أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر















المزيد.....

أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر


جمعة الحلفي

الحوار المتمدن-العدد: 747 - 2004 / 2 / 17 - 08:03
المحور: اخر الاخبار, المقالات والبيانات
    


المهمة الوحيدة التي برع فيها المثقفون العرب، حتى الآن، هي لطم الخدود والندب على حظ الأمة العاثر، كلما تعرضت هذه الأمة المنكودة الطالع لخطب من خطوب هذا الدهر الرديء. ومع أن هؤلاء المثقفين يدركون تمام الإدراك، أن كل الأسباب والعوامل اللازمة للهزائم العربية كامنة فيها ومتوفرة كوفرة دواوين الحداثة الشعرية، إلا أنهم غالباً ما يظهرون بهيئة المخدوعين وكأنهم أخذوا على حين غرة. أو في أفضل الأحوال، فوجئوا بسرعة وقوع ذلك الخطب الماحق، وهم بلا حول ولا قوة لمنع وقوعه. لذلك تراهم يتدافرون سريعاً على تدبيج وتوقيع البيانات النارية وهم يتفجرون أسى وغضباً ويتطاير الشرر من فوهات أقلامهم.
دائماً هناك من يغدر بالأمة ويوقع بها المصائب والنكبات. ودائماً هناك من يجد لها الذرائع والمبررات ويصنع لها معلقات الرثاء ومطولات الندب والعويل، على عواصمها وحواضرها المنكوبة. لكن سرعان ما يعود هؤلاء الندابون إلى أقنان النسيان الدافئة، ما أن تنحسر صور الفواجع والبشاعات عن شاشات التلفزة، بانتظار هزيمة قادمة أخرى تتفتق لها قرائحهم وأشجانهم من جديد. ولذلك قلما كلّف المثقفون العرب أنفسهم عناء طرح تلك الأسئلة المحظورة عن الأسباب الحقيقية الكامنة وراء تلك الهزائم والنكبات، وعن مسؤولية الأنظمة الحاكمة، أو عن مسؤوليتهم هم أنفسهم كقطاع فاعل يدّعي الطليعية واستشراف المستقبل. وإذا ما طرحوا مثل هذه الأسئلة فإنهم غالباً ما يتجنبون عناء التدقيق في أجوبتها ومعاينة ما يمكن أن يمنع أو يتدارك القادم من الهزائم، مكتفين بالأوهام، التي تولدها أناشيد الأمجاد الغابرة في نفوسهم الرومانسية البريئة.
هل نحن أمة بلا ذاكرة؟ هذا سؤال محيّر لكنه مشروع شرعية ادعاء المثقفين العرب تمثيل العامة والدهماء والمساكين من أبناء الأمة، والتعبير عن أحلامهم بالعدل والحرية والكرامة ولقمة العيش النظيفة، وإلا كيف يمكننا أن نفسر مراهنات هؤلاء على الشعارات والعنتريات والأناشيد والبيانات، التي لا تستند إلى أي واقع ملموس أو أرضية حقيقية، سوى أرضية العجز والأوهام ومحاولة تبرئة النفس، عبر جلدها؟ كيف يمكننا أن نفسر مراهنة هؤلاء على أنظمة حكم مستبدة ومنخورة وفاسدة وفاجرة، سبق لها وأن خذلت شعوبها وخذلتهم وخذلت نفسها مراراً وتكراراً؟
 
