمطار الحامضية ذات الطعم اللاذع . الضباب الدخاني: وهو نوع من الضباب لونه غالبا بني ويحدث في المدن الكبرى المزدحمة بالسيارات أو المصانع حيث ينتج من تفاعل أكسيد النتروجين مع الهيدروكربونات بوجود ضوء الشمس تحت ظروف جوية خاصة في الصيف أو الشتاء مواد سامة مثل رباعي الاستيل بروكسين وغاز الأوزون وباتحاد هذه المواد تُكَوِنُ ما يعرف بالضباب الدخاني , حيث ينحل بماء المطر عند هطوله ليشكل الأمطار الحامضية.
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
وله آثار ضارة على الكائنات الحية عامة والإنسان خاصة . حيث يتسبب المطر الحامضي والضباب الدخاني في احتقان الأغشية المخاطية وتهيجها والسعال وتلف الأنسجة عند الإنسان , وتؤثر سلبا على النباتات ذات المحاصيل الموسمية فهي تجرد الأشجار من أوراقها وتحدث خللا في التوازن ألشاردي للتربة وبالتالي يضطرب الامتصاص في الجذور والنتيجة حدوث خسارة في المحاصيل وموت الغابات , وهذا بدوره يؤثر سلبا على الحيوانات العاشبة وبالتالي تتأثر الحيوانات اللاحمة , وقد لوحظ موت القشريات والأسماك الصغيرة في البحيرات المتحمضة. ولابد من الإشارة أن النظام البيئي لا يستقيم إذا حدث خلل في عناصره المنتجة أو المستهلكة أو المفككة.
كانت مشكلة الأمطار الحامضية تعتبر من المشاكل المحلية ، إلا أنها اليوم أصبحت مشكلة عالمية بسبب تأثيرها في مناطق شاسعة من العالم .حيث بدأت الأضرار التي سببتها هذه الأمطار في الدول الاسكندنافية وذلك في الستينيات من القرن الماضي ، ثم في أمريكا الشمالية . فقد كانت الإجراءات التي قامت بها الدول الصناعية آنذاك لغرض السيطرة على تلوث الهواء في مدنها ، هي إجراءات فعالة في تحسين نوعية الهواء في تلك المدن ، إلا أن هذه الإجراءات أدت في الوقت نفسه ، ومن دون أي قصد إلى نقل الملوثات عبر الحدود في أوربا وأمريكا الشمالية . واهتمت بريطانيا حينها بموضوع التخلص من التلوث الكبريتي وصار استخدام المداخن المرتفعة هو احد السبل التي تساعد على اختزال نسبة التلوث لهذا المركب ، ولكن كان ذلك على حساب الدول الاسكندنافية المجاورة ، حيث كانت هذه المداخن تنفث محتوياتها عبر بحر الشمال مما سببت أضرارا كبيرة في انهار تلك الدول بسبب تحميض مياه الأنهار من جراء سقوط الأمطار على تلك المناطق ،لأن ثاني اوكسيد الكبريت ( SO2) واكاســيد النتروز ( NOx) يتم حملها عن القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
طريق الرياح من الجزر البريطانية وبلجيكا وألمانيا وفرنسا وبولندا إلى شمال أوربا وخاصة إلى الدول الاسكندنافية . وهذه الاكاسيد هي أول مسببات الأمطار الحامضية ، فضلا عن أن ما يقارب ثلثي اكاسيد الكبريت وربع اكاسيد النتروز هي من انبعاثات محطات توليد الطاقة الكهربائية والتي تعتمد بصورة أساسية على وقود الفحم الذي يعتبر من أكثر أنواع الوقود تلويثا للبيئة ، وهذا ما بينته وكالة حماية البيئة في الولايات المتحدة الأمريكية ( US-EPA) . ودلت الأبحاث العلمية على أن البحيرات في أوربا وأمريكا الشمالية تسجل زيادة مستمرة في مستويات الحموضة فيها إلى الحد الذي هلكت معه الكميات الطبيعية من الأسماك ، وان الأمر لم يتوقف إلى حد الدول الاسكندنافية وأمريكا الشمالية فحسب بل شمل أيضا اليابان في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية حيث ظهرت مؤشرات على تلوث الهواء وتحميض البيئة في تلك البلدان . وهناك دول أخرى مدرجة ضمن قائمة الدول الأكثر عرضة من غيرها لهذا الخطر وهي الصين والبرازيل وكولومبيا والإكوادور وفنزويلا . وذلك كون الأمطار الحامضية تتكون وتنشط حيثما وجد نشاط في تلك الدول يساعد على تفاعل بعض ملوثات الهواء كأكاسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين وأكاسيد الكاربون مع قطرات بخار الماء في الغلاف الجوي ، فيتكون بذلك حامض الكبريتيك وحامض النتريك والكاربونيك التي تتساقط على التربة والنباتات والأبنية خاصة الأثرية منها ملحقة بها أضرارا جسيمة . أما أهم مخاطر الأمطار الحامضية فهي :- أولا : إن تصاعد الغازات بفعل محطات القوى والصناعات الأخرى المختلفة في دولة معينة ، وانتقالها مع الهواء فوق دول أخرى واتحادها مع الغيـوم يؤدي إلى
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
تساقط المطر الحامضي على تلك الدول ، وهذا ما تعانيه كندا من جراء مداخن المصانع الأمريكية وما تعانيه الدول الاسكندنافية من المداخن البريطانية . ثانيا: تسبب الأضرار بالأبنية وخاصة الأثرية كونها مبنية بالحجر الجيري ، ومنها على سبيل المثال الأهرامات المصرية ، وتاج محل في الهند وبرج لندن .
ثالثا: تسبب تآكل المعادن وصدأها في الأبنية والجسور والخزانات الكبيرة وغيرها. رابعا: زيادة التصحر في الأراضي وإتلاف الغابات ، حيث أن خسارة ألمانيا وحدها من الغابات والأخشاب بسبب الأمطار الحامضية يقدر بـ 800 مليون دولار سنويا . خامسا: يؤدي تساقط رذاذ الحامض مع الجليد في المناطق الباردة إلى انتقال الأحماض إلى المسطحات المائية بعد ذوبان الجليد مما يسبب هلاك الثروة السمكية والموت البيولوجي للكثير من الأنهار والبحيرات .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة الأمطار الحامضية
نتيجة للأضرار التي تعرضت لها بعض الدول من جرّاء الأمطار الحامضية ، وتجنبا لما قد يحدث مستقبلا بفعل تلك الأمطار ، فقد اتجهت الدول إلى التعاون مع بعضها للحد من تلك المخاطر من خلال بذل الجهود المشتركة خاصة من قبل دول شمال أوربا وأمريكا الشمالية ، فضلا عن الدول الآسيوية كونها لم تكن بمنأى عن هذه المخاطر والمتمثلة بالأمطار الحامضية . وأهم هذه الجهود هي، الجهود الأوربية والجهود الأمريكية والجهود الآسيوية:
المطلب الأول الجهود الأوربية تمثلت هذه الجهود بشكل رئيس في اتفاقية جنيف لعام 1979 بشأن تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى . وتم عقدها من قبل أكثر الدول تضررا من الأمطار الحامضية وهي دول شمال أوربا وذلك من اجل حماية بيئة تلك الدول من خلال الحد من تلك الأمطار. وألحقت هذه الاتفاقية بعدد من البروتوكولات لتعزيز تنفيذها وتحقيق الهدف من وراء عقدها . فعلى خلفية الأضرار التي سببتها الأمطار الحامضية لبحيرات وانهار الدول الاسكندنافية ، وعند تأكيد الأبحاث العلمية لحقيقة أن مصادر هذه الملوثات تأتي من خارج الحدود ، فقد سعت هذه الدول إلى البحث عن طريقة للتعاون الدولي للحد من الأمطار الحامضية المتكونة نتيجة انبعاثات غاز ثاني اوكسيد الكبريت واكاسيد النتروجين ونقلها بفعل الهواء إلى دولها مكونة سقوط هذه الأمطار . وقد استمرت هذه الدول بمساعيها الرامية إلى إيجاد حل للمشكلة ، ومن ضمن ما لجأت إليه هو وضع هذه المشكلة على جدول أعمال مؤتمر البيئة البشرية الذي
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
عقد في استوكهولم عام 1972 إلا أن محاولتها هذه فشلت ، ثم لجأت هذه الدول إلى العديد من التأكيدات العلمية التي تبين وتكشف مدى خطورة هذه المشكلة . وفي عام 1975 عقد مؤتمر الأمن والتعاون الأوربي في هلسنكي وبمشاركة كندا والولايات المتحدة الأمريكية وجميع الدول الاوربية عدا ألبانيا ، وانبثق عن هذا المؤتمر ما يسمى باتفاق هلسنكي الذي دعا إلى " حث الدول على تطوير وتقنين وتنفيذ القانون الدولي كوسيلة للمحافظة على البيئة البشرية " . كما أكد هذا الاتفاق على حماية البيئة وتحسينها وحماية المصادر الطبيعية لصالح الأجيال الحاضرة والمقبلة ، وهذا ما يدعو الية مبدأ التنمية المستدامة . إضافة إلى التأكيد بأن حماية البيئة هي من أولى الأولويات التي يفترض الاهتمام بها كونها من يحقق رغبات الشعوب في التنمية وتطوير الاقتصاد ، كما اخذ هذا الاتفاق بعين الاعتبار المبدأ 21 من إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 .
إن اتفاقية جنيف لعام 1979 بشأن تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى ، تعتبر اتفاقية إطارية تتضمن مجموعة من المبادئ أكثر من كونها التزامات ، لذلك ألحقت هذه الاتفاقية بثمانية بروتوكولات تتضمن التزامات محددة لضمان تنفيذها. وتعد هذه الاتفاقية من أهم الخطوات التي تم اتخاذها في مجال تحسين البيئة ونوعية الهواء في أوربا ، وهدفها الأساس هو حماية البيئة من التلوث وتحديده وخفضه تدريجياً أو منعه ، واهم الالتزامات المقررة بموجب هذه الاتفاقية هي : اولاً : حددت المادة 2 من الاتفاقية الالتزام العام للدول الأطراف الذي يكمن في حماية البشر والبيئة من التلوث، وان تسعى هذه الدول إلى تحديد التلوث كلما كان ذلك ممكنا والى خفضه ومنعه ومن ضمنها تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى.
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
ثانياً : دعت المادة 3 الأطراف ، وضمن إطار عمل الاتفاقية إلى وجوب تبادل المعلومات والمشاورات والبحث والمراقبة وتطوير خططهم وسياساتهم دون أي تأخير بالشكل الذي يخدم وسائل مكافحة تفريغ الملوثات في الهواء ، اخذين في اعتبارهم الجهود المبذولة على المستوى الوطني والدولي . ثالثاً : أما المادة 4 من الاتفاقية ، فقد أوجبت على الأطراف تبادل المعلومات ومراجعة سياساتهم وأنشطتهم العلمية والإجراءات الفنية التي تهدف إلى مكافحة تفريغ الملوثات في الهواء كلما كان ذلك ممكنا . رابعاً : وبموجب المادة 5 ، أوجبت الاتفاقية على الأطراف إجراء المشاورات في مراحل مبكرة بين الطرف الذي هو حقيقة متأثر أو انه يتعرض إلى مخاطر حقيقية من خلال تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى والطرف الذي يكون مصدرا لهذا التلوث .
