|
الهيمنة الأمريكيّة والحرب على الإرهاب
عمار ديوب
الحوار المتمدن-العدد: 2424 - 2008 / 10 / 4 - 09:18
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
شكّلت حادثة 11 أيلول فاصلاً تاريخياً تأسيسياً لسيرورة الهيمنة الأمريكية على العالم.حيث بادرت إلى حربٍ جديدةٍ بعد أن أكّدت أنّها تبني النظام العالمي الجديد بعد 1991 على أنقاض وجثة القطب السوفييتي. .و رافق حربها على الإرهاب تنظيرات أيديولوجية عن صدام الحضارات والأديان، وبرز العداء الديني على مستوى العالم وكأنه القضية الأولى التي تهدد البشرية وأن الولايات المتحدة "حارثة القيم!"تسخّر نفسها وتعمل جاهدةً على تخليص البشرية من هذا الإرهاب الكوني الإسلامي .ولكن كل ذلك يتمّ على أرضية فكرةٍ بسيطة جداً تقول : إما أمريكا أو الإرهاب الديني الإسلامي.وهي ذات الفكرة التي تستخدمها أنظمتنا العربية ضد أمريكا قائلةً :إما نحن وإما الإرهاب الإسلامي؟!!؟؟ لا يشك عاقل أن العالم أصبح أكثر خطراً وإرهاباً،فالطالبان "الإسلامية" في أفغانستان بعد حرب أمريكا ضدّها -وقتلها الآلاف منهم- تتقدم ولا تتراجع و يستلم الإسلاميون "الشيعة"في العراق تقريباً السلطة ويسيطرون على الوعي العام،ويشنون حروبهم الطائفية الكريهة ضد السنّة،الذين يردون بنفس الهمجية. وهو ما يشكل قنبلة قد تنفجر يوماً ما بجسد الشعب العراقي.وأقصد هناك خطورة كبيرة على مستقبل العراق بفعل المذهبية والطائفية والعشائرية والإثنيات التي تجذّرت في العراق. شراسة المعركة الأمريكية ، إيديولوجيا ضد الإرهاب وفعلياً ضد الصين وروسيا والهند ، وبمكان ما ضد أوروبا.وبالتالي عملية هذه الهيمنة هي ما يُقلق العالم ويتضرر منها العرب بصفة خاصة.حيث احتلال العراق وتدمير الحركة الوطنية الفلسطينية بمشروع السلطة الفاسدة ودعم الديكتاتوريات كالسعودية ومصر والأردن وليبيا "التي رئيسها مغرم هذه الأيام بالجميلة كونداليزا!!".وبالتالي ستستمر هذه الهيمنة وتلك الحروب لان المعركة عالمية، وليس لأنّها ضد العرب والمسلمين فقط كما يتوهم جموع الإسلاميين ويشاركهم بحماسٍ كبير بعض القوميين الماهويين،وربما فئات أخرى. اعتمدت الولايات المتحدة إستراتيجية خطيرة في المنطقة العربيّة ولكنها صحيحة لتدمير الداخل العربي وفقاً لمصالحها وهي النفخ بالمكونات الماهوية للشعب العربي وتمزيق كونه عربي قبل أن يكونَ تلك المكونات،التي ازدهرت وأورقت وحملت ثماراً سُميّة قاتلة كذلك بفعل استبدادية الأنظمة العربية و نتيجة فشل مشروعها الوطني والقطري أيضاً.وهذه الإستراتيجية تجعل الولايات المتحدة تستقر في العراق وفي لبنان والسعودية وغيرها وهو ما يؤبد هذه المكونات الماهوية ويديم الطبقات المسيطرة على الحكم ويكرس أمريكا مسقطة ًللاستبداد العربي ومانعةً للحروب الطائفيّة!!؟. الأصوليات الدينيّة"القاعدة وأمثالها" في منطقتنا العربية هي همجيات ضد الهمجية الأمريكية والحروب التي تشنّها متجاوزةً القانون الدولي وأية أعراف تتعلق بمنظومة حقوق الإنسان أو السيادة الوطنية.وهي بالأصل-الأصوليات- نتاج العلاقة التابعة بين العربية السعودية والدولة الأمريكية ؛والتي تعود جذورها إلى أربعينيات القرن الماضي.وهو ما تمأسس ضد المشروع القومي والاشتراكي وضد مشروع الحداثة بالكامل.وبالتالي الأصولية بتياراتها المتنوعة ، تعيق الحداثة كما أن أنظمتنا المتخلفة والرثّة تمسخها تماماً.وبمعنى آخر إنّ عالمنا العربي ، جزءُ متداخلُ في بنيةٍ عالمية موحدة.وحروب أمريكا لا تحل المشكلة بقدر ما تفاقمها.