إن الجريمة البشعة التي وقعت في مدينة اربيل يوم الأول من عيد الأضحى المبارك على يد إرهابيين هزت مشاعر الكرد داخل وخارج كوردستان وعطلت الفرحة بالعيد وكانت كارثة على شعبنا فقد استشهد أكثر من 100 شخص من بينهم قيادات كردية وأطفال وشيوخ
وتبنت هذه العملية جماعة ( جيش أنصار السنة ) التي ترفع شعار الإسلام زورا وبهتانا
وقد ندد الاتحاد الإسلامي الكوردستاني بقياداته وأعضائه هذه العملية الإرهابية وكذلك علماء الإسلام وعامة الشعب
ولكن البعض ومن اللحظة الأولى استغل هذا الفرصة وحاول عمدا أن يقدم الإسلاميين جميعا باعتبارهم إرهابيين وإنهم الخطر الأول الذي يهدد امن واستقرار المنطقة
وهنا نتساءل
هل العنف سمة للجماعات الإسلامية قاطبة أم نهج لبعضها ؟
هل العنف سمة للجماعات الإسلامية وحدها أم انه سمة من سمات العصر الذي نعيشه ؟
وما هي نسبة الجماعات الإسلامية التي تمارس العنف ؟
وهل هو قاعدة أم استثناء ؟
هل العنف مرض مستديم لا يمكن علاجه أم انه مرض قابل للشفاء ؟
وإذا كان عاهة مستديمة فما هو الحل ؟
وإذا كان مرضا قابلا للشفاء فمن هو الطبيب المداوي هل هم رجال الأمن أم رجال السياسة والفكر ؟
وهل هناك أسباب وراء هذا العنف ؟
وهل أسبابها في المنهج الفكري أم لها أسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية ؟
وألا يكفي الكرد معاناة على يد الأنظمة الدكتاتورية حتى تحل علينا كوارث من هذا النوع ؟
ألا يستوجب منا أن نقف وقفة رجل واحد لمواجهة الأخطار القادمة وإنجاح التجربة الديمقراطية في كوردستان وتحقيق الفيدرالية وتوحيد الادارتيين الكرديتين
سنحاول الإجابة على بعض هذه الأسئلة
تشغل قضية الإرهاب بال الكثير من الناس وخاصة رجال السياسة والفكر لأنها تعتبر ظاهرة عالمية تشكو منها غالبية دول العالم وان هذه الظاهرة تتسم بمجموعة من السمات المشتركة وأهمها احتكار الحقيقة ورفض كل أنواع الاختلاف والتعددية واستخدام الألفاظ والمصطلحات السياسية الغليظة كالخائن والكافر والفاسق
فالإرهاب هو التعصب للرأي تعصبا لا يعترف معه للآخرين بوجود أو لجوء مجموعة من الناس أو الدولة إلى استخدام العنف بشكل مدروس ومتعمد من اجل تحقيق أهداف غير مشروعة من خلال نشر الرعب في أوساط مجتمع كبير بواسطة الهجوم على بعض المدنيين الأبرياء وتهديدهم
والإسلام سبق مختلف القوانين في مكافحة الإرهاب وحماية المجتمعات من شروره وفي مقدمة ذلك تكريم الإنسان وحماية حياته وعرضه وماله ودينه وعقله من خلال حدود واضحة منع الإسلام من تجاوزها ( ومن يتعد حدود الله فؤلئك هم الظالمون ) وقول الرسول صلى الله عليه وسلم (إياكم والغلو في الدين فإنما اهلك من كان قبلكم الغلو في الدين ) ويقول الله سبحانه وتعالى (انه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) ويقول (ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما )
وقد أدان المسلمون الأكراد وعلى رأسهم الاتحاد الإسلامي الكوردستاني وعلماء الدين الأفاضل هاتين العمليتين الإرهابيتين وبشدة واعتبرا ما حدث جريمة كبرى ضد الشعب الكردي وضد تطلعاته القومية
إن استنتاجنا هذا مأخوذ من الإسلام الذي يعتبر قتل النفس بغير حق جريمة كبرى إذ إن قتل فرد بغير حق تعادل في الإسلام قتل الإنسانية جمعاء فكيف بقتل أكثر من مئة نفس دون وجه حق
وعلى الرغم من الرفض والاستنكار من المسلمين وعلمائهم وأحزابهم إلا إن الإعلام وبعض المثقفين العلمانيين يقومون بشن حملة ظالمة على الإسلام والمسلمين ويستغلون الحدث للطعن في الإسلام والتطاول على القران والرسول صلى الله عليه وسلم
ونشير هنا بان هذا الأمر سيجرد هذا النوع من الأعلام والمثقفين مصداقيتهم أمام المسلمين الأكراد
