منذ ١٩٥٦ بدأنا نقرأ ونسمع كثيرا عن الستالينية واللينينية الستالينية والماركسية اللينينة الستالينية. ولكن كلمة الستالينية بخلاف الماركسية واللينينية كانت دائما بمفهوم سلبي. فالى ستالين تعزى كل مساوئ الدنيا. فهو جزار مصاص للدماء وهو جاهل لا يعرف قراءة خريطة جغرافية وهو دكتاتور لا يقبل راي معارض ولا يسمح بالانتقاد الخ الخ. وكلما نريد انتقاد قائد شيوعي او حزب شيوعي يكفي ان ننعته بالقائد الستاليني او بالحزب الستاليني. والكتاب الذي اقرأه الان عن فهد لا يمكن استثناؤه لانه في كل عمل لا يعجب الباحثين او لا يوافقان عليه قام به فهد يعزوانه الى ستالين والستالينية. ولكني لحد الان لم اسمع ولم اقرأ شرحا علميا كان او غير علمي لكلمة الستالينية كما هو الحال في شرح الماركسية واللينينية شرح خصائصها، مبادئها حسناتها او مساوئها. يكفي ان ننعت الشخص او الحزب بالستالينية عند مناقشة سياسة ذلك الشخص او الحزب.
هل هناك شيء اسمه ستالينية؟ واذا كان هذا الشيء موجودا فما هي صفاته؟ لا نعرف او لا يعلمنا المنظرون شيئا عن ذلك ابتداءا من خروشوف وانتهاءا بما يكتب في يومنا هذا. ثم لماذا نضطر اليوم الى انتقاد ستالين من بين كل قادة الشيوعية القدامى والجدد لكي نثبت ان اراءنا صحيحة وماركسية؟ احاول في هذا المقال ان اناقش كل هذه المسائل بصورة علمية بالشكل الذي استطيع به ان اناقشها وفقا لمستواي الفكري والنظري ووفقا لثقافتي الماركسية لاني مثل كل انسان لا استطيع مهما حاولت ان ارتفع عن مستواي الحقيقي فيما اكتبه وابحثه.
لكي استطيع الوصول الى بحث الستالينية ارى انني يجب ان ابدأ بصورة تاريخية فاناقش نشوء الماركسية ثم اللينينية. اطلق كارل ماركس على نظرياته واكتشافاته اسم الاشتراكية العلمية. وقد اختار هذا الاسم لانه استند في نظرياته على العلم ولانه اراد ان يميز نظرياته الاشتراكية عن عشرات النظريات الاشتراكية التي كانت شائعة في ايامه. فهناك الاشتراكية الطوباوية لروبرت اون وسان سيمون مثلا. واذا قرأنا كتاب الايديولوجيا الالمانية الذي كتبه ماركس وانجلز نرى وصفا ونقدا لعدد كبير من النظريات الاشتراية التي نشأت في المانيا في عصرهما. لا اود هنا التحدث عن النظريات الاشتراكية التي ظهرت في عصرنا. فالنازية الهتلرية سميت بالاشتراكية وحتى صدام نعت بالاشتراكية التي كان هو يسميها اشتراكية محمد وغيره يصفها بالاشتراكية العلمية.
وكل ما فعله انجلز هو انه اطلق على نظريات ماركس، على الاشتراكية العلمية، اسم الماركسية. وحين يكتب الماركسيون عن الماركسية يجعلون لها ثلاثة اركان، الفلسفة والاقتصاد السياسي والاشتراكية. الركن الاول، الفلسفة، هو المادية الديالكتيكية. وانجلز لا يرغب في تسمية هذا الركن بالفلسفة بل يفضل ان يطلق عليه اسم المادية الديالكتيكية. ان انجلز يعتبر ان المادية الديالكتيكية هي نهاية الفلسفة. فبينما كانت الفلسفة في مسار التاريخ غطاء للتطور العلمي فان المادية الديالكتيكية حولت الفلسفة الى علم لذا فهي نهاية الفلسفة. والاقتصاد السياسي يشمل القوانين الطبيعية التي تتحكم بحركة المجتمع الانساني في مختلف مراحل تطوره. فالاقتصاد السياسي الماركسي هو الاخر قائم على العلم ولذلك تحول الاقتصاد السياسي في الماركسية الى علم حقيقي يمكن مقارنته بالعلوم الطبيعية من حيث دقته وموثوقيته.