أما أهم البروتوكولات الملحقة باتفاقية جنيف لعام 1979 بشأن تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى ، فهي : أ- بروتوكول جنيف لعام 1984 . ب - بروتوكول هلسنكي لعام 1985 . ت – بروتوكول صوفيا لعام 1988 . ث – بروتوكول جنيف لعام 1991 . ج – بروتوكول أوسلو لعام 1994 . ح – بروتوكولات ارهاس لعام 1998 . خ – بروتوكول غوتنبرغ لعام 1999 .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
المطلب الثاني الجهود الأمريكية تدور قضية تلوث الهواء ، وتحديدا الأمطار الحامضية ، في أمريكا الشمالية بين الولايات المتحدة وكندا ، وان كندا تعاني أكثر مما تعانيه أية دولة من تساقط الأمطار الحامضية عليها ، وذلك بسبب الهواء الملوث العابر إليها من الولايات المتحدة . وأكدت الدراسات التي أجريت على نوعية الهواء بين البلدين بأن كندا تعاني من هذه المشكلة بشكل خاص حيث أن نصف ما يتساقط على كندا من الأحماض مصدره الولايات المتحدة ، كما أن كندا ايضا تتسبب في سقوط مثل هذه الأمطار على الولايات المتحدة ولكن بنسبة أقل تصل إلى 20% من تلك التي تتسبب بها الولايات المتحدة عليها . وعلى صعيد الجهود المبذولة في الحد من هذه المشكلة ، فقد كانت هناك مفاوضات بين البلدين المعنيين منذ السبعينيات من القرن الماضي ، والتي تمخض عنها التوقيع على مذكرة التفاهم بين البلدين بشأن تلوث الهواء العابر للحدود في عام 1980 . وتشكلت بموجب هذه المذكرة بعثتين ، تعين بعثة من كل دولة وتكون مختصة بدراسة مشكلة الأمطار الحامضية بشكل خاص . وقد أصدرت هاتين البعثتين تقريرهما المشترك والذي قامت كندا بموجبه بتخفيض انبعاثاتها من غاز ثاني اوكسيد الكبريت إلى 50% ، ولم تفعل الولايات المتحدة الشيء ذاته بل جعلت التزامها بتخفيض نفس النسبة مرهون بتقديم المزيد من المعلومات . ولذلك ، فقد كانت المفاوضات بين البلدين تمر بمرحلة حرجة في الثمانينيات من القرن الماضي ، حيث أعلنت الإدارة الأمريكية بأنها مستعدة حينها للاتفاق على دراسة المشكلة فقط ، غير أن الولايات المتحدة أصدرت في عام 1990 قانونا لنظافة الهواء ، تضمن هذا القانون أهم الإجراءات الواجب اتخاذها لتخفيض ثاني اوكسيد الكبريت واكاسيد النيتروجين ، وكان هذا القانون ممهدا لعقد الاتفاقية الثنائية بشان نوعية الهواء بين البلدين عام 1991 .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
وتضمنت هذه الاتفاقية ديباجة و16 مادة وملحقين ، كان الملحق الأول حول مشكلة انبعاثات ثاني اوكسيد الكبريت وأكاسيد النتروجين ، أما الثاني فيتعلق بالتعاون في البحث ومراقبة النشاطات .وأكدت الاتفاقية في ديباجتها بان تلوث الهواء العابر للحدود يمكن أن يتسبب في أضرار بالغة الخطورة على البيئة واقتصاديات الدول وصحة البشر في كل من الدولتين ، وأكدت على التعاون في مجال خفض الانبعاثات وعلى المبدأ 21 من إعلان استوكهولم للبيئة البشرية لعام 1972 ، وبينت المادة 2 من هذه الاتفاقية الغرض من عقدها بأنه الحد من تلوث الهواء العابر للحدود بين البلدين وذلك من خلال أداة عملية وفعالة للعمل على تحقيق هذا الهدف . أما الالتزامات العامة التي فرضت على الولايات المتحدة والتي جاءت بها الاتفاقية الثنائية بشان نوعية الهواء بين الولايات المتحدة وكندا عام 1991 فهي: 1- خفض انبعاثات ثاني اوكسيد الكبريت السنوية بمقدار 10 مليون طن اقل من مستوى عام 1980 بحلول عام 2000 . 2- الوصول إلى غطاء وطني ثابت من الانبعاثات بمقدار 8،95 مليون طن من ثاني اوكسيد الكبريت في السنة لمحطات الطاقة الكهربائية بحلول عام 2010 . 3- الإعلان عن معايير إضافية إذا ما بينت إدارة وكالة حماية البيئة إن انبعاثات ثاني اوكسيد الكبريت السنوية من المصادر الصناعية من الممكن أن تتجاوز 5،6 مليون طن . 4- الموافقة على معايير فنية معتمدة لخفض انبعاثات اكاسيد النتروجين Nox من المصادر الثابتة والمتحركة .
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
بينما كانت الالتزامات المفروضة على كندا بموجب هذه الاتفاقية كالآتي : 1- خفض انبعاثات الكبريت في سبع من المقاطعات الشرقية إلى 2،3 مليون طن بحلول عام 1994 والمحافظة على هذا الغطاء حتى عام 1999 . 2- الوصول إلى غطاء وطني ثابت بمقدار 3،2 مليون طن سنويا بحلول عام 2000 . 3- خفض انبعاثات اكاسيد النتروجين Nox من المصادر الثابتة بمقدار 100 ألف طن سنويا بحلول عام 2000 . 4- الموافقة على معايير فنية معتمدة ومحددة لخفض انبعاثات اكاسيد النتروجين Nox من المصادر المتحركة .
المطلب الثالث الجهود الآسيوية هناك 15 مدينة في قارة آسيا تعتبر من أكثر المدن تلوثاًًًًً في العالم ، حيث أن الكميات الكبيرة من الفحم التي تحرق في الصين تكوّن ضبابا يغطي اليابان . ففي قارة آسيا هناك استخدام متزايد للوقود الاحفوري من قبل العديد من المدن الملوِثة. كما أن هذه القارة هي أكثر عرضة للتلوث من غيرها بفعل أسباب أخرى مثل الكوارث الطبيعية الناجمة عن احتراق الغابات وكذلك النمو المتزايد في الصناعات فضلا عن عدم الاهتمام الكافي بالبيئة من قبل دول هذه القارة. ففي عامي 1997 و1998 اجتاحت غابات اندونيسيا وبروناي حرائق نجم عنها سديم كثيف لوث الغلاف الجوي وتسبب في مشاكل خطرة ليس فقط في دول المصدر لها بل في دول جنوب شرق آسيا الأخرى كذلك ، مما دعا بالدول المعنية إلى الاسـتجابة لهذه الكارثة حيث غطى السديم عدة دول ، فقامت الهيـئة
القسم الثاني - الفصل الأول تلوث الهواء العابر للحدود البعيد المدى
الإقليمية لتطهير السديم بدعوة أعضاء رابطة دول جنوب شرق آسيا إلى السيطرة على حرائق الغابات ومنعها . ووقعت هذه الدول في عام 2002 على مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة للبيئة بشأن التعاون في إدارة البيئة حيث تمخض عن هذه المذكرة عقد اتفاقية تلوث السديم العابر للحدود في كوالالمبور عام 2002 . وعرفت هذه الاتفاقية السديم بأنه / الدخان الناتج من اليابسة أو من حرائق الغابات الذي ينجم عنه آثار ضارة على الطبيعة ويعرض صحة البشر للخطر ويضر بمصادر الحياة والنظام البيئي والممتلكات المادية ، كما انه يقوم بإتلاف النِعم والتدخل في الاستخدامات الشرعية الأخرى للبيئة .
واهم الالتزامات التي جاءت بها هذه الاتفاقية والتي فرضتها على أطرافها هي : 1- تطوير وتنفيذ الإجراءات الدولية ذات العلاقة بالسيطرة على مصادر الحريق واتخاذ كافة الإجراءات التحذيرية والمنع كلما كان ذلك ضرورياً . 2- التعاون الفني فيما بين الأطراف ، والمتمثل بالتدريب والتوعية في هذا المجال والعمل على نشر جوانب التثقيف والتعليم في نطاق مخاطر السديم الملوِث وآثاره على الإنسان والبيئة . 3- اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الحرائق ومراقبة خطر اتساعها إلى مساحات أخرى.
الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
اهتم المجتمع الدولي بالمشاكل التي تتعرض لها طبقة الأوزون ، كونها تعد الدرع الواقي للأرض من خطر الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس فلا تسمح بمرورها إلا بالقدر المطلوب . ونتيجة لأهمية طبقة الأوزون من حيث إنها تهم الدول جميعا وان المخاطر التي تتعرض إليها هذه الطبقة ستشمل الجميع ، فقد عقدت الاتفاقيات الهادفة إلى حماية هذه الطبقة من خطر التلوث الذي يؤدي إلى استنفادها . عليه قسم هذا الفصل إلى مبحثين وعلى النحو الآتي :-
المبحث الأول: استنفاد طبقة الأوزون ومخاطره على الغلاف الجوي.
المبحث الثاني: الجهود الدولية في معالجة استنفاد طبقة الأوزون.
القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
المبحث الأول استنفاد طبقة الأوزون ومخاطره على الغلاف الجوي
كلمة الأوزون ( ozone ) هي كلمة يونانية وتعني الشم ، ويتركب من ثلاث ذرات أوكسجين والذي اكتشف في عام 1785 من قبل Matinus ، أما طبقة الأوزون فقد اكتشفت من قبل الفيزيائي البريطاني W. N. Hartley، ويتواجد غاز الأوزون بكمية قليلة في الغلاف الجوي وهو على علو يتراوح بين (18 – 85) كم ويكون تركيزه أكثر في منطقة ارتفاعها يتراوح بين (18-35) كم. وتكمن الوظيفة الأساسية لطبقة الأوزون في حماية الحياة (المملكة الحيوانية والنباتية) على كوكب الأرض من تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية، حيث تعكس طبقة الأوزون بعض الأشعة فوق البنفسجية ، وتصل إليها موجات الأشعة فوق البنفسجية بثلاثة أنواع (أطوال) : الموجة الطويلة UV-A يتراوح طولها ما بين 320-400nm ، والموجة المتوسطة UV-B يتراوح طولها ما بين 290-320nm ، والموجة القصيرة UV-C يتراوح طولها ما بين 200-290nm. إن الموجة UV-A، UV-B قليلة الضرر والموجة UV-C هي الخطرة علي الحياة وعندما يقل سمك طبقة الأوزون أو يتآكل جزء منها مكوناً ثقوباً سوداء فيها تسمح بمرور الأشعة فوق البنفسجية إلى الأرض ، ويؤثر مباشرة على مجمل جوانب الحياة وعلى مصادر الحياة (الماء) . وطبقة الأوزون تؤثر عليها العوامل الطبيعية ايضا (كالبراكين، النيازك) ويعتبر ما حدث لمكونات الغلاف الجوي هو نتيجة النشاط البشري الذي أدى وسيؤدي إلي إضعاف أو تهديم دور طبقة الأوزون في حماية الحياة (الحيوانية والنباتية) وبمن فيها الإنسان على كوكب الأرض .
القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
إن التأثير البالغ الذي تتعرض له طبقة الأوزون يأتي بالدرجة الأساس نتيجة لانبعاث مركبات الكلوروفلوروكاربون ( CFCs ) في الغلاف الجوي ، وهذا الأمر الذي أدى إلى استنفاد هذه الطبقة الواقية للكرة الرضية . ولهذا الاستنفاد مخاطره على البيئة بصورة عامة فضلا عن مخاطره على صحة الإنسان بصورة خاصة . وأصبحت طبقة الأوزون قضية عالمية، حيث ينصب اهتمام الشعوب في مختلف بلدان العالم عليها للمخاطر التي تنطوي عليها وتنذر به مختلف الكائنات الحية على سطح الأرض من إنسان ونبات وحيوان. وبما أن طبقة الأوزون هي جزء من الغلاف الجوى الذي يحيط بالكرة الأرضية فهذه الطبقة مثلها مثل أي شئ طبيعي تعتمد فاعليتها على التوازن الصحي للمواد الكيميائية. ولكن أمام طموحات الإنسان التي تصل إلى حد الدمار جعل من هذه المواد الكيميائية مادة تساعد على إتلاف بل وتدمير طبقة الأوزون. إن غاز الأوزون يوجد بشكل أساس في طبقة الستراتوسفير وهو المكون الرئيس لها ، لذا تسمى هذه الطبقة ايضا بطبقة الأوزون . وهذا الغاز يستنفد بصورة طبيعية نتيجة للتفاعلات الطبيعية بين مكونات الغلاف الجوي، ولكن استنفاده بهذه الطريقة يتم تعويضه بفعل التفاعلات الكيميائية التي تحدث بفعل ضوء الشمس فوق المناطق الاستوائية وقد ينتقل بعضا منه فوق القطبين نتيجة لدوران الهواء . إن توازن كميات الأوزون الموجودة في الغلاف الجوي يأتي من هذه العملية ، حيث تجعل غاز الأوزون الموجود يكفي للقيام بوظائفه المتمثلة بالمحافظة على الأرض من تأثيرات الأشعة فوق البنفسجية حيث تقوم طبقة الأوزون بامتصاصها. إلا أن الأنشطة المختلفة التي تقوم بها بعض الدول أدت إلى استنفاد طبقة الأوزون من خـلال إطلاق الملوثات في الغلاف الجوي ، كـون هذه الملوثات تؤدي إلى القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
التأثير على النسب الطبيعية المحددة والمتوازنة للغازات الموجودة في الغلاف الجوي وخاصة غاز الأوزون من خلال إطلاق مركبات الكلوروفلوروكاربون ( CFCs ) التي تعمل على امتصاص غاز الأوزون وكذلك المركبات الدخانية , بخاخات إزالة الرائحة من الجسم ، بخاخات مبيدات الحشرات , الغازات المستخدمة في أجهزة التبريد ومواد حفظ الأطعمة والمواد العازلة والمواد المذيبة والمنظفات المنزلية . لقد اثبت العلماء من خلال استكشافاتهم بأن الغازات المؤثرة على استنفاد طبقة الأوزون بالإضافة إلى مركبات الكلوروفلوروكاربون ( CFCs ) هي ، الهالونات والميثان واكاسيد النتروجين وثاني اوكسيد الكاربون ، والمصدر الرئيس لهذه الغازات هي النشاطات البشرية ، وتعتبر هذه الانبعاثات مصدر خطر كبير يهدد طبقة الأوزون وتعمل على استنفادها تدريجيا . وان التخلص من ظاهرة استنفاد هذه الطبقة يكمن في كيفية منع حصول زيادة في تراكيز تلك الغازات ومعالجتها عند حصولها لم يتأكد العلماء ولغاية عام 1974 من أن المركبات الكيميائية المحتوية على مركبات الكلوروفلوروكاربون قد يؤدي الى تحطيم جزيئات الاوزون في طبقة الستراتوسفير من عدمه . غير ان الدراسات اكدت فيما بعد بأن استخدام مركبات الكلوروفلوروكاربون المستمر هو السبب الرئيس في استنفاد طبقة الاوزون . ان عالمية مشكلة استنفاد طبقة الاوزون يأتي من الضرر البيئي الذي اصاب الغلاف الجوي الذي لا يستطيع احد ان يدعي ملكيته او حيازته ، كما لا يستطيع
القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
احد في الوقت ذاته ان يتنكر لأهمية هذا الغلاف الجوي كون الضرر الذي يصيبه لا يستثني احد على وجه الارض ، فهو من المشتركات العالمية التي يشترك الجميع في فيه دون استثناء ، فالضرر الذي يصيبه يوجب على الجميع المساهمة الجادة في معالجته . ففي عام 1988 أعلن مائة خبير ينتمون الى دول متعددة ، ان طبقة الاوزون الموجودة حول الكرة الأرضية بأكملها تستنفد بشكل اكبر مما هو متوقع لها ، فقد هبط متوسط تركيز الاوزون بنسبة 2% تقريبا ما بين عامي 1969-1986 .
حيث كلما قل تركيز الاوزون في الغلاف الجوي كلما زاد نفاذ الاشعة فوق البنفسجية الى الارض وهذا يسبب أخطارا كبيرة على البيئة والانسان معا . وفي عام 1977 قام برنامج الامم المتحدة للبيئة بالتعاون مع منظمة الارصاد الجوية واللجان العلمية والصناعية بتنسيق الجهود الدولية للوصول الى حماية قانونية شاملة لطبقة الاوزون والتي أسفرت عن عقد اتفاقية فينا لحماية طبقة الاوزون عام 1985 التي الحقت ببروتوكول مونتريال عام 1987 بشان المواد المستنفدة لطبقة الاوزون .
أما أبرز المضاعفات الناجمة من تآكل طبقة الأوزون فهي:- * زيادة درجة حرارة الأرض يساعد على زيادة نسبة التفاعلات الكيميائية للمواد المكونة من التربة ولاسيما الأملاح ويساعد ذلك علي سرعة عمليات التعرية والتآكل وبالتالي إلى فقدان الأرضية الخصبة للغطاء النباتي والى تراجعها وانقراض العديد منها وتهيئة الأجواء لزحف التصحر على مثل تلك المناطق، لاسيما الجافة . القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
* تلويث مصادر المياه السطحية والجوفية وتغيرها كماً ونوعاً بفعل تغير مكونات وظروف تسرب مصادر المياه الجوفية المتمثلة بالأمطار والثلوج والي زيادة نسبة التبخر على حساب انخفاض نسبة تسرب المياه إلى تحت سطح الأرض مع زيادة نسبة الأملاح فيها. * تراجع الغطاء النباتي والغابات سوف يزيد من تأثير التلوث لاسيما الرصاص الأبيض ، حيث تتمكن شجرة واحدة من امتصاص الرصاص المنبعث من (120 كيلوغراماً) من البنزين المحترق وان (كيلومتراً مربعاً من الأشجار) يمتص يوميا من (12 ــ 15 كيلو غراماً من اوكسيد الكاربون)، كما تقل أعداد البكتريا بحوالي 200 مرة في المناطق التي تنتشر فيها النباتات والمسطحات الخضراء. * زيادة نسبة المصابين بالسرطان في المناطق التي تقع تحت الثقوب السوداء لطبقة الأوزون كما هو الحال في أمريكا واستراليا ، حيث يصاب كل فرد من 2100 شخص بالسرطان، في تلك المناطق. * زيادة مخاطر استخدام المواد الغذائية في المناطق التي تقع تحت تأثير الثقوب السوداء لطبقة الأوزون مثل أمريكا الشمالية ، كندا، السويد، الدانمارك ، النرويج روسيا واستراليا. * ظهور بوادر تأثير طبقة الأوزون في المناطق الجافة الحارة التي تستعمل فيها تكنولوجيا التبريد نتيجة زيادة استخدام (فريون 12) الذي يؤثر على طبقة الأوزون، كما هو الحال مثلا في اليمن الذي يستهلك سنويا حوالي 332 طناً من غاز الفريون 12، وان ظروفها الاقتصادية ليس بالدرجة التي تتمكن من البحث عن بدائل تقنيات حديثة في مجال التبريد ومعدات لا تؤثر سلبا على الأوزون.
القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة استنفاد طبقة الأوزون
إن حساسية هذه الطبقة لفعاليات البشر التقنية والعواقب الوخيمة لأزالتها قد تم الكشف عنها في السنوات القليلة الماضية ومن خلال أبحاث أجريت على تفاعلات كيميائية لم يفطن إليها احد من قبل على الرغم من أنها تجري على ارتفاع أكثر من عشرين ميلا فوق سطح الأرض. ولحسن الحظ جاءت هذه المعارف الجديدة في الوقت المناسب لتطوير فهم أعمق لطبقات الهواء العليا ولاتخاذ الخطوات اللازمة لصيانة طبقة الأوزون من خراب غير مقصود . وقد ثار جدل واسع بين العلماء حول نوعية وكمية المركبات الكيميائية المختلفة التي تصل لطبقة الاستراتوسفير والتي تؤثر فعلا في طبقة الأوزون . فهناك فريق يرى أن الكلور الناتج من استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون هو جزء يسير إذا ما قورن بالكلور الناتج من عمليات طبيعية مختلفة (قدر البعض كمية الكلور المنبعث إلى الهواء نتيجة التبخر الطبيعي لمياه البحر بحوالي 600 مليون طن سنويا والكلور الناتج من ثورات البراكين بحوالي 804 مليون طن سنويا وكل هذا في مقابل 750,000 طن من الكلور الناتج من استخدام مركبات الكلوروفلوروكربون ) . وبالإضافة إلى هذا ، هناك جدل حول دور العوادم الناتجة من الطائرات . التي تطير على ارتفاعات كبيرة ( أي على مقربة من طبقة الاستراتوسفير) والتي تحتوي على كميات كبيره من اكاسيد النيتروجين التي تقوم بدور حافز في تدمير جزيئات الأوزون .
القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
من ناحية أخرى ثار جدل واسع في السبعينيات حول آثار برنامج الفضاء الأمريكي ( وغيره) على طبقة الأوزون حيث أن الوقود المستخدم في الصواريخ التي تحمل مركبات الفضاء هو من الوقود الصلب الذي ينتج عن احتراقه كميات كبيره من الملوثات المختلفة . إن كميات الكلور التي تصل إلى الاستراتوسفير لا يمكن التقليل من شأنها وآثارها على طبقة الأوزون خاصة وان عدد رحلات المركبات الفضائية يزيد عاما بعد عام لإرسال أقمار صناعية للاتصالات أو الاستكشافات العلمية . وبالرغم من التقدم العلمي الكبير في وسائل قياس الكميات الشحيحة من غاز الأوزون ، ما زال هناك تضارب واضح في نتائج الدراسات المختلفة المتعلقة بنقص الأوزون في طبقات الجو العليا . فقد أوضحت بعض الدراسات التي أجريت على نتائج الرصد في الفترة من 1969 إلى 1988 انخفاض عمود الأوزون بحوالي 1.7 - 3 % سنويا في نصف الكره الشمالي بين خطي عرض 30-64 شمالا . ولكن الدراسات الحديثة التي قامت بها وكالة الفضاء الأمريكية أوضحت أن عمود الأوزون يتناقص بحوالي 0.26% سنويا بين خطي عرض 65 شمالا و 65 جنوبا . ومؤخرا أوضحت عدة دراسات أن عملية قياس الأوزون يشوبها العديد من الأخطاء بسبب تداخل غازات أخرى مثل اكاسيد الكبريت في عمليات القياس ، وبذا وضعت علامات استفهام كبيرة أمام النتائج التي تقول أن عمود الأوزون قد تناقص على مستوى العالم . وهناك نظريات مختلفة لتفسير تكوين ثقب الأوزون ، بعضها يؤكد أنها ظاهرة جيوفيزيقية طبيعية بالدرجة الأولى ( لان الثقب يتكون في فصل الربيع ويتلاشى في الصيف ) ، والبعض الآخر يؤكد أنها نتيجة للتفاعل مع المركبات الكيميائية المحتوية على الكلور والبروم ، وان التفاعلات تحدث في الشتاء بسبب البرودة الشديدة ومع حلول فصل الربيع يتضح نقص الأوزون ( يظهر ثقب الأوزون) . القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون وفي ضوء هذه المعلومات عن احتمال حدوث تآكل في طبقة الأوزون اتخذ المجتمع الدولــي إجراءا وقائيا بوضع اتفاقية فيينا لحمايـة طبقة الأوزون عام 1985. التي تنص على تبادل المعلومات والبحوث ونتائج الرصد لحماية صحة الإنسان والبيئة من الآثار السلبية التي قد تنتج عن تآكل طبقة الأوزون . وفي عام 1987 تم التوقيع على بروتوكول مونتريال الذي وضع جدولا زمنيا للخفض من إنتاج واستهلاك مركبات الكلوروفلوروكربون والهالون التي تحفز من تآكل طبقة الأوزون . وفي عام 1990 تم تعديل بروتوكول مونتريال لمنع إنتاج واستهلاك هذه المركبات بحلول عام 2000 ووضع جدول زمني لمنع إنتاج واستهلاك مركبات أخرى مثل رابع كلوريد الكربون . كما أدرجت جميع البدائل المؤقتة لمركبات الكلوروفلوروكربون في قائمة منفصلة بحيث يمنع استخدامها خلال الفترة من عام 2020 إلى عام 2040 . وفي نهاية عام 1992 اتفقت الدول على الإسراع في منع إنتاج واستخدام جميع هذه المركبات قبل عام 2000. ولكن في عام 1993 أعدت بعض الدول الأوربية قائمة باستخدامات ضرورية ترى انه لا يمكن الاستغناء فيها عن بعض مركبات الكلوروفلوروكربون (مثل بعض الرذاذات لعلاج حالات الربو) أو عن الهالونات ( بعض أجهزة الإطفاء على الطائرات أو في القطارات ). وتطالب هذه الدول باستثناء هذه الاستخدامات من المنع الذي نص عليه بروتوكول مونتريال . ولكن في الاجتماع الأخير لدول بروتوكول مونتريال الذي عقد في أكتوبر، تمت الموافقة على ثلاثة استثناءات فقط: الاستخدام في رذاذ أدوية الربو ، معايرة بعض الأجهزة ، وعمليات تنظيف أجهزة مركبات الفضاء . كيمياء الأوزون في طبقات الجو العليا : هناك ملاحظة دقيقة لقوس قزح تؤكد أن في ضوء الشمس كافة الألوان المرئية من اللون الأحمر حتى اللون البنفسجي. وبالإضافة إلى هذه الألوان المرئية فان في القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
ضوء الشمس أشعة غير مرئية: تحت الحمراء التي تتميز بطول موجاتها وقلة طاقتها ثم الأشعة فوق البنفسجية وتمتاز بقصر موجاتها وشدة طاقتها. هذا ومن المدهش حقا أن العلماء قد أدركوا منذ قرن من الزمان أن الأشعة فوق البنفسجية القادمة من الشمس إلينا وفيرة وغزيرة فقط بالأطوال الموجية القريبة من 290 نانو مترا ( النانو متر يساوي واحد بالبليون من المتر أو أن المتر اكبر من هذه الوحدة بمقدار ألف مليون مرة ). أما الأشعة فوق البنفسجية ذات الأطوال الموجية الأقصر من 290 نانو مترا فإنها لا تصل إلينا مطلقا، وهذه إحدى أنعم الله تعالى علينا لأن في وصولها هلاك الحياة على سطح الأرض. لقد أدرك العلماء أخيراً أن غياب الأشعة التي طول موجاتها اقل من 290 نانو مترا ليس بخاصية مميزة للشمس والنجوم (حيث تكشف عن نفس الظاهرة) ، لكنه خاصية يتميز بها الجو المحيط بالأرض، حيث يتعين على الضوء أن يخترق هذا الغلاف المحيط قبل وصوله إلى سطح الأرض. وفي ثمانينيات القرن التاسع عشر أدرك العالم البريطاني هارتلي إن الشكل ثلاثي الذرات للأوكسجين والمعروف بالأوزون O3 له بالضبط خصائص امتصاص الضوء ذي الأطوال الموجية التي لا تصل إلى الأرض بتاتاً. وكان على حق إذ استنتج أن الأوزون الموجود في طبقات الجو العليا هو المركب الذي يحول دون وصول الأشعة فوق البنفسجية الأقصر طولا من 290 نانو مترا والعالية الطاقة إلى سطح الكوكب الأرض. وبعد أن أكد العلماء استنفاد طبقة الاوزون في الغلاف الجوي وخطورة ذلك على البيئة وصحة الانسان ، أدى ذلك الى انشغال المهتمين بشؤون البيئة بهذا الامر كثيرا . وعليه ، قامت بعض الدول بخفض انتاجها من مركبات الكلوروفلوروكاربون التي تعد المسبب الرئيس لاستنفاد طبقة الاوزون وذلك كأجراء وقائي أولي للحد من هذا الاستنفاد ، غير ان هذا الاجراء لم يكن كافيا للحد من تعاظم هذه المشكلة . لذلك كانت الحاجة ضرورية لتعاون الدول الجماعي القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
فكانت المبادرة من قبل مجلس محافظي برنامج الامم المتحدة للبيئة في دورته التاسعة عام 1981 لبدء العمل لعقد اتفاقية بشأن حماية طبقة الاوزون بالتعاون مع منظمة الأرصاد الجوية واللجان الفنية والقانونية . وقد أسفرت هذه الجهود عن وضع اتفاقية إطارية دولية لحماية طبقة الاوزون وكذلك مشروع بروتوكول بشأن المركبات المستنفدة لطبقة الاوزون . وفي عام 1985 عقد مؤتمر دولي لإقرار الاتفاقية والبروتوكول ، وكان عقد هذا المؤتمر في فينا وبالفعل اقر مشروع الاتفاقية في ذلك العام . كما أقام برنامج الامم المتحدة للبيئة الى عقد مؤتمر دولي في مونتريال عام 1987 بدراسة إمكانية خفض مركبات الكلوروفلوروكاربون ، وقدمت لجنة الخبراء في المؤتمر مشروع بروتوكول بهذا الشأن وتمت الموافقة عليه من قبل الدول المشاركة في المؤتمر .
اتفاقية فينا لعام 1985 بشأن حماية طبقة الاوزون . تم عقد هذه الاتفاقية في فينا عام 1985 ودخلت حيز النفاذ في 22/9/1988.وتوصف هذه الاتفاقية بأنها اتفاقية إطارية ، بمعنى أنها وثيقة لها هدف تريد الوصول إليه وذلك بوضع قواعد عامة وليست تفصيلية . وان المقصود بالاتفاقية الإطارية بصورة عامة : هي الاتفاقية التي تتضمن قواعد ومبادئ عامة تعد نوعا من التوجيهات العامة للأطراف وليست التزامات محددة ، ويكون تحديد هذه الالتزامات في بروتوكول مستقل يلحق بالاتفاقية . ولعل من الأسباب التي تدعو الى عقد الاتفاقية الإطارية هو الخشية من عدم انضمام الدول للاتفاقية لترددها في الالتزام كاملا بها لأسباب قد تكون سياسية او عدم رغبتها في التعبير بصورة ايجابية في مجال البيئة بصفة عامة .
أما أهم الالتزامات المقررة في اتفاقية فينا لعام 1985 بشأن حماية طبقة الاوزون فكانت التزامات عامة وأخرى فنية . القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
اولا : الالتزامات العامة : 1- التعاون في كشف وتقييم الأنشطة البشرية المؤثرة على طبقة الاوزون . 2- تبني التدابير التشريعية والإدارية المناسبة . 3- تنسيق السياسات المناسبة لمراقبة او تحديد او خفض او منع الانشطة التي تكون لها آثار ضارة على طبقة الاوزون . 4- التعاون مع الهيئات الدولية المختصة من اجل تنفيذ الاتفاقية تنفيذا فعالا. 5- وضع التدابير والاجراءات التي يتفق عليها لتنفيذ الاتفاقية . ثانيا : الالتزامات الفنية : وتتمثل بتعهد الدول الأطراف بإجراء البحوث وعمليات التقويم العلمية بشأن ( العمليات الفيزيائية التي تؤثر في طبقة الاوزون ، الآثار الصحية البشرية ، الآثار المناخية الناجمة عن حدوث أي تعديلات في طبقة الاوزون ، المواد والأنشطة المؤثرة في طبقة الاوزون ، المواد التكنولوجية البديلة التي يرجح ان يكون لها تأثير ضار على طبقة الاوزون ، المسائل الاجتماعية والاقتصادية ذات الصلة) .
