فريد حداد
الحوار المتمدن-العدد: 145 - 2002 / 5 / 29 - 07:13
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
بدأت في دمشق يوم الأحد , في 28-04-2002 أمام محكمة امن الدولة العليا محاكمة المناضل الوطني الديمقراطي الكبير , رياض الترك, بعد توجيه مجموعة اتهامات اليه من النيابة العامة لدى المحكمة ذاتها , على خلفية تصريحات صحفية كان قد ادلى بها الى قناة الجزيرة القطرية , واوضح محامي الدفاع السيد خليل معتوق , ان محاكمة الترك تبدأ بعد استدعاء عدد من الشهود من قبل محكمة امن الدولة، وهي مؤشر على بدء محاكمات معتقلين الرأي السبعة الاخرين، التي تنظر في قضيتهم المحكمة ذاتها، وهم عارف دليلة , وحبيب عيسى , ووليد البني , وفواز تللو , وكمال لبواني , وحسن سعدون , وحبيب صالح وذكر أن المحكمة أبلغته أمس عن موعد الجلسة وقرار الاتهام، وقال "ان التهم الموجهة اليه امام النيابة شملتها خمسة مواد من قانون العقوبات السوري وتنص على:
285: من قام في سورية زمن الحرب او عند توقع نشوبها بدعوة ترمي الى اضعاف الشعور القومي او ايقاظ النعرات الطائفية او المذهبية عوقب بالاعتقال المؤقت.
286: أ- يستحق العقوبة نفسها من نقل في سورية في الاحوال عينها انباء يعرف انها كاذبة او مبالغ فيها من شأنها ان توهن من نفسية الامة.
ب- اذا كان الفاعل يحسب ان هذه الانباء صحيحة فعقوبته الحبس ثلاثة اشهر على الاقل.
287: كل سوري يذيع في الخارج وهو على بينة من الامر انباء كاذبة او مبالغ فيها من شأنها ان تنال من هيبة الدولة او مكانتها المالية يعاقب بالحبس ستة اشهر على الاقل وبغرامة مالية بين 100 و500 ليرة سورية.
291: يعاقب على الاعتداء الذي يستهدف تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة بالاعتقال المؤقت مدة خمس سنوات على الاقل وتكون العقوبة الاعتقال المؤبد اذا لجأ الفاعل الى العنف.
293: أ- كل فعل يقترف بقصد اثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور يعاقب عليها بالاعتقال المؤقت.
ب- اذا نشب العصيان عوقب المحرض بالاعتقال المؤيد وثائر العصاة بالاعتقال المؤقت خمس سنوات على الاقل".
وذكر معتوق أن "الاتهامات وجهت الى الترك , على خلفية تصريحاته الصحفية لقناة "الجزيرة" القطرية , وجريدتي "النهار" اللبنانية , و"لوموند" الفرنسية، اضافة الى محاضرة كان القاها في منتدى الاتاسي تحت عنوان "مسار الديمقراطية وآفاقها في سورية" بتاريخ 5 آب 2001".
نسطتيع أن نوجز التهم الأولى والثانية والثالثة بما يلي :
آ
– نشر أخبار كاذبة .
ب
– مكان النشر , خارج سورية .
ج
– زمن النشر هو , زمن حرب أو توقع نشوب حرب. ( قاضي التحقيق غير متاكد من صفة زماننا , لأن صفته يحددها مزاج افراد ما زالوا يتحكمون بمستقبل امة دون اي ضوابط )
د
– نتائج نشر هذه الأخبار هي : 1 – وهن في نفسية الأمة .
2 – النيل من هيبة الدولة ومكانتها المالية .
