محمود الزهيري
الحوار المتمدن-العدد: 2421 - 2008 / 10 / 1 - 09:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
سيقول السفهاء من الناس إن هذا العيب ليس في الدين , وإنما العيب كامن في المنتمين لهذا الدين , وأن الخطأ ليس خطأً في الدين , وإنما الخطاً قد صدر من الملتزمين بهذا الدين .
سيقول السفهاء إن الإسلام لايقر بالجريمة , ولايقر بإرتكابها , ولايقر التعذيب , ولايقر بالقائمين عليه .
ومع ذلك سيقول أدعياء التعقل إن الإسلام دين الرحمة , ودين التسامح ودين العدل ودين العفو والصفح , ونحن نقول معهم بذلك .
ولكن الأمر المخزي أن تتعاقب فتاوي شيوخ الجهل والجهالة , وعلماء الندم والخزي والعار والندامة فيما بين مؤيد ومعارض للتعذيب لللإدلاء بأقوال واعترافات المتهمين في جرائم ينص عليها القانون , وفي ذات الوقت يُجرٍِم التعذيب , وتعتبر أحكام المحاكم أن الإعتراف الذي يكون خارجاً عن دائرة الإرادة الحرة المستنيرة , لايمكن أن يتم التعويل عليه في قضاء الإدانة ولايستوجب عليه عقوبة .
وفي ظل التداعيات الفاضحة لجرائم التعذيب والكي بالكهرباء والتكبيل وتقييد الحرية بتقييد حركة المتهم والتي ترتكبها بعض أجهزة الشرطة للحصول علي إعترافات تفصيلية من المتهمين , إلا أن هذا الدور التبادلي يبدو أنه قد صار عدوي فيروسية إنتشرت لتصل إلي رجال الدين ليقوموا بنوبات التعذيب كبديل شرعي له أسسه ومراجعه الدينية المجتزأة من الدين والتراث الديني المعبأ بجملة من الجرائم التاريخية التي تم إرتكابها وإقتراف جرائمها ليس في حق الخارجين عن نصوص الدين , ولكن في حق المخالفين في المذهب .
فكان أن قام ثلاثة من المشايخ في أحد مساجد محافظة حلوان أن عذبوا صبياً في مرحلة التعليم الإعدادي بدعوي سرقته لمبلغ أربعة آلاف جنيه من صندوق المسجد , وماكان منهم إلا أن قيدوا حركته بتكتيفه بالحبال وأوجعوه ضرباُ حتي سالت منه الدماء
وهذا مانشرته المصري اليوم في عددها الصادر 28 / 9 / 2008 إذجاء نص الخبر ليقول : انتهي إحياء ليلة القدر بحبس تلميذ الإعدادية في حجرة داخل مسجد بحلوان وتعذيبه علي يد اثنين من الشيوخ، ضرباه علي جسده بعد توثيقه بالحبال، حتي سالت منه الدماء، وصعقاه بالكهرباء في ساعديه، وذلك لشكهما في سرقته مبلغاً مالياً من المسجد. التفاصيل تحرر بها المحضر ٣٥٣٤٧ جنح حلوان، حيث قال كمال محمد متولي، طالب الصف الثالث الإعدادي، إنه يقيم ووالدته وشقيقاه وخالته علي كورنيش النيل في منطقة كفر العلو بحلوان، اعتاد الذهاب إلي جامع «النور»، المعروف بمسجد أنصار السنة، وخلال العشرة الأواخر في رمضان قرر الاعتكاف مع شقيقيه، لكن والدته طالبته بالخروج وفض الاعتكاف بعد اليوم الثالث للاهتمام بدروسه وعدم الغياب من المدرسة، فلم يستطع عصيان والدته التي تقوم بدور الأب بعد وفاته .
وفي ليلة القدر، ذهب إلي المسجد ليصلي التهجد، إلا أنه فوجئ بالشيخ أحمد علي أبوخليل يطلب منه الدخول إلي غرفة مكتوب عليها مكتبة دينية وثقافية، وهناك حضر شخص آخر يدعي حمادة الطيب، حيث ألقيا به علي الأرض وأوثقاه بالحبال وانهالا عليه بالضرب بعد أن أنكر سرقته مبلغ ٤ آلاف جنيه من صندوق المسجد، وبعد الضرب تم صعقه بالكهرباء في ساعديه وساقيه، وانضم إليهما شخص ثالث يدعي مصطفي عوض، وأضاف: «ضربني بقدمه علي وجهي وأنا موثوق وملقي علي الأرض».
ومن الممكن تصديق هذه الواقعة ففي الذهنية الطفولية المترسبة في أعماق النفس الطفولية الجريحة بالتعذيب والمنكسرة باللوم والتوبيخ منذ نعومة الأظفار والتي كان من ورائها شيخ الكُتَاب الذي كان يُحفظنا القرآن , كان يمارس معنا ألواناً من العذاب بالضرب بالزُخمَة علي أماكن متفرقة من الجسم تاركة آثاراً مؤلمة , أو الضرب علي القدمين بالفلكة , بعد جعل أجسادنا النحيلة الضعيفة لأسفل وأقدامنا الحافية لأعلي ثم يتوالي الضرب مراراً علي تلك القدمين النحيلتين , وكان هذا العنف البدني من جراء الخطأ في حرف أو تنوين أو تشكيل كلمة أو رفع ماهو مكسور , وكسر ماهو مرفوع , وفي حقيقة الأمر كانت أرواحنا هي التي تشهق من شدة الألم , وأجسادنا هي التي كانت تتكسر من شدة الوجع , وليس الرفع أو الكسر , أو الضم والتنوين .
