كاظم حبيب
(Kadhim Habib)
الحوار المتمدن-العدد: 2425 - 2008 / 10 / 5 - 09:39
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
1-2
انقضى من عمر الجمهورية الخامسة 66 شهراً بالتمام والكمال. ومنذ ما يقرب من سنتين انتقلت رئاسة الوزراء إلى السيد نوري المالكي , رئيس أحد أجنحة حزب الدعوة الإسلامية والمشارك في الحكم والممثل القلق للائتلاف الوطني العراقي الشيعي الحاكم الهش. وها نحن نقف , بعد انقضاء هذه الفترة الزمنية غير القصيرة , أمام كثرة من الأسئلة , منها مثلاً :
هل امتلك المالكي مشروعاً سياسياً حين تسلم الحكم ؟ وهل يمتلك الآن مشروعاً سياسياً وطنياً وديمقراطياً جديداً ؟ أم أن الرجل لا يزال يمارس سياسة ردود الفعل ويحوم حول مشروع سياسي مبهم وعائم؟
إن طرح هذه الأسئلة يقترن بالظواهر التي يعيشها العراق في المرحلة الراهنة والأزمة الطاحنة التي لا تزال تحيط بالحكم والمجتمع وتخلف سبل معالجتها في ضوء المشروع السياسي الذي يفترض أن يمتلكه العراق. فالأزمة الراهنة هي أزمة تشمل الدولة بسلطاتها الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية , تشمل السلطة التنفيذية بكل أجهزتها والمجتمع بأغلب طبقاته وفئاته الاجتماعية وهي تشدد الخناق بشكل خاص ومؤلم على الفئات الكادحة والفقيرة والأكثر عوزاً وصغار الموظفين وذوي الدخل المحدود , أزمة تشمل الأحزاب والتكتلات السياسية وتحالفاتها , أزمة أفراد , وأزمة قيم ومعايير فردية وجمعية وأزمة ثقة , إضافة إلى كونها أزمة علاقات معقدة ومركبة مع دول وقوى الجوار والعالم. وحين يدرك الإنسان هذا الواقع عليه أن يتحرى عن حلول لجميع هذه الأزمات التي تواجه العراق. وهي مهمة تقع على عاتق الحكومة وجميع المسئولين والقوى والأحزاب السياسية , إضافة إلى مراكز البحث العلمي التطبيقي التي تعالج المسائل السياسية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية والثقافية ... الخ.
حقق العراق , وفق تقديرات أغلب المتابعين , خلال الأشهر المنصرمة بعض المهمات الأمنية والعسكرية الصعبة , نشأت عنها مهمات سياسية جديدة أكثر تعقيداً وصعوبة على المديين القريب والبعيد , كما برزت التزامات أكثر استحقاقاً؟ وإذا كانت بعض الأهداف والمهمات التي أنجزت بدت قبل ذاك بصيغتها العامة ودون تفاصيل , فأن تفاصيلها هي التي وضعت ويمكن أن تضع الدولة والمجتمع في العراق أكثر فأكثر على كف عفريت وفوق برميل مليء بالبارود القابل للاشتعال في كل لحظة , ما لم تتبلور رؤية عقلانية ووعي بالواقع العراقي ومشكلاته والقوى التي تحيط به من جهة , ووعي بتاريخ العراق خلال سنوات القرن العشرين من جهة ثانية , لكي لا نكرر ما ارتكبه الحكام الآخرون من أخطاء وما ترتب عليها وعنها من عواقب وخيمة على كل مكونات الشعب العراقي.
حين نتابع تصريحات ونشاط أغلب السياسيين العراقيين في المرحلة الراهنة , يمكننا تشخيص عدد من السمات السلبية التي تؤثر على المجتمع العراقي وعلى حل المشكلات التي تواجه العراق , ومنها على سبيل المثال لا الحصر :
1. عدم الالتزام بمواد الدستور التي تم إقرارها , بل أن كل طرف سياسي يرى ويسعى إلى تطبيق ما ينسجم مع رغباته ويبتعد عن تلك التي لا تتناغم مع وجهات نظره , وفي هذا تجاوز على الدستور وعلى التعامل الواعي والمتساوي مع مواد الدستور , أي أن الأمور تقاس من جانب غالبية السياسيين العراقيين بمكيالين , وكأن بالإمكان حصولا صيف وشتاء على سطح واحد. كما أن هذا يعتب تجاوزاً على كل الاتفاقات التي تمت بين القوى السياسية العراقية المعارضة لنظام الدكتاتورية قبل سقوطه.
