أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حارث الحسن - مزرعة الحيوانات ومصير العراقيين















المزيد.....

مزرعة الحيوانات ومصير العراقيين


حارث الحسن

الحوار المتمدن-العدد: 2424 - 2008 / 10 / 4 - 09:04
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


في روايته الشهيرة "مزرعة الحيوانات" يقدم جورج اورويل رؤيته لفلسفة العلاقة بين السلطة والمجتمع وحكم الاقلية مشيرا الى ان الثورات التي تبدو شعبية تنتهي هي الاخرى الى هيمنة أقلية تقدم نفسها على انها المؤهلة لقيادة الثورة ثم تتحول هذه القيادة لديها الى وسيلة لمراكمة الامتيازات والمنافع وتقوية قبضتها على السلطة. فالحيوانات في مزرعة السيد جونز ثارت على استغلاله البشع لها لانه كان يستفيد من انتاجها بل ويعيش عليه دون ان يبادلها الرعاية والاهتمام ، بل انها لقت منه كل اجحاف وظلم واهمال (أكيد ان القصة حتى الان تبدو مألوفة لمعظم العراقيين) ، تجتمع الحيوانات بحضرة الخنزير العجوز وكان اكثرها حكمة وتجربة لتقرر ان لا حل الا بالثورة على السيد جونز واسترجاع حقوقها المسلوبة من قبله وهذا ماحدث فعلا عندما طردته الحيوانات من المزرعة وراحت تؤسس مشروعها القائم على المساواة بين "كل من يمشي على اربعة" وعلى تقاسم الانتاج وغيرها من المفاهيم الثورية ، لكن (الخنزير نابليون) مستفيدا من احترام الحيوانات للخنزير العجوز ونصيحته (قبل موته) ، بدأ تدريجيا يخدع بقية الحيوانات من أجل فرض سلطة الخنازير عليهم وراح يربي بعض الجراء الضالة ليحولها الى وحوش يستعين بها على اي حيوان يقاوم رغبته مع مجموعة اخرى من الخنازير للسيطرة على المزرعة ، بل ان الدناءة وصلت به حد ان أخذ يبيع منتجات الحيوانات الى البشر مجددا ، وبدأ بتغيير مبادئ الثورة حينما منح الخنازير منزلة اعلى من بقية الحيوانات وصار يطالب بالهتاف لزعامته بعد ان قلد نفسه نياشينا عسكرية ، ولكن الحيوانات في النهاية ادركت أن ثورتها لم تكن تستهدف استبدال سلطة الانسان بالخنزير فقررت الثورة مجددا على الخنازير لاستعادة حقوقها (وهذا الجزء لايبدو مألوفا جدا للعراقيين كما اعتقد)...
ازعم ان حكاية الانسان في كل مكان تشبه قصة مزرعة الحيوانات ، فكل مرحلة من التحرر تتبعها هيمنة اقلية توظف هذا التحرير لمصالحها ولتكريس زعامتها ، فكم من "ثائر" تحول الى مستبد ورجل جندرمة ، وكم من "مناضل" في كل ثورات العالم اصبح رجل دولة فاشلا ان لم يكن فاسدا ، وكم من محررغدا محتلا بعد حين . والمفروض من منطلق التفسير المتفائل للتاريخ ان الانسان- الفرد ينشد التحرر دائما من كل استغلال جديد ليصل الى الحرية الحقيقية حيث لايمكن لأحد ان يصادر حقوقه او يستغله او يعتدي عليه لكن هذا النضال يحصل في نسق مجتمعي عبر جعل حرية الفرد جزءا من نظام المجتمع وليست تمردا عليه ، ولذلك كانت نظريات العقد الاجتماعي تشير الى العلاقة الطبيعية غير الظالمة التي يجب ان تتأسس عليها الدولة وهي ان المجتمع يتخلى عن جزء يسير من حريات افراده لصالح مؤسسة الدولة المنبثقة عنه والمرتبطة به كي تتولى تنظيم الشؤون العامة . مؤسسة الدولة هنا هي جهاز محايد وليست طرفا في الصراع الاجتماعي بل تعبيرا عنه ، انها تجسيد للمصلحة العامة للمجتمع الامر الذي تطلب فكرة الانتخابات لافراز حكومة تدير الدولة وفق المنطق الذي يحضى بقبول غالبية افراد المجتمع ان تعذر الاجماع. مايحصل عندنا في المجتمعات "الشرقية" هو ان الدولة بمفهومها "العقدي" غائبة تماما لصالح "السلطة" المناضرة لسلطة الخنازير في رواية اورويل ، انها سلطة تبدو ضرورية لفرض "النظام " لكنها في الحقيقة يجب ان تكون تابعة للنظام لاسابقة له ، بمعنى ان تكون مخولة من المجتمع الذي يتفق على جملة مبادئ معينة يتشكل في ظلها "النظام" الذي يجب ان تحميه لا ان تفرضه.