وبحسب امكانياتنا المتواضعة في المتابعة , وبعد جهود ليست متواضعة في ايجاد أقوال للسيد الترك, لها طابع اخباري في كل ما صدر عنه , وكتب من قبله , فلم نجد الا نقطتين في مداخلته عبر قناة الجزيرة , اثناء مقابلة مع داعية حقوق الانسان نزار نيوف . قد يحملوا طابع اخباري ساوردهما حرفيا :
1 – " هناك أمثلة كثيرة يمكنني أن اؤيده فيها – ويقصد تأييد كلام نزار نيوف حول تعامل المخابرات مع السجناء – مثلا في ما يتعلق بالأطباء ,هم يمنعون الأطباء في أن يعرفوا أي شئ عن المريض , وانا أعطوني اسم محمود موسى , اذا ذهبتم الى فرع التحقيق العسكري , لن تجدوا اسم رياض الترك ابدا. هذه مسألة صغيرة كنت لا اود أن أثيرها ."
2 – " الآن مات الديكتاتور وجاء عهد جديد ."
اما المتبقي من كلامه , فهو ,اما قراءة للواقع ,او تصور للمستقبل ,او رأي سياسي حول أزمة من الأزمات الكثيرة التي اوجد تها سياسات النظام في البلد . .
اما فيما يتعلق بالخبر الأول , فان ما أد لى به هو حقيقة يعرفها كل من " ابتسمت له الحياة " ودخل سجون المخابرات السورية. وهي موثقة بشهادات كثيرة , لدى منظمة العفو الدولية , ولجان حقوق الانسان .
اما الخبر الثاني ,- مات الديكتاتور
– فهذا أيضا خبرا موثقا لدى السلطات السورية, وهي اصلا أول من أعلن عنه .....فاين هي الأخبار الكاذبة المنشورة في الخارج ؟ .
" زمن حرب , او توقع نشوب حرب " اية حرب يقصدون ؟
هل المقصود الحرب مع أسرائيل ؟ فمنذ تأسيس الكيان الصهيوني عام 1948نشبت حروب 48-56-67-73 بين العرب واسرائيل , ومنذ عام 73, عام اعطاء الأنظمة العربية الأمان لأسرائيل وحتى تاريخه لم يطلق النظام السوري طلقة واحدة في الجولان على جنود المحتل , اي ان أكثر من نصف عمر اسرائيل , وهي تتنعم بسلام وهدوء جبهاتها مع الأنظمة العربية , فأين هي الحرب ؟أم أن هذه الحجة يجب ان تبقى مسلطة كالسيف على رقاب العباد , في اي وقت يطالب به الناس السلطة , بالتوقف عن سياسة الأستبداد والتسلط .
هل المقصود حرب النظام على لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية في لبنان ؟ اذا كان الجواب ايجابيا, فان هذه الحرب قد انتهت منذ زمن بعيد , .وها هي " الجبهة الوطنية التقدمية "تحكم لبنان , ومنظمة التحرير تم اخراجها من لبنان الى غير رجعة .
هل المقصود هو تحالف النظام مع الغرب لتد مير العراق بشرا وحجرا . ان ذلك قد تم ايضا ومنذ زمن بعيد . الحقيقة ان سورية تعيش حربا حقيقية واحدة ومستمرة , هي حرب النظام على الشعب وقواه الحية . وبسبب هذه الحرب تحديدا, أخذ الترك على عاتقه مهمة كسر جدار الخوف عند الناس , للوقوف بوجه هذه الحرب وانهائها, وبسبب موقفه من هذه الحرب تحديدا , سينال رياض الترك مكافئته من الشعب مهما طال سجنه على يد جلاديه .
اما الوهن الذي اصاب نفس الأمة , فهو ليس بسبب تصريحات , او كتابات رياض الترك ,وانما بسبب سياسات النظام القائمة على كم الأفواه , وتجويعها ,وتدمير مؤسسات المجتمع المدني ,والهزائم العسكرية المتكررة التي سببتها قيادة وتخطيط أنظمة فاشلة ( على افتراض النية الحسنة )مع اسرائيل , وتدمير الأقتصاد الوطني وافلآسه عن طريق سياسة نهب منظمة مورست بحقه منذ زمن طويل,
والغاء الدستور - الذي يتنطحون الآن للدفاع عنه , والصاق تهمة تغييره بطرق غير مشروعة برجال وطنيين ديمقراطيين كالأفاضل العشرة - والقانون , وسيادة قانون الطوارئ , والأحكام العرفية مكانهما , وتحويل البشر من مواطنين أحرار , يقررون ويختارون مصائرهم , الى رعايا لايكفيهم الليل والنهار , لأشباع رغبات
السادة في التسبيح والتبجيل , بالأضافة الى قتل , واعتقال , وتشريد , ألوف مؤلفة , من أبناء الوطن , لمجرد رفضهم في ان يكونوا ملحقات تافهة باجهزة النظام . وهذا كله لم يأت من رأي سياسي أعطاه رياض الترك , ساعد الناس في روؤية بصيص ضوء في نهاية النفق المظلم , الذي حشر النظام بلادنا فيه ولايريد لها مخرجا .