2. لا تختلف غالبية السياسيين العراقيين بشكل عام عن بقية المواطنين في واقع معاناتها من انفصام الشخصية والتصريح بشيء في مقابل العمل بشيء آخر , أو امتلاكها لوجوه عدة وألسنة أكثر , وهو الأمر الذي يُسقِطُ مصداقية الكثير من السياسيين العراقيين , إذ أن هذه السمة حين يتميز بها السياسيون تكون عواقبها أشد سلبية على الإنسان العراقي وعلى المجتمع وعلى التطور والتقدم المنشود.
3. غياب الصراحة والمجاهرة والشفافية الضرورية مع المجتمع لمواجهة ما ينتظره من مشكلات وسبل معالجتها والعقبات التي تعترض سبل الحل.
4. هيمنة الروح الفردية ونموها وتحولها إلى استبداد فردي قاهر ينتشي في ذهنية ونشاط غالبية السياسيين العراقيين تدريجاً , ونتائج ذلك حصول كوارث متلاحقة على العراق وشعبه. ويقدم مجلس النواب مثلاً نماذج مهمة وصارخة لهذه الظاهرة السلبية.
5. الإهمال الجدي وغير المسئول لإرادة ومطالب ومشاعر المجتمع والتصرف باسمه وكأن هذا السياسي أو ذاك هو الممثل الشرعي والوحيد لهذا المجتمع بكل طبقاته وفئاته الاجتماعية. بل يصل الأمر برئيس الوزراء مثلاً إلى إهمال مجلس الوزراء والوزراء والتصرف بقرارات فردية غير مدروسة وغير مقررة. حتى تلك الأمور البسيط يتخذها دون التفكير العميق بعواقبها الاجتماعية , ولكنه ينطلق من ذهنية دينية محافظة مثل منع حفلات الزفاف في الفنادق والأماكن العام وخصرها بفنادق الدرجة الأولى , أي للقطط السمان وأصحاب النعمة الحديثة!
ومن المفيد أن أشير بهذا الصدد إلى أن السادة رؤساء الوزارات الثلاثة الذين تولوا المهمة في العراق في اعقاب سقوط النظام قد برهنوا على امتلاكهم الفعلي لهذه السمات وهيمنتها على سلوكهم وأسلوب ظهورهم وخطاباتهم الجنجلوتية , بمن فيهم السيد نوري المالكي , وكانت أكثر شدة لدى الدكتور الجعفري الذي كان يتبختر كالطاووس المنفوش حين يخطب أو يستقبل أحدا. إلا أن ظواهر جديدة تشير إل تناميها بسرعة في نشاط السيد المالكي أيضاً , وكلاهما ينحدر من حزب واحد وإيديولوجية دينية وطائفية واحدة.
