|
مستقبل المستوطنات في ظل تصور اتفاق فلسطيني- إسرائيلي-
عماد صلاح الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2419 - 2008 / 9 / 29 - 09:28
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
أولا، وقبل كل شيء، يستبعد كاتب هذه السطور - كتحفظ مسبق على عنوان هذه الدراسة- التوصل إلى اتفاق نهائي بين السلطة الفلسطينية المفاوضة في رام الله، ودولة الاحتلال "الإسرائيلي"؛ اتفاق بمعنى تحديد حل نهائي أخير للعناصر والمواضيع الأساسية للصراع "الفلسطيني- الإسرائيلي"، التي ُتسمى في عرف دبلوماسية الحل السياسي فلسطينيا و"إسرائيليا"، بقضايا ومفاوضات الحل النهائي. ومن جملتها، اللاجئون الفلسطينيون، القدس، الحدود، المياه، المستوطنات، وغيرها.
وان كان هناك اتفاق بين الجانبين، الفلسطيني الرسمي و"الإسرائيلي"، فالأمر ينصرف بصيغة ما وصفتُ في مقدمة هذه المادة البحثية المقتضبة، إلى اتفاق مرحلي، أو اتفاق مبادئ أو خطوط عامة، تكون فيه انسحابات وإخلاء بعض مواقع ونقط استيطانية من الضفة الغربية المحتلة، دون أن يكون ذلك شاملا بحال من الأحوال أية حالة استيطانية صغيرة أو كبيرة في منطقة القدس المحتلة بما فيها الجانب الشرقي منها، حيث أن سياسة "إسرائيل" تقوم على تهويدها بالكامل عبر عزلها بطوق استيطاني عن محيطها في الأراضي المحتلة الأخرى من الضفة الغربية، باعتبار أن " القدس الموحدة الكبرى" عاصمة لدولتهم كما يدعون،
هذا الاتفاق وفق ما تقدم، سيكون معه شرط "إسرائيل باستمرار العمل وفقا للترتيب الأمني المعروف بين الطرفين، وبالطبع ستكون المواضيع الأساسية الشائكة في المفاوضات، مرة أخرى في ذمة التأجيل "الإسرائيلي" والانتظار الفلسطيني الرسمي مستقبلا. وما سبق، تؤكده الطروح الأمريكية و"الإسرائيلية" في الحديث عن اتفاق إطار أو اتفاق رف، ليس فيه حسم للنزاع ولا تفاصيل بشأن إنهائه تطبيقا وتنفيذا.
أما لماذا، لا يمكن التوصل إلى اتفاق نهائي حازم وحاسم، في فض مسألة الصراع الفلسطيني – "الإسرائيلي"، حتى في ظل اعتماد مرجعية وعناصر للحل تتفق أو على الأقل تتسق ورؤية الحل "الإسرائيلية" الإستراتيجية، فهذا مرده برأي إلى نقطتين أساسيتين، وهما:
أولا: أن المفاوض الفلسطيني لا يستطيع أن يقدم للفلسطينيين اتفاقا للحل أو السلام وبصفة نهائية، دون أن تكون مضامين هذا الاتفاق تشمل ذلك الحد، الذي يعتبره الفلسطينيون حدا أدنى، وخطا احمرا، لا يمكن تجاوزه بأي حال من الأحوال.
وهذا الحد يشمل فيما يشمل تحديدا قاطعا ووضوحا لا لبس فيه؛ الانسحاب من جميع الأراضي المحتلة عام 67، انسحابا نظيفا من كل بقعة أو بؤرة أو تكتل استيطاني كبر أو صغر. وهذا يشمل بواقع الحال المستوطنات والمواقع السكنية المدينية والعسكرية.
والعنصر الثاني من هذا الحد الأدنى، هو ضمان أولا، اعتراف "إسرائيل" بجريمة نكبة أو تطهير وجود الفلسطينيين عام 1948، وثانيا ضمان حقهم بالعودة و- أو التعويض الشامل على الأقل بمرجعية القرار الدولي الشهير القاضي بعودتهم، صاحب الرقم 194، لسنة 1948، الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وإذا كان الراحل عرفات، بكل قوته وحضوره الكاريزماتي وطنيا وشعبيا وتاريخيا، وبتوفر ظروف في حينها ساعدت على العمل في تهشيم و تهميش المعارضة ( حماس والجهاد المعارض لمشروع اوسلو ) خلال طول العقد الأخير من القرن العشرين الماضي، في ظل التجريب الأول لمشروع التسوية بمدريد واوسلو، لم يستطع أو حتى لنقل لم يجرؤ على تقديم تنازلات في بند طبيعة وماهية الدولة الفلسطينية المستقلة المأمولة، وان كان هناك قبول فلسطيني رسمي بحل ما متفق فيه مع "إسرائيل" لقضية اللاجئين الفلسطينيين.
