بأي معنى نفكر تفكيرا جديدا ؟
سوف لن يفاجىء القارىء الكريم بمثل هذه " الافكار " التي كنت قد تبنّيت بعضها منذ بضع سنين ، واختلف معي من اختلف واتفق من اتفق .. وقد اصبحت بالنسبة لنا اليوم ضرورة ملحة ومسألة حياة او موت بالنسبة لمستقبل عراقنا الحبيب الذي عانى شعبه وشتى صنوف مجتمعه من الويلات والمعاناة على امتداد خمسين سنة من وجوده المعاصر .. اخاطب بهذا النداء بكل ما فيه من تساؤلات وافكار كل العراقيين وفي مقدمتهم الساسة والمثقفين ونحن ندرك كم هو حجمهم في المجتمع سواء في الداخل ام في كل الشتات . نعم ، علينا ايها العراقيون ان ندرك بأن مرحلة تاريخية جديدة تنتظر اجيال العراق القادمة ، فأما ان تندفع متراصة متلاحمة بعيدا عن اية اجندة بليدة وانقسامية وطائفية وايديولوجية نحو بناء مشروع عراقي حضاري لها في المستقبل المنظور والبعيد ، او ان تنتكس – لا سمح الله – اذا ما بقيت الاوضاع تمضي من سيىء الى أسوأ في ظل انقسامات وتشظيات ومشروعات بعيدة كل البعد عن حياة التلاحم والتكتل والتضامن والقوة الاقتصادية .
ان الحاجة باتت ماسة ومعقدة اليوم في ظل اوضاع الحالات الارهابية التي يعيشها اهل العراق تستلزم تقديم اي مقترحات وعلاجات واجراءات عملية من اجل ترسيخ قيم عليا لا يمكن لأي عراقي نكرانها مهما كانت درجة ولاءاته وانتماءاته قد اصابها الثلم والتهشيم .. فهل يدرك اولئك المثقفون والسياسيون العراقيون ادراكا واعيا ومتبادلا معنى ان تكون عراقيا في الماضي والحاضر والاتي ؟ هل يدرك هؤلاء بشتى اصنافهم وفسيفسائهم وتشكيلاتهم بأن جملة من القيم والمضامين لابد ان تكون من اولويات التفكير والوعي بدل اشاعة ما يمكن اذاعته من السذاجة او من عدم الاكتراث او اشاعته من الشتم والسباب التي الفها رواد الحرب الباردة ؟؟ او ان تكون تلك " الاولويات " بديلا عما يمكن اشاعته عراقيا وعربيا من الثنائيات واثارة ما يمكن اثارته من التناقضات من اجل ابقاء العراق في محنته يعاني الكارثة بكل معانيها المأساوية وجحيم نتائجها المريرة ؟ هل يمكن ان يبقى العراقيون يستخدمون مفاهيم وعبارات ومصطلحات قديمة وجديدة ويقررون مستقبلهم على اسسها من دون ان يدركوا ويفهموا معانيها ومراميها ؟ ان حرياتهم كفيلة بانطلاقتهم في آفاق لن يعرفها الاخرون .
التساؤلات المريرة الاخرى
وأسأل : هل يمكن لأي عراقي اليوم ان يغّيب اقرانه من العراقيين تحت اي حجج واهية اثبت الواقع اليوم انها واهية مهما كانت درجتها من القوة سواء كانت سياسية او قومية او ايديولوجية ؟؟ هل باستطاعة العراقيين ان يقولوا بعد كل هذا الجحيم التاريخي الذي عاشوه على امتداد خمسين سنة بأن الخيمة العراقية لا تتسع لكل المكونات والعناصر والتنوعات الاجتماعية والثقافية واللغوية والبيئية وفي كل رقعة جغرافية من بيئات العراق ؟ هل ما زال المتعصبون السياسيون يتمسكون باجندتهم المؤدلجة كي يدخلون في صراعات دموية ضد بعضهم البعض على حساب وطنيتهم التي لابد ان لا تباع بالغالي والنفيس ابدا ؟ هل يقبل اي عراقي شريف نظيف ان يبيع شرفه وتاريخه وسيرته للاخرين من اجل مصالح هزيلة او دنيئة .. يخسر بها مستقبله واسمه ؟ هل يمكن لأي عراقي ان يقبل على نفسه بعد اليوم كتابة تقارير حزبية ضد اخوته العراقيين مهما كان الثمن ؟ هل يمكن لأي عراقي له نخوته وضميره ان ينخرط في اية ميليشيات سياسية او حزبية او دينية ليؤذي بها العراقيين كالذي حدث عند المقاومة الشعبية او الحرس القومي او الجيش الشعبي في العهود السابقة ؟؟