وبالتالي ،الخلاص من الأصوليات هو باستعادة المنطقة مشروع الحداثة، لا بخضوعها للهيمنة الأمريكية،التي لن تخرجَ من منطقتنا إلّا النفط والإرهاب الأسود!! لا تأخذ نخبنا القومية السائدة موقفاً جذريّاً من مسألة القوى الإرهابية الإسلامية،فما دامت الأخيرة ضد الاحتلال فهي تذلل العقبة الكأداء في مواجهة المشروع الأمريكي الصهيوني.وهذا الرأي يحمل ألماً شديداً يسبّبه الاحتلال والأنظمة العربية السائدة،ولكنّه رأياً عبثيّاً بامتياز وخاصة بما يتعلق بمنظمة القاعدة وجماعات الأخوان المسلمين،حيث أنها تهدّد الداخل العربي بالتصفية والقتل والتدمير، وهم يفعلون ذلك منذ نشأتهم وسيستمرون عليه،لان الأصولية تأسست بالضد من الحداثة كما أشرت.وبالتالي مشروعهم الأصولي لا يتعارض بالجوهر مع المشروع الأمريكي بقدر ما يتطابق معه وتشاركهم الأنظمة العربية في تدمير مشروع الحداثة العربية. وتسود العالم العربي بعد نتائج حرب تموز 2006، رؤية خلاصيّة تزعم أن أمريكا على بوابة الانسحاب من العراق،وأن خسارتها لهذه المعركة تعني أنها أصبحت ليست القوة الوحيدة في العالم ، و يغرّد البعض خارج المعقول، ويقول أنها ستتراجع إلى ما دون ذلك بكثير.هذا الرأي الرغبوي،لا يدقق كثيراً وعادةً ما يعيش مفارقاً للعصر وهي حالة شائعة لدى كل تيارات الفكر العربي في بلادنا المنكوبة بكل ما هو سيء ورديء وتافه، ولا تستطيع الاعتراف بثقل الهزيمة التي يعيشها العرب والفشل الذي يكاد يظلّل بمعقوليته كل لا معقولية ساذجة ووهمية.ولذلك أدعى أن الولايات المتحدة ليست متعثرة في العراق بل مرتاحة تماماً فقد استطاعت فرض السيطرة -بعد الاحتلال -عبر تجذير فكرة المكونات وفكرة الحرب بينها،ولم تخسر من جنودٍ ما يذكر منذ أكثر من سنة،وربما تقوم رؤية هؤلاء أن أمريكا ستسحب جنودها بموت أربعة آلاف جندي"وهي فكرة تحمل في طياتها روح فكرةٍ استشراقيةٍ تقول:إن الغرب يخاف على ذويه بينما الشرق يضحي بهم بالمجان"،متناسين أن أمريكا هنا لأسباب متعلقة بالهيمنة العالمية والسيطرة على النفط والحرب الإستباقيّة وفتح العالم بالضد من كبارٍ يحاولون تشكيل أقطاب عالمية.وبالتالي لا تزال الإستراتيجية الأمريكية بعيدة تماماً عن الفشل في المنطقة أو فكرة الانسحاب وتستخدم هذه الأفكار في إطار الحرب الإعلامية فقط، ،رغم أن عناصر القوة للقوى المعرقلة تزداد قوةً وبروزاً وضجيجاً كحالة رئيس إيران السيد نجّاد. ربما تشكل استفاقة الدب الروسي بحثاً عن طعامه الذي سُرق أمريكياً ، بداية أولية لإعاقة جديّة للمشروع الأمريكي،قبل أن يسوي الأخير الأرض التي تميد وتمور بفعل الإبعاد الإقليمية لدولة إيران والقوى المتحالفة معها ،ووضع أقدامه-الروسي- في جورجيا هو المؤشر الأقوى على نزاع عالمي حول الهيمنة على العالم. قوة طالبان وإيران وحماس وحزب الله لا تشكل عناصر عرقلة جديّة خاصةً ، وهي ليست عناصر استقطاب فعليّة لدواخل تلك الدول،وكلها تعاني من نقصٍ خطير في مشروعيتها، قد تدمّرها هي بالذات، وتضعها في إطار التساؤل المشروع والنقد الصارم انطلاقاً من منظومة حقوق الإنسان والمواطنة والعلمانية والديمقراطية والمساواة الفعلية في الحقوق العامة.ورغم استعماريّة وقبح ووقاحة وصلف المشروع الأمريكي ،فإن طائفية تلك المشروع تعتبر أمر كارثياً ،إضافةً إلى أنّها عناصر لا تعادي الفقر ولا الظلم ولا تنشد العدل أو المساواة،ولأنها كذلك، فهي تفشل في الحشد ضد المشروع الأمريكي. أقصد من هذه الفكرة أن عناصر الاستقطاب والجذب المفتقدة في القوى والدول المشار إليها تعطي دفعاً للمشروع الأمريكي رغم أنه يمثل كارثة محققة على مستقبل تلك الدول وعلى دول العالم، كما الاستعمار القديم والاستعمار الصهيوني في فلسطين. يعيش العالم الذي نحياه ، كوارث قبل 11 أيلول-التي هي كارثة بلا ريب- وبعدها، تماثلها وتزيد عليها،ولا يفتىء يراكم المآسي بدمارٍ يتجدد كل يوم.