والركن الثالث هو الاشتراكية. والاشتراكية هي المجتمع الحتمي الذي تتجه اليه حركة المجتمع الراسمالي كما راه ماركس وانجلز وكما تحقق بعد ذلك في الاتحاد السوفييتي. ولكن هناك بعض الباحثين في الماركسية يسمون الركن الثالث من اركان الماركسية الاشتراكية العلمية بدلا من الاشتراكية. وهذه التسمية خاظئة في رايي. فالاشتراكية العلمية لها معنى كنظرية فقط، تطلق على الماركسية لتمييزها عن سائر النظريات الاشتراكية. ولكن الاشتراكية نفسها، وهي الركن الثالث من نظريات الاشتراكية العلمية او الماركسية، تعبر عن نظام اجتماعي له قوانيه الخاصة. فلا يوجد نظام اجتماعي اشتراكي علمي ونظام اجتماعي اشتراكي غير علمي. يوجد نظام اجتماعي واحد هو النظام الاشتراكي. واعتقد ان التمييز بين الماركسية والاشتراكية العلمية بدأ في عالم ما بعد ستالين حين استولى الخروشوفيون على قيادة الحزب والدولة في الاتحاد السوفييتي وحرفوا سياسة الاتحاد السوفييتي في اتجاه اعادة الراسمالية. وقد كان هذا التمييز بصورة مقصودة فجعلت الاشتراكية العلمية كانها الركن الثالث من الماركسية وليس كامل النظريات الماركسية لغرض معين. فاذا كانت الاشتراكية العلمية جزءا من الماركسية وليس كلها فبامكان شخص ما ان يعتنق هذا الجزء بدون ان يعتنق الجزأين الاخرين. ولذلك مثلا كان من الممكن ان نعتقد ان صدام حسين اعتنق الاشتراكية العلمية بدون حاجة الى اعتناق الماركسية.
ان افضل تقسيم للنظريات الماركسية، اي الاشتراكية العلمية، اركان الماركسية هو المادية الديالكتيكية والاقتصاد السياسي والاشتراكية. ان ماركس لم يطلق في حياته اسم الماركسية على نظرياته. كان انجلز هو الذي اطلق على الاشتراكية العلمية اسم الماركسية تخليدا لاسم ماركس الذي قال عنه انجلز على قبره انه اعظم راس في البشرية. ومن المعروف ان البعض اقترح على انجلز تسمية الماركسية ماركسية انجلزية ولكنه رفض. وبتواضعه المعروف قال انه حقيقة ساعد كارل ماركس في بلورة النظرية ولكن ما فعله انجلز كان بامكان ماركس ان يتوصل اليه وحده اما ما فعله ماركس فلم يكن في مقدور انجلز ان يفعله.
ولكن هل توجد من الناحية العلمية ماركسية انجلزية. لم يندمج في التاريخ شخصان في تطوير نظرية واحدة مثلما اندمج ماركس وانجلز في صياغة الاشتراكية العلمية، الماركسية. كان هذا الاندماج الى درجة من التشابك بحيث ان جامعي مؤلفات ماركس وانجلز لم يستطيعوا جمع مؤلفات كل منهما على حدة بل اضطروا الى جمعها في مجموعة واحدة هي مؤلفات ماركس انجلز. فلماذا توجد ماركسية فقط ولا توجد ماركسية انجلزية. اعتقد ان السبب العلمي لذلك هو ان الماركسية هي نظريات تتعلق بمرحلة تاريخية معينة وما اضافه انجلز الى الماركسية هو متعلق بنفس المرحلة التاريخية.
ننتقل الان الى اللينينية. في الكتاب الذي كتبه عزيز سباهي عن تاريخ الحزب السيوعي العراقي ذكر ان اللينينية هي بدعة ستالينية. والذي افهمه من كلمة بدعة هو الادعاء بوجود شيء لا وجود له بالفعل. واذا صح هذا المعنى في استخدام عزيز سباهي يكون معنى عبارته الا وجود للينينية لانها مجرد بدعة ستالينية. وقد ناقشت هذه النقطة باختصار لدى انتقادي كتاب عزيز سباهي. ولم اناقشها بصورة مفصلة لان موضوع الكتاب كان انتقاد كتاب عزيز سباهي عن الحزب الشيوعي وليس بحث موضوع اللينينية او الستالينية.