ذلك كان موقفا بارزا من عرفات في مفاوضات كامب ديفيد الثانية عام 2000، والذي انتهى إلى انتهاء المفاوضات وقتها، ومن ثم بسبب الرفض للتصور النهائي للحل الذي ُيراد فرضه أمريكيا و"إسرائيليا"، تم إنهاء حياة الرئيس الفلسطيني السابق بيولوجيا وسياسيا فعليا وحقيقيا، بالحصار ومن ثم التسميم.
كيف إذا، سيكون الحال مع القيادة الفلسطينية المفاوضة بعد رحيل عرفات، والتي لا تتمتع بالشخصية الوطنية المُميزة للراحل عرفات ولا بمستوى الشرعية الشعبية والتاريخية التي كانت له قبل وفاته، خصوصا بعد تأكد عقم و فشل المفاوضات، وفوز حركة المقاومة الإسلامية حماس الكاسح في انتخابات يناير كانون الثاني 2006، ومن ثم حالة الانقسام وعدم الاتفاق وطنيا، ووجود سلطتين وكيانين متخالفين، احدهما في قطاع غزة المحاصر، والآخر في الضفة الغربية المحتلة.
ثانيا: تغير موازين القوى على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالحالة الإقليمية والدولية لم تعد هي الحالة نفسها التي كانت سائدة عقب انهيار الاتحاد السوفيتي وتفككه عام 1990، وحتى فترة قريبة من سقوط بغداد عام 2003 على يد القوات الأمريكية الغازية وحلفائها.
ففشل أمريكا في مشروعها للشرق الأوسط الجديد أو الكبير المنطلق أولا في العراق بسبب المقاومة العنيفة هناك، ثم عودة طالبان للحراك المقاوم الفعال، إلى حد السيطرة شبه الكاملة لها على أفغانستان، هزيمة "إسرائيل" أمام حزب الله في حرب تموز 2006، صمود المقاومة الفلسطينية وحركة حماس في قطاع غزة، بفشل كل محاولات الاجتياح الجزئي والشامل له، بهدف القضاء على بنية المقاومة هناك. والمهم أيضا فيما استجد دوليا، في ذلك الحراك الروسي البائن في المسألة الجورجية مؤخرا، والذي اثبت، أن هناك قوى كروسيا، باتت صاعدة في الحراك والتأثير الدوليين، وان ميزان القوى يتجه نحو حالة طبيعية في التعدد والتوازن، بحضور قوى أخرى دولية وإقليمية كالصين والهند وتجمع دول أمريكا الجنوبية، وإيران وتحالفاتها في المنطقة العربية الإسلامية.
كل هذا أعطى وعيا كاويا وقويا في آن، ودافعا يريد التوثب والاندفاع ممارسة بأمل تحقق الأمل، لدى الأطراف المقاومة والممانعة في المنطقة للمشروع الأمريكي "الإسرائيلي"، بانتصار مشروعها الهادف إلى التحرير والاستقلال والوحدة الجامعة في سياق بعدي الرابطة العقدية والحاضنة القومية، كل هذا مرة أخرى، يقع متجليا بصورة أو بأخرى، قبالة مقاربة تمخض الفشل الخالص لنهج ما يسمى بدبلوماسية المفاوضات مع قوى الاحتلال، خصوصا هذا الذي في فلسطين مع الاحتلال "الإسرائيلي"، وما يسمى أيضا الامتثال للبراغماتية الُمسلمة بالأمر الواقع.