مؤتمر مونتريال لعام 1987 بشأن المواد المستنفدة لطبقة الاوزون
كانت اتفاقية فينا لعام 1985 بشأن حماية طبقة الاوزون قد دعت الأطراف الى اتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية صحة الانسان والبيئة ضد أية آثار ضارة تحصل او من الممكن ان تحصل من خلال الانشطة البشرية التي تعدل او تحاول ان تعدل من طبيعة طبقة الاوزون ، لذا اعتمد هذا البروتوكول على إطار العمل الذي قدمته الاتفاقية وهو مكملا لها. ودعا هذا البروتوكول إلى وضع جداول لخفض واستخدام المواد المستنفدة لطبقة الاوزون والمتمثلة بمركبات الكـلوروفلـوروكاربون والهـالونات ، حيـث طلب القسم الثاني - الفصل الثاني استنفاد طبقة الأوزون
البروتوكول كأجراء مؤقت الى تجميد مستويات مركبات الكلوروفلوروكاربون عند مستويات عام 1986 بحلول عام 1989 . ان بروتوكول مونتريال يعتمد بشكل واضح على العلاقات الاقتصادية وكذلك على التفسيرات العلمية المؤكدة ، فقد جاء في الديباجة على ان الأطراف تدرك أنالتدابير المتخذة لحماية طبقة الاوزون من الاستنفاد ينبغي ان تستند الى المعلومات العلمية . كما أن الأطراف تعلن عن تصميمها على حماية طبقة الاوزون باتخاذها للتدابير الوقائية للحد وعلى نحو عادل من الحجم الكلي لانبعاثات المواد المستنفدة للأوزون على النطاق العالمي واضعة في اعتبارها الاحتياجات الإنمائية للبلدان النامية .
الفصل الثالث تغير المناخ لعل من أهم وأخطر مشاكل الغلاف الجوي والتي أخذت اهتماما دوليا واسعا، هي مشكلة تغير المناخ أو ما تعرف بظاهرة الاحتباس الحراري ، وذلك لما لهذه الظاهرة من آثار خطرة على البيئة بصورة عامة وعلى اقتصاديات الدول بصورة خاصة بعد أن أدرك المجتمع الدولي مدى الاخطار التي تأتي بها هذه المشكلة الخطيرة ، لذا عقدت الاتفاقيات الدولية لمعالجتها والحد من آثارها . ولبيان هذه المشكلة وما هي الجهود الدولية التي بذلت من اجل حلها ، تم تقسيم هذا الفصل إلى مبحثين :
المبحث الأول: ظاهرة الاحتباس الحراري ومخاطرها على الغلاف الجوي.
المبحث الثاني: الجهود الدولية في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري.
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
المبحث الأول ظاهرة الاحتباس الحراري ومخاطرها على الغلاف الجوي من المعروف بأن غازي الأوكسجين والنتروجين يشكلان ما يقارب من 98،99% من مكونات الغلاف الجوي ، غير انه توجد غازات أخرى تشكل نسب قليلة جدا من الغلاف الجوي ولكن لها تأثيرها الكبير على مناخ الكرة الأرضية وتسمى هذه الغازات ( بالغازات الدفيئة ) مثل ثاني أوكسيد الكاربون والميثان وأكاسيد النتروجين . وهذه الغازات تعتبر العامل المساعد على الحفاظ على درجة حرارة الأرض ، إلا أن زيادة تراكيز هذه الغازات في الغلاف الجوي وخاصة غاز ثاني اوكسيد الكاربون أدى إلى ظاهرة الاحتباس الحراري . ومن الجدير بالذكر ، أن أشعة الشمس التي تسقط على الغلاف الجوي لا تصل كلها إلى سطح الأرض إذ ينعكس حوالي 25% من هذه الأشعة إلى الفضاء ويمتص حوالي 23% أخرى في الغلاف الجوي نفسه . وهذا معناه أن 52% فقط من أشعة الشمس تخترق الغلاف الجوي لتصل إلى سطح الأرض . ومن هذه النسبة الأخيرة نجد أن 6% ينعكس عائدا إلى الفضاء بينما يمتص الباقي (46%) في سطح الأرض ومياه البحار ليدفئها وتشع هذه الأسطح الدافئة بدورها الطاقة الحرارية التي اكتسبتها على شكل اشعة تحت حمراء ذات موجات طويلة . ونظرا لأن الهواء يحتوي على بعض الغازات بتركيزات شحيحة ( مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان وبخار الماء) من خواصها عدم السماح بنفاذ الأشعة تحت الحمراء فإن هذا يؤدي إلى احتباس هذه الاشعة داخل الغلاف الجوي وتعرف هذه الظاهرة بإسم " الاحتباس الحراري" أو " الأثر الصوبي " ، ولولاه لانخفضت درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 33 درجه مئوية عن مستواها الحالي ، أي هبطت إلى دون تجمد المياه ، ولأصبحت الحياة على سطح الأرض مستحيلة .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
وتحافظ الغازات الدفيئة الموجودة في الغلاف الجوي على درجة حرارة الارض ، فلولا وجود هذه الغازات ( بخار الماء والميثان واوكسيد الكاربون واكاسيد النتروجين ) لأصبحت درجة الحرارة على الارض منخفضة جدا . وان زيادة كثافة هذه الغازات في الغلاف الجوي جاء نتيجة لتدخل الإنسان من خلال نشاطاته المختلفة كالصناعات وغيرها كالانبعاثات الناجمة عن استخدام الوقود ( فحم ونفط وغاز ) ، فضلا عن الأنشطة الأخرى التي يلجأ إليها الإنسان والتي تؤثر سلبا على توازن البيئة الطبيعي كقطع الأشجار والقضاء على الغابات والأراضي الزراعية التي تعد كمستودعات لامتصاص وتنقية الجو من هذه الغازات . ويعتقد العلماء أن زيادة تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي نتيجة للنمو الاقتصادي والديموغرافي خلال القرنين الماضيين أي منذ الثورة الصناعية أدت إلى تغيرات مناخية لا يمكن ردها . فقد أكد تقرير الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ في عام 2001 على أن الغازات الدفيئة في الواقع تعمل كغطاء للأرض إذ تقوم بموازنة درجات الحرارة ، وان زيادة تراكيز هذه الغازات قد جاءت كنتيجة طبيعية لزيادة حجم الأنشطة البشرية . وأن المناخ العالمي قد تغير بالفعل بسبب الزيادة الحاصلة في تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي ، فقد ثبت بأن درجات الحرارة قد زادت بمقدار 0،06 درجة خلال 50 سنة الماضية من القرن العشرين ، لذا يعد تغير المناخ ضغطا إضافيا على النظام البيئي ، وأصبحت هذه المشكلة من اخطر المشاكل التي تواجه الغلاف الجوي . وأشار تقرير الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ بأن عدم معالجة انبعاثات الغازات الدفيئة الى الغلاف الجوي سيؤدي الى زيادة في درجات الحرارة تتراوح ما بين 1،4-5،8 درجة مئوية بحلول عام 2100 ، وقد لا يعير البعض أهمية
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
لهذه المشكلة الخطيرة بزعم أنها ليست ذات اثر على الأمد القريب وبأن آثارها لاتظهر إلا في المستقبل وفي ظروف لا يستطيع احد تخمينها . وقال خبراء في الجليد القطبي إن طبقة من الجليد في القارة القطبية الجنوبية في حجم ولاية تكساس الأمريكية آخذة في الذوبان ربما من جراء ارتفاع درجة حرارة الأرض وقد تتسبب في ارتفاع منسوب محيطات العالم بصورة ملحوظة. وأضاف الخبراء بأن تغييرات سريعة على نحو مفاجئ أخذت تطرأ على خليج بحر أمندسن في القارة القطبية الجنوبية الذي يواجه المنطقة الجنوبية من المحيط الهادئ وأكدوا إن الحاجة تدعو أيضاً إلى إجراء مزيد من الدراسات لمعرفة سرعة ذوبان الجليد وإلى أي مدى يمكن أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع منسوب سطح البحر. وجاء التحذير في بيان مشترك صدر في ختام مؤتمر عقده خبراء أمريكيون وأوروبيون في الجليد القطبي في جامعة تكساس في مدينة أوستن. وألقى العلماء بالمسؤولية في ذوبان الجليد على تغيّر الرياح حول القارة القطبية الجنوبية التي قالوا إنها تدفع المياه الأكثر دفئاً إلى التدفق تحت المنحدرات الجليدية. وأضاف العلماء أن تغيّر الرياح يبدو نتيجة لعدة عوامل من بينها ارتفاع درجة حرارة الأرض وتآكل طبقة الأوزون في الغلاف الجوي للأرض والتقلّبات الطبيعية، وقال العلماء إن ذوبان طبقة الجليد التي يبلغ سمكها 3.2 كم يتم رصده من الأقمار الصناعية بشكل أساسي لكن من غير المعروف مقدار الجليد الذي تعرض للذوبان نظراً لصعوبة الحصول على معلومات بشأن الطبقات الجليدية البعيدة . وقال العلماء إن الدراسة تركز على خليج بحر أمندسن نظراً لسرعة ذوبانه ووجود مياه تكفي لرفع منسوب مياه البحار في العالم بمقدار ستة أمتار أو ما يقرب من 20 قدماً.
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
وقال دونالد بلانكنشيب من معهد الفيزياء الجيولوجية في جامعة تكساس (إن المكان الذي يشهد أكبر تلك التغييرات هو خليج بحر أمندسن). وأضاف إن خليج بحر أمندسن آخذ في التغير لأنه ربما يُحدث تأثيراً كبيراً ، وأضاف أن مناطق أخرى من القارة تفقد جليداً ولكن بصفة عامة ليس بهذه السرعة.
إن التغييرات في درجات الحرارة لها آثار بالغة الخطورة على مستقبل الأجيال المقبلة وهذه الآثار هي:- 1- ستؤدي زيادة درجة الحرارة الى ذوبان الجليد والذي سيؤدي بدوره الى زيادة مناسيب البحار فضلا عن زيادة الإشعاع الشمسي الممتص ، لأن الجليد يعكس حوالي 80 – 80 % من كمية الإشعاع الشمسي الساقط عليه. 2- لقد تأكد بأن زيادة درجة الحرارة العالمية خلال 100 سنة الماضية بمقدار 0،6 درجة مئوية قد صاحبه ارتفاع في مستوى سطح البحر ما بين 10-15 سم ، ومع اســتمرار تراكيــز هذه الغازات فمن المتوقع أن ترتفع درجة حرارة سطح الأرض بمقدار 3،5 درجة مئوية بحلول عام 2025 مما سيؤدي إلى ارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 10-20 سم ، أما التقرير الصادر عن المؤتمر العالمي للمناخ عام 1988 فقد أفاد بأن هناك احتمالا مفاده بأن حرارة الارض ستزيد بمقدار يتراوح ما بين 4،5 – 6،5 درجة مئوية خلال 100 سنة القادمة مما يؤدي الى ارتفاع مستوى سطح البحر ما بين 20-40 سم . 3- احتمالية اختفاء بعض الجزر وغرق دلتا الأنهار والسهول الساحلية وسيزداد تآكل الشواطئ وتسرب المياه المالحة الى الخزانات الجوفية .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
4- يتوقع العلماء بأن زيادة درجة الحرارة سيؤدي الى انتقال المناطق الزراعية من 200-300 كم باتجاه الشمال ، أي باتجاه القطب ، مما يترتب عليه أضرارا كبيرة في المناطق الزراعية التقليدية .
