دياري صالح مجيد
الحوار المتمدن-العدد: 2420 - 2008 / 9 / 30 - 09:02
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كشف انهيار الاتحاد السوفيتي السابق النقاب عن واحدة من أهم مناطق إنتاج النفط والغاز الطبيعي في العالم متمثلة ببحر قزوين والدول المحيطة به وبالذات منها حديثة الاستقلال وعلى وجه الخصوص دولتي أذربيجان وكازاخستان، وقد اتفقت أغلب الدراسات الأكاديمية على ان هذه المنطقة تأتي بالمرتبة الثانية بعد الخليج العربي في مجال الإنتاج والاحتياطي وكذلك في مجال الجودة.
إلا أن استثمار الموارد النفطية هناك اصطدم بعقبة الموقع الجغرافي المغلق لبحر قزوين من جهة وبالموقع الجغرافي الحبيس لدوله الحديثة الاستقلال، لذا كان لزاماً على الدول التي تروم استثمار تلك الموارد النفطية أن تمد خطوط الأنابيب لنقله إلى البحار المجاورة لتتم بعدها عملية نقله إلى الدول المستهلكة وبالذات في أوربا.
لذا بدأت خلال فترة التسعينيات من القرن الماضي عملية تنافس دولي على تلك الأنابيب فكانت هنالك عدة مشاريع بمختلف الاتجاهات منها مشاريع مقترحة لمد الأنابيب لنقل النفط عبر الصين وأخرى عبر باكستان، إضافة إلى مشاريع أقيمت فعلاً على أرض الواقع وكان أهمها ثلاث مشاريع نفطية هي الأمريكي المعروف بمشروع باكو-تبليسي-جيهان، وهو الأهم من بينها، ومشروع روسيا ومن ثم إيران.
في ضوء العداء والتنافس الذي يحكم العلاقات الأمريكية مع هذه الدول، حاولت الإدارة الأمريكية تقديم كل الدعم الممكن لشركائها من أجل إنجاز خط الأنابيب هذا الذي يعتبر ثاني أكبر وأطول خط للأنابيب في العالم من أجل ضرب مصالح روسيا وإيران في القوقاز وعدم إعطائها الفرصة للعب دور مؤثر هناك.
يبلغ طول هذا الأنبوب 1730 كم منها 468 كم ضمن أراضي دولة أذربيجان في حين يقع 225 كم منها ضمن أراضي دولة جورجيا والمتبقي الذي يصل إلى 1037 كم يقع ضمن الأراضي التركية. وهو بذلك يمر ضمن منطقة معقدة جيولوجياً ومضطربة سياسياً، مما حدا بالولايات المتحدة الأمريكية بذل جهود حثيثة من أجل تسوية المشكلات التي تكتنف مسار هذا الأنبوب والعمل على دعم حكومات الدول التي يمر بها فضلاً عن تعزيز امنها واستقلالها قدر الإمكان عن دور المؤثرات الإيرانية والروسية.
بعد أن افتتح المشروع بشكل رسمي في مايو/آيار 2005م، أصبحت هنالك مؤشرات حقيقية تؤكد على مدى تنامي حقيقة الدور الأمريكي في تلك المنطقة، وهو ماجعل من روسيا وإيران اللتان استبعدتا من استثمار الموارد النفطية هناك، من ان تعملان على زيادة التعاون فيما بينهما لدرء حقيقة المخاطر الكامنة وراء هذا التحرك الأمريكي الذي يهدف إلى تحقيق مجموعة من المكاسب الجيوبولتيكية على حساب هاتين القوتين لعل واحداً من ضمنها يتمثل في إقصاء هذه الدول من لعبة انابيب النفط وتطويقها بقواعد عسكرية تحجم من حرية الحركة والمناورة لديها، خاصةً إذا ما علمنا بأن دول هذه المنطقة كانت دائماً تدعو إلى إيجاد نوع من التحالفات الأمنية والعسكرية التي تضمن حماية خط الأنابيب هذا.
لذا جاءت الحرب الأخيرة في اوسيتيا الجنوبية مؤشراً مهماً على ردة الفعل الروسي التي تنم عن استياء كبير تكمن وراءه عدة عوامل كان من ضمنها طبعاً تنامي النفوذ الأمريكي عبر هذا الخط الذي يعد بمثابة سلعة ستراتيجية للغرب وبالذات أمريكا. وهو الأمر الذي أدركته أمريكا بشكل واضح من خلال مجريات تلك الحرب وأحداثها.