وفي الكتاب الذي نحن بصدده، في الصفحة ١٣٨ تأتي العبارة التالية: "ولم تمض سنوات قليلة على تسلم ستالين قيادة الكومنترن باعتباره قائد الحزب الشيوعي السوفييتي حتى فاجأ في عام ١٩٢٨ مكتب الكومنترن وكل الحركة الشيوعية والعمالية العالمية باستخدام مصطلح الماركسية ــ اللينينية بدلا من الماركسية، واعتبر ان اللينينية هي ماركسية عصر الامبريالية والثورة البروليتارية، نظرية عصر انهيار النظام الاستعماري وانتصار حركات التحرر الوطني، انها نظرية المرحلة الجديدة، مرحلة انتقال البشرية من الراسمالية الى الاشتراكية. وبهذا الطرح الجديد فتح ستالين الطريق على مصراعيه امام اضافة جديدة لاحقة هي الستالينية الى الماركسية اللينينية او كما اخذ به في الحركة الشيوعية: ماركس انجلز لينين ستالين باعتبارهم الاربعة العظام." اكتفي بهذا الاقتباس في الوقت الحاضر. ولنترك في الحال الحاضر الباب او الطريق مفتوحا على مصراعيه لاضافة الستالينية لان نقاشها سياتي لاحقا. ولنتحدث عن مفاجأة ستالين الاممية الشيوعية والحركة الشيوعية والعمالية العالمية بمصطلح اللينينة.
يشير الباحثان الى ان المفاجأة حصلت سنة ١٩٢٨ وهذا خطأ تاريخي بحت. فالباحثان يذكران في بحثهما كتاب ستالين اسس اللينينية باعتباره احد المراجع الرئيسية في تثقيف الاحزاب الشيوعية. ولدى الرجوع الى مؤلفات ستالين نجد في الملاحظة حول كتاب اسس اللينينية في الصفحة ٤٢٥ م المجلد السادس باللغة النجليزية ان "الاسس اللينينية" نشر في جريدة برافدا في نيسان وايار ١٩٢٤. وفي عنوان الكتاب في الصفحة ٧١ من نفس المجلد تحت عنوان اسس اللينينة توجد الملاحظة التالية: "محاضرات القيت في جامعة سفيردلوف". ويتألف الكتاب من تسع محاضرات تتناول مواضيع مختلفة من اللينينية. الجذور التاريخية للينينية، الاسلوب، النظرية، دكتاتورية البروليتاريا، المسألة الفلاحية، القضية القومية، الاستراتيجي والتكتيك، الحزب، اسلوب العمل. ليس هنا موضوع مناقشة اللينينية وانما الموضوع هو الخطأ التاريخي الذي وقع به الباحثان حين اكدا ان ستالين فاجأ العالم بمصطلح اللينينية سنة ١٩٢٨. فان ستالين وضع اسس اللينينية بعد وفاة لينين مباشرة. وكانت المحاضرات مهداة الى "التسجيل اللينيني". فقد شعر ستالين والحزب البلشفي بعظم الخسارة التي تكبدها الحزب بفقد لينين واتخذوا قرارا بجذب عدد كبير من الشباب الى الحزب لمحاولة تعويض الحزب ولو جزئيا عن هذه الخسارة. فاللينينية اذن لم تكن مفاجأة للعالم سنة ١٩٢٨ بل كانت معروفة تدرسها الشعوب السوفييتية والاحزاب الشيوعية العالمية منذ ١٩٢٤.
لا اريد هنا مناقشة موقف الباحثين من اللينينية. فواضح انهما يريان في اللينينية مصطلحا سلبيا. ما اريد مناقشته هو السؤال، هل توجد لينينية؟ وهل اللينينية حقا تمثل ماركسية المرحلة الامبريالية من الراسمالية؟
لدى تطور المجتمع تتطور معه قوانين حركته. ففي كل مرحلة من مراحل تاريخ البشرية كانت قوانين طبيعية اقتصادية تتفق وحركة المجتمع في كل مرحلة. ولدى تطور المجتمع كانت تنشأ معه قوانين جديدة او يتحول قانون شديد التاثير الى قانون اقل تاثيرا او العكس. اكتشف كارل ماركس وانجلز قوانين المرحلة الراسمالية التي عاشاها فكانت الماركسية او الاشتراكية العلمية وكان الاقتصاد السياسي الماركسي. وتقدم المجتمع الراسمالي من مرحلة المنافسة الى المرحلة الامبريالية.ورغم ان القوانين الاقتصادية عموما لم تتغير فقد ظهرت قوانين جديدة او تغير تاثير قوانين قديمة تتفق وهذا التطور الاجتماعي. وكان على شخص ما ان يكتشف هذه القوانين الجديدة او القوانين المتغيرة لكي يمكن فهم ومعرفة المرحلة الامبريالية والسير في حركة الطبقة العاملة في الظروف الجديدة نحو هدفها الاستراتيجي، الاشتراكية.