لااريد ان امضي في مزيد من النقاش النظري فليس هذا هو هدف المقالة ، لكنني اعتقد ان "العقد الاجتماعي" تصنعه مصالح الناس وامالها ، انه استجابة براغماتية لتحديات الوجود والبقاء كما لتطعات الافراد ، وعليه فان وجود الدولة لابد ان يغدو معبرا عن استمرار المصلحة الاجتماعية ببقائها وبالتالي بقاء المجتمع متحدا وعدم انحداره مجددا لحالة الطبيعة القائمة على علوية الانانية الفردية في مواجهة مصلحة المجموع.
المجتمع العراقي لم يؤسسه اي تعاقد رضائي بل انه نتاج تسويات خارجية ، كما ان السلطة فيه كانت دائما غير مجسدة للتسويات في داخله بسبب قدرة الاقلية الحاكمة على سلوك طريق الخنازير في رواية اورويل ، وهذه الاقلية وان كانت تلجأ الى غطاء ايديولوجي "قومي او ديني" لشرعنة هيمنتها ، لكن مايضمن قدرتها على البقاء في الحالة العراقية هو احتكارها لاداة الانتاج الاساسية التي توفر العناصر المادية للبقاء : اي النفط . وازعم ان احد اسباب نجاح نظام البعث بالاستمرار طويلا هو تمكنه من التحكم المطلق بالثروة النفطية في ظل اتساع مضطرد في الاقتصاد العالمي وفي استهلاك الطاقة . فموارد النفط تغذي احتياجات البقاء لدى السلطة في الوقت الذي تقود المجتمع الى الاستسلام لهيمنتها بفعل غياب الادراك لحقيقة ان النفط هو ملك للافراد والمجتمع وليس للسلطة. مشكلة العراق وبقية البلدان النفطية تكمن في الشئ الذي يعتقد انه مصدر قوتها ، اي في امتلاكها لثروة طبيعية توفر سيولة مالية "سهلة" لها ، فماعليها سوى ان تستخرج نفوطها من باطن الارض ثم تبيعه لتتوفر لديها اموالا طائلة يفترض ان توجه لخدمة ورفاه المجتمع . لكن "الدولة الريعية" هي طريق سهل لاعادة انتاج الاستبداد من حيث ان العلاقة الاقتصادية المرادفة للعقد الاجتماعي ، القائمة على دفع الافراد ضرائب للدولة يتم استخدامها لمصالحهم العامة كتوفير الامن والرعاية الصحية والتعليمية والخدمات وبالتالي محاسبة الحكومة على كيفية انفاقها ، يتم استبدالها بعلاقة لاتتطلب عقدا اجتماعيا اصلا فالسلطة تستخدم الثروة النفطية لتمويل نفسها بدون اي شعور بالحاجة الى ارضاء رعاياها بالمقابل لانهم لايدفعون شيئا. من هنا ساد في العراق مايشبه القبول بل والتكريس لفكرة "المكرمة" اذ ان ماينفقه الحاكم على ابناء شعبه لايغدو واجبا مفروضا بل منة لابد ان يشكر عليها ولايسأل عنها ان قرر عدم تقديمها. مفهوم "المكرمة" هو احدى الصنائع اللغوية للآلة الاعلامية البعثية لكنه مازال كامنا في وعينا الثقافي ويمارس دورا في تشكيل رؤيتنا للعلاقة مع السلطة.