يقول مستشار الأمن القومي الأمريكي (السابق) زبغنيو بريجنسكي في هذا الصدد في مقابلة أجريت معه ونشرت في جريدة الواشنطن بوست بتاريخ 16 سبتمبر/أيلول 2008 مايلي "ان المشكلة التي يواجهها المجتمع الدولي الآن تكمن في كيفية الرد على روسيا المشغولة بالاستخدام الصريح للقوة وبوجود مخططات إمبريالية أوسع في ذهن صنّاع قرارها، من أجل العمل على إعادة تكامل المجال السوفيتي تحت سيطرة الكرملين والعمل على قطع ممرات الغرب إلى بحر قزوين وآسيا الوسطى من خلال العمل على السيطرة على خط الأنابيب باكو-جيهان الذي يمر عبر جورجيا".
في حين أكد مقال نشر في صحيفة الديلي تلجراف على العلاقة مابين الحرب وخطوط أنابيب نقل النفط بالقول "إن هناك تقارير متزايدة تؤكد أن القوات الروسية تدمر بشكل منتظم خطوط نقل البترول، وانه كان واضحاً منذ البداية ان النفط والغاز في وسط هذا الصراع".
في ضوء تلك المعطيات أعلنت شركة بريتش بتروليوم البريطانية، التي تملك 17% من حصص الشركات المساهمة في مايعرف بصفقة القرن (الخاصة بإنشاء خط الأنابيب باكو-جيهان) ومجموعة الشركات الأمريكية التي تمثل بمجملها أعلى نسبة من بين أسهم الشركات المساهمة في هذا الأنبوب والتي تصل نسبتها مجتمعة إلى 40%، إلى انها اغلقت خط الأنابيب الذي ينطلق من أذربيجان ويمر عبر جورجيا ويصل إلى تركيا، كما أكدت ذلك BBC.
جاءت تلك التطورات في وقت حذرت فيه وكالة الطاقة الدولية من أن النزاع في أوسيتيا الجنوبية يهدد تجهيز النفط والغاز عبر الأنابيب التي تمربالأراضي الجورجية.
لم تكن الحرب في أوسيتيا الجنوبية أو ماعرف بحرب القوقاز في حقيقتها تقتصر على تحقيق الروس لنصر عسكري ذي بعد ميداني وإنما تضمن أيضاً تحقيق نصر اقتصادي عبر إلحاق الضرر بالأنابيب التي تنقل الثروات من بحر قزوين إلى الغرب، وهو ماأدى إلى أضرار اقتصادية بالغة لحقت بدول أذربيجان، جورجيا وتركيا، إلى الحد الذي وصل معه الأمر إلى تأكيد البعض على أن الأضرار التي لحقت بالأنابيب ساهمت ولو بشكل مؤقت في ارتفاع أسعار النفط في أسواق الطاقة العالمية، الأمر الذي ترك آثاراً سلبية ولو بسيطة على اقتصاديات الغرب.
وهو مايدل على نجاح روسيا في إيصال أكثر من رسالة للأمريكان لعل أبسطها يقول "إننا لازلنا هنا في القوقاز ولازلنا قادرين على إدارة اللعبة الجيوبولتيكية هناك بنجاح".
إذا مااستمرت الصراعات في جورجيا سواء أكان ذلك الصراع خاص بإقليم أبخازيا أو أوسيتيا الجنوبية، فإن ذلك سيزعزع الأمن والاستقرار فيها، وهو ماسيحول بالنتيجة دون مقدرة البلاد بالبقاء كدولة مرور مهمة ونقطة ارتكاز جغرافية محورية في مجال نقل الطاقة، الأمر الذي سيضر بمصالح الغرب.
لذا نتوقع أن تحاول روسيا العمل على زعزعة وتقويض فرصة الأمن في جورجيا كلما سنحت لها فرصة تحقيق ذلك، وهو ما لايمكن أن يمر دون رد فعل غربي سيقوم أساسه على محاولة دعم وتعزيز أركان الأمن الجورجي من خلال دعم لوجستي وسياسي متعدد الأشكال، لتكون بذلك القوقاز وبالذات جورجيا موطناً خصباً لتجاذبات القوى. فهل ستستمر أمريكا بعد تلك المعطيات والمؤشرات التي أفرزتها حرب القوقاز في إقصاء روسيا وإيران من عملية استثمار النفط في بحر قزوين والحيلولة دون مروره في أراضيها، أم ان المستقبل سيشهد إعادة رسم خارطة مسارات أنابيب نقل النفط هناك؟.
#دياري_صالح_مجيد (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