لهذا يظن المراقب السياسي وحتى المتابع العادي لمجمل الأحداث والواقعات والحراك التفاعلي بينهما، على مستوى المنطقة، أن اتفاقا فلسطينيا – "إسرائيليا"، حتى لو كان على مستوى تعداد مبادئ عامة في إطار اتفاق رف أو إطار أو غيرها من الأسماء المبتكرة تفاوضيا، وفي صيغة الإشارة المنبهة تأكيدا على استمرار متابعة المفاوضات، فانه لن يجد التنفيذ بمرجعية الاتفاق نفسه، وإنما بمرجعية أخرى قد تكون هي قوة الحراك المقاوم الكلي في المنطقة، وبغض النظر عن مساحة التراجع في المشروع الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 67 تحديدا الضفة الغربية المحتلة، وكذا عموم الأراضي العربية المحتلة في العام المذكور نفسه .
وهو بالمناسبة – هذا الاتفاق الإطاري أو الرفي – ما تروج له أصلا أمريكا و"إسرائيل" وحلفاؤها "الاعتداليون"؛ رسميون فلسطينيون وعرب، والذي توقع كتاب وباحثون سياسيون انه سيجد صدى ترويجه وتسويقه السياسي والإعلامي من هاتيك الأطراف السالفة الذكر واقعا حاضرا في اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، وبحضور الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن في افتتاح الدورة الجديدة للجمعية العامة للأمم المتحدة الأخيرة المنعقدة منذ أيام. لكن شيئا من قبيل ولو الإشارة أو التلميح بشأن اتفاق رف أو اتفاق مبادىء على لسان الرئيس الأمريكي بوش الابن امام الجمعية العامة، أو على لسان رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس (في خطابه الأخير هو الآخر أمام الجمعية العامة بتاريخ 26- 9- 2008) لم يحصل حتى هذه اللحظة.
لكن كل ما لحظه المراقب، هو امتداح رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس للقاء انابوليس، الذي أقامته الولايات المتحدة الأمريكية بدعم دولي في الخريف الماضي، في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة مساء الجمعة 26- 9-2008. وكانت لغة المديح متقدمة جدا في مدحه رغم الإجماع الحاصل بفشله. وقد ذهب الرئيس عباس إلى القول " اجزم هنا بان تاريخ الصراع في منطقتنا لم يشهد حشدا دوليا مثل الحشد الذي التقى في مؤتمر أنابوليس، ولم يعرف إجماعا تاما مثل الذي عرفناه في ذلك المؤتمر، ليس فقط من اجل المطالبة الحثيثة بالعمل على تسريع المفاوضات، وإنجاز اتفاق سلام نهائي؛ وإنما بالدعوة الصريحة إلى ضرورة إزالة كل العراقيل التي تعترض سبيل العملية التفاوضية وتثير الشكوك حول جدواها وقدرتها على حل كل جوانب الصراع ومواضيعه " على حد تعبيره.
ربما ُيفهم من هذا المدح الاستثنائي للقاء ولد ميتا وتمخض عن تسارع كارثة بناء وتوسيع المستوطنات بشكل كبير جدا فاق السنوات السابقة منذ عام 2000، وبنسبة تضاعفية تصل 9 مرات بعد انتهاء لقاء انابوليس، وخلال هذا العام الجاري، ربما ُيفهم منه محاولة تعويض إدارة الرئيس بوش عن تسجيل الإنجاز باتفاق الرف أو المبادىء الذي كانت تريده عبر تقديم الرئيس بوش له في اجتماع الجمعية العامة الأخير، بإنجاز مديح الرئيس عباس الفائق للقاء انابوليس، كتغطية على فشل أطرافه الذريع الواضح. رغم إقرار الرئيس عباس بتصاعد الجهود الاستيطانية لشريكه التفاوضي في الضفة الغربية والقدس المحتلة.
على أية حال، فان أي اتفاق بالتوصيف السابق و في إطار تطبيقه الجزئي بالانسحاب وبالترتيب الأمني الفلسطيني – "الإسرائيلي"، سيلقى الفشل الذريع والمخيب لأمال أطراف تحالف صياغة سلام بمقاييس القوة والخنوع في آن، في حال نشوب أية مواجهة على اقل توقع بين "إسرائيل" وحزب الله مستقبلا.
