أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة















المزيد.....

الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2419 - 2008 / 9 / 29 - 09:50
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


تتوزع تنويعات سلوك وتفكير المثقفين والناشطين العامين في سورية حيال الشأن الطائفي على تشكيلين عريضين، واحد إباحي وآخر متعفف.
يتناول أهل الإباحة المشكلات الطائفي دون أية احتياطات فكرية أو سياسية أو أخلاقية. يميلون عموما إلى اعتبار الجماعات الدينية والمذهبية طوائف من تلقاء ذاتها، معطيات طبيعية يمكن التقاطها بالأصابع من "الواقع" الخام، وإلى اشتقاق الطائفية من "الطوائف" الطبيعية هذه. كيف يمكن تجاوز الطائفية؟ وكيف نفسر صعودها وهبطها عبر الزمن؟ وقبل ذلك، كيف نطور معرفتنا بها؟ لن نجد إجابات على أسئلة كهذه عند الإباحيين الذين يجمعهم أيضا الاعتقاد بأن المشكلة واضحة لا إشكال فيها، وأن الطائفيين هو "الآخرون". وسينشغل الإباحيون تاليا بالفضح والتحريض أكثر من المعرفة، وأكثر من تطوير خطط عملية لتطويق المشكل الطائفي والتغلب عليه (نفضل كلمة مشكل مضمنين إياها ما يحيل على مدركي مشكلة وإشكالية، أي مزيجا من عسر واقعي وعسر نظري، نفترض أن الطائفية تعرضهما معا).
أهل العفة بالمقابل ينفرون من الكلام على الطائفية، يفضلون إسدال ستار من الصمت عليها. وينعون على غيرهم الانشغال بها. قلما يمضون إلى حد القول إن الطائفية غير موجودة، لكنهم يتصرفون كما لو أن أجود قول في شأن هذا الموجود هو القول غير الموجود. غير أن الطائفية ظاهرة ثرثارة، لا تكف عن الكلام، وإن من وراء حجاب، وإن كانت لا تصرح باسمها أبدا. الصمت حيالها لا يجدي.
ويشارك المتعففون الإباحيون افتراض أن الطائفية تنبع من الطوائف التي هي نباتات طبيعية. هذا هو موقف "الحس المشترك" الذي لا سبيل إلى تجاوزه دون شغل على الظاهرة.
لكن يشترك الطرفان فيما هو أهم: يمتنع كلاهما عن تطوير أدوات فكرية وسياسية لمقاربة ناجعة للظاهرة. الإباحيون لأنهم يصدرون عن افتراض بداهتها، فيكتفون بالأيدي العارية واللسان العاري عند تناولها، والمتعففون لأنه لا يعنيهم تطوير أدوات للإحاطة بما يجتهدون لإغماض العين عنه. في المحصلة نبقى عزلا حيال مشكل يشعر أكثرنا بأنه يزداد حضورا وتعقيدا. وحين نضطر إلى مبارحة موقف العفة الكاذبة إزاءه، لا نجد بحوزتنا غير الكلام الإباحي. نبقي مفتقرين إلى التمرس بالمشكل والخبرة المتقدمة به. شيء شبيه بموقفنا من المشكل الجنسي: ينوس بين كبت ينتحل لنفسه قناع العفة، وبين إباحة تنسب نفسها إلى التحرر. ولعل الأصل في نجوع مدركات مثل الإباحة والعفة لوصف توزع المواقف حول الطائفية يصدر عن أن ما يكتنفها من كبت يضعها في شراكة مع السلوك الجنسي.
وليس توزيع المواقف بين أهل عفة وأهل إباحة اعتباطيا أو مبتوت الصلة بالمشكل ذاته. نميل عموما إلى افتراض أن "مستفيدين" بصورة ما من الأوضاع العامة التي تندرج الطائفية بين آليات إعادة إنتاجها هم من يفضلون التكتم عليها، وأن "متضررين" من تلك الأوضاع هم قد يجنحون إلى مواقف الهتك والإباحة. غير أن الأنسب أن نتكلم بلغة ديناميكية، تفكر في تفاوت عتبات التماهي. فمن يلقون صعوبة أكبر في التماهي بالأوضاع الحالية تجدهم منجذبين إلى الإباحية التي تقترن بإرادة تغيير تلك الأوضاع، فيما ينحاز إلى التعفف والمحافظة من تنخفض عتبة تماهيهم بالأوضاع ذاتها.
وأيا يكن الشرح، فإننا نخلص منه إلى القول إن الإباحة والعفة موقفان جزئيان، إيديولوجيان، متورطان في مصالح ومواقع خاصة، لا تؤهل بحال لتحليل مقنع الظاهرة ولا لتطوير سياسات عامة تحاصرها. يشهد على ذلك في رأينا أن المتعفف يتحول بسهولة إلى إباحي في مجاله الخاص وحيال من يفترض أنهم خصومه. وأن الإباحي يظهر تعففا لافتا حيال جماعته، لا يكاد يعيب عليها شيئا.