وكل ما أتى بعد 11 أيلول كرّس هذه المآلات المرعبة والمدمرة لمستقبل البشرية.وبالتالي.تقف البشرية مع الهيمنة الأمريكية أمام صورة دمارها المستقبلي،فماذا نقول عن التلوث في أوضاع البيئة وعن البؤس الإنساني الذي يطال بالفقر والمجاعة والماء القذر والأمراض الفتاكة ما يقارب المليار من البشر وفق تقارير الأمم المتحدة، وعن الحروب المتزايدة وصناعة الأسلحة وتجارة الجنس وقنواتها الممولة بالمليارات والقنوات الدينيّة. أمريكا اللاتينية ، ورغم ما يعتور مشروعها الديمقراطي"اليساري" من مشكلات "ولا سيما في فنزويلا والبرازيل" تدير ظهرها إلى الولايات المتحدة وإن كانت ما تزال تخضع للهيمنة الأمريكية بأشكال متنوعة،والتي وبدلاً من أن تدعم تحولاتها الديمقراطية والسيادية، تدعم المشاريع المعرقلة لها.وذات الشيء يحدث في عالمنا العربي،وبوضوح أكبر لا تدعم الولايات المتحدة إلّا ما يرمّل-من الرمل- و يفتّت عالمنا العربي من العراق إلى لبنان .وأما دعمها للقوى الديمقراطية فأكثر من مهزلة الكلام عنه،رغم رغبات بعض أقسام تلك القوى بذلك الوهم الديمقراطي الأمريكي. و مشكلتنا العظمى أنّ المشاريع التي تتصدى للهيمنة الأمريكية ولا سيما الإسلامية منها تزيد من ترمّل وتفتّت هذا العالم ،ومشاريعنا الأخرى لا تزال تفتك بها الأزمات والضياع.فهل ينجح العرب في صياغة عالمهم العولمي على أسس الحداثة في عالمٍ عولمي، يدخلون فيه أشلاء وطوائف وعشائر وأصوليات. أخيراً،إذا كانت حادثة 11 أيلول كارثة على الأمريكيين، وهي كذلك، فإن حروب السيد بوش والدولة الأمريكية منذ تلك الحادثة وإلى الآن، تعتبر أكبر كارثة تواجه البشريّة.
#عمار_ديوب (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
شوارعنا تعكس بدائية سلوكنا.. النظافة العامة ثقافة غائبة ولا
...
-
أسعار باهظة وخدمة سيئة.. روضات الأطفال زرائب أم سجون؟
-
جامعاتنا في قفص الاتهام.. لا تخرج مثقفين وليست أكثر من ممر ل
...
-
ماذا يسأل السوريون بعضهم عن مدينتهم الأصلية!
-
سمير القنطار وزياد الرحباني في سورية
-
كركوك كرة نار،فهل أشعلوا النفط
-
من نكبة فلسطين إلى نكبة العرب
-
النضالات الواقعية المفتقدة
-
دولة ديمقراطية علمانية واحدة لا دولة إسرائيلية مهيمنة
-
قراءة في كراس طريق الانتفاضة
-
الدولة الطائفية ليست بديلاً عن الدولة الواحدة الديمقراطية ال
...
-
عن الطائفية والعلمانية في لبنان
-
سمير قنطار مقاوماً
-
الديمقراطية والقومية في المشروع الماركسي
-
علاقة القطري بالقومي ومسألة الهوية والالتباس في المفاهيم نقد
...
-
اليسار الفلسطيني: يمين ويسار معاً
-
في نقد مشروع تأسيس رؤية سياسية فلسطينية
-
في نقد نقد الدولة الديمقراطية العلمانية
-
ندوة فكرية حوارية حوّل كتاب سلامة كيلة -الماركسية والقومية ف
...
-
النظام الطائفي الهش يفتقد الهيمنة الطائفية
المزيد.....
-
أثناء إحاطة مباشرة.. مسؤولة روسية تتلقى اتصالًا يأمرها بعدم
...
-
الأردن يدعو لتطبيق قرار محكمة الجنايات
-
تحذير من هجمات إسرائيلية مباشرة على العراق
-
بوتين: استخدام العدو لأسلحة بعيدة المدى لا يمكن أن يؤثرعلى م
...
-
موسكو تدعو لإدانة أعمال إجرامية لكييف كاستهداف المنشآت النوو
...
-
بوتين: الولايات المتحدة دمرت نظام الأمن الدولي وتدفع نحو صرا
...
-
شاهد.. لقاء أطول فتاة في العالم بأقصر فتاة في العالم
-
الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ باليستي قرب البحر الميت أ
...
-
بوتين: واشنطن ارتكبت خطأ بتدمير معاهدة الحد من الصواريخ المت
...
-
بوتين: روسيا مستعدة لأي تطورات ودائما سيكون هناك رد
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|