فالحرب القادمة مع "إسرائيل"، معناها، أن هناك، انتصارا متحركا لحزب الله، وربما لحماس وأطراف أخرى في محور المقاومة والممانعة، واقصد هنا على وجه التحديد انتصارا ربما يؤدي إلى تحرير مزارع شبعا اللبنانية، بل وربما أيضا دخول وسيطرة حزب الله على أجزاء ومستوطنات "إسرائيلية" في شمال فلسطين المحتلة، وحماس لا يستعبد الكاتب في سياق استشرافه الرؤيوي والاستراتيجي دخولها وتحريرها في معمعان اشتداد وتوسع وتعدد الجبهات في المعركة لمستوطنات في جنوب دولة الاحتلال "الإسرائيلي" من جهة النقب والمناطق المحاذية لقطاع غزة. ولا أريد أن أتحدث عما سيجري للجولان السوري المحتل، في حال الافتراض نفسه بتوسع نطاق وامتداد المعركة إلى حرب إقليمية شاملة، تكون فيها إيران وسوريا طرفا .
وفي كل الأحوال، الموصوفة آنفا، فإنني لا استبعد حالة التعجيل بسقوط السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، بعد اتضاح جوهر وحقيقة مقاربتي الحل المعتمدتين، مقاربة المقاومة، ومقاربة المفاوضات.
وسيكون ما سبق واضعا حدا ربما أخيرا ونهائيا، لأي اتفاق جزئي بترتيب امني محتمل بين السلطة الفلسطينية في رام الله "وإسرائيل"، وسيكون على الأغلب فاعل الربط التفاعلي الديناميكي بين الأحداث الإقليمية المتوقعة وتأثيرها الكلي على وجود السلطة في الضفة الغربية المحتلة هو الشعب الفلسطيني الذي ازداد وسيزداد وعيه بفشل وعبثية المفاوضات، وبمعرفة حالة المتاجرة بالقضية الفلسطينية من قبل بعض مدعي الوطنية، أمام المنجز الطبيعي والتاريخي لنهج المقاومة والقوة الكفاحية في مواجهة الاحتلال.
إن نظرة سريعة موجزة وشاملة لطبيعة وفلسفة المشروع الصهيوني، وهو السيطرة بصورة قصوى على اكبر قدر ممكن من ارض فلسطين التاريخية. هذا الأمر موجود ومؤكد في أدبيات الصهاينة الأولى؛ عند هرتزل، وبن-غوريون لاحقا / ومن خلال المراس والتطبيق الاحتلالي والاحلالي لأكثر من قرن من الزمن، حين بدأت الفكرة الصهيونية ومشروعها.
وككيان احتلالي وإحلالي غريب وشاذ و معاد، في بحر المنطقة العربية والإسلامية، فانه - على اقل- لا يمكن أن يجود ويسمح بوجود كيان فلسطيني ملاصق تلمح منه بصورة بنيوية وهيكلية جغرافية دولة مستقلة، كما يطالب بها الفلسطينيون على جميع الأراضي المحتلة عام 67، وتحديدا في الضفة الغربية والقدس بجزئها الشرقي، لان "إسرائيل" تعتبر السيطرة على القدس المحتلة التي تسميها " القدس الموحدة الكبرى "(1) وعلى أجزاء كبيرة ومهمة من الضفة الغربية، مجالا حيويا واستراتيجيا للدفاع عن كيانها الأساس المحتلة أراضيه على يد هذا الكيان نفسه منذ عام 1948.
ولهذا فان المتتبع لمسيرة الاستيطان في الأراضي المحتلة بما فيها القدس المحتلة، يجده قد سار وعلى وجه الخصوص منذ عام 1972- نهاية 2007، بوتيرة مرتفعة جدا، تصل إلى 39 مرة بالنسبة لأعداد المستوطنين(2).
وهذا الاستيطان في الهياكل والديمغرافيا اليهودية، كان يشتد ولا يزال كثيرا في خضم الدخول في مشاريع التسوية مع الفلسطينيين، سواء منذ اوسلو حتى نهاية 2000، التي ازداد فيه الاستيطان والمستوطنين حد الضعف(3)، أو في لحظة الانتظار مارسها المفاوض الفلسطيني منذ عام 2000 إلى عام 2007 (4)، والتي استمر فيها مشروع الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية والقدس المحتلة حيث يوجد في الأخيرة) اليوم أكثر من 26 مستوطنة(منها 16 مستعمرة تم ضمها مع قرار الضم الجائر لمدينة القدس منذ احتلالها الكامل عام 1967 )، بعض المستوطنات من الفئة الأولى ( اقصد مساحتها تزيد عن 1500 دونم ) تعتبر اليوم مدن كبيرة كمعاليه ادوميم التي اقترح رئيس بلديتها إقامة مطار للطائرات المدنية فيها قبل أيام قليلة من كتابة هذه الدراسة. هذا بالإضافة إلى تجمعات استيطانية أخرى من نفس الدرجة في الجزء الشرقي نفسه من القدس المحتلة كمستوطنات " هار حوما" جبل أبو غنيم وجيلو وعوفر.