فبعد هزيمة 1967 اكتشف المثقفون العرب "خيانة وضحالة وهزال" الأنظمة العربية، على حد تعبير أدبيات تلك الأيام، بالضبط كما يكتشف الزوج خيانة زوجته متأخراً، مع أنه يسكن معها في المخدع ذاته منذ عقود من الزمن. عندها قامت الدنيا ولم تقعد (ولكن) شعرياً وبلاغياً بالطبع. فقد انتعش المسرح العربي، كما لم يسبق له أن انتعش من قبل. وضخت المطابع دوايين الشعر الثوري بآلاف النسخ والمجلدات. وسُجلت أطنان من الأناشيد القومية من قبيل (طلعنا عليهم طلوع المنون فصاروا هباء وصاروا سدى) وتحول شاعر رقيق مثل نزار قباني من التغزل بنهود النساء العربيات وإحصاء حلماتهن، إلى التصدي لهزيمة البرجوازية الصغيرة الحاكمة. نعم.. لقد نهض المثقفون العرب نهضة رجل واحد ولكن على أقدام من خشب البلاغة، بعدما فوجئوا بالهزيمة النكراء لأنهم ببساطة، كانوا يعيشون خارج الزمن مع أنهم كانوا يتعيشون داخل أروقة تلك الأنظمة " الخائنة والضحلة والهزيلة"  ولهذا سرعان ما عادت بنادق البيانات والشعارات الرنانة، إلى مشاجبها وعاد المثقفون إلى مراتع النسيان.
وفي العام 1973 ولم تكن تلك الأنظمة قد تغيرت، إن لم تكن قد ضحلت وهزلت أكثر، تمخض الجبل العربي فولد مسخاً لا أحد من المثقفين العرب يجروء، حتى اليوم، على تسميته بدقة هل كان فيلاً أم فأراً، ومع ذلك ابتلعوا الطعم ودبجوا القصائد والمقالات للمخاضين، أوالولادتين معاً، فمنهم من هلل لولادة الفيل المزعوم ومنهم من ندب حظ الأمة العاثر على تلك الولادة المشوهة. لكن أحدا لم يسأل ذلك السؤال المحظور: هل كانت حرب 73 (من جانب النظام المصري خاصة) حرباً تحررية حقاً؟ ولاستعادة الأرض العربية المحتلة فعلاً؟ أم كانت فيلماً هوليودياً مسلياً، أنتجه وأخرجه هنري كيسنجر؟ وهل كانت كامب ديفيد ثمناً للانتصار العربي المزعوم، أم كانت ضريبة الهزيمة المحلاة بالسكر؟ وهل ما جاء بعد كامب ديفيد أوصلنا إلى السلام أم إلى المزيد من الهزائم والنكبات؟ وأين توارى مثقفو الأمة طوال ذلك العقد الذي تلا "حرب التحرير" المزعومة وابتدأ بسلسلة جديدة من الحروب والهزائم والانكسارات؟
أما في العام 1982 عندما اجتاحت إسرائيل لبنان وزحفت دبابات شارون حتى مقهى "الهورش شو" في شارع الحمراء، فقد ابلى المثقفون العرب بلاءاً لا يضاهي في إداء دورهم المأمول في العويل والتأسي على حاضرة العرب الثقافية بيروت. ونسوا، في خضم المآتم التي أقاموها لشرف الأمة وعزتها المهدورة، أن يسألوا ذلك السؤال المصيري: أليست هزيمة 82 هي الوليد الطبيعي والشرعي لحرب صدام حسين ضد إيران (1980 ـ 1988) وهل كان بامكان إسرائيل أن تجتاح لبنان لو أن ترسانة الأسلحة والمعدات الحربية والطاقات البشرية والاقتصادية والعلمية، العراقية الهائلة، كانت موضوعة في مكانها المناسب؟ لكن المثقفين العرب لم يسألوا ذلك السؤال لأنهم كانوا سكارى بخمرة الشعارات القومية الزائفة عن البوابة الشرقية، التي كان صدام يدّعي أنه يريد أن يوصدها بوجه أعداء الأمة الجدد، الذين اخترعهم، بين ليلة وضحاها، بعد قرون مديدة من السلام والتآخي الروحي والديني مع هؤلاء "الأعداء" !
كانوا سكارى وماهم بسكارى لأن بعضهم كان يقبض خلسة ثمن ترويجه لحرب حامي البوابة الشرقية ( التي ضاعت كوبوناتها، كما يبدو، بسبب تقادم الحروب والسنوات؟) ولم يرف لهذا البعض حتى جفن لمذابح طاغية بغداد وهو ينحر شعبه في الداخل بكل برودة دم وخسة ضمير، بل كانت ضمائرهم أكثر موتاً وسباتاً من ضمير ذلك الموغل بدم الأبرياء والمتاجر بمصير ومقدرات العراق طوال ثلاثة عقود متصلة سوداء.