5- إن الاختلال في توزيع الكتل الهوائية ومن ثم الاختلاف في طريقة توزيع مياه الأمطار عالميا سيؤدي الى تصحر الكثير من المناطق المعتمدة أساسا على هذه المياه .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
المبحث الثاني الجهود الدولية في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري
تشكل ظاهرة الاحتباس الحراري مصدر قلق حقيقي على النطاق العالمي. ويرى الكثير من الجهات الرسمية والعلمية أنه إذا لم تتخذ إجراءات حاسمة للحد من انبعاث الغازات الضارة بالبيئة فإن ذلك سيؤدي حتما إلى تفاقم تلك الظاهرة، والسير حثيثا نحو تغير مناخي سمته الأساسية ارتفاع درجة حرارة الأرض وما يترتب عليها من عواقب أخرى على الطبيعة . ويبدو أن الاتجاه نحو هذه التغيرات يجري بمعدل أسرع مما كانت تتنبأ به المعطيات المناخية المعروفة ، إذ تشير تقديرات علمية حديثة إلى أن درجات الحرارة في أجزاء مختلفة من الكرة الأرضية سترتفع بمقدار ضعف ما كانت تتوقعه الدراسات المناخية . وتنبه تلك التقديرات إلى أن مستوى انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون المتزايد قد يقود إلى الاندثار الكمي للغابات والارتفاع الكبير لمستوى مياه البحار. ومن شأن ذلك أن يزيد من وطأة التغيرات البيئية وبالتالي انخفاض مستوى الإنتاج الزراعي في العالم وما يترتب على ذلك من مشاكل اقتصادية وتنموية وغذائية ويتفق الكثيرون من المختصين والمهتمين على أن إحراق الغاز الطبيعي والنفط والفحم مما يسمى بالوقود الإحفوري ، فضلا عن الأشكال الأخرى من التلوث التي مصدرها البشر، لها الحصة الأكبر في تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري خلال العقود القليلة الماضية .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
وإذا ظلت الأمور سائرة على ما هي عليه دون تعاون دولي وجهود جادة من قبل الدول ، فإن من المتوقع أن يصل انبعاث غاز ثاني أكسيد الكربون إلى حوالي أربعين مليار طن سنويا في نهاية القرن الحالي .
وتتضح أهمية هذا الرقم إذا ما قورن بمقدار الانبعاث في الوقت الحاضر البالغ سبعة مليارات طن سنويا، أي أن الانبعاث سيزيد بمقدار ثلاثة وثلاثين مليار طن سنويا . وحتى لو تمسك البعض بالتقدير الأقل تشاؤما الصادر أوائل التسعينات والذي يشير إلى أن مقدار الانبعاث في نهاية القرن لا يتجاوز تسعة وعشرين مليار طن، فإن من شأن هذه الكمية أن تؤدي إلى اندثار واسع للغابات نتيجة إطلاق كميات كبيرة من الغاز المخزون في أشجارها مما سيزيد من ظاهرة الاحتباس .
وبعد أن أثبتت الأبحاث العلمية العديدة هذه الحقائق ومدى خطورة ومشكلة تغير المناخ والآثار الناجمة عنها، اتجه المجتمع الدولي إلى معالجة هذه الظاهرة. علما بأن هذه المشكلة أصبحت الشاغل الذي اهتم به السياسيون ، وخاصة في أواسط الثمانينيات من القرن الماضي ، وفي عام 1988 انشأ برنامج الأمم المتحدة وبالتعاون مع منظمة الأرصاد الجوية ، الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ . وكذلك أصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا في العام نفسه بشأن حماية المناخ العالمي لمصلحة الأجيال الحالية والمقبلة والتي أقرت فيه أن المناخ العالمي هو اهتمام مشترك للإنسانية . أما في عام 1992 فقد عقدت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ ، وفي عام 1997 ألحقت هذه الاتفاقية ببروتوكول كيوتو بشأن تغير المناخ الذي تضمن التزامات محددة من اجل الحد من هذه المشكلة . القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ لعام 1992 بعد الأخطار التي أدركها العالم بخصوص تغير المناخ والآثار التي تنجم عن هذه المشكلة الخطيرة ، كان لابد من مواجهة هذه المشكلة بتعاون دولي جاد ، ففي العام 1985 توصل عدد من العلماء وهم من دول مختلفة إلى الاستنتاج الآتي / " إن تغير المناخ يجب أن يعد احتمالا واردا وجدياً " . وعلى هذا الأساس قام برنامج الأمم المتحدة للبيئة وبالتعاون مع منظمة الأرصاد الجوية في عام 1988 بإنشاء الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ والتي كان الهدف من وراء إنشائها هو الحصول على الحقائق العلمية المدعمة بالبيانات ذات الصلة بتغير المناخ وتقويم الآثار البيئية والاقتصادية كي تستطيع وضع الخطط الواقعية لمواجهتها . وأصدرت هذه الهيئة في عام 1990 تقريرها الأول الذي بينت فيه بأن تغير المناخ يعد تهديدا حقيقيا للبيئة وطالبت بعقد اتفاقية عالمية لغرض مواجهة تلك الظاهرة. وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة أول من استجابت لهذه الدعوة وتبنت الدعوة إلى إجراء المفاوضات الرسمية بشأن عقد اتفاقية تغير المناخ وذلك بموجب قرارها المرقم 45/212 في كانون الأول /1990 من خلال اللجنة الحكومية للمفاوضات . وفي شباط عام 1991 عقدت هذه اللجنة أول اجتماعاتها لدراسة المشكلة ، وخلصت إلى أن هناك عدة أمور صعبة تواجهها أمام إبرام الاتفاقية هي :- 1- إن إبرام هذه الاتفاقية يؤدي إلى تحمل الدول الأعضاء تكلفة اقتصادية لغرض إحداث التغيرات المطلوبة في القطاع الصناعي للحد من الانبعاثات الضارة . 2- ما زالت النتائج العلمية بشأن تأثيرات الغازات الدفيئة على المناخ العالمي غير مؤكدة . 3- عدم اهتمام الرأي العام العالمي بهذه القضية .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
ولكن بعد العديد من المفاوضات تم التوقيع من قبل الحكومات على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ وذلك في مؤتمر البيئة والتنمية الذي أطلق عليه قمة الأرض وعقد في ريو عام 1992 ، ودخلت الاتفاقية حيز النفاذ في 21/3/1994 . تعد هذه الاتفاقية نظاما أساسيا للتعاون يستعين به أطرافه في معالجة مشاكل تغير المناخ ، ووصفت بأنها اتفاقية إطارية ، فهي لم تلزم الأطراف بالتزامات محددة وان جاءت بعدد من المبادئ والمسؤوليات المختلفة ( تنوع المسؤوليات ) والتي يجب على الأطراف العمل بمقتضاها .
وجاءت هذه الاتفاقية بأهداف ومبادئ يجب على الأطراف الالتزام بها والعمل بموجبها ، ومن هذه الأهداف : الوصول إلى تراكيز الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي عند المستوى الذي يمنع حدوث تدخلات بشرية في نظام المناخ . أما المبادئ فقد نصت الاتفاقية على مبدأ التنمية المستدامة ومبدأ الحذر اللذين سبق بيانهما . وفي شأن المسؤوليات التي ألقتها الاتفاقية على عاتق الدول الأطراف فهي : 1- اتخاذ الإجراءات الوقائية التي تمنع أو تقلل من الانبعاثات التي تسبب تغير المناخ ، مع الأخذ بالحسبان الجانب الاقتصادي والاجتماعي لكل دولة . 2- على الدول أن تضمن برامجها في التنمية الوطنية السياسات التي تكفل حماية المناخ . 3- التعاون فيما بين الدول الأطراف في هذه الاتفاقية على حماية وتشجيع النظام الاقتصادي الدولي . 4- العمل على توعية الشعوب بخطورة هذه المشكلة لكي تكون تصرفاتهم باتجاه المساهمة في حماية المناخ والبيئة .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
5- تشجيع التعاون التكنولوجي لتقليل انبعاثات الغازات الدفيئة من قطاعات الاقتصاد المختلفة كالطاقة والمواصلات والصناعة والزراعة والغابات وإدارة النفايات .
بروتوكول كيوتو لعام 1997 تضمنت اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية لعام 1992 بشأن تغير المناخ عددا من المبادئ والتعهدات غير الملزمة لإطرافها . ولغرض إيجاد التزامات أكثر تحديدا ودقة ، فقد ألحقت هذه الاتفاقية ببروتوكول تضمن تلك الالتزامات هو بروتوكول كيوتو الذي عقد في كيوتو عام 1997 وذلك لتحقيق الأهداف التي جاءت بها الاتفاقية والمتمثلة بالحد من ظاهرة الاحتباس الحراري . وكانت هناك ثلاث مسائل مهمة واجهها البروتوكول كانت محور مناقشات حادة بين الأطراف، وهذه المسائل هي: 1- حول مديات الخفض الملزمة للغازات . 2- حول مديات تحديد انبعاثات الدول النامية . 3- حول إذا ما كان السماح بالعمل بتجارة الانبعاثات والتنفيذ المشترك سيمهد السبيل لخفض حقيقي للانبعاثات . وفتح باب التوقيع على البروتوكول في 16/3/1997 ودخل حيز النفاذ في 16/2/2005 بعد أن صادقت عليه 55 دولة بضمنها دول متقدمة تمثل نسبة انبعاثاتها من الغازات 55% من إجمالي الغازات الكاربونية المنبعثة في العالم . أما أهم الالتزامات التي تقع على عاتق الدول الأطراف بموجب هذا البروتوكول فهي : 1- المحافظة على الغابات والعمل على زيادتها لغرض امتصاص الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
2- تنظيم ورش بحث لتقدير انبعاثات الغازات الدفيئة ودراسة الآثار السلبية الناجمة عنها . 3- تطوير برامج التعليم والتدريب والتوعية العامة بخصوص تغير المناخ بما يسهم في التقليل من انبعاثات الغازات الدفيئة . 4- على الدول المتقدمة أن تخفض انبعاثات الغازات الدفيئة بمقدار 5% في الأقل خلال عامي 2008-2012 ، وحدد البروتوكول الغازات التي يشملها الخفض وهي ( ثاني اوكسيد الكاربون ، الميثان ، اوكسيد النتروجين ، وثلاث مركبات فلورية هي الهايدروفلوروكاربون ، كبريتات الفلور السداسي ، البيرفلوروكاربون ) . 5- تتحمل الدول المتقدمة تكاليف البحث والتطوير من اجل إيجاد مصادر جديدة للطاقة والتكنولوجيا الأقل ضررا للبيئة . 6- مساعدة الدول النامية في مواجهة الآثار السلبية لتغير المناخ .