إن التطرف والإرهاب لادين له ولا وطن له وهو لايمت بصلة إلى الإسلام لان دعوة الإسلام هي دعوة إلى السلام والتسامح ومن مبادئه الحوار المقنع القائم على الحجة والدليل والبرهان الصحيح بعيدا عن أساليب القتل والإرهاب والضغط والإكراه لقوله تعالى (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) (لو كنت فظا غليظا القلب لانفظو من حولك )
(ولاتفسدو في الأرض بعد إصلاحها إن الله لا يحب المعتدين ) (وتعاونو على البر والتقوى ولا تعاونو على الإثم والعدوان)
فالغلو مجلبة للمظالم والانحرافات كما يؤدي إلى التطرف بكل أشكاله وهو نقيض الطبيعة البشرية لان الإسلام مبني على الوسطية والاعتدال والعدل والعدالة
وقد اخبرنا رسولنا صلى عليه وسلم قبل 1400 سنة بحديث (يخرج قوم من أمتي يقرؤون القران ليس قرأتكم إلى قرأتهم بشئ ولا صلاتكم إلى صلاتهم بشئ ولا صيامكم إلى صيامهم بشئ يقرؤون القران يحسبون انه لهم وهو عليهم لا تجاوز صلاتهم تراقيهم يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية ) وممن صفاتهم أنهم يحملون السيف ( السلاح ) على امة محمد ويستحلون الدماء المعصومة وكان منهم عبد الرحمن بن الملجم الذي قتل الإمام علي رضي الله عنه وهو يحسب انه يحسن صنعا ويتقرب إلى الله زلفا
إن التمسك بالرأي الواحد واستعمال الوسائل الغير الشرعية لفرضه على الناس يخلق في نفس صاحبه الغرور حتى يعتقد انه أصبح اعلم الناس وافقه الناس وأفضل الناس وانه يملك بيده مفاتيح الجنة والنار وانه صار وصيا على المسلمين وخليفة الله في أرضه وانه يتحلى بصفة المجاهد في سبيل الله متجاهلا إن الجهاد لايكون ضد المسلمين ولايكون بقتل النفس البريئة التي حرمها الله ولولا سماحة الإسلام ورحمة الأنبياء والأخلاق الفاضلة التي سار عليها الصحابة من بعده لما امن احد بأي رسالة سماوية
والإسلام لا ينتشر باستعمال وسائل العنف والإرهاب تحت ذريعة الجهاد أو تحت غطاء إنكار المنكر فتلك أعمال تشوه صورة الإسلام الناصعة وتنزع عنه رداء السلم
لقد جاء الإسلام بشريعة السلم والسلام والأمن والأمان لا بشريعة الحرب والعدوان وفي الحديث ( لا تروع المسلم فان روعة المسلم ظلم عظيم )
إن الإسلام بريء مما ينسب إليه وقد اظلمه الجاهلون وأفسده المتطرفون الظالمون
فالتطرف والإرهاب ظاهرة عالمية لا تنتمي إلى جنس أو لون أو بيئة أو دين أو مجتمع محدد وقد حدثت أعمال إرهابية عديدة في عدد من دول العالم منها على سبيل المثال عملية اغتيال الوزيرة السويدية في السويد ورئيس وزراء إسرائيل والرئيس الأسبق الشيشاني سليم خان والحروب والاغتيالات التي تقع في أمريكا وأوربا
إن اعتبار بن لادن والقاعدة وأنصار الإسلام أو السنة كما يدعون ممثلين للمشروع الإسلامي لا يختلف كثيرا عن اعتبار المنظمات الإرهابية أو المتطرفة في أوربا ممثلين للحضارة الغربية ولولا أن أحدا جهر بهذه المقالة في أوربا لاتهم بالسفاهة والخبل لكن الزعم بان بن لادن والقاعدة وأنصار الإسلام أو السنة هو المشروع الإسلامي يطلق عندنا بجرأة شديدة دون أن يستوقف أحدا بل ويجد غلاة العلمانيين المعادين للإسلام والمسلمين من يصدق ذلك ويتبناه ويروج له
ورغم تعدد الجماعات الداعية إلى المشروع الإسلامي إلا انه بوسعنا أن نميز بين اتجاهين داخل تلك الجماعات
أحداهما معتدل يعتمد الأسلوب السلمي في التغير ويطالب بالمشاركة في الحياة السياسية والديمقراطية
والثانية جماعات متطرفة تستخدم السلاح والإكراه وسيلة للتغير
يجب علينا جميعا إن ندرك أهمية الدور الذي تقوم به جماعات الاعتدال الإسلامي الداعية إلى الأساليب السلمية والديمقراطية في التغيير وإذا أردنا أن نقضي على التطرف والإرهاب فلابد من تشجيع الاعتدال لا أن نحارب الجميع وبدون تمييز بينهم لان تشجيع الاعتدال والوسطية جزء من علاج مرض التطرف والإرهاب