لم يسأل المثقفون العرب ولم يناقشوا يوماً نتائج حرب ضروس دامت ثماني سنوات وراح ضحيتها مئات الآلاف من العراقيين، واحترقت في اتونها عشرات المليارات من الدولارات، ودمرت فيها البنية الاقتصادية لبلد كان يمكن له أن يكون من أغنى بلدان المنطقة. وهل سأل المثقفون العرب لماذا شن صدام حسين حرباً بتلك الفداحة ثم اعتذر عنها في رسالة  من عشرة اسطر وجهها للرئيس الإيراني، آنذاك، هاشمي رافسنجاني، بعد احتلال الكويت؟ لماذا نسي المثقفون العرب هزيمة النظام في تلك الحرب وهم يعرفون جيداً أنها لم تحقق حتى الهدف الذي شنت من أجله وهو استعادة شط العرب، الذي كان صدام نفسه قد تنازل عنه لشاه إيران في اتفاقية الجزائر (1975) ؟ لماذا تنكّب المثقفون العرب، في سنوات الحرب تلك، خوذة العنصرية وذهبوا يدبجون القصائد والأناشيد لأحياء مهرجانات النظام ولتمجيد حرب لم تكن عادلة ولا نظيفة ولا في محلها أو وقتها المناسب، ولا هي حرب العراقيين أو العرب أصلاً، بل هي حرب رجل مهووس بداء العظمة الفارغة وجدت له دوائر غربية مشبوهة وظيفة قذرة فراح يتولاها بكل اندفاع  وحماسة ولكن على حساب شعب واقتصاد بلد كان طارئاً عليه وعلى تاريخه؟
لم يسأل المثقفون العرب كل هذه الأسئلة إنما راحو يعدون البيانات لقادسية صدام المشبوهة بكل خفة مهرجي السيرك وهم يتناوبون على التقافز أمام حامي البوابة الشرقية المزعوم في مهرجانات المربد وسواها.
وعندما أقعت الحرب وحلت أوزارها عن كارثة ماحقة في الخسائر البشرية والاقتصادية والعسكرية والروحية وحتى الأخلاقية، نسي المثقفون العرب أن يسألوا صاحب الشأن، الذي أخذ العراق، ومعه المنطقة، إلى أتون المحرقة، ما الذي حققناه بعد ثماني سنوات طاحنة من سجال الموت والتدمير؟ وأين شط العرب (العربي!) السليب الذي سقت فيالق البشر لاستعادته؟ وكيف سمحت لنفسك أن تهدر كل هذه الدماء والكرامات ثم تعتذر بجرة قلم، عن ذلك المحاق كله؟
ومع ذلك كان يمكن للمثقفين العرب أن يتعضوا ويأخذوا العبرة، بعدما تكشفت حقائق تلك الحرب بالوثائق والأرقام وتأكد للقاصي والداني أن صدام حسين شن الحرب ليس دفاعاً عن كرسي سلطته الاستبدادية فقط إنما دفاعاً عن المصالح الأميركية والغربية أيضاً، كما صرح يومها مندوبه لدى الأمم المتحدة "نزار حمدون" قائلاً  بعظمة لسانه " لقد دافع العراق عن الشباب الأميركي". لكن المثقفين لم يفعلوا ذلك وتكررت المراهنة بإصرار مرة أخرى، كما تتكرر المأساة على شكل مهزلة، ذلك أن ما حدث في غزو الكويت وفي الحرب التي تلت ذلك الغزو المشؤوم، كان امتحانا ليس لضمائر المثقفين، وهم يرون جيشاً عربياً عرمرماً يجتاح بلداً شقيقاً ويستبيح حرمات أبناءه، فقط، بل وكذلك لعقل وقلب ومنطق وثقافة هؤلاء المثقفين، لكنهم سقطوا للأسف في ذلك الامتحان عندما صفق البعض منهم لمرتكب الجريمة تحت لواء البسماركية الجديدة، ولاذ البعض الآخر بالصمت والتشفي، ولم يقف وقفة إنسانية شجاعة سوى القلة ممن كانت ضمائرهم لا تزال نظيفة وغير ملوثة.
واليوم ماذا نقول لأولئك المثقفين الذين عادوا ليراهنوا بأوراق الشرف والكرامة والعزة العربية على حصان خاسر سبق له وأن داس بحوافره على كل هذه القيم، من أجل أن يديم مدة قعوده على كرسي السلطة؟ فهل سأل المثقفون العرب، الذين دبجوا البيانات النارية في أول أيام الحرب، تحية للبطولات العراقية في أم قصر والبصرة، ثم عادوا وأنزلوا العراقي إلى الحضيض عندما سقط النظام في بغداد، عما إذا كانت تلك الحرب هي حرب العراقيين حقاً أم حرب النظام؟ وهل يمكن المراهنة على نظام لا يحترم شعبه ولا تربطه به أية روابط ودية أو أخلاقية أو إنسانية؟ وكيف يمكن لشعب، مكبل بالخوف والطغيان والبؤس، أن يحارب دفاعاً عمن يكبل يديه؟