التداعيات التي دفعت بالمجتمع الدولي إلى التعاون في معالجة ظاهرة الاحتباس الحراري : تتوافر اليوم أدلة توضح أن إرتفاع درجة حرارة الجو وما سيصحبه من تغيرات مناخية سيكون له أثر كبير على النظم البيئية على سطح الأرض ، ويرى بعض العلماء أنها قد تكون مفيدة ويرى البعض الآخر أنها ستكون ضارة . فمثلا ؛ بينما قد تزيد إنتاجية بعض الغابات والمحاصيل فإن البعض الآخر قد تتدهور إنتاجيته .
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ كذلك بينما قد تزيد الأمطار ( وبذلك مصادر المياه ) في بعض المناطق من العالم فإنها قد تشح في بعض المناطق الأخرى ، خاصة في المناطق القاحلة وشبه القاحلة ، مسببة مشاكل كبيرة في موارد المياه . وبالإضافة إلى ذلك ، يؤكد فريق من العلماء البعض أن إرتفاع درجات الحرارة في العالم سيعجل بإرتفاع سطح البحر في السنوات المقبلة ، وأن هذا الإرتفاع سيغرق بعض الجزر المنخفضة والمناطق الساحلية وسيؤدى إلى تشريد الملايين من البشر وإلى خسائر إقتصادية واجتماعية فادحة . ففي الهند مثلا قدر أن حوالي 5700 كيلومتر مربع من المناطق الساحلية سوف تتعرض للغرق مما سيؤدى إلى هجرة 7.1 مليون شخص وإلى خسائر مادية قدرت بحوالي 50 بليون دولار. وفى فيتنام قدرت الخسائر التي قد تنجم عن إرتفاع سطح البحر بحلول عام 2070 بحوالي 2 بليون دولار. في حين أن البعض الآخر يقول أن ما سيحدث هو إنخفاض في سطح البحر واحتمال لظهور عصر جليدي جديد. ويوضح الفريق الحكومي الدولي المعنى بتغير المناخ في تقريره الأخير إن التغيرات المناخية المحتملة ستختلف في تداعياتها من قارة إلى أخرى ، ومن منطقة إلى أخرى داخل نفس القارة. وان الإتجاهات الرئيسية لهذه التداعيات ستكون على الوجه الآتي:-
1. في أفريقيا : يتوقع زيادة ظاهرة الجفاف في القارة بصورة عامة ، وفى الجزء الجنوبي الشرقي منها بصورة خاصة ، مصحوبا بظاهرة التقلبات الجوية المعروفة باسم ألإنزو ENSO ، بينما تزداد معدلات سقوط الأمطار على الجبال
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ العالية في شرق أفريقيا وفى الجزء الأوسط الواقع على خط الاستواء من القارة . ونتيجة للزيادة في عدد السكان سوف تتعرض الغابات لمزيد من الإزالة لاستخدام الأرض في الزراعة أو التوسع العمراني ، في حين إن ارتفاع درجة حرارة الجو سيؤدى إلى تغيير أنماط النماذج الإحيائية للنباتات والحيوانات ، وكل هذا سوف تكون له تداعيات سلبية على التنوع البيولوجي في القارة الأفريقية. أما في المناطق الساحلية فسوف يؤدى ارتفاع مستوى سطح البحر إلى غمر أجزاء كبيرة من المناطق الساحلية المنخفضة في شمال أفريقيا، وخاصة شمال دلتا النيل ، وفى الجزء الأوسط من غرب أفريقيا. وسينتج عن هذا فقدان مساحات من الأراضي الزراعية والمنشآت المختلفة ، كما سيؤدى أيضا إلى التأثير على إنتاجية الأراضي الزراعية المجاورة ، لزيادة ارتفاع منسوب المياه المالحة. ومن المتوقع أن تؤدى التغيرات المناخية في القارة الأفريقية إلى زيادة وتغير أنماط هجرة السكان تجنبا لما سيحدث من جفاف وأخطار أخرى ، وسوف يترتب على هذا إندفاع التجمعات البشرية إلى هجرات عن أماكنها المعتادة ، بما ينشأ عنه نماذج اجتماعية لم تكن معتادة وبالتالي تتغير أنماط الاستيطان والسياحة والصناعة والنقل والصحة وما يتبع ذلك. 2. في غرب آسيا والشرق الأوسط : من المتوقع أن تظل المنطقة في عمومها قاحلة قليلة الأمطار. أما بالنسبة لبعض المناطق الساحلية المرتفعة فسيزداد معدل الأمطار عليها قليلا مع ارتفاع في درجة الحرارة والبخار بصفة عامة.
القسم الثاني - الفصل الثالث تغير المناخ
3. في أوربـــا: من المتوقع أن يزداد معدل سقوط الأمطار شمال وغرب أوروبا مع احتمالات حدوث فيضانات ، أما جنوب القارة وشرقها، فسوف يتعرضان لقلة سقوط الأمطار مع احتمالات الجفاف في بعض المناطق. وسوف يؤدي الارتفاع العام في درجة الحرارة ، وارتفاع مستوى البحر إلى غرق الأجزاء الساحلية المنخفضة خاصة في غرب أوروبا وشمالها مع التعرض لموجات حارة تؤثر على الزراعات ومعدلات إنتاج المحاصيل .
4. في استراليا ونيوزيلندا: من المتوقع أن تنخفض معدلات ومدة سقوط الثلوج في المناطق المعرضة ولذلك سوف تزداد معدلات سقوط الأمطار في أماكن سقوطها الحالية ، بما يشكل احتمالات حدوث فيضانات في بعض المناطق ، كما سوف تتعرض المناطق الساحلية المنخفضة للتآكل. 5. في القطبين الشمالي والجنوبي: سوف يتقلص الغطاء الثلجي للقطبين الشمالي والجنوبي بنحو 150-550 كم ، حيث تجد الثلوج الذائبة طريقها إلى البحر ليرتفع مستواه بنحو 15-95 سم، بما يستتبعه تغير الأنماط الأحيائية في هذين القطبين والبحار عما اعتادت عليه منذ آلاف السنين .
الخاتمة التوصيات والنتائج
التوصيات والنتائج :
في نهاية المطاف يمكن استخلاص عدة توصيات من خلال هذه الدراسة لعل فيها الفائدة لمن أراد معالجة مثل هذه الموضوعات من شتى جوانبها، وهي كما يلي:- التوصية ( 1 ): حث جميع الدول على التعاون والمشاركة والانضمام في أي تجمع يهدف إلى حماية الغلاف الجوي من التلوث وعدم التواني في ذلك، والتصديق على الاتفاقيات الدولية والإقليمية التي تصب في مصلحة البيئة ، فضلا عن التعاون مع هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة .
التوصية ( 2 ): مناشدة الدول بسن القوانين والتشريعات الداخلية المتسمة بالصرامة في ملاحقة ملوثي البيئة بشكل عام والغلاف الجوي بشكل خاص، وعدم التراخي في توقيع العقوبات عليهم، وملء الفراغ التشريعي في بعض البلدان النامية. التوصية ( 3 ): إن حماية الغلاف الجوي تقتضي تبني مبدأ التنمية المستدامة والذي يراد منه تلبية حاجات الحاضر دون المساومة على حاجات الأجيال المقبلة.
التوصية ( 4 ): توجيه الإعلام ووسائله الفعالة إلى نشر الوعي البيئي ، وتكثيف برامجه الداعية للمحافظة على البيئة بوجه عام ، وإطلاع الأفراد على مخاطر التلوث ، وكذلك زيادة النشرات والبحوث والدوريات المتخصصة والتي تحمل طابع التوجيه والإرشاد للتعامل مع البيئة ، لإخراج جيل مشبع بالتربية البيئية وداعياً لها.
الخاتمة التوصيات والنتائج
التوصية ( 5 ): إتباع آلية أفضل لتبادل المعلومات بين الدول والمنظمات الدولية الحكومية منه وغير الحكومية بشأن المشاكل البيئية تتصف بالسرعة والدقة وبعيدة عن الجوانب الإجرائية والشكلية ، وذلك للإنتفاع بها واستخدامها في مواجهة أي خطر يهدد سلامة الغلاف الجوي . وضمان تغطية جغرافية أكثر توازنا للنظام العالمي لمراقبة المناخ وعناصره ، بما في ذلك رصد الغلاف الجوي العالمي بأساليب من بينها تسهيل إنشاء وتشغيل محطات إضافية للرصد المنتظم والمساهمة في تطوير قواعد البيانات هذه واستخدامها وإتاحة الوصول إليها .
التوصية ( 6 ): لابد من إتباع العقوبات القانونية الصارمة على المتسببين في تلويث البيئة وتعريض غلافها الجوي للخطر ، مثل كوارث الحروب والنزاعات المسلحة ، أو حتى المناورات والتدريبات العسكرية التي تستغل الطبيعة أسوأ استغلال ، وعدم التساهل في ملاحقة من يهدد بيئة الإنسان الآمن.
التوصية ( 7 ): إن القلق إزاء تغير المناخ وتقلبه وتلوث الهواء واستنفاد طبقة الأوزون، يستوجب تطوير المعلومات العلمية والاقتصادية والاجتماعية وتحسين التفهم والتنبؤ فيما يتعلق بالخواص المختلفة للغلاف الجوي، فضلا عن الآثار الصحية وتفاعلاتها مع العوامل الاجتماعية – الاقتصادية.
التوصية ( 8 ): الاستعاضة عن مركبات الكلوروفلوروكاربون والمواد الأخرى التي تستنفد طبقة الأوزون بما يتمشى مع بروتوكول مونتريال ، مع التسليم بضرورة تقييم مدى ملائمة البدائل المذكورة بطريقة شاملة ، وليس فقط على أساس إسهامها في حل مشكلة واحدة تتعلق بالبيئة أو بالغلاف الجوي .
الخاتمة التوصيات والنتائج
التوصية ( 9 ): إتباع التخطيط العلمي السليم عند إنشاء أية صناعة ، بحيث يراعى المناخ والتضاريس وتحديد المقاييس الخاصة بالتركيزات القصوى للمواد الملوثة التي يسمح بوجودها في الهواء ، وإنشاء نقاط رصد ومراجعة لقياس جودة الهواء في مناطق مختلفة من كل مدينة مع مراعاة أنماط النمو في هذه المدن وكمية المواد الملوثة ، ونشر معايير جودة الهواء بالنسبة للمواد الملوثة، وكذلك نتائج ورصد قياس تلك الجودة في وسائل الإعلام المختلفة ،والاهتمام بزراعة الأشجار وزيادة المسطحات والأحزمة الخضراء حول المدن والمناطق الصناعية .
التوصية ( 10 ): اختيار أنواع من الوقود خالية من المخلفات الملوثة ، والتحول إلى مصادر جديدة للطاقة قليلة التلوث ، ومراقبة مخلفات السيارات ووسائل النقل العامة ، وإيقاف أية وسيلة مواصلات تنبعث منها نسبة غازات عالية ، ومراقبة مصادر التلوث ، لاسيما آلات الاحتراق في المصانع .
