نبيل مهيوب طاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 06:49
المحور:
الهجرة , العنصرية , حقوق اللاجئين ,و الجاليات المهاجرة
كثيراً مانسأل انفسنا نحن معشر الملحدين, لماذا لايستطيع المؤمنون ان يدركو حقيقة ان الإله اكبر كذبة صنعها الإنسان؟ نشعر بالصدمة ولا نفهم كيف يمكن لإنسان متعلم ان يصدق خرافات شق البحر وكلام النمل والعين الحمئة؟ يخيب املنا الطبيب الذي لايؤمن بنظرية التطور مع ان كل شيئ في جسم الإنسان من الخلايا الى الأعضاء ينطق بالنشوء والإرتقاء, حتى الإسعاف والعناية الفائقة يرتكز على مبادئ هذه النظرية. نتضايق الى حد التقزز ونحن نشاهد في شاشة التلفزيون شخص درس الفيزياء في افضل الجامعات الغربية وكل ما توصل إليه هو كيف يطرق ويسحب الآيات والأحاديث ويعرضها للحرارة ويصهرها ويؤكسدها ليعيد تشكيلها إلى إعجاز قرآني.
من غير المعقول طبعاً ان يكون كل هؤلاء دجالون ومستفيدون من بقاء الوضع على ماهو عليه. المستفيدون هم قلة. وطبعاً حكام بلاد صلعمستان في رأس قائمة هذة القلة, يتبعهم الدعوجاتية امثال عمرو خارب والخراضاوي والمشايخ بتوع السعودية – انا جديد في السوق ولسة مش حافظ اساميهم -. لكن الأغلبية العظمى من المؤمنين ليس في صالحهم ان يعيشوا في مجتمعات متخلفة تسير في الإتجاه المعاكس للحضارة, مجتمعات مُستهلكة بعقلية غيبية تواكلية اكل الزمن عليها وتبرز منذ الف عام.
فلماذا ياترى يبقى المؤمن مؤمناً مهما سيقت له الحجج الساطعة ومهما تناقضت اسس وتعاليم الدين الذي يؤمن به مع العلم الحديث. احب ان اوضح اننا هنا نتحدث عن المؤمن المتعلم والمثقف فلسنا بحاجة إلى التساؤل لماذا يستمر المؤمن الغير متعلم في إيمانه فهو لايملك "الادوات" اللازمة مثل الوعي النقدي ليفكر ويستنتج.
الحقيقة انني عندما قررت ان اكتب هذا الموضوع كنت في حيرة فعندي قصتان متشابهتان تماماً من حييث المبدأ يمكنني استخدام احداهما لإحاول الإجابة على هذا السؤال:
الأولى هي قصتي مع ابنتي غادة. وغادة اصلاً قريبتى لكنها منذ عام تعيش معي في بلاد الكفار وليس لها احد غيري وانا اعتبرها في مقام ابنتي. غادة متعلمة وذات خلق وكنت قد هديتها إلى الإلحاد قبل عشر سنوات. لكني عندما رحلت الى بلاد الكفرة بقيت هي في صلعمستان ووقعت فريسة سهلة في مخالب عمرو خارب وزهلول الفجار وتأثرت بجرع الفتاوي الدينية التي يبتلعها المواطن في صلعمستان يومياً من الإعلام الإسلاموعربي. وأخخخخ.... فعلها الأوغاد!! للأسف ارتدت غادة عن الإلحاد وارتجعت عن ديني واصيبت بحمى الردة الصلعماوية المنتشرة مثل زكام الطيور المعدي. ومع هذا مازلت ادعي لها بالهداية وانا متفائل ان النور سيجد طريقه الى قلبها يوماً ما.
