بهذا الشعار المدوي وزع الحزب الشيوعي العراقي منشوراته قبل خمسين عاماً ونيف في ازقة ودرابين بغداد داعياً اهاليها الطيبين لانقاذ مدينتهم من طغيان وغضب دجلة الخير. عندها شمر البغداديون شيبهم وشبابهم عمالهم وطلابهم رجالهم ونسائهم عن سواعدهم لصنع سد قل نظيره لاحتضان بغداد الام لكي لا يلحق الفيضان بها اي اذى. وتكللت جهود الخيرين في منع هذا الغضب واستطاع البغداديون الطيبون ما لم تستطع تلك السلطة الفاسدة من فعله وعمت البسمة على وجوه اهل الخير وجرى انقاذ الالاف ممن داهمهم الخطر من معدمي بغداد من الهاربين من جحيم الاقطاع في الجنوب ومن القاطنين في ما يسمى آنذاك بحي "صرايف خلف السدة"، مدينة الثورة حالياً والتي شيدها الشهيد عبد الكريم قاسم بعد ثورة تموز.
ويبدو ان التاريخ يعيد نفسه ولو بأشكال ومسميات وفي ظروف أخرى. فالام بغداد التي لم يكتف الحاكم الجائر المنهار بسبيها وسبي اهلها واذلالهم قبل التاسع من نيسان، أخذت تتعرض لعتات المجرمين الذين اطلق "القائد الفلتة" سراحهم والذين فقدوا حتى ذلك القدر من الاخلاق التي كان يتمتع بها لصوص ايام زمان. كما انها باتت مهددة من قبل جلاوزة الامن والمخابرات والاستخبارات واساطين التعذيب وفرق الاعدام على جبهات الحرب ومن استضافوهم من "الضيوف الاعراب" من اشرار وعرابي الشيطان من انصار القاعدة والزرقاوي وغيرهم من فلول مسيلمة الكذاب الذين راحوا ينشرون الموت ويروعون الاطفال والشيوخ عبر عبواتهم الناسفة وسياراتهم المفخخة لتقطع اوصال العراقيين والبغداديين بشكل خاص للاجهاز على ما تبقى من روح لهذه المدينة العروس. لقد مضت اشهر عديدة على هذا العبث الشيطاني واصبح واضحاً الان للجميع ان المستهدف ليس المحتل بل المستهدف هو العتبات المقدسة في النجف وسامراء وزوارها وأئمتها والاحياء الفقيرة وساكنيها في البصرة والديوانية وكربلاء والموصل وكركوك والاسكندرية والرمادي، والمستهدف ايضاً الطفل والشيخ والمرأة العراقية الباسلة والقوة التي يراد لها ان تتسلم واجب امن البلد بعد انتهاء حالة الاحتلال المهين من قوات الشرطة الجديدة التي لا تتعامل مع الناس الآن بالقسوة والرشوة التي اعتادت عليها شرطة الطواغيت في العهود المظلمة، بل راحت تعرض صدورها وابدانها طدروع لكي تحمي ابناء جلدتهم.
كما اصبح واضحاً أيضاً لكل من له الحد الادنى من البصيرة السياسية وبعد ان توضحت الممارسات التخريبية واشكالها، وبعد ان سرقت كنوز العراق ونقلت الى خارج الحدود وإعلان الاهداف التي يتصيدها الجناة والبيانات التي يصدرونها وتهديداتهم على شبكات الانترنت اللااسلامية واخيراً بيان المجرم الزرقاوي واعترافات "طلائع" الدين الشيطاني الجديد، إن المقصود من هذه الجريمة هوالشعب العراقي بكل موزائيكه والوانه مهما حاولت بعض الواجهات سواء في العراق او الواجهات العربية وفضائيات المتطرفين وما اكثرها خارج العراق ان تتستر على الافعال الشريرة لهؤلاء الخوارج تارة بستار المقاومة وتارة برداء ديني زائف. نعم الآن ومن يطلع على بياناتهم الزاخرة بانواع الشتائم ضد الشعب العراقي والتي تذكرنا بتلك الشتائم والتعريض التي كان ينثرها الحاكم المنهار على صفحات جرائده الصفراء وخاصة في فترة ما بعد انتفاضة آذار عام 1991، أصبح يدرك المخطط الانتقامي لانصار الشيطان في العراق ضد العراقيين. انها إمتداد لنفس عقلية الحقد الغريب والتخريب التي مارسوها منذ اليوم الاول لسقوط اصنام الطاغية عندما باشروا بنهب الممتلكات وحرق مؤسسات الدولة واستباجة بغداد الحبيبة وترويع اهلها.