بل إن محاولة تقييم لمشوار الاستيطان" الإسرائيلي" بعد لقاء انابوليس بولاية ميريلاند الأمريكية لبضعة شهور فقط مع نهاية نوفمبر تشرين الثاني 2007، نجد أن آلاف الوحدات السكنية الاستيطانية في الضفة الغربية وتحديدا في القدس المحتلة - الجانب الشرقي منها، قد تضاعف تسع مرات، مقارنة بعام 2006، الذي شهد بناء 1600 وحدة سكنية استيطانية فقط.
تعلن "إسرائيل" وتؤكد من خلال الممارسة الاستيطانية، وتدعمها في ذلك أمريكا، وعبر رسالة الضمانات التي وجهها الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن عام 2004 لرئيس الوزراء" الإسرائيلي" السابق آرئيل شارون، انه مع الرؤية الإسرائيلية المطالبة ببقاء الكتل الاستيطانية الكبيرة في الضفة الغربية، وبالتالي الموافقة على عدم الانسحاب إلى حدود 4 حزيران 67. وهذه الكتل آو التجمعات الاستيطانية الإقليمية تتوزع بين نابلس وبيت لحم وتخوم مدينة الخليل، فضلا عن القدس الكبرى، التي يعلن"الإسرائيليون" بأنه لا تفاوض بشأنها أبدا (5).
وما يسبق يشمل غور الأردن، الذي تعتبره" إسرائيل" على طول الشريط الحدودي له مع الأردن، خطا حدوديا وأمنا لا تنازل عنه، وهو الآن معزول عن بقية الأراضي المحتلة كحال القدس المحتلة، وقد جدد أيهود أولمرت رئيس الوزراء "الإسرائيلي" المستقيل ووزير دفاعه أيهود باراك مشروع الاستيطان فيه من جديد، بعد أن كان توقف مؤقتا قبل سنتين بسبب من الضغط الأمريكي في حينها.
ومعنى ما سبق، وإضافة إلى وجود الجدار الفاصل كخط حدودي صادر ويصادر يوميا آلاف الدونمات، والذي عزل أراضي خاصة وعامة فلسطينية عن تواصلها الطبيعي مع بقية الأراضي المحتلة عام 67، أن "إسرائيل" تسيطر على أكثر من 84 % من القدس الشرقية، وهي تريد التفاوض على 14 % مما تبقى للفلسطينيين (6)، وهذه النسبة الأخيرة، هي عبارة عن الأحياء العربية التي ضمتها" إسرائيل" من مناطق وإحياء قريبة من رام الله وبيت لحم في إطار " القدس الموسعة أو الكبرى" (7).
هذا بالإضافة إلى سيطرتها على ما يقرب من 40% من أراضي الضفة الغربية دون" القدس الكبرى".
وعندما تتحدث "إسرائيل" عن الانسحاب، تحاول أن تخادع بان ما ستحتفظ به في إطار الحل النهائي هو فقط 7%، مقابل تعويض الفلسطينيين بأراض من النقب، في سياق ما اصطلحت" إسرائيل" على تسميته بتبادل الأراضي أو بالأحرى بمقايضة الأراضي تبعا للترجمة الحرفية للمصطلح land swap) )، علما أن هذا التبادل أو المقايضة يعتبر في القانون الدولي سابقة خطيرة في منح شرعية لارتكاب جريمة دولية خطيرة كجريمة الاستيطان، التي تعتبر من جرائم الحرب وفقا للنظام الأساسي لمحكمة الجنايات الدولية في لاهاي.