ازعم ان حصول التغيير في العراق "بلا ثورة" حتى وان كان تغييرا مقبولا من غالبية ابناء المجتمع ، قد أنتج نوعا من الادراك السلبي لدى المجتمع بأنه غير مسؤول عن هذا التغيير او نتائجه ، لقد بقينا في مزرعة يقودها البعثيون عاجزين -ورغم شعورنا المتراكم بالظلم- عن الثورة عليهم ويعود ذلك الى توفر القدرة المالية لدى النظام التي مكنته من شراء الذمم وتعزيز الته القمعية ، وايضا الى غياب من يناظر "الخنزير العجوز" في مزرعة الحيوانات ، واقصد به القيادة البديلة المقبولة اجتماعيا والواعية بالظلم الاجتماعي والتي تمتلك ادوات تعبئة الافراد وتوجيههم الى الفعل . لقد قبلنا بأن تتولى قوة خارجية هذه المهمة ولكن مع قبولنا هذا قررنا ضمنيا اننا غير مسؤولين عن الكيفية التي ستدار بها الامور بعد التغيير ، واليوم معظم العراقيين الذي لم يخفوا سعادتهم باسقاط الامريكيين للنظام السابق يتملصون عن تحمل المسؤولية بالقول "اننا لم ندعهم" ، والحقيقة اننا بطريقة او اخرى لم نقل لهم لاتأتوا، استسلامنا امام طغيان ذلك النظام كان بحد ذاته دعوة لهم ، لقد كان النظام يتآكل ويضعف وينعزل بسبب حرمانه من قدرة التحكم المطلق بواردات العراق النفطية ، لكننا بقينا حتى لحظة سقوطه بعيدين عن ان نأخذ زمام المبادرة لأننا كنا منهكين بقدر اكبر !!
من هنا يبدو وكأننا لانريد تحمل اي مسؤولية تجاه التشكل الحالي لنظام جديد وضع في دستوره مبدءا مهما : النفط ملك للشعب . المشكلة وكما حصل في رواية اورويل ان هناك اقلية قادرة على ان تصادر مااعتبرنا انه تحريرا ، بالضبط لاننا لم نحقق هذا التحرير بانفسنا ولاننا نمارس لا ابالية عالية تجاهه ، ربما كعقاب ماشوسي لانفسنا على عجزنا بجعل هذا العجز "قدريا لافكاك منه" . يمكن للسياسيين في غياب وعي معبأ لمواجهة نزوعهم للاستحواذ ، هذا النزوع المغطى بكل الصياغات الايديولوجية عن حقهم الطبيعي (بفعل مظلوميتهم او نضالهم !!!) بقيادة الناس (وبالتالي التسلط عليهم وفق المفهوم العراقي للسلطة) ، يمكن لهم ان يعيدوا انتاج الاستبداد حتى بوجود نصوص دستورية تحرمه لان الاستبداد ليس نسخة واحدة من التسلط ، وهو في هذه الحالة سيكون استبدادا اقل ظهورا واكثر ليونة وبالتالي اقدر على التضليل ، فالخنازير عندما استبدت قالت انها "تريد حماية ثورة الحيوانات" !!