كان لينين هو الذي اكتشف هذه القوانين الجديدة او القوانين المتغيرة. وكان عمل لينين في هذا المجال ماركسية اذ انه عمل على اكتشاف القوانين المتحكمة في حركة المجتمع شأنه في ذلك شأن ماركس. ولكن القوانين الجديدة حتمت التوصل الى استنتاجات مختلفة او متعارضة مع الاستنتاجات التي توصل اليها ماركس وانجلز. فكان على لينين ان يعلن عن هذه الاستنتاجات المختلفة المتعارضة مع استنتاجات ماركس وان يشرح الظروف التي ادت الى تلك الاستنتاجات، مع التأكيد بأن اسنتاجات كارل ماركس كانت صحيحة في ظروف الراسمالية التنافسية واصبحت غير صحيحة في ظروف الراسمالية الامبريالية. لذلك كانت اكتشافات لينين واستنتاجاته ماركسية بمعنى انها درست قوانين حركة المجتمع ولكنها تختلف عن الماركسية بانها درست حركة المجتمع في مرحلة مختلفة عن المرحلة التي درسها كارل ماركس. وكان من الضروري اعطاء وصف لهذه الماركسية المتطورة فاطلق عليها اسم مكتشفها ومطبقها لينين. فاللينينية هي ماركسية المرحلة الامبريالية.
ليس هنا مجال بحث اللينينية ولكن من الممكن تعداد بعض القوانين والاستنتاجات اللينينية. كان اهم قانون اقتصادي اكتشفه لينين هو سيطرة الراسمال المالي على سائر اشكال الراسمال كالراسمال الصناعي. وهذا ادى الى تحول السياسة الاستعمارية القديمة الى سياسة استعمارية جديدة. فبينما كان الاساس الاقتصادي الراسمالي ترويج المنتجات الصناعية في البلدان المستعمرة ونهب الثروات الطبيعية لهذه البلدان، اصبح تصدير رؤوس الاموال الصفة الرئيسية للاستعمار في المرحلة الامبريالية. وكان لهذا التحول تاثيره حتى على الازمات الاقتصادية في البلدان الراسمالية. واكتشف لينين او رأى ان الراسمالية العالمية قد اكملت تقسيم العالم الى مستعمرات. واكتشف ان التطور غير المتماثل في الدول الراسمالية يجعل تقسيم العالم مخالفا لميزان القوى الامبريالية واصبح الطريق الوحيد لحصول دولة سريعة التطور بالقياس الى الدول الامبريالية الاخرى على مستعمرات جديدة تتفق ودرحة تطورها هي سلبها من دول امبريالية اخرى. واستنتج لينين من ذلك ان الحرب العالمية اصبحت حتمية في المرحلة الامبريالية. وبينما كانت الدول الراسمالية موحدة نوعا ما في صراعها ضد الطبقة العاملة ادت الخلافات بين الدول الامبريالية الى تشتت هذه الوحدة والصراع فيما بينها على اعادة تقسيم العالم فاستنتج ان نظرية ماركس في ان الثورة البروليتارية يجب ان تندلع في جميع البلدان الراسمالة او اغلبها اصبحت غير صحيحة في المرحلة الامبريالية وان ظروف الامبريالية جعلت بالامكان ان تحدث الثورة في قطر واحد وبامكان البروليتاريا الظافرة ان تبني المجتمع الاشتراكي الكامل في بلد واحد. وقد رأى لينين ان بالامكان ان تندلع الثورة في روسيا مثلا فقرر العمل في هذا الاتجاه. ومن اجل تحقيق العمل في هذا الاتجاه عين لينين القوى التي يمكن ان تتحالف مع البروليتاريا في ثورتها وحدد صفات الحزب الذي يستطيع توجيه البروليتاريا وحلفاءها في هذا الاتجاه. فكان الحزب اللينيني الذي حددت اهدافه وشروط الانتماء اليه في ١٩٠٣. هذا الاختلاف عن استنتاجات ماركس في المرحلة التي عاشها ودرسها واستنتاجات لينين في المرحلة التي عاشها