باختصار، إن" إسرائيل" وفي سياق التعاطي مع دبلوماسية المفاوضات، أقصى ما يمكن أن تتيحه للفلسطينيين من أراض في الأراضي المحتلة عام 67. هذا إذا أبدت استعداها لاتفاق، سواء كان نهائيا أم مرحليا يحمل صفة وواقع التأبيد، كما هو مطروح من حل الدولة المؤقتة في خارطة الطريق، هو السماح للفلسطينيين بالعيش في سلطة حكم ذاتي مقطعة الأوصال جغرافيا وديموغرافيا، وسلطة الحكم الذاتي هذه، كانت طرحا إسرائيليا في السبعينيات والثمانينيات من القرن الفائت.
وتريد "إسرائيل" ومعها الولايات المتحدة الأمريكية وحبو السلام تسمية سلطة الحكم الذاتي هذه بالدولة المستقلة، زورا وبهتانا، بعد قضم ثلثي أراضيها، وجعل ما تبقى منها في واقع باتنسوناتي، كما كان عليه الوضع في جنوب إفريقيا سابقا، فالسيطرة السيادية ل"إسرائيل" في الأجواء والمياه والمعابر والحدود، وسيطرة أمنية وسيادية على الغور، ليغدو هذا الكيان الفلسطيني الممزق والمقطع الأوصال معزولا عن محيطه العربي.
إن أي انسحاب "إسرائيلي" في المستقبل من الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، بناء على ما قدمنا من استبعاد أن يكون ذلك بسبب مفاوضات أو اتفاق من أي نوع كان؛ نهائيا أو مرحليا مؤبدا سيكون بسبب استحقاق الحراك المقاوم، سواء هنا في الأرض المحتلة، أو في المحيط العربي الإسلامي.
والمؤشرات الدالة على ذلك حاضرة وملموسة في غير مكان في المنطقة برمتها، لا سيما في التراجع الأمريكي الواضح والبائن الداعم ل"إسرائيل".
أتوقع مستقبلا أن تقوم "إسرائيل" بإخلاء عدد من مستوطناتها بفعل هذا الحراك المقاوم في المنطقة. وهي ستحاول عزل نفسها في إطار كتل استيطانية هنا وهناك في الضفة الغربية، مع كيانها القائم على الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 48، لتقاتل "إسرائيل" بعد ذلك العرب والمسلمين من قراها المحصنة أو من وراء جدرها الإسمنتية، والله أعلم.
هوامش
1- تقارب مساحة ( القدس الكبرى ) الشرقية + الغربية ربع مساحة الضفة الغربية، وبنظرة موجزة إلى الخارطة السكانية فيها، نجدها التالي: يعيش حاليا في إطار القدس الكبرى (1.250) مليون نسمة ، منهم ما نسبته (46%) يهود ، ونسبة (54%) من العرب الفلسطينيين ، وثمة في حدود القدس الغربية المحتلة عام 1948 غالبية يهودية واضحة تبلغ (90%) . 2- تضاعفت أعداد المستعمرين اليهود في الضفة الغربية حوالي (39) مرة خلال السنوات الممتدة بين أعوام (1972-2007 )، وللمقارنة فقد تضاعف عدد اليهود بشكل عام في كامل ارض فلسطين التاريخية وبقية الأراضي العربية المحتلة بمقدار مرتين تقريبا خلال نفس الفترة. 3-ازداد عدد المستوطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة( قبل إخلائه من المستوطنات ) منذ عام 1992 من 107 آلاف مستوطن إلى 193 ألف مستوطن عام 2000، وفي القدس ازداد العدد ليصل إلى 180 ألف مستوطن عام 2000، وهذه الزيادة أتت في وقت كانت المفاوضات الفلسطينية مع "إسرائيل" في أوجها.
4- بلغت أعداد المستوطنين المستعمرين مع نهاية العام 2007 ما مجموعه( 453و483) مستعمر يهود ي في مستعمرات الضفة الغربية دون القدس، مقارنة ب(500. 446) مستعمر في نهاية العام 2006، أي بنسبة نمو مقدارها (74 .3) خلال العامين المذكورين. وهذا يدل على أن "إسرائيل" تتخذ من المفاوضات وما يسمى بالعملية السلمية، غطاء لتمرير مشروعها الاستيطاني في الضفة الغربية المحتلة بما فيها القدس المحتلة.
5- بلغ عدد المستعمرات اليهودية فوق الأرض الفلسطينية المحتلة عام 67، مع نهاية العام 2007 ما مجموعه (440) موقعا احتلاليا في الضفة الغربية، وأكثر المستعمرات تتركز في مدينة القدس، منها (144) مستعمرة، و(96) بؤرة داخل حدود المستعمرات، و(109) بؤر خارج حدود المستعمرات، و(43) موقعا مصنفا على انه مواقع من نوع آخر و(48) قاعدة عسكرية.