هل يمكن بعد كل ذاك الذي جرى في عاصمتنا الحبيبة بغداد ومدننا العراقية الوديعة من حفلات الاعدام والقتل والتشريد والتعذيب والنفي والتهجير والاستئصال والتطهير العرقي والتجويع .. ومن كل الموبقات الدموية هل يمكن ان لا تستقر النفوس ولا تهجع الافئدة خصوصا وان ما نشهده اليوم من جرائم ارهابية من التفخيخات والتفجيرات وجحيم الحرائق التي تطال شبابنا وكل ابناء العراق .. هل يمكن بعد كل هذا الماراثون البشع ان لا يتعلم مجتمعنا معنى الحفاظ على حلم العراق في ان يغدو قبلة للعالم ؟؟ لا يمكن لأي عراقي بعد اليوم ان يفّرط بحرياته التي دفع من اجلها روحه ودمه وسنواته العطشى وهو مكبل بالاغلال ؟؟ هل يمكن لأي عراقي ان يقبل بعد اليوم ان لا يغدو الرجل المناسب في المكان المناسب بعد ان ضيّعت السنوات السابقة كل القيم والاخلاقيات واساليب تقييم الناس من اجل مصالح أنوية وقبلية وطائفية وعائلية ؟؟ هل هناك اجمل واروع من ان يعمل كل عراقي وعراقية منذ ان تحرر من قيوده ومنذ تلك الساعة التي سيبدأ فيها سيادته من اجل مصالح العراق العليا .. وان يكون العراق اولا واخيرا في حياته ؟
هل هناك أروع من بلاد لا تمييز بين مواطنيها وسكانها الا على اساس الكفاءة والعمل ؟ هل هناك افضل من مجتمع تنتفي فيه الاساليب السيئة التي زرعتها الحكومات الماضية او توارثها الناس من رواسب الماضي العقيم وانقسامات التاريخ وبقاياه المتعفنة ؟؟ هل يمكننا بعد اليوم ان نقبل صراعا عقائديا او سياسيا ايديولوجيا يذهب ضحيته الاف البشر ؟ هل يمكن للعراقيين ان يقبلوا ان ينساقوا برهبة جلاد او عصابة حاكمة نحو اتون حرب فانية لا تبقي ولا تذر ؟؟ هل يمكن لأي عراقي بعد اليوم ان يستمع رغما عن أنفه قصائد مديح تكال لأب قائد او نائبه او لقائد ضرورة ؟ او عزف اغاني بليدة تذبح بها الحناجر من اجل حزب معين ؟ او رقصات وهوسات في الشوارع من اجل عيون القيادة او رمز يمثله صنم يعبد ؟؟ هل يقبل اي عراقي شريف ان تضيع خيراته وامواله وتتبعثر من خلال حكومة فاشية او قادة لا نظافة في ايديهم او نفوسهم يحرقون الاخضر واليابس من اجل بقائهم في السلطة ؟ هل يقبل العراقيون ان يسمعوا بعد اليوم من يقول لهم من اي حاكم او قيادة عبارة " جئنا لنبقى .. " او بيت شعر دموي يقول : " وطن تشّيده الجماجم والدم .. تتهدم الدنيا ولا يتهدم " ؟؟ هل يقبل العراقيون ان تصنع لابنائهم مقابر جماعية وسجون ومعتقلات وقلاع عسكرية ؟ هل يقبل العراقيون ان تفرض عليهم الممنوعات والمحرمات والعقوبات من دون اسباب حقيقية ؟؟
هل يقبل العراقيون ان تعاد اسطوانة اصدار القوانين العشوائية والتعليمات الصارمة بالقوة من غير تشريعات دستورية ؟ هل يقبل العراقيون ان يبقوا على اوضاعهم المزرية التي تركهم العهد السابق وهم عليها من دون تحسين احوالهم من خلال اموالهم وخيرات بلادهم ؟ هل يمكن ان يكون العراقيون بلا وفاء لكل من وقف معهم في محنتهم التاريخية القاسية ؟ هل يمكنهم نسيان من الذي وقف مع مستقبلهم ومع دول اطفأت ديونهم التي كانت ولم تزل تهدد مصيرهم واجيالهم ؟ هل يعقل ان يقف ابناء العراق على استعداد لتصفية حساباتهم في ما بينهم وكأن هناك احقادا بينهم كما يدّعي ذلك اعداءهم وخصومهم ؟ هل يقبل ابناء العراق ان يحملوا احقادا وضغائن ازاء ابناء جلدتهم العراقيين .. وكأنهم ورثة قيم قبلية لا ورثة تشريعات حضارية ؟؟ واعتقد ان جيلا جديدا يدرك كم تحقق له اليوم في العالم وقد غدا العراق عضوا في منظمة التجارة العالمية بعد ان عانى من حصار اقتصادي دولي شديد !!