ودرسها حتم التمييز بين ماركسية ماركس وماركسية لينين رغم انهما شكلان متطوران لنفس النظرية. فكانت اللينينية. فاللينينية اذن موجودة كقوانين واستنتاجات جديدة عن ماركسية ماركس سواء أطلقنا عليها اسم اللينينية أم لا. وكما ان انجلز اطلق على الاشتراكية العلمية اسم الماركسية تخليدا لاسم العالم الذي اكتشفها وصاغها كذلك قام ستالين باطلاق اسم اللينينية على نظريات واستنتاجات لينين تخليدا لمكتشفها وصائغها. فاذا اعتبر احدهم ان ستالين ابتدع او اختلق اللينينية فعليه هو ان يجد طريقة اخرى للتمييز بين النظريات التي وضعها كارل ماركس والنظريات التي وضعها لينين او ان يطلق عليها اسما اخر. فانكار اسم اللينينية لا يمحو النظريات والاستنتاجات التي اطلق عليها ستالين اسم اللينينية. فالنظريات والاستنتاجات التي وضعها لينين موجودة سواء اطلقنا عليها اسم اللينينية ام لا.
ندخل الان الطريق المفتوح على مصراعيه امام اضافة جديدة لاحقة هي الستالينية الى الماركسية اللينينية. السؤال الاول هو متى نشأ مصطلح الستالينية واضيف الى مصطلح الماركسية اللينينية؟ اذا تتبعنا الادب الماركسي قبل وفاة ستالين لا نرى ذكرا لمصطلح الستالينيية. ومن المعروف ان ستالين كان يرفض وينتقد الالقاب التي كان بعض الرفاق يصفونه بها ولم يقبل اي لقب غير لقب تلميذ لينين الذي كان يعتبره شرفا عظيما. فمصطلح الستالينية نشأ بعد وفاة ستالين. ولكن هناك فرق كبير بين نشوء مصطلح الستالينية ومصطلح الماركسية اللينينية. فقد رأينا ان انجلز كان الذي اطلق على نظريات ماركس، اي الاشتراكية العلمية، اسم الماركسية. وقد فعل انجلز ذلك لتخليد اسم ماركس. وان ستالين هو الذي اطلق على نظريات واستنتاجات لينين اسم اللينينية. وقد فعل ذلك تخليدا لاسم لينين. ولكن مصطلح الستالينية نشأ بشكل مختلف تماما. نحن نعلم ان الخروشوفيين منذ صباح وفاة ستالين تخلوا عن الماركسية واللنينية وعن ستالين وسلكوا سلوكا معاكسا لسلوك ماركس انجلز لينين ستالين. ولكنهم اخفاء لتخليهم عن علم الماركسية كله شنوا هجومهم على ستالين وحده. فلم يظهر بعد ستالين شخص يرغب في تخليد اسمه بوضع مصطلح الستالينية. انما وضع هذا المصطلح ايا كان واضعوه من اجل تحطيم شخصية ستالين وبث الكره له وتشويه سمعته واجبار العالم كله على تأييدهم في مهاجمته. وتوقفوا عن نشر مؤلفاته التي صدر منها في الاتحاد السوفييتي ١٣ مجلدا فقط واصبحت مؤلفات ستالين في الاتحاد السوفييتي مستمسكات جرمية يرسل من توجد لديه الى السجون كما كان الحال عندنا في العراق قبل ثورة تموز بل حتى صور ستالين اصبحت مستمسكات جرمية كانت شعوب الاتحاد السوفييتي تحتفظ بها سرا في البيوت خوفا من العقاب. ولم تنشر مؤلفات ستالين الباقية الا خارج الاتحاد السوفييتي جمعت من الصحف والنسخ الانجليزية التي لدي نشرت هنا في انجلترا في مطبعة تسمى النجم الاحمر.وحتى تاريخ الحزب البلشفي اصبح مستمسكا جرميا لانه اعتبر من مؤلفات ستالين. نرى من هذا ان مصطلح الستالينية نشأ بصورة تختلف بل تناقض الصورة التي نشأ فيها مصطلح اللينينية. لذلك فان مصطلح الماركسية اللينينية الستالينية، اعد من اجل الحط من مكانة الماركسية اللينينية وليس من رفع شانها.