كيف يمكن ترتيب النتائج الإيجابية التي تحققت مع هذه السمات وكيف يمكن جعل تلك النجاحات الأمنية والعسكرية جزءاً من مشروع عراقي ديمقراطي منشود؟ وهل أن مثل هذا المشروع مطروح للحوار والمناقشة بين أطراف القوى السياسية العراقية والمختصين والمجتمع العراقي بشكل عام ؟ وكيف هو موقع مهماته من الدستور الذي يتطلب بدوره معالجة جملة من النواقص التي تضمنها حين إقراره ؟
الكثير منا يعرف السيد نوري المالكي باعتباره سياسياً محترفاً وقيادياً في حزب الدعوة ومن المتحمسين جداً لبرنامج هذا الحزب وسياساته , كما أن الكثير منا يعرف مواقفه في دمشق الشام. يأخذ المالكي بما رسمه المفكر الإسلامي والشهيد الراحل السيد محمد باقر الصدر مسؤول حزب الدعوة الإسلامية الأسبق من حيث المبدأ [يمكن الاطلاع على أفكاره في مؤلفين أساسيين للراحل هما "اقتصادنا" و "فلسفتنا" عدا مؤلفاته الدينية الأخرى]. ويمكن لي , وقد اطلعت ودرست هذين الكتابين قبل سنوات واستخدمتهما في بعض الأجزاء من كتابي الموسوم "لمحات من عراق القرن العشرين" , تقديم الكثير من الملاحظات الجدية بشأن ما جاء فيهما , واللذين كما أرى , يجسدان عملاً تجميعياً وانتقائياً غير متجانسين , كما يطرحان نقداً غير متماسك لنظريات اقتصادية وفلسفية لا يصمد أغلبه أمام النقاش الموضوعي والواقعي كما لا يرتقيان إلى مستوى الكتب العلمية الأصيلة في البحث الاقتصادي والفلسفي. ولا يصلح كتاب "اقتصادنا" أن يكون برنامجاً اقتصادياًُ لدولة ديمقراطية حديثة تقف في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين , لدولة متعددة القوميات والأديان. وأتمنى أن يتسنى لي أو لغيري من المختصين بمناقشة هذين الكتابين. ويبدو أن الائتلاف العراقي الموحد , وهو يسيطر على وزارة التربية , بدأ التثقيف بهذا الكتاب في العراق وكأنه الدستور الاقتصادي للعراق الجديد حيث يطرح أيديولوجيو هذا الاتجاه الإسلامي السياسي أسئلة في امتحانات طلبة البكالوريا العامة الذين لم يطلعوا على الكتاب ولم يسمعوا به أو حتى باسم كاتبه.
وإذا تركنا موضوع هذا الكتاب وشأنه , فحزب الدعوة الإسلامية وضع على عاتقه إقامة دولة إسلامية في العراق , وهي المسألة التي التقى عندها مع بقية القوى الإسلامية السياسية الشيعية التي تََحقَقََ أئتلافها بجهد اللبرالي الدكتور أحمد عبد الهادي الجلبي , الرجل الذي كان يفتش عن موقع قيادي له على رأس السلطة العراقية عبر ذلك الائتلاف الديني الطائفي , ثم تركه (أو أخرج منه) على عجل لأنه لا ينسجم مع تطلعاته. ومثل هذا المشروع الذي تبناه المالكي عند وصول الائتلاف للحكم لم ينجح ولا يمكن أن ينجح في تنفيذه لأنه يتعارض مع الكثير من وقائع الحياة وطبيعة المجتمع وبنيته والمحيط الذي يجد العراق نفسه فيه والوضع الدولي والدولة التي اعتمدتها أبرز قوى الائتلاف قبل ائتلافها لإسقاط النظام الاستبدادي , رغم دور الولايات المتحدة المؤقت في تنشيط الطائفية السياسية في العراق ودعمها للقوى السياسية الشيعية , ثم محاولتها الراهنة في تحقيق التوازن بين القوى الطائفية السياسية في العراق , إضافة إلى اختلافها مع التحالف الكردستاني , رغم المساومات الجديدة التي يمارسها التحالف إزاء سياسات الائتلاف العراق الموحد التي تلحق ضرراً بالحركة الوطنية العراقية , كما حصل أخيراً في الموقف غير العقلاني والمرفوض حيث ألغي حق ثابت دستورياً من حقوق القوميات الأخرى في العراق , وهو حصة ملزمة لهذه القوميات والأقليات الدينية في مجالس المحافظات.
1/10/2008 كاظم حبيب
****************************
2-2
استطاع الائتلاف العراقي الموحد وعبر مساومات سياسية مع قوى التحالف الكُردستاني وقوى أخرى أن يدخل بعض الأفكار الإسلامية الطائفية الضيقة في الدستور الجديد , ولكن الدستور سيبقي يعتمد على من ينفذه. كما وجد ذلك تعبيره الصارخ في الممارسة في واقع البنية الطائفية والقومية الجديدة للوزارات التي أصبحت تشكل هاجساً ثقيلاً حتى على أولئك الذين مارسوا هذه السياسة الطائفية في جميع الوزارات والمؤسسات الحكومية. وهي لا تزال قائمة وضاغطة بشكل مريع على جميع فئات المجتمع وخاصة الغالبية المستقلة التي لا تمت لأي حزب من الأحزاب السياسية العراقية بصلة والتي يمكن ـأن تصل نسبتها إلى أكثر من 95 % من مجموع بالغي سن الرشد.