ان اولى ادوات التضليل التي استخدمت ومازالت تستخدم لاعادة انتاج الاستبداد هي ادراج خطاب ايديولوجي مخادع في تعريف مفهوم "الاقلية" و "الاغلبية" يتجاهل محتواها الاجتماعي- الاقتصادي لصالح محتويات "عرقية" و "طائفية" ، وفي الحقيقة ان مثل هذا التقسيم يخدم في النهاية "الاقلية" في كل طائفة او قومية وهي الاقلية التي بحجة حماية طائفتها او حماية قوميتها تمارس تسلطا على جمهورها كذلك الذي فعلته الاحزاب الدينية الشيعية تجاه مواطنيها عندما عالجت جوعهم المتاصل للحرية والكرامة بممارسات دينية طقوسية بدلا من مشروع نهضوي اجتماعي ، وقادتهم لمسيرات بكائية مليونية بدلا من قيادتهم نحو حياة افضل واكرم ، وكما فعلت الجماعات الطائفية السنية التي وجهت جمهورها نحو عنف عبثي هدفه النهائي اعادة هيمنة افراد تلك الجماعات على السلطة واجهزتها باسم "المقاومة" التي غدت تدريجيا قوة تدميرية هائلة لم تستثن المجتمعات الحاضنة لها ، وكما فعلت الاحزاب القومية الكردية التي وظفت مأساة الانسان الكردي المهمش والمستضعف وبالتالي مخاوفه لتؤسس سلطة عشائرية استبدادية بثوب ديمقراطي ، سلطة لم تنتج مشروعا نهضويا للانسان الكردي في الوقت الذي تحدثه يوميا عن اهمية الحفاظ على منجزاته.
مشاريع الاستبداد الجديدة مضللة لانها تختلف في شكلها عن نمط الاستبداد القديم ، انها في الغالب تؤسس لسلطات محلية هدفها الانقضاض على السلطة المركزية واضعافها في سلوك معاكس لما جرى عليه تاريخ العراق ، مستثمرة الوعي الضد-مركزي الذي انتجه استبداد البعثيين وتدميرهم لاي خصوصية هامشية في مناطق الاطراف . بالطبع هذا الانقضاض على المركز لم يتم فقط بانتزاع صلاحيات سياسية كانت سابقا عائدة له ، وانا ازعم ان هذ الانتزاع مبرر في اي مشروع تحرري ، لكنها قامت بتقاسم هذا المركز فيما بينها ونقلت صراعاتها اليه فحولته الى اطار متهالك لاحتواء تناقضاتها ، وبنفس الوقت جعلت منه الاطار الذي يعبر عن مصالح هذه الزعامات القومية والطائفية بتقاسم الريع النفطي لادامة استبداد كل منها. لننظر كيف تجري الامور الان في التعاطي مع ثروة البلاد لندرك ان قصة اورويل تعيد تقديم نفسها عراقيا . فالسادة الذين قدموا حاملين معهم سيرا ذاتية "نضالية" ضد الديكتاتورية وقوائم باسماء "شهدائهم" وبعناوين "تضحياتهم" ارادوا ثمنا كذلك الذي اراده الخنزير نابليون ، فراحوا يملأون جيوبهم عبر "تشريعات" تحت- دستورية باسم الرواتب والمستحقات والامتيازات ، لو اطلع المواطن البسيط على حجم مايتقضاه المسؤولون من اعلى هرم السلطة حتى درجة مدير عام ، وعلى حجم امتيازاتهم ، كما على "أهلية" معظمهم ، لادرك ان "الاوليغارشية الاثنو-طائفية " قد أسست لسلطتها رغم انف الدستورالذي يقول: النفط ملك للشعب . مرة اخرى ، اين هو الخنزير العجوز الذي يخبر الناس و الذي - وهذا هو الاهم - سيصدقه الناس ويسمعون نصيحته .