اما هيبة الدولة , فان أول المعتد ين عليها , هم رجالاتها , فان كذبهم , واستهتارهم بمصلحة البلاد , ونهبها,
واحتقارهم للعباد , واستعمارهم للدولة وتسخير مؤسساتها لخدمة أغراضهم الخاصة , هو الذي دمر هيبتها ومنذ وقت طويل , ولم يبق من هذه الهيبة شيء , لا لرياض الترك , ولا لغيره , لينالوا منها .
اما مكانتها المالية , فان المئة مليار دولار المنهوبة من الاقتصاد الوطني , على مدار الثلاثين سنة المنصرمة . والمودوعة في المصارف الأمبريالية – الصهيونية , وحدها القادرة على تحد يد هوية المعتدي على مكانة الدولة المالية .
---------------
اما عن التهمتين الرابعة والخامسة . فيجب ان " نعترف " بأن للسلطة الحاكمة في سورية , واجهزتها الأمنية , وقضائها الأستثنائي , " امكانيات " متفردة في قراءة ما هو غير مكتوب , وسماع ما لم يقال , وروؤية أحداث لم تقع. اما نحن كبشر عاديين , فاننا نقرأ المكتوب ونحاول فهمه , ورأينا ما حدث ونرى ما يحدث . وعليه فلنسمع ما قاله رياض الترك , ونقرأ ما كتب , ونرى ما حدث ويحدث له .
في مقالته الشهيرة" من غير الممكن ان تبقى سورية مملكة الصمت " قال: "في سورية اليوم لا يزال الخوف الحاضر الأكبر في علاقة الناس بالسلطة ، و في علاقتهم ببعضهم البعض ، فالمسؤول يخاف رئيسه الأعلى و البعثي يخاف رفيقه و الموظف زميله و الطالب صديقه و الأستاذ طالبه و الأخ أخاه . و الجميع يخافون السلطة و الأجهزة القمعية التي تتدخل في أدق تفاصيل حياتهم المهنية و الاجتماعية و الشخصية .
في سورية اليوم لا يزال الخوف جاثماً على الصدور و لا تزال تتولد عنه طقوس من الطاعة و الاذعان يعرف القيمون عليها و المشاركون فيها زيفها و بطلانها
وفي معرض رفضه لهذه المذلة التي ادخل النظام بلدنا فيها , ودعوته الناس للرفض والأحتجاج , رسم طريق الرفض بالأسلوب التالي : " إن مهمة كل سياسي و نقابي و مثقف و كاتب . بما يملكه في مجاله من رأس مال رمزي و ثقل معنوي . هي المساهمة في اخراج شعبنا من بحر الأكاذيب الى بر الحقيقة . و ذلك بشتى الطرق السلمية كالنضال العلني و البيانات الموقعة و الرأي الحر الفردي و الجماعي . الواضح و الصريح . من غير الممكن أن تبقى سورية مملكة الصمت
"إن من حق شعبنا اليوم أن يناضل للحفاظ على مبادئ الجمهورية و أن يتمتع بحياة ديمقراطية حقيقية بدلاً من " ديمقراطية " رفع الأيدي و التصويت بالاجماع و المبايعة إنه شعب قادر مثله مثل بقية الشعوب على استعادة ماضيه و صون ذاكرته و أن يحي حياة حرة كريمة"
"إن جسّر الهوة بين السلطة و المجتمع مهمة صعبة للغاية . و لن تتحقق إلا في إطار حل سياسي ينزل السلطة من عليائها و ينزع عن رموزها صفة القداسة . و يعيد الدولة الى المجتمع و المجتمع الى السياسة ."