هذا المشروع السياسي الذي حمله المالكي معه , سواء أكان مؤمناً أم غير مؤمن به , لم ولن ينجح في العراق. اقتنع المالكي , كما يبدو ظاهرياً , بهذا الاستنتاج منذ وصوله لرئاسة الوزارة وفشل سلفه الجعفري - الذي تميز بالطائفية الدينية والسياسية حتى النخاع في التفكير والممارسة - من تكريس الطائفية السياسية رغم نجاحه المؤلم في غزو وزارتي الداخلية والأمن الوطني ...الخ بشكل خاص بالقوى الطائفية الحاقدة والدخيلة , بسبب واقعية المالكي النسبية , وبالرغم منه أحياناً كثيرة , ومن خلال تعامله المباشر مع المشكلات التي واجهت وتواجه العراق. وهو موقف من حيث المبدأ أيجابي يخدم عمله السياسي ويخدم العراق في آن إن صدقت النيات. ولكن المالكي عجز في السنة الأولى من وجوده على رأس الحكم أن يطرح مشروعاً جديداً أو يتبنى ما هو صالح للعراق لأسباب كثيرة معروفة , فوجد نفسه في المحصلة النهائية أمام خيارين لا ثالث لهما : إما الاستقالة وترك الائتلاف الحاكم يختار رئيس وزراء جديد ويلتحق بالجعفري الذي فقد كل رصيده السياسي المحدود في العراق , وإما أن يقوم بتنفيذ ما يفرضه عليه الواقع السياسي العراقي مستفيداً من تأييد التحالف الكردستاني غير المحدود له في هذه الخطوة. وكان في مقدمة تلك المسائل الشائكة , الموقف من المليشيات المسلحة , وخاصة ميليشيات جيش المهدي والتيار الصدري المتطرف فكرياً (دينياً ومذهبياً) وسياسياً وعسكرياً وثقافياً , وبعض القوى الأخرى. كان الاختيار صعباً , ولكنه أدرك إما أن يكون أو لا يكون ! فاتخذ القرار الصائب بتفليش ميليشيات جيش المهدي التي كانت ولا تزال تقاد من رجلٍ لا يعرف حتى الآن ما يريد ولا ما يراد له ممن يوجهه فكرياً وسياسياً , ولذلك نجده يتحرك بين "حانة ومانة" , بين مدينتي "نعم ولا" , فتسبب هذا التيار وجيشه أيضاً في أغراق العراق بالدم والدموع وأشلاء الموتى العراقيين والجرجى والمعوقين. ولكن دور ميليشيات جيش المهدي العدواني لم ينته بعد , إذ لا تزال إيران تريد له دوراً مقارباً لدور حزب الله في لبنان. وسيتسبب هذا الجيش ورأسه بالكثير من المآسي والكوارث للناس البسطاء والطيبين في العراق ولكل الشعب العراقي خلال الفترة القادمة , ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بلجمه ولجم جيشه في آن.
لقد نجح السيد المالكي في البصرة ومدينة الثورة ببغداد والموصل وفي ديالى , وحقق نتائج مهمة , ولكنه لم ينته منها بعد , لأن هذا التيار وجيشه يفعل اليوم كما فعلت قوى فيلق بدر حين توزعت على الحمايات الخاصة للإئتلاف العراقي الموحد ووزراء وكبار موظفي هذا الائتلاف وحمايات دوائر حكومية "تعود" لذلك الائتلاف حيث يمكن تشكيل جيش جرار منها في سويعات لا غير , وهي مالكة لمختلف أنواع الأسلحة. وهو الأمر الذي يفترض أن يراقب جيداً , لأنه من حيث المبدأ يشكل قوة مسلحة كبيرة داخل القوات الحكومية العراقية المسلحة لا تأتمر بأوامر الحكومة بل بأوامر مسؤول فيلق بدر , وهو عضو قيادي في المجلس الأعلى الإسلامي في العراق وعضو في مجلس النواب العراقي , وصديق مخلص جداً جداً لإيران بشكل خاص!