ان اي رئيس وزراء في النظام الجديد (وهذا هو اعلى منصب اليوم من حيث درجة المسؤولية ) يستمد سلطته من اتفاق الزعامات الطائفية والقومية وهو اتفاق صعب وهش يجعل سلطة رئيس الوزراء قائمة على اساس واه و محاولته ان يتجاوز على مصالح تلك الزعامات ويهمشها عبر تقوية المركز ستواجه باتفاقها على اضعافه وربما عزله ، بالضبط كما ان محاولته ان ينتقص من امتيازاتها او يخفض رواتب افرادها او يضرب مصالحهم التي شكلوها عبر العلاقة "الزبائنية" الراسخة في الدول الريعية ، ستصطدم باتفاقهم على تنحيته واسقاطه . سيكون رئيس الوزراء دائما امام احد خيارين: اما ان يجعل بقائه في السلطة هو الاساس فيعمل على الاحتفاظ برضا هذه الزعامات وبالتالي يصبح جزءا من منظومة هيمنتها على مجتمعاتها الخاصة بها ومن مسعاها لتوجيه ريع النفط لخدمة هذه الهيمنة ، او الانتفاض على تلك الزعامات لتكريس زعامته هو وعندها قد يخسر منصبه ولكنه قد يملأ المقعد الذي ظل شاغرا طوال تاريخ العراق الحديث: مقعد الخنزير العجوز . فالعراقيون بعد كل شئ شعب لم يعرف قائدا يحمل همومهم الحقيقية ، الامر الذي جذر شكهم الدائم تجاه السلطة ورجالاتها – ومؤخرا نسائها- .
للاسف يسقط الكثير من المثقفين العراقيين الليبراليين او اليساريين بشرك التصور السطحي من ان الخلاص يكمن في حكومة مركزية قوية تعيد انتاج "الوطنية" العراقية كبديل عن الاحزاب الطائفية والقومية . ان مايجب اعادة انتاجه هو المواطنة العراقية وليس الوطنية العراقية ، فالاولى هي التي ستنتج الثانية لاحقا اما الثانية فليست سوى وهم بدون الاولى. لذلك فان اي مشروع تحرري لابد ان يبدأ بانتاج العقد الاجتماعي على الاساس الصحيح : مصلحة الافراد . ألم يعد واضحا للجميع ان الاموال الهائلة للنفط ستغري اي سلطة سياسية على سلوك طريق الاستبداد والفساد ، الم يعد واضحا ان استهتار السياسيين العراقيين اليوم وانقضاضهم على اموال البلاد ناتج عن كون هذه الثروة الهائلة سائبة في ظل انشغال الناس بمعارك جانبية وبصراعات الهوية السخيفة وبالانقسام السني – الشيعي حول الخلافة !! الزعامات الاثنية والطائفية ستواصل تخويف البسطاء والاستثمار في خوفهم ، فمع كل انقساماتهم وصراعاتهم هل سمعتم ببرلماني واحد يستقيل ، الوحيد الذي فكر بالاستقالة يوما طلب منحه راتبا تقاعديا يصل الى 30 الف دولار ليتكرم بالنزول عن كرسيه . يحصل ذلك في بلد مازال نصف سكانه يعيشون عند خط الفقر .
المشروع التحرري يبدأ بالتطبيق الفعلي لنص الدستور: النفط ملك للشعب . فطالما ان السلطة اثبتت دائما وعلى مر تاريخ هذا البلد انها غير مؤتمنة على ثروة البلاد ، لابد من التفكير جديا بمشروع لتوزيع جزء (ثلث او نصف) من عائدات النفط على "المواطنين" ، انها فكرة يحاول البعض قذفها في زاوية اللامفكر فيه لغايات تخدم مصلحته وسلطته . لابد لمن يدعي امتلاك مشروع تحرري وليس مجرد مشروع استبدال سلطة الزعامات الاثنية والطائفية بسلطته ، ان يتبنى هذه الفكرة لانها تنطوي على قوة خلاصية حقيقية اقوى من كل الاوهام التي تنطوي عليها الايديولوجيات القومية والطائفية . ان يكون مفهوم المواطنة مقترنا لافقط بامتلاك الجنسية العراقية التي لم تعد منذ زمن طويل تنطوي على اي قيمة معنوية بقدر مااصبحت هما ثقيلا على الكثير من حامليها ، بل من خلال امتلاك المواطن وبشكل مباشر حصة من ثروة بلده تتجسد عمليا لا بوعود وشعارات يعجز مطلقوها عن تنفيذها بل عبر رقم حسابي يساوي بين الاكثر فقرا والاكثر غنى ، بين العربي والكردي والتركماني والاشوري ، بين السني والشيعي والمسيحي والصابئي والايزيدي ، رقم حساب باسم "نفط العراق" يصبح ضمانا لكرامة اي منهم تجاه تحديات الحياة القاسية بقدر مايكون عنوانا حقيقيا قابلا للتجسيد لمفهوم الشراكة والمسؤولية يعوض عن غياب العلاقة الضرائبية السائدة في النموذج الغربي للعقد الاجتماعي .