ولكن الباحثين لا يوافقان على ان مصطلح الستالينية اضيف الى اللينينية بعد وفاة ستالين. فعند الحديث عن المؤتمر السابع للاممية الشيوعية جاءت العبارة التالية في الصفحة ١٥٤ "فقد جاء في قرارات المؤتمر السابع بشأن الوضع في الاتحاد السوفييتي فقرة تتضمن ثلاثة مؤشرات على بروز شديد لعبادة ستالين بعد البدء بالتحضير له من خلال عبادة شخص لينين، وهي * الاشارة الواضحة والصريحة الى اللينينية-الستالينية في المسألة القومية، بعد ان كان الحديث يجري منذ عام ١٩٢٨ عن اللينينية فقط وقبل ذلك عن الماركسية فقط."
لنترك الان موضوع عبادة لينين التي لم تدرج سابقا في الادب المعادي لستالين بل زعم منتقدو ستالين انهم لينينيين اكثر من ستالين. قد نتطرق لذلك في حلقة قادمة. المقصد من اقتباس هذه العبارة هو مناقشة ظهور اللينينية الستالينية حين كان ستالين ما زال حيا يقود الاتحاد السوفييتي في اوج تطوره. ليست لدي تفاصيل عن قرارات المؤتمر السابع للاممية الشيوعية لذلك لا استطيع اقتباس العبارة كما ظهرت في القرارات. ولكني احاول ان اناقش العبارة كما كتبها الباحثان. فهما يقولان ان اللينينية الستالينية ظهرت في القرارات حول القضية القومية. واكثر ظني ان القرارات اشارت الى القضية القومية على انها نظرية لينين ستالين. وهذا ليس امرا استجد في المؤتمر السابع للاممية الشيوعية.
من المعروف ان ستالين كتب اهم كتاباته عن القضية القومية قبل الثورة وان لينين نفسه اعتبر بحث ستالين للقضية القومية جزءا من الادب الاساسي للحزب الشيوعي الروسي. والحقيقة ان بحوث ستالين للقومية هي اعظم ما كتب عن القضية القومية حتى يومنا هذا. وبعد الثورة كان ستالين وزير القوميات في الحكومة السوفييتية. وفي دوره هذا اسس اعدل حل للقضية القومية عرف في تاريخ البشرية. فقد كان مجلس السوفييت الاعلى مكونا من مجلسين، مجلس السوفييتات ومجلس القوميات. وتألف مجلس القوميات من عدد متساو من ممثلي القوميات بصرف النظر عن عدد افراد القومية بحيث عوملت كل القوميات على انها متساوية في الحقوق. وفي عهد ستالين شجعت القومية الروسية المتقدمة جميع القوميات على ممارسة لغاتها وتطوير ادبها ووضعت اللغات للقوميات التي لم تكن لها لغات مكتوبة قبل ثورة اكتوبر. ولذلك نشأت دولة متعددة القوميات المتآخية لم يشهد تاريخ البشرية لها مثيلا. وقد ظهر ذلك واضحا في موقف جميع قوميات الاتحاد السوفييتي متحدة في دحر العزاة النازيين دفاعا عن وطنهم الاشتراكي المتعدد القوميات. ولم تظهر سياسة الروسنة واضطهاد القوميات واضحة الا في عهد بريجنيف المعادي للماركسية والاشتراكية والشيوعية.
فهل توجد اية غرابة في اشارة المؤتمر السابع للاممية الشيوعية الى نظرية لينين ستالين حول القضية القومية؟ لا اعتقد انه توجد اية غرابة في ذلك. ولكن كما ان نظرية ماركس انجلز لينين لا تعني النظرية الماركسية الانجلزية اللينينية، كذلك لا تعني عبارة نظرية لينين ستالين حول القضية القومية لينينية ستالينية. ولو ظهرت عبارة ستالينية في عهد ستالين لكان اول من يعترض عليها ويطلب الغاءها.