وقبل أن نقف على الأسباب التي أدت إلى وقوع كارثة اربيل في الأول من شباط 2004 لابد من تحديد أسباب التطرف الديني بشكل عام كي تكون الصورة واضحة للعيان وهي
ضعف البصيرة بحقيقة هذا الدين واختلاط المفاهيم وعدم وضوح الرؤية وضعف المعرفة بالتاريخ والواقع وسنن الكون والحياة والهجوم العلني على الإسلام والمشروع الإسلامي من قبل بعض المثقفين ومصادرة حرية الدعوة والوقوف في وجه الدعاة والتضييق على العمل الإسلامي وخاصة العمل الجماعي كل هذه الأسباب وغيرها تدفع الشباب إلى التطرف
إن اعتقال الشباب والضغط عليهم في المدارس والجامعات وعلى الموظفين في الدوائر وغيرها من هذه الأمور لا يخدم القضية بل يؤزمها أكثر فالعنف بشقيه الشعبي والرسمي لا يولد إلا عنفا وشدة والضغط لايكون من ورائه إلا الانفجار
أما الأسباب التي أدت إلى وقوع كارثة اربيل هي
1- وجود حكومتين كرديتين في كوردستان العراق وتغلب روح المنافسة الحزبية والذي يؤدي بدوره إلى حدوث خر وقات للقانون
2- ضعف الحوار والتعصب للرأي وحب السيطرة والنظر بعين الشك والريبة للطرف الآخر وتفسير كل خطوة باعتبارها محاولة لسحب البساط من تحت القدم
3- الوصاية وحب السيطرة بحيث يرى كل واحد أن الحق معه ويعتبر نفسه الوريث الشرعي للقضية الكردية دون غيره بحكم سبقه التاريخي أو غير ذلك من الأسباب
4- ضعف قوى الأمن الداخلي وضعف ثقافة الأمن بين المواطنين
5- التأثير الخارجي للدول الإقليمية عن طريق مخابراتها مثل الميت التركي والاطلاعات الإيرانية والمقاتلين العرب وغيرهم
6- الإعلام العربي وما تبثه من سموم تؤدي إلى احتقار الآخرين للشعب الكردي فقد أذيع يوم2712004 أي قبل وقوع الحادث بأيام وعلى قناة الجزيرة في برنامج الاتجاه المعاكس الذي كان بعنوان التغلغل الإسرائيلي في العراق وكان ضيف البرنامج المدعو نوري المرادي الناطق الرسمي للحزب الشيوعي العراقي (الكادر) والذي صرح فيه بان الأكراد خنجر مسموم يستخدمه اليهود لتخريب العراق واتهم المرحوم ملا مصطفى البار زاني بأنه عميل لإسرائيل وغيرها من الاتهامات فان المجال لا يتسع لذكرها جميعا هذا غير ما ينشره المثقفون العرب الشوفينيون من مقالات ضد تطلعات الشعب الكردي وعلى رأسهم سليم مطر وعبد الباري عطوان ومصطفى بكري ومن سار على دربهم
ولابد لنا في هذا المقال أن نصرح لهؤلاء جميعا بان الكرد لن ترهبهم عملية أو عمليتان فتاريخهم مليئة بالشهداء والبطولات وان هذا الأمر لن يزيدنا إلا إصرارا على نيل حقوقنا التي نطالب بها ضمن العراق الفدرالي الموحد
وفي ختام هذا الموضوع
ندعو كل من بات مقتنعا بان السلام هو الطريق إلى تحقيق الهدف إلى مراجعة صادقة في أسس فهمه للوا قع وطريقة التعامل مع الأزمة وهذا لا يعني التنازل أو السكوت على المظالم وإنما نريد لكل مجموعة أن تسلك طريقا إلى أهدافها تجنب الناس والمنطقة مشاكل هي في غنى عنها
وندعو في نفس الوقت الحكومة ومؤسساتها وجميع الأحزاب إلى منح الناس مزيدا من الحرية التي هي حق من حقوقهم وإشراكهم في العملية السياسية لصياغة حاضر ومستقبل المنطقة وليس من المنطقي أن نقول (من ليس منا فهو علينا) أو( إذا لم تكن صديقا فأنت عدو)
وإذا ما أردنا أن نواجه المشكلة بمختلف احتمالاتها سواء كان تطرفا تتسع رقعته أو تصادما بين الحين والأخر فان الديمقراطية والمشروع القومي هما المظلتان الواقيتان
فبالديمقراطية الحقيقية تطرح كل الأفكار والتيارات بضاعتها في النور ويجد كل اتجاه مكانه في المسيرة فلا يتنكر ولا يتخفى ولا يأتينا شر من حيث لا نحتسب
وبالمشروع القومي يتحقق اللقاء حول الأهداف الكبرى التي يجتمع حولها الجمهور والشباب في المقدمة فتستنهض الهمم وتتفجر الطاقات ويخمد الإرهاب الذي يطفو على السطح بين الحين والأخر
كاتب وباحث سياسي
ألمانيا