وفي مداخلته عبر قناة الجزيرة قال :
1- عشرون سنة من الاضطهاد في سورية بمختلف الأشكال , جعلت بلدنا يعيش في كارثة وطنية .
2 – الناس يريدون الخلاص من الأستبداد , وأعتقد ان مراكز القوى هي العنصر المعيق في هذه العملية. هذه المراكز في الجيش او الأمن او غيره تعيش عقلية الماضي .
3 – مجتمعنا يمكن ان يتسامح اذا جرى مصالحة وطنية .
4 – مسوؤلية دمل الجراح تقع على عاتق الرئيس بشار الاسد ودعاة الاصلاح اذا كانوا صادقين .
وفي محاضرته في منتدى الحوار الديمقراطي قال , مقدما حلول بهدف الوصول الى الأنفراج السياسي في البلد ودعم اية محاولة اصلاح جدية:
1- " الأعتراف المتبادل بالجميع من قبل الجميع ". -
2- " نحن ندعم الاصلاح , او اية خطوة اصلاحية . ولكن دعمنا وحده لايكفي لضمان مسيرة الأصلاح وجديتها, ما لم يدعم أهل الأصلاح أنفسهم .وما دام خصومه وحدهم قادرين علىتنظيم صفوفهم وافشال اي خطوة الى الأمام . نحن ندعم الأصلاح ما دام نية حقيقية وافعالا على الأرض ".
هذا ما قرأنا له وسمعنا منه . ولم نجد فيه اي دعوة للتمرد على الدستور , او اي دعوة لتغييره بطرق غير مشروعة او اي دعوة للعصيان المسلح ,.وانما وجدنا في ما قرأناه , وسمعناه , دعوات متكررة للمصالحة الوطنية , والتسامح, وفتح صفحات جديدة في حياة الوطن , وكل ما من شأنه في ان يعيد اللحمة الوطنية التي أساءت لها سياسات النظام . كل ذلك قوبل بآذان صماء - من قبل مراكز القوى الحاكمة المتحكمة بمصير البلاد – لا بل وبحملة اعتقالات طالت مجموعة ممن يحملون اوضح وانضج فكر ديمقراطي في البلاد .
اما ماشاهدناه وقد حدث لرياض الترك , فهو اعتقاله مع ألوف مؤلفة من المواطنين على مدار ثلاثين سنة مضت , ووضعه في زنزانة هي أشبه بقبر , وهو حي , قرابة ثمانية عشر عاما دون تهمة أو محاكمة, حتى ولو كانت غير عادلة كالتي يحاكم امامها الآن, ولم يكن الهدف من سجنه في هذا القبر سوى محاولة لكسر ارادته, ارادة المناضل الوطني الكبير, وتحويله الى تابع رخيص يدور في فلك نظام طاغية .
ان الأصح هو اعتقال من اعتقله سابقا , ولاحقا , وتقديمهم لمحكمة دستورية, ككل المحاكم الموجودة في المجتمعات المتمدنة , وان يكون رياض الترك نفسه القاضي , فعندها ....وعندها فقط تصبح سورية دولة حق وقانون, وتدخل القرن الواحد والعشرون, وتبدأ في تهيئة نفسها لتحرير الأرض والأنسان والمقدسات.
من له أذنان فليسمع, فالتاريخ لا يجود بفرص كثيرة, كالفرصة التي اعتقد انها ما زالت سانحة في سورية, للمصالحة الوطنية على أرضية رد المظالم واشاعة العدل, وليس على ألأرضية التي ما تزال السلطة تعمل بها وهي مزيدا من الألحاقات في أجهزة السلطة , الأمنية, والجبهوية, والوزارية, والوظيفية , فهذه الطريقية اثبتت فشلها, ومازالت تقود البلادالىمزيدا من التأزم والأحتقان.
#فريد_حداد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