6- تشير الأرقام التقريبية إلى أن (86%) من مساحة الجزء الشرقي المحتل من القدس عام 1967، قد تمت مصادرتها عمليا، ولم بيق سوى (14%) من مساحتها الأصلية للتفاوض، علما بأن جزءا منها يخضع لمخططات التخضير العامة والحدائق يصل إلى ( 9%)، ليبقى ما لا يزيد عن (5%) يمكن التفاوض عليه وتحصيله وفق شروط تفاوضية غير محددة المعالم.( هناك دراسة بحثية مقتضبة ل جواد الحمد بعنوان "انعكاسات سياسة المصادرة والاستيطان الإسرائيلية على مستقبل القدس السياسي"، منشورة على الموقع الالكتروني لمركز دراسات الشرق الأوسط بتاريخ 5-11-2007).
7- يوجد في مناطق الضفة الغربية الواقعة في إطار" القدس الكبرى" ( ضواحيها )غالبية عربية نسبتها (85%) وحسب التقديرات" الإسرائيلية " وفق تقارير ( معهد القدس لأبحاث إسرائيل ) سيصل عدد سكان القدس الكبرى عام 2010 إلى حوالي ( 108) مليون نسمة، منهم (870) ألف يهودي أي ما نسبته 48% وما مجموعه (930 ) ألف عربي.
** ما ورد هنا من معطيات رقمية وإحصائية حول السكان والجغرافيا في المستعمرات "الإسرائيلية" المقامة على الأراضي المحتلة عام 67، حصل عليها الباحث من بيانات المكتب المركزي للإحصاء الفلسطيني.
#عماد_صلاح_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تزوير تاريخ فلسطين بإنكار حق العودة
-
سلطة الضفة لا تعمل لصالحها شعبيا
-
أبا مازن متى تغضب؟!
-
فلسطين شلل عمل الوعي السياسي في الاراضي المحتلة
-
اسلام الصحابة في غزة المنتصرة على الحصار
-
وزن الاستراتيجيات في فلسطين
-
التزام بسلام حتى ضياع كل فلسطين!
-
في الضفة الغربية أجواء لا علاقة لها بالحوار
-
هل سيكون هناك حوار جدي بين فتح وحماس هذه المرة؟
-
لا بد من وضع حد لعبثية نهج المفاوضات
-
كيف هي الشراكة مع قاتلي اطفال غزة؟!
-
التفكير باستراتيجيات واقعية لتنفيذ حق العودة
-
غالبية فلسطينية بلا تمثيل شرعي حقيقي
-
اسرائيل تمنع الفلسطينيين من الزواج بأجانب!
-
فلسطينيون بسببهم يستمر الحصار على غزة!
-
مؤسسات حقوق الإنسان تصمت على جرائم الفساد في السلطة الفلسطين
...
-
المفاوضات خيار استراتيجي لتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية
...
-
القتل البطيء لامل اللاجئين الفلسطينيين في العودة!
-
سوريا دعوة جدية لاسلمة الحياة السياسية
-
الموقف الحقوقي المغيب عن تقييم واقع التجربة الديمقراطية الفل
...
المزيد.....
-
-جزيرة النعيم- في اليمن.. كيف تنقذ سقطرى أشجار دم الأخوين ال
...
-
مدير مستشفى كمال عدوان لـCNN: نقل ما لا يقل عن 65 جثة للمستش
...
-
ضحايا الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة تتخطى حاجز الـ44 ألف
...
-
ميركل.. ترامب -معجب كل الإعجاب- بشخص بوتين وسألني عنه
-
حسابات عربية موثقة على منصة إكس تروج لبيع مقاطع تتضمن انتهاك
...
-
الجيش الإسرائيلي: اعتراض مسيرة أطلقت من لبنان في الجليل الغر
...
-
البنتاغون يقر بإمكانية تبادل الضربات النووية في حالة واحدة
-
الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل أحد عسكرييه بمعارك جنوب لبنان
-
-أغلى موزة في العالم-.. ملياردير صيني يشتري العمل الفني الأك
...
-
ملكة و-زير رجال-!
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|