أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!














المزيد.....

إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2424 - 2008 / 10 / 4 - 09:19
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


الإدانة الفورية الواسعة من قبل الطيف المستقل والمعارض في سورية للعملية الإرهابية المفترضة التي وقعت في دمشق صباح السبت 27 أيلول مستحقة وبديهية. فالقتل العشوائي للمدنيين لا يمكن أن يكون وسيلة لأية غاية تسوغه. والاستهتار بحياة مواطنين غافلين أو اعتبارهم "فرق عملة" في صراع محتمل مع النظام هو بمثابة استهتار بحياة السوريين جميعا. كان يمكن لأي منا أن يتصادف مروره في الموقع الذي جرى فيه الانفجار جنوب دمشق، فيذهب ضحية سلوك إجرامي، لم يهتم مدبروه حتى بإعلان من يكونون وما هي مقاصدهم.
الإرهاب الأعمى في كل مكان من حيث أنه لا يعرف ضحاياه ولا يبالي بهوياتهم وسيرهم، أعمى بصورة مضاعفة هنا: تغتال أطراف غير معروفة أناسا لا تعرفهم ولا تعرف عنهم شيئا، لسبب غير معروف. على هذا النحو يظهر الإرهاب أشبه بكارثة طبيعية تداهم ضحاياها دون سابق توقع أو قدرة على وتفاديها. وعماه وعشوائيته وخفاء وجهه على هذا النحو هو ما يجعل منه مقوضا للأمن بصورة أشد جذرية مما لو كان المرء يعرف شيئا عن الجناة المحتملين وتوجهاتهم وأغراضهم.
ومن هذا الباب فإن لحيازة معرفة أوسع بالفاعلين المحتملين مفعولا أمنيا إيجابيا نازعا للقلق والخوف، فيما يعزز الافتقار إلى أي معرفة عنهم من التأثير الإرهابي لأفعالهم، ويبث في عموم الناس شعورا بالانكشاف والعجز، كأنهم قش في مهب الريح.
نسوق هذه الاعتبارات لنقول إن مفهوم الأمن مركب من عنصرين، معرفة الأخطار ومصادرها ودوافعها من جهة (وقد يتمثل أصل الدافع الإنساني للمعرفة في كشف المخفي أو المحجوب توقيا لأخطاره المحتملة)، ثم القدرة العملية على تحييدها أو درئها أو التغلب عليها من جهة أخرى. لنقول أيضا إن السلطات السورية لا تخفف من قلق مواطنيها حين هي تمتنع عن تزويدهم بنتائج "تحقيقاتها" (جهودها المفترضة لكشف "الحقيقة") وتزويدهم بالمعلومات المتاحة عن عمليات مست أمن البلاد غير مرة في السنوات الأخيرة. كان آخرها اغتيال العميد محمد سليمان في آب الفائت، وقبلها اغتيال المسؤول الأمني في حزب الله اللبناني عماد مغنية في شباط الفائت. إما أن السلطات نفسها لا تعرف، وسكوتها يعني في هذه الحالة إخفاء عجزها وقلقها هي ذاتها؛ أو أنها تعرف، لكنها تقدر أن إعلان ما تعرفه ينال من سمعتها وهيبتها في عين مواطنيها، فيمس بصورة غير مباشرة أمنها الذي تعليه على أي شأن آخر.
فكأنما السلطات لا تشعر بالأمن إلا إذا حجبت المعلومات الخاصة بالأمن الوطني عن عموم المواطنين. ويبدو أن المذهب الأمني السائد في سورية لا يكتفي بالفصل بين الأمن الوطني وأمن المواطنين، بل ينزع إلى مطابقة الأمن الوطني وأمن النظام، وينظر إلى عموم المواطنين الذين كمصدر محتمل للخطر.
وحيال إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان، ترى من أين تأتي الطمأنينة والثقة للجمهور العام، الذي يدفع دوما الثمن الأكبر لوقائع الإخلال بالأمن، والذي تتركه السلطات في الظلام؟
والمفارقة أن سياسة التكتم هذه تقترن مع كلام لا ينتهي على الأخطار والتهديدات والمؤامرات، وسعي لا يكل إلى تجييش الناس ضدها، لكن دون تنويرهم بشأنها. الحصيلة المتوقعة، والمتحققة، لهذا المسلك المتناقض هي السلبية العامة، وشيوع نظريات تسوغ هذه السلبية، مثل القول إن الحوادث نتاج صراع داخلي في مراتب السلطة، أو أنها مرتبطة بمنازعات أجهزة أمنية إقليمية، يذهب الضحايا الغافلون "آثارا جانبية" لها. فحين لا تتاح الحقيقة للجمهور فسوف يصنع حقائقه الخاصة التي تمتزج فيها التقديرات والأهواء والإشاعات، لكن يوحدها النازع الإنساني العميق إلى فهم الغوامض وتفسيرها ورفع الستور عنها.
ليس واضحا إن كانت السلطات ستثابر على نهج حجب الحقيقة عن الجمهور بخصوص الجريمة الأخيرة. يأمل المرء ألا تفعل. فالواقعة تبدو مختلفة عن حوادث أمنية سابقة، إن من حيث عدد ضحاياها، أو من حيث كون جميعهم (أو أكثرهم) مدنيون، أو من حيث ما يبدو من استنفار حقيقي للسلطات أعقب الجريمة. هذا لم يمنع منذ الآن، يومين بعد الفعلة الإرهابية، من ظهور نظريات تدرجها في سياق تصفية حسابات داخلية أو للتخلص من شريك مزعج. ولا يسع السلطات تكذيب تقديرات كهذه دون تقديم نتائج تحقيقاتها بشفافية تامة. هذا على أي حال ما يقتضيه حق عموم المواطنين السوريين في الحقيقة فيما خص شأنهم العام.





#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاستبداد كاغتراب سياسي
- الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية
- -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير
- كأنها حرب أهلية...
- في شأن مسألة الحاكمية
- في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية


المزيد.....




- تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي ...
- الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ ...
- بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق ...
- مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو ...
- ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم ...
- إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات ...
- هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية ...
- مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض ...
- ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار ...
- العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - إرهاب بلا وجه وأمن بلا لسان!