اثبت التاريخ لكل انسان يستخدم دماغه للتفكير ان هجوم خروشوف والخروشوفيين على ستالين لم يكن هجوما على ستالين بل هجوما على الماركسية والاشتراكية والشيوعية. فلماذا اذن هاجموا ستالين وحده؟ ليس هذا تكتيك جديد. فقد استعمل هذا التكتيك كل من اراد ان يدحض الماركسية او ادعى انه نجح في دحضها. فالكثير ممن حاولوا ان يدحضوا ماركس لجأوا الى الهجوم على انجلز وزعموا ان ماركس لم يتحدث عن المادية الديالكتيكية بل كان هيغليا بحتا وان انجلز ولينين هما اللذان ابتدعا المادية الديالكتيكية وعزياها الى ماركس. وحين برز لينين واصبحت نظرياته جزءا لا يتجزا من الماركسية، لجا اعداء الماركسية الى الهجوم على لينين لانه شوه ماركس وانجلز وحرف الماركسية. وبما ان اللينينية اصبحت جزءا من الماركسية يعبر عن قوانين الحركة الاجتماعية في عصر الامبريالية اصبح الهجوم على اللينينية ومحاولة دحضها دحضا للماركسية. وان ادعاءات العودة الى ماركس وترك اللينينية لم يكن سوى هجوم على الماركسية ذاتها.
والخروشوفيون ومن سار في اثرهم استخدموا نفس التكتيك في مهاجمة الماركسية والاشتراكية والشيوعية. فان فترة قيادة ستالين للحزب الشيوعي السوفييتي والدولة السوفييتية وقيادة الحركة الشيوعية العالمية تضمنت اضافات كثيرة سناتي على امثلة منها لاحقا. واصبحت هذه الاضافات جزءا لا يتجزأ من الماركسية او الماركسية اللينينية. ولذلك فان الهجوم على ستالين هو ضرب عصفورين في حجر. فمن ناحية يهاجمون الماركسية كلها بالهجوم على ستالين ومن ناحية ثانية يزعمون اخلاصهم وايمانهم بالماركسية اللينينية بدون ستالين خدعا لشعوبهم وشعوب العالم كله. ولكن النتيجة التي اصبحت تاريخا اظهرت ان الهجوم على ستالين كان هجوما على الماركسية واللينينية وعلى كل الانجازات التي انجزتها شعوب الاتحاد السوفييتي في بناء الاشتراكية.
ويقول لنا الباحثان "او كما اخذ به في الحركة الشيوعية: ماركس انجلز لينين ستالين باعتبارهم الاربعة العظام." وهنا مغالطة كبرى. فان نظرية ماركس انجلز لينين ستالين تعني النظرية الماركسية في تطورها. تعني القوانين الطبيعية التي تتحكم في سير المجتمع الراسمالي التي اكتشفها لنا ماركس وانجلز ولينين وستالين. فكما ان نظرية ماركس انجلز ليست مرادفة لمصطلح النظرية الماركسية الانجلزية كذلك لا يعني مصطلح نظرية ماركس انجلز لينين ستالين نفس معنى الماركسية اللينينية الستالينية. واكبر برهان على ذلك ان مصطلح نظرية ماركس انجلز لينين ستالين كان سائدا حين كان ستالين مايزال حيا وحين ظهر مصطلح الماركسية اللينينية الستالينية بعد وفاة ستالين حذف اسم ستالين من اسماء الاربعة العظام وحذفت صورة ستالين من صورة الاربعة العظام. في الحقيقة انه لا يوجد من الناحية العلمية اي معنى لمصطلح الستالينية بالضبط كما لا يوجد من الناحية العلمية اي معنى لمصطلح انجلزية. وكما ان عدم وجود مصطلح انجلزية لا ينفي ما اضافه انجلز الى النظرية الماركسية كذلك لا ينفي عدم وجود الستالينية الاضافات التي حققها ستالين للنظرية الماركسية. فليس ثمة مصطلح انجلزية لان ما اضافه انجلز لم يخص مرحلة تاريخية مختلفة عن المرحلة التي بحثها ماركس وليس ثمة ستالينية لان ما اضافه ستالين لم يخص مرحلة تاريخية مختلفة عن المرحلة التي بحثها لينين. فهل اضاف ستالين شيئا الى الماركسية؟
ليس هنا مجال بحث اضافات ستالين الى الماركسية بالتفصيل. ولكن اهم اضافاته هو اكتشاف القوانين الطبيعية التي نشأت بنشوء المجتمع الاشتراكي وقيادة الشعوب السوفييتية في الاتجاه الذي تحتمه هذه القوانين. ومن هذه القوانين القانون الاساسي للاشتراكية الذي حدد اهداف المجتمع الاشتراكي في بناء الاشتراكية والتقدم نحو المجتمع الشيوعي، وقانون التطور المتوازن الذي وضعت على اساسه برمجة الاقتصاد السوفييتي في برامج السنوات الخمس المعروفة قبل الحرب العالمية الثانية، وشرح القوانين المعروفة في الراسمالية مثل قانون القيمة والانتاج السلعي وغيرها من القوانين التي اتخذت شكلا اخر في النظام الاشتراكي. ووقع على عاتق ستالين تشخيص النتائح الكبرى التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية مثل قانون عدم حتمية الحرب العالمية وقانون التعايش السلمي الستاليني الذي شوهه الخروشوفيون وقانون انقسام السوق العالمية الى سوقين عالميتين الخ... ولكن كل هذه الاضافات هي اضافات ضمن اللينينية ولا تشكل ستالينية لانها تعود الى نفس المرحلة التي عالجها لينين المرحلة الامبريالية للراسمالية.