كما لم تتخذ الحكومة إجراءات أخرى مماثلة ضد بعض المليشيات السنية العربية المشكلة بصورة غير رسمية وغير المعلن عنها رسمياً والناشطة سياسياً والمستعدة دوماً والفاعلة عند الحاجة. علماً بأن الكثير من أعضاء تلك الجماعات المسلحة قد التحق بجماعات الصحوة لما في هذا الالتحاق من امتيازات مهمة ومتنوعة. إذ من المحتمل أن تصبح في فترة لاحقة مشكلة فعلية لا للحكومة وحدها , بل للدولة العراقية والمجتمع , ما لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بالحد من احتمال تطور تلك القدرة وتشكيلها قوة متفردة داخل القوات الحكومية التي يمكن أن لا تأتمر بأوامر الحكومة , بل بأوامر شيوخها.
ومع أن المالكي لم ينته من العملية الأمنية والعسكرية , بل تصاعدت هنا وهناك عمليات إرهابية تتحدى السلطة والمجتمع , فقد أعلن عن سعيه لتشكيل مجالس الصحوات في الوسط والجنوب. والسؤال المنطقي هو : لماذا يحتاج رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة إلى تشكيل مثل هذه الصحوات؟ لا يحتاج المتتبع إلى ذكاء خاص ليؤكد ما يلي من العوامل وراء هذه الرغبة الجديدة التي يدافع عنها قادة في حزب الدعوة , إضافة إلى المالكي :
لم يمتلك حزب الدعوة ميليشيات رسمية مسلحة , كما في حالتي المجلس الأعلى والتيار الصدري وقوى شيعية أخرى , وبالتالي أصبحت الآن , كما يرى حزب الدعوة , الظروف مهيئة لمثل هذا التأسيس لمنافسة ومواجهة تنامي نفوذ المجلس الإسلامي الأعلى على حساب التيار الصدري في محافظات الوسط والجنوب مثلاً. كما أن هذه الصحوات ستتسلم رواتب ومخصصات من الحكومة العراقية , وبالتالي ستدين بالولاء لمن يدفع لها مالياً ويزودها بالسلاح , وهو رئيس الوزراء. إن حزب الدعوة يتوقع قرب انفجار صراع سياسي , وربما بالسلاح , داخل الائتلاف , أي بينه وبين المجلس الإسلامي الأعلى وهو أمر متوقع بين كل المليشيات الطائفية المسلحة.
إن السيد نوري المالكي وقيادة حزب الدعوة (جناح المالكي) يع فان حجم قوات فيلق بدر وانتشارها في أجهزة الدولة العسكرية العراقية وتشكيلها قوة غير رسمية داخل القوات الحكومية المسلحة , وبالتالي يريد أن تكون له ذات القوات لمنافسة القوى الأخرى في الوسط والجنوب , خاصة وان انتخابات مجالس المحافظات لم تعد بعيدة في هاتين المنطقتين. وممارسة مثل هذا الأمر سيء حقاً من قبل رئيس وزراء عراقي يقف على رأس السلطة السياسية ويمارس مثل هذا الإجراء , في حين أن واجبه أن يمنع نشوء ميليشيات تحت أي اسم كان.
ما أنجز حتى الآن في مقاومة ومطاردة وطرد قوى الإرهاب الدموي التابعة للقاعدة يعتبر إنجازاً كبيراً , ولكنه لم ينته حتى الآن , كما يمكن أن ترفع ميليشيات المهدي رأسها من جديد وتتمرد على قائدها االمتلون والمتقلب , إضافة إلى تحرك أكبر لقوى البعث المرتبطة بعزة الدوري. كما أن هذا الإنجاز لم يتوج بمنجزات سياسية فعلية على أرض الواقع لكي تعزز المنجزات الأمنية , ولم تتحقق نجاحات في الحقل الاقتصادي أو في مكافحة الفساد المستشري في البلاد.