والقصة الثانية هي مع صديقتى مارثا. مارثا إمرأة في الخمسينات من عمرها تعمل معي في بلاد الكفار ومنذ ثلاث سنيين اصبحنا اصدقاء مقربين. كانت مارثا تعتنق المسيحية, ولكنها قبل خمس وعشرون عاماً تركتها واعتنقت ديناً حديثاً نشأ في اليابان في الستينات من القرن الماضي. الدين اسمه (Sukyo Mahikari ) يتبعه مليون نفر زد قليلآ أو انقص قليلاً. وحتى اوفر عليكم مشقة البحث فإن هذا الدين باختصار يقول أن الوحي أتى إلى رجلاً في اليابان اسمه Kotama Okada وطلب منه الإله المسمى سو (SU) – انا بصراحة عجبني الإسم-- ان يبشر العا لمين ويخرجهم من الظلمات إلى النور (هممم ... صوتها مش غريب !! ). ويعتمد هذا المعتقد فكرة أن جميع الأديان صحيحة بما فيها الإسلام وجميع الأنبياء قديسين بمن فيهم محمد. من الركائزالأساسية للدين شيئ اسمه (the true Light) أوالضوء الحقيقي وهوعملياً مقتبس من البوذية. لاحظ ان كلمة (Light) تكتب بالحرف الكبير (capital) لإنها تعني ضوء من نوع آخر أو ضوء روحي إلهي مقدس وليس الضوء العادي. وهم يزعمون ان لذلك الضوء قدرات إعجازية مثل تنقية الأفراد والعالم من (الشوائب الروحية) المتراكمة بسبب الكراهية والصراعات والمشاعر البغيضة والإكتئاب. كما انهم يعتقدون ان لذلك الضوء القدرة على شفاء المرضى مع انهم ينصحوك بالإعتماد على الطب الحديث..الخ من التخريفات. من الناحية الأخلاقية فإن تعليمات هذا الدين جديرة باالإحترام. فهي تشمل الأخلاقيات التى جاءت به الأديان الأخرى مثل المسيحية والبوذية والإسلام. الى انه يستثني العنف والعبودية والنكاحات ويضيف التعايش مع الإقليات بمن فيهم المثليين والمحافطة على البيئة وغيرها من القيم الحضارية الحدثية.
المهم انني قررت ان اتوكل على اللات واخترت قصة مارثا وذلك لسببين: اولهما انني بكل تأكيد سأتطرق الى قصتي مع قريبتى غادة في المستقبل, وثانيهما, حتى لايقول المسلمون اننا نتحامل على الإسلام فقط. بالإضافة انني قررت ان نجرب مؤمن بنكهة ياباينة.
بدأت السيدة مارثا تدعوني الى حضور المحاضرات في "كنيستهم" اسبوعياً وتعطيني "الضوء" كل يوم تقريبا أثناء العمل. كنت لاامانع قصة الضوء لأن كل ماكان عليا فعله هو ان اغمض عيني وانا جالس امامها لمدة سبع دقائق بيينما تبدأ هي بترتيل الصلوات بصوتها الجميل وباللغة اليبانية فكانت بالنسبة لي فرصة استرخاء. ولكني كنت انزعج من الحاحها علي الذهاب الى معبدهم, فكنت اجامل احياناً واتهرب احياناً اخرى حتى انقذ الويك اند واقضيه مع اسرتي في شيئ مفيد.
ثم تطورت القصة وأصبحت مارثا اكثر الحاحاً على إعطائي "الضوء" حتى تتنقى روحي واهتدي الى الإيمان. فقلت لها ذات يوم:
-- يا مارثا أنتِ لاتعرفين كم امقت الاديان واحتقر الالهه!! فأنا ياعزيزتي مسلم سابق!!
-- وماذا يعني انك مسلم سابق؟ سألتني باستغراب
-- إذا عرفتي ماهو الإسلام وماذا فعل نبيه فلربما فهمتي ما أقصد
-- اعطيني شيئاً اقرأه عن الإسلام فأنا لاعرف الكثير عن هذا الدين. كلما اعرفه انه دين جيد ولكن بعض المتطرفون "اختطفوه" وشوهوا اسمه.
بدأت بالبحث عن كتاب مناسب عن الإسلام ومع اني على علم ان مؤلفات كارن ارمسترونج تميل إلى الإعتذارية (apologetic) فقد اخترت لمارثا احدى مؤلفاتها (Islam: a Short History), وتجنبت الكتب التي تنتقد الإسلام بموضوعية او بدون موضوعية.
أتصلت بي مارثا بعد ثلاثة ايام وقالت ان الكتاب معقد لإنه يحوي اسماء كثيرة صعبة النطق. ضحكت كثيراً واشفقت على المسكينة عندما تخيلتها تحاول نطق كلمات مثل غار حراء وقينقاع وعكرمة وصعصة وغيرها.
-- أين وصلتِ في الكتاب؟ سألتها
-- أنا في المنتصف تقريباً وإلى الآن عندي علامات إستفهام كثيرة ولكن بشكل عام ليس الوضع بالسؤ الذي تخيلته. عرفت عندها انها على وشك الإنتهاء من العصر المكي والدخول في العصر المدني وأن ما ينتظرها هناك "لايسرالناظرين" أو القارئين.