ان النظرية الماركسية اللينينية، نظرية ماركس انجلز لينين ستالين، ما زالت حية لانها تشخيص للقوانين الطبيعية التي تتحكم بسير المجتمع الراسمالي ولا قدرة للانسان على اخفائها او ازالتها او تجنبها او تغييرها لانها تعمل بالاستقلال عن ارادة الانسان. وكل ما يستطيع الانسان فعله هو دفع المجتمع في الاتجاه الحتمي الذي يسير اليه المجتمع الراسمالي.
لنأخذ العراق مثلا لانه شعبنا واقرب الينا من اي شعب اخر. ولكن الامر يصح على اي شعب اخر في العالم. العراق اليوم يتمتع بالحريات الديمقراطية التي جلبها له جيش بوش وبلير، جيش اسلحة الدمار الشامل "الشرعية" التي يستعملها لازالة اسلحة الدمار الشامل اللاشرعية، جيش الارهاب الشرعي الذي يستخدمونه ضد ما يسمونه الارهاب اي ضد كل من يتجرأ على مقاومة ارهابهم، جيش استعباد شعوب العالم كله، جيش عولمة الراسمال الاميركي. فاليوم يوجد في العراق بفضل هذه الحريات الديمقراطية مئتا حزب. ولو فرضنا ان الحكومة العراقية الديمقراطية التعددية القادمة تضم جميع هذه الاحزاب (ولنصرف النظر الان عن المثل الشعبي العراقي القائل "اذا كثرت الملاليح") فان هذه الحكومة لن تكون الا حكومة اميركية. ان ما يحتاج اليه العراق هو حزب واحد يعمل بما تتطلبه القوانين الطبيعية التي تتحكم بحركة المجتمع، النظرية الماركسية اللينينية، حزب لينيني بكل ما في المعنى من شروط، حزب يستطيع ان يقود الشعب العراقي كله في الثورة على المستعمرين واعوانهم وكل الطبقة الراسمالية العراقية، حزب يقود الشعب العراقي في الاتجاه الحتمي الذي تفرضه هذه القوانين، الاشتراكية. فبدون مثل هذا الحزب لن يكون اي معنى لشعار فهد "وطن حر وشعب سعيد" لان هذا الشعار لا يعني سوى الاشتراكية, لا يعني سوى اوسع ديمقراطية للكادحين في العراق بقيادة الطبقة العاملة وبالتحالف مع الفلاحين واقسى دكتاتورية ضد كل الطبقات المستغلة للشعب، لا يعني سوى دكتاتورية البروليتاريا. فلن يكون شعب حر بدون التحرر من الاستعمار تحررا سياسيا واقتصاديا كاملا، ولا يكون شعب سعيد مع وجود الاستغلال الراسمالي. المعنى الحقيقي لشعار فهد هو شعب حر من اي استعمار مباشر او غير مباشر وسعيد خال من استغلال الانسان للانسان، شعار فهد هو الاشتراكية، هو دكتاتورية البروليتاريا.
حسقيل قوجمان
١٦ شباط ٢٠٠٤