#جمعة_الحلفي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بانتظار... المثقف!
- ثقافة الخرافة والتنجيم .. العربية!
- ثقافة المحاكمة والتخوين
- رسالة الى مهدي خوشناو


المزيد.....




- -أخبرتني والدتي أنها عاشت ما يكفي، والآن جاء دوري لأعيش-
- لماذا اعتقلت السلطات الجزائرية بوعلام صنصال، وتلاحق كمال داو ...
- كيم جونغ أون يعرض أقوى أسلحته ويهاجم واشنطن: -لا تزال مصرة ع ...
- -دي جي سنيك- يرفض طلب ماكرون بحذف تغريدته عن غزة ويرد: -قضية ...
- قضية توريد الأسلحة لإسرائيل أمام القضاء الهولندي: تطور قانون ...
- حادث مروع في بولندا: تصادم 7 مركبات مع أول تساقط للثلوج
- بعد ضربة -أوريشنيك-.. ردع صاروخي روسي يثير ذعر الغرب
- ولي العهد المغربي يستقبل الرئيس الصيني لدى وصوله إلى الدار ا ...
- مدفيديف: ترامب قادر على إنهاء الصراع الأوكراني
- أوكرانيا: أي رد فعل غربي على رسائل بوتين؟


المزيد.....

- فيما السلطة مستمرة بإصدار مراسيم عفو وهمية للتخلص من قضية ال ... / المجلس الوطني للحقيقة والعدالة والمصالحة في سورية
- الخيار الوطني الديمقراطي .... طبيعته التاريخية وحدوده النظري ... / صالح ياسر
- نشرة اخبارية العدد 27 / الحزب الشيوعي العراقي
- مبروك عاشور نصر الورفلي : آملين من السلطات الليبية أن تكون ح ... / أحمد سليمان
- السلطات الليبيه تمارس ارهاب الدوله على مواطنيها / بصدد قضية ... / أحمد سليمان
- صرحت مسؤولة القسم الأوربي في ائتلاف السلم والحرية فيوليتا زل ... / أحمد سليمان
- الدولة العربية لا تتغير..ضحايا العنف ..مناشدة اقليم كوردستان ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- المصير المشترك .. لبنان... معارضاً.. عودة التحالف الفرنسي ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- نحو الوضوح....انسحاب الجيش السوري.. زائر غير منتظر ..دعاة ال ... / مركز الآن للثقافة والإعلام
- جمعية تارودانت الإجتماعية و الثقافية: محنة تماسينت الصامدة م ... / امال الحسين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اخر الاخبار, المقالات والبيانات - جمعة الحلفي - أمة بلا ذاكرة ... مثقفون بلا ضمائر