استطيع القول ان مثل هذا المشروع كان سيعتمد في اي من البلدان الديمقراطية لو كانت تمتلك نفطا بقدرنا وفقرا بقدر مايعانيه ابنائنا . انه مخرج ياتي بنتائج اقتصادية مهمة لكن تأثيره النفسي والاجتماعي اكثر اهمية . فهو اولا يفكك الولاءات القائمة على الانتماء الطائفي او القومي او يضعفها عبر منح "الفرد" استقلاليته الاقتصادية وجعل "فردانيته" مقيمة بما يكفي لمساعدته على الخروج من سطوة وصاية الايديولوجيات وصراعات الهوية . سيكون فردا يمتلك مايكفي ليحيا بكرامة بحيث لن يكون استسلامه للسلطات المستبدة او الفاسدة شرطا لحياته يقابله تخليه عن كرامته . لابد ان الفساد سيتراجع لان هذه العملية ستقترن بضبط للمدخولات وبادارة لها يصبح لكل فرد مصلحة في متابعتها ومراقبتها.
ان حل معضلة العلاقة مع السلطة وانتاج مفهوم عراقي للعقد الاجتماعي يعيد تعريف مفهوم المواطنة بجعلها مقترنة اكثر بالمصلحة وبالتالي تخفيف وطأة الاثقال الايديولوجية على العقل العراقي سيساعد في وضع مسار اخر للتاريخ غير ذاك الذي تعودناه ونحن ننتقل من سئ لاسوأ . ان الكثير منا يتجنب الارقام والصياغات العملية ويفضل الاستمرار سباحة في محيط التنظير والخطاب الايديولوجي حيث التعاطي مع المعاني الكبرى يعوضنا عن شعور كامن بالنقص ونحن نراوح عاجزين امام القضايا الصغرى والتفاصيل البسيطة . انني اتحدث هنا عن خلاص البسطاء لانهم هم في النهاية الجسم الكبير والاساسي لما نسميه بـ "المجتمع " ، انه خلاص ينطوي على مشروع نهضوي متجه نحو الحياة بدل الخلاصات القروسطية التي يقترحها رجال الدين او المذهب ، وبدل الشعارات المزيفة لحملة المشاريع القومية ذات الروح القبلية . ان استمرار غياب الوعي لدى العراقي العادي بان الثروة النفطية هي حق طبيعي له سيظل يغري الكثير من "المغامرين" على سرقته وتهميشه وتغييبه ، أمر لم تتحمله "الحيوانات" في حديقة اورويل لانها ادركت ان حريتها وكرامتها ليست فقط في طرد السيد جونز ، بل وايضا في طرد "الخنازير" التي ملأت فراغه وسكنت بيته...






#حارث_الحسن (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- اعتزال الرجل الوطواط : عندما تقول السينما ما لاتريد قوله
- ماذا تبقى من التعليم في العراق : الاسلاميون يكملون مابدأه ال ...
- هل يصلح الجدل الاخلاقي لفهم الاتفاقية الامنية : ملاحظات على ...
- العرب وعراق مابعد صدام : عودة خطاب-العروبة- السياسية
- الى وزرائنا ومسؤولينا : هل سمعتم بوزير الثقافة البرازيلي!!
- التيار الصدري: بين الشعبية والشعبوية
- هل يقترب العالم من الحروب الدينية مجددا؟؟


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حارث الحسن - مزرعة الحيوانات ومصير العراقيين