وهذا الأسلوب التعذيبي العقابي كان يمارس في الماضي في كل كُتَاب من كَتَاتِيب القرية التي كان يقوم علي التدريس فيها ماتدارج علي تسميته بالفقي .
وكانت الأهل يأمرون الفقي الذي كنا نناديه بسيدنا , أن يزيدنا ضرباً وألماً لأجسادنا وأيدينا وأرجلنا , وإستمر هذا الأمر حتي في التعليم الأولي والإعدادي إذا كان الضرب علي الأيدي بالعصا , وعلي ظهر الأيدي بوضع قلم أو مسطرة بين الأصابع ليزداد ألم الضرب , وكذا ممارسة العنف البدني علي أماكن متفرقة من أجسادنا بالضرب , بجانب الشتائم والسباب واللعنات التي كانت تصب علينا صباً .
إن ميراث الألم الذي عاناه المصري طوال فترات زمنية كان مرجعه إلي الظلم والإستبداد والفقر فكانت ظروف التعليم في أسوأ حالاتها بخلاف أن القرية المصرية كانت مغلفة بأساطير من حكي الماضي وتراثه الذي كان يعلي من شأن من يتعلم القرآن واللغة العربية , فكان الطريق للإحترام والتبجيل مفتاحه هو التدين , وما أسهل الحصول علي هذا المفتاح ذو الهوية المجانية التي لاتكلف شيء سوي القليل من الوقت لتعبئة الذاكرة بالدين وتراثه .
ومن تراث الدين تلك الفتاوي العشوائية التي تبرر التعذيب والضرب ففيما ينقل عن مدونة التعذيب في مصر أن هناك فتوي أ.د سعود بن عبد الله الفنيسان عميد كلية الشريعة بإحدى الجامعات السعودية عن حكم إستخدامه للضرب فى عمله كمحقق بإحدى هيئات الشرطة ، وكانت الاجابة أن ذلك جائزا شرعا !!
ولم يكن هذا الرأى للفنيسان وحده، فقد أكد الشيخ الدكتور ابراهيم بن ناصر الحمود الأستاذ بالمعهد العالى للقضاء فى حديث له نشرته مجلة الدعوة أن التهمة إذا قويت فى حق المتهم ورأى القاضى أو الحاكم ضرورة فى ضربه جاز ذلك شرعا ، خاصة إذا كان الماتهم من أصحاب السوابق !!
وعلى الرغم م صدور كلا الفتويين فى المملكة السعودية إلا أن الأمر لم يعد محدوداً بجغرافيا فى ظل النشر الإليكترونى للإسلام واستقبال الفتاوى عبر الانترنت ، واذكر انى قرأت مؤخرا فى صحيفة"الدستور" الاسبوعية ان أحد الضباط بمحافظة قنا ذكر انه يمارس التعذيب بنفس مستريحة استنادا الى فتوى تبيح ذلك !
ولكنهناك من يري بعدم جواز تعذيب المجرم فضلا عن المتهم ، كذلك عدم جواز حمل الشخص على الإعتراف بجريمة لم يرتكبها ، وتجاوز ذلك الى إعتبار كل ما اضطر الانسان للاعتراف به تحت التعذيب باطلا .
إن حالة التعذيب المنشورة في صحيفة المصري اليوم تنقلنا إلي حالة إجتماعية مرعبة يمر بها المجتمع المصري الذي لم تنتهي رسالته في مواجهة التعذيب بواسطة الفاشية العسكرية الأمنية , لتزامله الفاشية الدينية التي تستند في أعمالها الإجرامية إلي جملة من النصوص والفتاوي الدينية العشوائية التي تبيح القتل والتعذيب , وما المراجعات الفقهية إلا شاهد ودليل علي تراث الدم وميراث الألم الذي عاني منه المجتمع المصري صنوف العذاب من قتل وسرقة وسلب ونهب وفق مفاهيم نظرية الإستحلال للمخالفين في الدين , بل وجواز تفعيل تطبيقاتها للمنتمين له .
وهذه من أخطر الظواهر الإجتماعية الملتبسة في الذهنية الدينية الساحبة علي المجتمع مفاهيمها وآليات تفعيلها للعنف الدموي المؤجل في حالة إصطراعية مع المجتمع الذي يمارس معه النظام الحاكم أفاعيل الظلم والفساد والإستبداد في تغييب للمنظومة الحضارية الإنسانية القائمة علي الحريات والديمقراطية وإحترام الإنسان وتقديس حقوقه وتقديس حرمة جسده وما يؤلم نفسه بأي ألم معنوي .
وإذا كانت الدولة المصرية المهترأة هي التي تدفع الرواتب لموظفي رجال الدين في مؤسسة الأزهر ووزارة الأوقاف وهي التي تختارهم وتعينهم في وظائفها بشروطها , دون إرادة من المجتمع المصري المأزوم , وهي ذاتها التي تدفع الرواتب للأجهزة الأمنية وهي التي تختارهم وتعينهم في وظائفها بشروطها هي أيضاً , وتخصم من مقدرات المجتمع المصري تلك الرواتب والبدلات والحوافز , وكأن ذلك مقابله تعذيب وإهانة المجتمع المصري في جسده وروحه , ومن ثم كان الرفض الكامل لهذه الثنائية التي أحالت المجتمع المصري إلي مجتمع الهزائم والنكبات بفعالية الفاشية الأمنية والفاشية الدينية ذات العنف المؤجل والذي تبدت بوادره .
ولكن يبقي القاسم المشترك في منظومة الفساد , وهو الصندوق الخاص بالتبرعات داخل المسجد , والذي يشابهه صناديق عديدة في مؤسسات وأجهزة الدولة المهترأة , والذي يبقي محل تساؤل .
#محمود_الزهيري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