وماذا عليه الحال اليوم داخليا ؟
هل يرضى العراقيون بعد كل هذا الحطام الذي كان ثمنا غاليا جدا من وجودهم في التاريخ ان يقبلوا بغير اجندة حضارية عراقية نابعة من قيم هذا العراق الغالي الذي احتضن شعبا متنوعا على اشد ما يكون التنوع ليصهره في بودقته على امتداد تاريخ طويل جدا ؟ هل يمكننا ان نقبل ان يتوزع البعض من العراقيين في اكشاك او ما يشبه الدكاكين السياسية ليبيعوا للاخرين ما لديهم من بضاعة الماضي العتيق طمعا بمنصب او بوجاهة او مكانة معينة ؟؟ هل يمكن للعراق بكل ثقله وضخامة مشكلاته ومعضلاته ان تحلّها مثل تلك الدكاكين واصحابها ؟ الم يتفّق معي كل العراقيين والعراقيات بأن من اهم ما يمكن عمله اليوم هو ان يصبح كل عراقي جندي مجهول من اجل مستقبل وطنه ؟ وان اهم ما يمكن الدعوة اليه تأمين الجوانب الامنية واعادة الاستقرار الى مجتمعنا كله من شماله الى جنوبه ؟ فالورقة الامنية هي مطلب كل العراقيين من اجل كشف اي خيانات او تضليلات او اي ابتعاد عن قيم العراق العليا !
لقد سمعنا وعرفنا وادركنا كم خربّت نفوس وتبعثرت كرامات وتعّقدت اساليب وتدّنت اخلاقيات عبر سنوات ظلماء اختفت من وراء اقنعة هشة او وراء جدران سلطويات مارقة .. وحيث تبلورت اليوم صفحات جديدة في تاريخنا وتعاملاتنا .. فلابد من ايجاد علاجات حاسمة وهادئة لكل ما يسود من امراض وفساد وأساليب وتصرفات بدءا بالسرقات والسلب والنهب وانتهاء بالاختطاف والقتل ، كما لا يمكن ان يبقى العراق مفتوحا على مصراعيه بكل بواباته وحدوده الواسعة لكي يواصل كل من يهب ويدب على اراضيه وفي مدنه وقصباته وقراه وحقوله ومفازاته . لم تزل هناك سياسة مارقة لم تعتن بهذا الجانب كي تزداد الكوارث في العراق يوما بعد آخر . اننا ننادي باعلى الاصوات ان لا يتورط العراقيون في اي صراع داخلي كالذي يريد اذكاؤه من يشعل لهيب النار والاحجار في كل اصقاع العراق . وعليه ، فأنني ادعو كل اخوتي العراقيين ان يذللوا الصعاب ان كانت هناك في ما بينهم ثمة مشكلات من اجل صد هذا الاكتساح من الهجمة الارهابية التي تريد اشعال العراق واحراقه وهي تطمع بأن لا تبقي شيئا منه ولا تذر في ابشع الحوادث من سلسلة المأساة التاريخية عبر نصف قرن من الزمن !
هل من اساليب عمل خارجية ؟
ليعلم الجميع بأن الامريكيين وبقية قوى التحالف سترحل عن العراق في حال استتاب حالته الامنية وان السيادة والسلطة ستغدو بايدي العراقيين في نهاية المطاف وخصوصا وان الامم المتحدة لها شأن مبرز في ترتيب ما يمكن تأسيسه في الشهور القادمة .. ولكن ثمة مقترحات لابد من التفكير بها ، فلقد اثبتت كما كنت قد قلت وكتبت سابقا ان جامعة الدول العربية كانت ولم تزل تقف متفرجة ان لم تكن سكين في خاصرة العراق ! ولابد ان يرجع كل من يشاء الى ما قلته عن زيارة وفد تلك الجامعة الى العراق .. وما الذي توقعته من زيارته ؟ وما الذي كتبه في تقريره الساذج ؟ انادي كل من ايران والدول العربية الوقوف الى جانب العراق اليوم في محنته التاريخية ليس الا من خلال ادانة ما يحصل فيه من مشروعات قتل وتفجير ضد العراقيين ! كما لابد ان يدرك العرب ادراكا حقيقيا بأن العراق سوف لن يكون كما كان في القرن العشرين .. بيئة يعبث بها من يشاء .. وبلاد ينهبها اللصوص والحرامية .. ودولة توزع الصدقات على دول اخرى ! اذا كان العرب والايرانيون والاتراك يودّون ان يجاوروا عراقا مستقرا ومزدهرا .. عليهم بالوقوف الحقيقي الى جانب الشعب العراقي وتحقيق امنيات هذا الشعب وتطلعاته .. وكل العالم يدرك ماذا يريد العراقيون من جيرانهم اولا .. وما الذي يريدونه من العالم كله ؟ فهل ستتحقق مثل هذه المستلزمات ؟ انني اتمنى ان يتحقق كل ذلك من صميم الاعماق !