-- إنتظري حتى تكملي الكتاب لتكتمل عندك الصورة
- لعلّ الله يساعدني على تذكر الأسماء الكثيرة والصعبة
- أنا اسف, لقد كان من اللازم ان انتبه لهذه النقطة. الحقيقة أن اراء القراء(reviews) في الأمازون (Amazon.com) ابرزت هذه النقطة ولكني تجاهلتها عندما اقتنيت الكتاب, لإن الخيارات الأخرى كانت إما شديدة النقد وإما العكس.
- لاعليك, قالت مارثا, سأخذ المسأله خطوة خطوة.
بعد ان اكملت مارثا الكتاب قالت لي بأنها تتفهم لماذا امقت الأديان. فقلت لها: ومع ذلك فإن المؤلفة عرضت الأحداث في ضوء اعتذاري.
وقبل ان اتابع القصة اود ان اذكر شيئ مهم جداً وهو ان مارثا إمرأه شديدة الذكاء والثقافة واللباقة والأخلاق ويحترمها كل زملائها واصدقائها. والحقيقة أن معظم اتباع مِلة سكايو ماهيكاري متعلمون وعلى درجة كبيرة من الثقافة والأخلاق. ومارثا كما قلت اعتنقت هذه الديانة منذ خمسة وعشرن عاماً وشاركت في شراء المعبد الذي اعاد زوجها اليهودي المتخصص في الهندسة المعمارية تصميمة وتحويله من كنيسة الى معبد. وهي تقضي اوقات طويلة و تصرف مبالغ كبيرة في سبيل هذا الدين.
للأسف فإن قصة هروبي من الإسلام لم تكن كافية لمارثا لتدعني في إلحادي. بل العكس, فقد كثفت جهودها الدعوية وصدقوني لم تدع أي وسيلة دعوية إلا واستخدمتها إلى حد كان يزعجني في اغلب الأحيان. وكان عذرها الوحيد الذي منعني من حسم الموقف معها هو انها كانت من وجهة نظرها تحاول "إنقاذي". دعتني مراراً لأحضر المحاضرات الدينية . كان كل طلبها ان اجرب حضور المحاضرات المخصصة للمؤمنين الجدد. ولكني كنت ادرك ان تلك ستكون البداية لإصبح "مؤمناً" جديداً فقلت لها انني انوي التوقف عند تلك النقطة.
ومع ذلك فقد استمرت صديقتى مارثا في محاولتها. عندها قررت ان "لا حياء في الدين" وادركت ان خير وسيلة للذود عن "عقيدتي" هو الهجوم المضاد على إيمان مارثا:
- حسنا,ً قلت لمارثا,... سأحضر المحاضرات واستمع واتلقى "الضوء" ولكن بشرط
- ماهو شرطك؟ سألتني.... أن ادعك وشأنك بعد ذلك؟
- شيئ طبيعي ان تدعيني وشأني, فلا تحتسبي هذا شرط-- اجبتها. شرطي أن تستمعي بعقل مفتوح وقلب شجاع لما سأقوله إن لم أقتنع انا بملتك. وإذا اقنعتك بأنها أكبر كذبة صنعها الإنسان أن تهتدي إلى الإلحاد.
- لكَ ذلك, لكن يجب ان تكون حجتك قوية جداً. هل تستطبع ان تشق خليج سان فرانسيسكو بعصاك؟
- وهل سيشق القديس الذي سيقرأ علينا المحاضرة حتى بطيخة؟ سألتها.
- لا, ولكنك إذا ما أخذت المحاضرات و تعلمت كيف تعطي "الضوء" فسترى معجزاته بنفسك.
قلت لصديقتي بعد أول محاضرة حضرتها انني لاحتاج الى اكثر من ذلك لإني لأعتقد ان الإله سو "SU" سيُدخل الإيمان إلى قلبي. وعندم اصرت ان اكمل بقية المحاضرات أجبتها: صدقيني يا مارثا! لافائدة! فقد فعلها معي رب الرمال من قبل. ثم اعطيتها اسباباً منطقية, علمية, وتاريخية لماذا لم اكن مقتنعاً. لقد كنت ارى واحس ان المسكينة لاتستطيع الرد على التساؤالات والنقاط التي اثرتُها.