وبهذه الخاتمة يكون قد تم البحث ، اسأل الله تعالى التوفيق في ما سعيت إليه وأرجوه سبحانه أن لا يحرمني شغف الاستمرار في البحث العلمي المتواصل . والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبة أجمعين .
المراجـع
أولاً / الكتب العربية :
1- القرآن الكريم. 2- د. إبراهيم فهمي إبراهيم شحاتة – القانون الجوي وقانون الفضاء الدولي – دار النهضة العربية – القاهرة – 1966 . 3- اللجنة العالمية للبيئة – مستقبلنا المشترك – دار المعرفة – الكويت – 1989 . 4- روبرت لافون جرامون – التلوث - ترجمة: نادية القباني ومراجعه جورج عزيز - شركة ترادكسيم - - جنيف 1977 . 5- د. سمير محمد فاضل – المسؤولية الدولية الناتجة عن استخدام الطاقة النووية – عالم الكتب – القاهرة – 1976 . 6- سعيد سالم جويلي - مواجهة الأضرار بالبيئة بين الوقاية والعلاج – جامعة الإمارات – 1999 . 7- سينيثا بولوك شي – حماية الحياة على الأرض – خطوات لإنقاذ طبقة الأوزون – ترجمة د . أنور عبد الواحد – الدار الدولية للنشر والتوزيع – القاهرة – 1992. 8- عاشور عبد الجواد عبد الحميد – حماية الخليج العربي من التلوث بالزيت – جامعة الإمارات - 1999. 9- عامر محمود طراف - إرهاب التلوث والنظام العالمي - المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر – 2002 . 10- د. عبد الواحد محمد الفار – الالتزام بحماية البيئة البحرية والحفاظ عليها من أخطار التلوث – دار النهضة العربية – القاهرة – 1985 . 11- د. عبد الواحد محمد الفار - القانون الدولي العام – دار النهضة العربية – القاهرة – 1994 . 12- د. عصام العطية – القانون الدولي العام – جامعة بغداد – الطبعة الخامسة – 1993 . 13- كينث ميللبيني – بايولوجيا التلوث – ترجمة د. كامل مهدي التميمي – وزارة الثقافة والإعلام – بغداد – 1994 . 14- ماجد راغب الحلو – قانون حماية البيئة - المكتبة القانونية لدار المطبوعات الجامعية– الإسكندرية– 1999. 15- محمد أمين عامر ومصطفى محمود سليمان- تلوث البيئة - مشكلة العصر - دار الكتاب الحديث - القاهرة- 1999. 16- د. محمد عبد الرحمن الدسوقي – الالتزام الدولي بحماية طبقة الأوزون في القانون الدولي – دار النهضة – القاهرة – 2002 . 17- د. محمد نجيب إبراهيم أبو سعدة – التلوث البيئي ودور الكائنات الدقيقة إيجابا وسلبا – دار الفكر العربي – القاهرة – طبعة أولى – 2000. 18- نبيل أحمد حلمي - الحماية القانونية الدولية للبيئة - دار النهضة العربية للطبع والنشر والتوزيع – القاهرة – 1991 . 19- وائل أحمد علام - المنظمات الدولية(النظرية العامة) - جامعة الزقازيق - 1994.
ثانياً / الرسائل الجامعية:
1- احمد شاكر سلمان الحسناوي – الحماية القانونية الدولية لطبقة الأوزون – رسالة ماجستير – كلية القانون – جامعة بابل – 2003 . 2- بشير جمعة عبد الجبار الكبيسي – الضرر العابر للحدود عن أنشطة لا يحظرها القانون الدولي– رسالة ماجستير – كلية القانون – جامعة بغداد – 2001 . 3- صلاح عبد الرحمن ألحديثي – النظام القانوني الدولي لحماية البيئة – رسالة دكتوراه – كلية القانون – جامعة بغداد – 1997 .
ثالثاً / البحوث : 1- د. احمد أبو الوفا – تأملات حول الحماية الدولية للبيئة من التلوث – المجلة المصرية للقانون الدولي – عدد 43 – سنة 1993 . 2- سعيد سالم جويلي – التنظيم الدولي لتغير المناخ وارتفاع درجة الحرارة – جامعة أسيوط – 2002 . 3- د. صالح مهدي العبيدي - مسائل حماية الغلاف الجوي للأرض في القانون الدولي المعاصر – مجلة القانون المقارن العراقية – بغداد – عدد 22 – سنة 1994 . 4- نرمين السعدني – بروتوكول كيوتو وأزمة تغير المناخ – مجلة السياسة الدولية المصرية – عدد 45 – يوليو 2001 .
رابعاً / منشورات الأمم المتحدة واللجان الدولية :
1- الهيئة الحكومية المعنية بتغير المناخ ( IPCC ) – تغير المناخ / 2001 – برنامج الأمم المتحدة للبيئة ومنظمة الأرصاد الجوية . 2- حولية لجنة القانون الدولي – 1982 – المجلد الثاني / الجزء الثاني – دورة 34 – نيويورك وجنيف – الأمم المتحدة – 1983 . 3- لجنة التنمية المستدامة / تقرير الأمين العام – حماية الغلاف الجوي – دورة 9 / 16-27 نيسان 2001 – الأمم المتحدة – المجلس الاقتصادي والاجتماعي . 4- موجز الأحكام والفتاوى والأوامر الصادرة من محكمة العدل الدولية ( 1948-1991 ) الأمم المتحدة – نيويورك 1993 .
الكتب الأجنبية : 1- Alexander Kiss and Dinsh Shelton – International Environmental Law – London – 1991 . 2- David Hunter James Salzman and Durwoed Zaeke – International Environment Law and Policy – 2nd Edition – New York – 2002 . 3- Gallwys Mission – International Environment Law – London – 1995. 4- Dr. Najeeb Al-Nauimi and Richard Meeese – International Legal Issues Arising Under The United Nations Decade of International Law – Hague , Boston and London – 1995 .
البحوث الأجنبية: 1- Alfred C.Aman .Jr – The Montreal Protocol on Substances That Deplete Ozone Layer – IN – Francesco Francioni and Tullio Scovazzi – International Responsibility of Environment Harm – London – 1992 . 2- Dr. David Ghallman – The Atmosphere As Global Commons – WCC – Canada – 2002 – Pl (internet). 3- Stanley Johnson – Legal Aspect of the Protection of The Environment in Areas Not Subject to National Jurisdiction – IN Dr Najeeb Al- Nauimi and Richard Meeese – International Legal Issues Arising Under United Nations Decade of International Law – Hegue , Boston , London – 1995. 4- US-Environmental Protection Agency – Acid Rain – 2004 – Internet .
مواقع الإنترنت Internet
http://www.4eco.com/ozone_depletion
http://www.environment.gov.jo/society_encyclopadia/scjorj8.htm
http://doc.abhatoo.net.ma/article.php3?id_article=623
http://news.bbc.co.uk/hi/arabic/sci_tech/newsid_1447000/1447242.stm
http://www.azzaman.com/azz/articles/2002/01/01-18/a99341.htm
http://www.environment.gov.jo/society_encyclopadia/scwor5.htm
http://www.grenc.com/a/rami/show_Myarticle.cfm?id=5990
www.beaah.com/home/Env-articles/cases-researches/climate.html
http://www.beaah.com/home/Env-articles/cases-researches/climate.html
problems appear the close interconnection among systems which regulate them. So, to ban any obstacle among the obligation under these conventions must be collect them in one regulation and these conventions form the corner stone to this regulation. This regulation called the International Law of the Atmosphere. Ultimately, this these ends by some of conclusion and recommendation such as call to establish a competent international organization, which aims to protect, and development the atmosphere.
agreements which dealing with these problems like the Long-Rang Transboundry Air Pollution to compact the acid rain in Geneva 1979 by the UNECE, which followed with eight, protocols along 20 years implementation it. The Vienna convention 1985 on the protection of the ozone layer which followed by the Montreal protocol in 1987 on the ozone depletion substance and the United Nations Framework convention climate change in 1992 which followed five years followed by the Kyoto protocol . Therefore achievement to the purpose and aims of these conventions require from the states parties must be comply with the obligations under the conventions. The compliance means the implementation and capacity. These states can carry out the convention but not compliance with it. The reasons for non-compliance are not always resulting from bad will, however, that non-compliance in most cases result from the shortage in the financial and technical sources. Developing countries often lack the financial, administrative or technical capacities for meaningful compliance. Therefore, these conventions are establishing non-compliance procedure (NCP). This procedure offers a number of very significant advantages as regard the management of legal relations among the parties. These procedures include punitive action against the non-compliance party such as suspending the part access to positive measures. On other hand, these procedures include to provide assistance to the party, which had lack in capacity weather in financial or technical assistance. At last, must be refer to, these convention which treatment with the problems of atmosphere seem in the first view, deal with separate subjects, but study for these
SUMMERY The atmosphere is considered as one of the global commons and is defined as the mass of gases which surround the earth. Its place is out the borders of nations of any state, but everyone from them can use it for their own purposes. The global commons include numbers of obligations upon the states, which apply on the atmosphere such as peaceful usage and dose not claim the property of it and cooperate to protect it. The protection of the atmosphere must depend on the base where its obligations are. This base is a part of human rights (the right of life). The base is very important because there is no meaning for any other right without it. This right includes the right of its life in healthy and balanced environment. The efforts of states gathered to ensure this right and involve many agreements to protect the atmosphere. Indeed, the three problems, which face the atmosphere, are the acid rain, depletion of the Ozone layer and the climate change. These problems are occurred by the intervention of human activities which increased the constriction of the gasses which compound the atmosphere such as the Carbon dioxide which consider the main reason of the climate change, chloroformcarbon materials which lead to deplete of the ozone layer and the dioxide of nitrogen which caused the acid rain. These problems are have the serious effected on the human health and the environment so the international community collects the efforts to combat them. These states involve many
#عباس_سعيد_الاسدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دراسة حول ضرورة اعتماد التعليم المفتوح في العراق
المزيد.....
-
الأمم المتحدة تحذر: شبح المجاعة يهدد 40 مليون شخصًا في غرب أ
...
-
تظاهرات في تل أبيب مطالبة بصفقة للإفراج عن الأسرى
-
الشروق داخل معسكرات النازحين فى السودان.. حكايات الفرار من ا
...
-
استشهد زوجتي وإصابتي أفقدتني عيني
-
مصدر فلسطيني: عودة النازحين قضية رئيسية في المفاوضات وتوجد ع
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
مندوب فلسطين بالجامعة العربية يدعو لتفعيل الفصل السابع من مي
...
-
عبد الرحمن: استقبال عناصر النظام البائد وتسوية أوضاعهم ممن ل
...
-
دعوات إسرائيلية لمظاهرات تطالب بصفقة تعيد الأسرى
-
في رسالة لذوي الأسرى.. القسام تنشر صورة نجل نتنياهو على شواط
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|