كان يفترض أن يشكل هذا الإنجاز الأمني المهم جزءاً من مشروع وطني مدني ديمقراطي فيدرالي حديث للعراق الجديد. ولكن ليس هناك من مشروع لدى الحكومة. فالسيد المالكي لا يملك اليوم مشروعاً من هذا القبيل وغير قادر حتى الآن على طرح مثل هذا المشروع , وربما يمكن إيراد بعض الأسباب لهذا الموقف , ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن السيد المالكي عاجز عن وضع وتنفيذ مثل هذا المشروع , بل أن قدرته على التحول والتطور موجودة إن أراد ذلك ولكن باتجاهين متعاكسين تماماً. ومع ذلك فهو ليس خياره الشخصي بل سيبقى خاضعاً لمجموعة من المستلزمات التي يمكن أن تفرض نفسها بالاتجاه الديمقراطي المنشود وتساعده على اتخاذ القرار المطلوب , أو العكس أيضاً. مع واقع وجود عوامل تدفع بالاتجاهين. علينا أن لا نهمل دور إيران في هذا المجال.
إن النجاح الأمني النسبي المهم كان ولا يزال يتطلب نجاحات في الساحة السياسية العراقية , ولكن لم يتحقق ذلك , بل نشأت تصدعات في التحالف الحكومي الراهن الذي , كما يبدو , لا يمارس عمله , بل أن رئيس الوزراء هو الذي ينفذ ما يراه مناسباً أو ما يقترحه عليه مستشاروه من نفس الإيديولوجية الدينية والطائفية السياسية. التصدع يسير باتجاهين , داخل الائتلاف الشيعي , ومع التحالف الكردستاني , إضافة إلى الشرخ القائم مع القوى الأخرى.
مع ذلك نقول إن الإنسان الواقعي يتغير بتغير الزمن والظروف التي يعيش في ظلها , وطبيعة ووجهة هذا التغير ترتبط بعوامل فاعلة كثيرة , يتمنى الباحث أن يحصل ذلك للسيد المالكي وجمهرة من العاملين معه بالاتجاه الديمقراطي وليس بالاتجاه الاستبدادي , إذ أن التحول صوب الديمقراطية سيكون لصالح العراق ولصالح مستقبل أفضل لجميع القوميات المتعايشة فيه , أما الاستبداد فيقود إلى كوارث جديدة , وهو أشد ما يخشاه الإنسان , إذ أن الإيديولوجيتين الدينية والقومية تقودان إلى الشمولية والاستبداد , وألأيديولوجيات الأخرى غير محمية طبيعياً أيضاً. وقد لنا العالم الرأسمالي والاشتراكي الكثير من الحقائق في هذا الصدد.
المشروع الوطني والديمقراطي الذي لا يمتلكه المالكي ليس مجرد إجراءات أو سياسات هنا وهناك , بل يفترض أن يكون سلة متكاملة من المشروعات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنويرية والعسكرية والبيئية , سلة من المشروعات الداخلية والعلاقات الإقليمية والدولية المستقلة عن بعضها وفي الوقت نفسه متشابكة ومتبادلة التأثير مع بعضها الآخر والمتفاعلة في ما بينها والمتسمة بالديناميكية والمرونة والقابلية على التعديل والتطوير والإغناء , والتي تشكل في المحصلة النهائية خطاً واحداً تلتقي عنده وتدفع بالبلاد نحو المنشود من التقدم , أي نحو الأهداف المركزية التي يمكن أن تتحدد في المشروع الوطني الديمقراطي العراقي. ويمكن أن يطلق على هذا المشروع الوطني الديمقراطي والمدني الحديث باستراتيجية التنمية الوطنية على المستويين المادي والبشري , وفي الجانبين الداخلي والدولي. ومثل هذا المشروع حتى في خطوطه الأولية غائب عن السياسة العراقية وعن الحكومة بشكل خاص , وهو ما أكده الكثير من المختصين والعاملين في العراق , كما ورد على لسان السيد الدكتور علي بابان , وزير التخطيط والتنمية العراقي في أكثر من تصريح صحفي له , كما يؤكده عشرات المختصين في الشئون الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ...الخ. وبالتالي يصعب على العراق أن يجد حلولاً عملية لتلك الأزمات التي يعاني منها والتي أشرنا إليها في بداية الموضوعات دون أن يمتلك مثل هذا المشروع الديمقراطي والعقلاني.
1/10/2008 كاظم حبيب
#كاظم_حبيب (هاشتاغ)
Kadhim_Habib#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