قلت لها أنني حقيقة غاضباً جداً من الإله, أي كان ذلك الإله, وخصوصاً إذا كان الإله سو لإنه إله "حديث" على دراية بالوضع الذي يعيشه العالم. الا ترين يامارثا؟ العالم يحترق من الحروب والكراهية والأمراض والفقر. أنظري إلى أفريقيا! مئات الألاف من الأطفال يموتون جوعاً والملايين معرضون للهلاك! أهذا كل ماقدر عليه ذلك الأله؟ ان يظهر على استحياء من بين الأشجار في جبل (فوجي) لشخص ياباني كان يشغل منصباً في شركة انتاج سلاح اثناء الحرب العالمية الثانية؟ والنتيجة مليون مؤمن فقط؟ ما هو سرتخصص الألهه في الظهور بهذا الشكل الغموضي؟ مرة في صحراء قاحلة ومرة في الجبال البعيدة ومرة في الأزمنه السحيقة؟ نحن في زمن العولمة والعلم ولدينا وسائل للتحقق من الإدعاءت والمعجزات؟ ماذا لو وجد طريقة وظهر بطريقة لاتدع أي مجال للشك في مكان مشهور؟ في لندن أو باريس أو نيويورك مثلاً؟ الا يرى هذا الرب اننا نقتتل ونعاني بسببه؟ ما هذه الانانية؟ الجواب يامارثا ان الإله موجود فقط في قلوب المؤمنين امثالك وامثال ابنتي غادة.
ولأول مرة احسست بشئ مشترك بينها وبين ابنتى غادة. فكل منهما تنكمش عندما يوضع الرب في زاوية العقل والمنطق. بدت مارثا وكأنها تدافع عن شيئ ثمين جداً. بدت وكأنها تدافع عن طفلها الصغير الذي كان ابن سلول على وشك الإطباق على عنقه وخنقه. لقد قضت خمسة وعشرون عاماً وهي تعتني بذلك الطفل. قد يكون ذلك الطفل لقيطة ومشوه الخلق وسيئ السمعة ويضياقها بمطالبه التى لاتنتهي من عبادة وصلاة وتبرع بالأموال ومحاضرات ودعوة, إلا أنه طفلها الذي ربته لمدة خمسة وعشرون عاماً ولابد ان تحافظ عليه.
- أعتقد يا عزيزي أنك واقع في مأزق(stuck). أنت اسيرا للمنطق وللبديهة واذا فتحت قلبك للإيمان فستجد الله!! أنا اريد ان اساعدك..قالت مارثا وقد بدا عليها اليأس من هدايتي.
أخيراً !! قلت في نفسي....الإله سو يئسَ مني. لقد تحررت من إحراجات مارثا. ستعود صداقتنا كما كانت في السابق, بدون الهه (faith-free) !!
- بماذا تفكر؟ اليس عندك ما تقوله؟ سألتني وعلامات الغضب باينة عليها
- ياعزيزتي مارثا إذا كنتُ اسيراً حسب تعبيرك فأنتِ اسيرة أيضاً. وأنا صراحة أُفضل أن أكون أسيراً في جانبي انا من معادلة الدين والإلحاد وليس في جانبك انتِ او جانب ابنتي غادة. انا اعرف يا مارثا لماذا لاتستطيعين انت او غادة الإعتراف بأن ما تؤمنَ به ليس إلا كذبة صنعها الإنسان. لقد قضيتي خمسة وعشرون عاماً تؤمنين بهذا الرب وتبتغين رضاه. إنك تصلين, تذهبين الى المعبد, تقضين اوقات طويلة وانت تعطي "ضوء" للأشخاص وللأشياء, تدفعين الإشتراكات الشهرية, تنامين وتصحين وأنت تفكرين بهذا الإله. وكذلك غادة, فهي لمدة عشرة اعوام تصلي, تصوم, وتركع وتدمع لربها. ثم بعد كل هذا يأتي ملحد ويقول لك ان كل مافعلتيه انت او غادة لايسا وى شيئاً! إنني أشعر وكأني مديرالبنك الذي يقول لك أن رصيدك لايساوي شيئاً لإنه ثبت ان العملة مزورة. وكأني مستشار إستثماري يخبرك ان الشركة التي تملكين اسهماً فيها شركة وهمية ولا وجود لها على ارض الواقع. بعد ان تعبتي كل هذا العمر إنني أتفهم تماماً محاولتك أن تنكري نفسك. ولكن هذا لايعني أنني لست على حق.
#نبيل_مهيوب_طاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