|
فتوى المغراوي
محمد باليزيد
الحوار المتمدن-العدد: 2419 - 2008 / 9 / 29 - 08:25
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لقد أثارت فتوى محمد المغراوي، شيخ جمعية الدعوة والسنة في القرآن بمراكش، صخبا كبرا إلى درجة أن المجس العلمي، الهيئة الرسمية المخول لها بهذه الأمور، كلف نفسه بالرد عليه ردا عنيفا يكاد يصل حدود التكفير. فالرجل ليس مجرد مشاغب صغير يمكن أن يمر كلامه دون إثارة مشاكل ودون "خلخلة الثوابت" على الأقل بطرح الأسئلة المحرجة حولها. إنه شيخ اتجاه سياسي/ديني له كلمته ويحسب له حساب. لقد وصلت خطورة هذه الفتوى إلى درجة تحريك الرأي العام والمجتمع المدني. وقد تحرك أحد ممثلي المجتمع المدني ، المحامي مراد بكوري بهيئة الرباط، في اتجاه مطالبة محكمة الرباط بمتابعة الشيخ وتوقيف موقع جماعته على شبكة الانترنيت. نرى هنا أن مسألة المطالبة بالمتابعة هذه فيها جانبان.الجانب الأول قانوني ونرى فيه رأي المحامي المغربي محسن هشام، محام من هيئة الدار البيضاء ورئيس الجمعية المغربية لمناهضة العنف ضد الأطفال، والذي يرى "أن فتح النيابة العامة لتحقيق في موضوع الفتوى الصادرة، سيشكل من الناحية القانونية، صعوبة كبيرة، خاصة في تكييف المتابعة بشأن تصريحات المغراوي، التي أوردها في فتواه، لأن الأسس الواردة في مجموعة القانون الجنائي المغربي، ذات الصلة بالموضوع، يضيف المحامي، هي إما ترتبط بالخصوصية الدينية للمجتمع المغربي أو بحماية حقوق الأطفال، موضحا أن النصوص القانونية لا تسعف بإطلاق الوصف الجرمي على تلك الأفعال، اعتبارا لمبدأ "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص". وأشار المحامي إلى أنه لا يجوز مطلقا إعمال القياس في تجريم الوقائع وتفريد العقاب، لأن الحديث هنا يرتكز على جريمة أخلاقية بالدرجة الأولى." وحتى مع اعتبار المغراوي أصدر فتوى، والأمر في نظرنا كذك رغم ادعائه بأنه إنما يشرح الآيات والأحاديث، حتى مع ذالك الاعتبار فإن هذا ليس فعلا إجراميا منصوص عليه. إذ ليس هناك أي نص صريح يحدد الجهة المخولة وحدها بإصدار الفتوى. وحتى مع اعتبار أن إجماع الأمة قائم حول أن المجلس العلمي هو وحده ذو الصلاحية في هذه المسائل فإن الفرق شاسع بين إجماع الأمة وبين وجود نص قانوني يجرم فعلا ما. الجانب الآخر من مسألة مطالبة طرف علمانيي المحكمة بمتابعة الشيخ المغراوي، أو الطفل المغراوي إن جاز التعبير ما دام يحلم ببنت التسع، هذا الجانب يذكرنا بقضية شواذ القصر الكبير. فلم ينس أحد الضجة التي أثارتها القضية والتشهير الذي قامت به المنابر الإعلامية الإسلاموية.كما يجب أن لا ننسى أنه حين تحرك القضاء، بعد هذه الضجة، وتابع المتهمين بتنظيم حفلة الشواذ بالقصر الكبير اعتبرت جهات تنتمي إلى الاتجاه العلماني المتابعة نتيجة ضغط التيار الإسلاموي وأن ذلك تراجع بالقضاء المغربي إلى "أسلوب محاكم التفتيش". ... نعم إن فتوى الشيخ/ الطفل مقززة ولا تقبلها أخلاق أية أمة، ولو كانت خارجة لتوها من الهمجية البدائية، كيفما كانت ملتها. لكن هذا مجرد رأي إنسان والفرق شاسع بين أن نسمح لأنفسنا بوصفه بالسفيه، أو الضال المضل حسب تعبير المجلس العلمي، وبين أن نحاول الاستنجاد بالقضاء، محاكم التفتيش!