قد يبدو هذا الحكم على السلوك النظري والعملي للنخب السورية قاسيا، إلا أن الواقع أسوأ بكثير.
لقد أضحت الطائفية وباء عاما إلى حد أن تطوير مفاهيم ومقاربات متسقة لتحليلها بات في رأينا مقدمة منهجية ضرورية لكل شغل عام، ثقافي وسياسي. دون مقدمة كهذه نجازف بأن يبقى كل ما نقول ساذجا، بدائيا، منجذبا إلى أوضاعنا الخاصة وولاءاتنا الأولية. طائفيا. ومثل هذا كثير إن نظرنا حولنا بقدر بسيط من التدقيق. وأكثر ما يفسد النقاش حول الأصولية والإسلامية المعاصرة، على سبيل المثال، هو اختلاطه الكثيف بنوازع متصلة بالطائفية. ولعله لذلك قلما نجد دراسات سورية قيمة حول الموضوع.
وبالمناسبة، إن أهل العفة حيال الطائفية إباحيون عموما حيال "الأصولية"؛ بالمقابل إباحيو الطائفية، الإسلاميون منهم بخاصة، أهل عفاف مطلق حيال التعصب الديني والأصولية. وبينما يفضل الشركاء في هذه اللعبة الفاسدة استمرار التواطؤ فيما بينهم على الغش من أجل أن تستمر اللعبة، قلما تسمع أصوات نقدية ومستقلة تكشف فساد اللعبة واللاعبين. يتجه التفضيل العام إما إلى الإمعان في التمويه، أو إلى مقاربات شكلية وبرانية للمشكل لا تتيح استيعابه وضبطه.
لكن مقاربات مثمرة للمشكل الطائفي لا يمكن أن تبنى إلا عبر مواجهته ووصفه والشغل عليه.
وأول ما يؤمل من الانكباب عليه أن يتيح تطوير الأدوات الفكرية المناسبة لفهمه واقتراح الإجراءات العملية لضبطه وتقييده، أدوات لا يوفرها الإباحيون والمتعففون.
وما يؤمل ثانيا هو أن نتمكن من بناء "خارج" أخلاقي وفكري وسياسي، يسعنا الانطلاق منه لتناول الطائفية بقدر أكبر من الانضباط والتجرد. أعني خارج الطائفية بالطبع، فمن داخلها لا يمكن لأي تناول لها إلا أن يكون طائفيا. وما يمكن أن يكون الخارج هذا غير القيم الإنسانية العامة من مساواة وحرية وعدالة واحترام متبادل..، وغير معرفة تزداد تركيبا، لا تكف عن تطوير تمرسها بما يتيحه التاريخ وعلوم الاجتماع والسياسة من مفاهيم ومناهج، وغير تصور وطنية ديمقراطية مؤسسة على المساواة بين المواطنين وعلى قطيعة حازمة مع كل ممارسة تمييزية؟
وما يؤمل ثالثا هو بناء حركات اجتماعية تعرف نفسها بمقاومة الطائفية. هذا ممتنع في ظل مناخ الإنكار المفروض على واقعات الطائفية.
الطائفية داء اجتماعي خطير، لا يحتاج إلى علاج جراحي أو استئصالي، خلافا لما قد يفضل الإباحيون. غير أن الداء، خلافا لما يفضل أهل العفة إيهام أنفسهم، قائم ومستفحل، وحاجته للعلاج أكيدة. أما المراوحة بين اشمئزاز تثيره في النفس الإباحية ونفاق ينبعث من التعفف فيترك الداء وحده معافى.




#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من الشعبوية والنخبوية إلى استقلال السياسة والمعرفة
- الليبرالية الجديدة والبرجوازية الجديدة في سورية
- -مرشد الأمة- وتأسيس الطغيان
- -السنة والإصلاح- لعبد الله العروي: من التسنين إلى التاريخ!
- من هم الأشرار... وكيف التخلص منهم؟
- -إعلان دمشق- وأزمة المعارضة السورية
- -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير
- كأنها حرب أهلية...
- في شأن مسألة الحاكمية
- في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...


المزيد.....




- قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين ...
- 144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
- المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة ...
- ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم ...
- عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي ...
- المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي ...
- ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات ...
- الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - ياسين الحاج صالح - الطائفية بين أهل الإباحة وأهل العفة