، من أجل إسكاته. إن استنجادنا بالقضاء لا يعني سوى عجزنا، كما برهن الإسلامويون عن عجزهم في الإقناع إثر قضية شواذ القصر الكبير، عن مواجهة الحجة بالحجة وإقناع الناس برأينا في المناسبات وبدون مناسبة دون انتظار تحريكنا من طرف المشوشين. لأن ذلك يعي أننا منكمشون على أنفسنا لا نملك منهجية عمل مستمر ولا نتحرك إلا بعد وخز. لقد ناضلت الجمعيات المدنية والهيئات السياسية والحقوقية حتى أُقِرت مدونة الأسرة، التي لم تكتمل بعد، وعليها أن تظل تناضل لأن مسألة بناء مجتمع ديمقراطي حداثي ليست مسألة مناسبات. وعلى هذه الهيئات أن لا تدع برنامجها يُسقط بعض أولوياته بسبب تشويش مشوش كيفما على شأنه أو اشتد انتماؤه للقرون الوسطى، عفوا للجاهلية التي تعنينا نحن العرب. في روايته Candide قال فولتير على لسان إحدى شخصيات الرواية وهي تتكلم عن مغاربة سبوا مجموعة من النساء من شواطئ إيطاليا وهم يتواجهون مع مجموعة أخرى من القناصة المغاربة اعترضوهم في الشاطئ المغربي قصد تجريدهم من غنيمتهم: "وبمجرد رسْونا واجهنا زنوج تابعون لفرقة مناوئة لسابينا عازمين على تجريدهم من غنيمتهم. وكنا [ نحن النساء والفتيات] (2) بعد الماس والذهب أثم شيء عندهم [عند سابينا]. لقد شاهدت معركة لم ولن تروا مثلها أبدا في أوربا. إن شعوب الشمال ليس لها دم ساخن إلى تلك الدرجة. إنهم ليسوا مهووسين بالمرأة إلى الدرجة المعروفة في أفريقيا [ والمقصود شمال أفريقيا]. يظهر أنكم أنتم الأوربيين [ والعجوز التي تحكي هي نفسها أوربية وتحكي عن وقائع عاشتها وهي في سن ال15 ] لا يجري الدم في شرايينكم وإنما الحليب. إنه le vitriol [حامض كبريتي] ، إنها النار التي تسري في شرايين سكان أعالي الأطلسي والبلدان المجاورة. لقد تحاربوا بشراسة الأسود والنمور والأفاعي من أجل أن يعرفوا لمن سنكون. لقد وجدت كل فتاة نفسها يتجاذبها أربعة جنود بقوة. أما قبطاني فقد وضعني خلفه وخنجره بيده يطعن به كل من حاول الاقتراب منه. وفي الأخير صارت كل الإيطاليات ممزقات إربا من طرف العفاريت المتنازعين عليهن. وبعدها تحول الكل إلى جثث، فتيات وجنود بما في ذلك قبطاني. ووجدت نفسي فوق ركام من الجثث كالميتة. إن أحداثا مثل هذه تقع في أكثر من 300 بقعة [ من العالم الإسلامي] كما نعرف دون أن يسهى أحد عن واحدة من الصلوات الخمس التي فرض النبي محمد." (ص) لقد ابتلى الله الإسلام بالعرب. فهؤلاء الخارجين لتوهم من جاهليتهم، الغارقين قبيل ذلك في زندقتهم، ما كانوا ليتخلوا عنها بكل بساطة لمجرد أنهم أسلموا، ولم يومنوا. وهكذا بقيت الزندقة تسري في دمائهم قرونا بعد الإسلام. ودون نقاش حيثيات زواج النبي (ص) بعائشة بنت التسع سنوات، ونحن لسنا في مستوى ذلك النقاش، ولا أحد دون مستوى طرح التساؤل، ودون مناقشة مسألة أهم ألا وهي لماذا أريد للرسول (ص) أن يكون قدوة في كل المسائل ما عدا مسألة علاقة الرجل بالمرأة، إذ بالإضافة إلى زواج بنت التسع قد تجاوز عدد زوجاته، في آن واحد، الأربعة المحددة شرعا. ولا مناقشة مسألة أن الإسلام أباح نكاح المملوكات، دون تحديد عددهن، زيادة على الزوجات الأربع. ولم يكن هناك أي دافع عفة كي يكتفي المسلم بالزوجات الأربع ويترك الإماء "شريفات" للعبيد المملوكين مثلهن. ما يهمنا الآن هو ما أثاره المغراوي وماذا أثاره. إن مجرد الكلام عن الزواج ببنت التسع في هذا العصر لا يحتاج سامعه للانتماء لأية ملة كي تثير المسألة في نفسه التقزز. والسؤال المطروح هو كيف جاءت هذه الفتوى ولماذا أثار الشيخ هذه المسألة؟ من المعروف أن الفتوى، الاجتهاد وإصدار حكم، لا تصدر إلا بعد مواجهة جماعة ما مشكلة وبعد ذلك يجتهد أولوا العلم منها ثم يقدمون ما توصل إليه اجتهادهم كفتوى لتسيير أمور الدين والدنيا. فهل هذا المعطى وارد هنا؟ هل أقبل شبابنا على الزواج وافتقدوا الفتيات إلى درجة أن الأمر وصل بنت التسع؟ أم أن الفقه والشريعة الإسلامية هي في خدمة الفرد كما هي في خدمة الجماعة وأن شخصا شاذا، أقصد قليلٌ مثله،كان معتكفا في زاوية نذر نفسه لعبادة الله وتخلى عن كل ملذات الدنيا، حتى ما حل منها، أملا في أن يعوض له تعالى بعشر أمثالها في الجنة، 4*10=40 حوريات لم يمسسهن إنس قبله ولا جان. ولما شق الحال عليه، وقد تجاوز الستين، أراد صديق له أن يجازيه في الدنيا قبل الآخرة فأفتى بجواز تقديم الأب، مريد حديث العهد بالطريقة، ابنته ذات التسع هدية ولعبة، فابنة التسع لا يمكن أن تكون زوجة، للشيخ المحترم كبرهان على تعلقه بالطريقة. أو بجواز جلب يتيمة من دار الأيتام ، ما دامت إن تركت حتى تنضج لن "يلتهمها" سوى الذئاب "الفاسقين"، وتزويجها للشيخ الجليل الذي يترفع عن شهوات الدنيا لكنه من واجبه إنقاذ مثل تلك اليتيمة من مصير معلوم! لقد "شهد الشيخ المغراوي قدرة بنات التسع على ما هو مطلوب من بنات العشرين فما فوق!!" لقد لمنا في بداية هذا المقال استنجاد العلمانيين بالقضاء من أجل إسكات صوت شاذ. لكن المسألة هنا ليست مسألة رأي أو صوت. إن الشيخ شهد فعلا إجراميا، لم نفهم في الحقيقة أكان هو التيس أو غيره، لكنه يؤكد أن فعل اغتصاب بنت التسع سنوات قد وقع، [وهل يمكن أن يؤكد الشيخ قدرة البنت بذلك اليقين دون وقوع الفعل؟] وعليه إن لم يكن الفاعلَ واجبُ التبليغ بفعل إجرامي. جريمة اغتصاب بنت التسع سنوات والفعل بها ما "تفعله بنات العشرين فما فوق". من الناحية النفسية والاجتماعية يمكن اعتبار هذا الشيخ برغبته هذه في نكاح نبت التسع، نقول برغبته في نكاحها واشتهائه لها لأن المسألة ليست من التي يمكن أن يفتي فيها العالم للجمهور، للعامة كي لا يشق عليها الدين، بالتيسير بينما هو يتبع ما شق لقوة إيمانه، قلنا برغبته هذه يمكن اعتباره شخصا من مخلفات الجاهلية. لكن من الناحية السياسية فتلك مسألة أخرى. فنحن نعلم ما يعانيه الشباب، الذين قدر عيلهم أن يصطفوا، نتيجة ظروفهم وقلة علمهم الذي يجعلهم في مستوى من السذاجة بحيث يقدسون كلام شيخهم، يصطفوا وراء شيخ ما في طريقة ما، من حرمان في كل المجالات وبالأخص في المجال العاطفي. هذا الحرمان الذي يكاد يوصل المرء درجة الشذوذ، ولا يستبعد أن يكون على شاكلة شذوذ أصحاب قضية القصر الكبير كما هو معروف عند الرهبان قديما، النفسي على الأقل. إن فتوى الشيخ هته تعتبر ضربا على وتر حاد لأولئك الشباب الذين يعيشون تلك الحالة والذين بدل إرواء عواطفهم مع الراشدات يعوضون، وهما، بتصور جواز إرواء ذلك الظمأ ببنت التسع. من الناحية الجنسية السليمة نعتقد أنه ليس في بنت التسع سنوات ما يشتهى. لكن اشتهاءها ناتج عن رؤية للجنس متأصلة في ثقافتنا وتزداد حدة كلما كان الحرمان سيد الموقف. إنها النظر إلى الجنس بكونه فعلا من جانب واحد وليس فعلا متشارك فيه. فعل يتلذذ فيه الرجل بجسد المرأة وهي بين يديه عجينة طيعة. هذه النظرة للجنس تبلغ قمتها عند فعل الاغتصاب حيث يكون الرجل هو بطل إرواء شهواته على جسد المرأة المغلوبة والمسلوبة جسدا وروحا. ويكتمل الاغتصاب، وتكتمل اللذة، كلما كانت المرأة أبعد من أن تعرف ماذا يُفعل بجسدها ولا ماذا يعني الجنس.
1) طبعة Future 2007 مطبعة النجاح الجديدة. 2) الإضافات بين [ ] من لدننا من أجل التوضيح
#محمد_باليزيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
القضاء، أي استقلالية نريد؟
-
أخلاق الفلسفة
-
التضخم
-
الغلاء، رابحون وخاسرون
-
بين الدولة والعصابة
-
العمل الجمعوي والتنمية
-
رؤية الهلال ومسألة علمنة الدين
المزيد.....
-
المقاومة الإسلامية في العراق تعلن مهاجتمها جنوب الأراضي المح
...
-
أغاني للأطفال 24 ساعة .. عبر تردد قناة طيور الجنة الجديد 202
...
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|