وهنا يحتاج اهل بغداد الطيبون بل وكل العراقيين ان يشمروا عن سواعدهم ويتخذوا قرارهم ويخوضوا معركة البقاء تماماً كما فعلوها في ايام المحن. إن استمرار حالة الترقب وعدم الخوض في معركة احياء البلد لدى بعض العراقيين والتي فرضتها قيود وتقاليد النظام السابق، يشجع هذه التنظيمات التخريبية وفلول النظام السابق على الامعان في جرائمهم. ينبغي تشجيع اقامة حملة وطنية لمتابعة التخريب ورموزه وشل دعاياته واشاعاته وتقييد حركته في حمل معدات التخريب ووسائل التفجير والذخيرة التي خزنت في كل الاراضي العراقية. ان الاتكال على القوات المحتلة او الشكوى منها فحسب لا يجلب الامان ولا السيادة للعراقيين ولا اجتثاث بؤر التخريب والارهاب والفساد. إن ثقافة اللطم دون الفعل والمجابهة السياسية والفكرية الحازمة للمعتدين تزيد من عنجهية هؤلاء المرتزقة. ولا بد هنا ان نواجه بالحجة وبحزم من يتستر على هؤلاء القتلة وخاصة رموز في المراكز الدينية التي تلهب المشاعر بالحديث عن المحتل ولكنها لا تتحدث ولا تنبس ببنت شفة عن المهمة الاولى الآن اي حماية ارواح العراقيين وفضح من يسبب هذه المعانات لهم ويؤخر انهاء الاحتلال.
وعلى مجلس الحكم والاجهزة الوطنية العراقية الجديدة العمل بسرعة وفعالية وكفاءة ونبذ كل من شأنه الاضرار بمسيرة العراقيين لمواجهة الارهاب والحالة الطارئة. ولا يمكن ان يفهم المواطن العراقي هذا التأخر في تعيين وكلاء للوزارات وفتح الممثليات العراقية في الخارج لتفعيل العمل السياسي الخارجي المشلول ولا سر التأخر في توحيد الادارتين في كردستان. إنها غيث من فيض من الإحراءات التي مازال مجلس الحكم يحبو لكي يحققها مما يشجع اجهزة التخريب على التمادي في غيهم. ينبغي نبذ "تقليعة" الحصص والمنافسات الرخيصة غير المبررة على اشغال المناصب والتي لا تكرس اي تفاليد "الشخص المناسب في الموقع المناسب" ولا الشفافية والديمقراطية في التعامل، بل تعيد التراث البغيض للحكم المنهار. إن مجلس الحكم يتعثر في القيام بحملة دبلوماسية نشطة ازاء ظاهرة تسلل المخربين من دول الجوار واستقبال ممثلي بعض الدول المجاورة والاقليمية لرموز الاجرام من النظام المنهار. ان بعض الدول المجاورة تسعى الى سوق اتباع الشيطان كوسيلة للتخلص من تخريبهم في بلدانهم ناسين ان هذه اللعبة الخطرة ستنقلب عليهم عندما يقوى عودهم. ولنا في دعم عصابات الافيون واللصوص في افغانستان خير مثل على ذلك. ينبغي ان تتعض هذه الدول من تجربة والسعودية ومصر والجزائر حيث جرى دعم هذه المنظمات في افغانستان لتنقلب عليهم ولتمارس أبشع انواع التخريب شعوبها. ان كل الدلائل تشير ان هؤلاء المخربين يعبرون الحدود وامام اعين حراسها لتستقر في مدن حدودية مثل حصيبة وغيرها حيث يقوم انصار العهد السابق بدرر الادلاء لالحاق الاذى والتدمير ضد بلدهم، ظناً منهم الى ان هذا العمل سينقلهم بسرعة الى "جنة" الشيطان. إن الادلاء من رجال العهد السابق لا يهمهم سوى القبض السهل والسريع والآني للاموال الحرام وهذا ما تعودوا عليه خلال سنوات الحكم الاسود، ناسين ان هذا التخريب سيحرق البلاد ويحرم كل العراقيين بالتالي، وهم ايضاً، من اية امكانية لاطعام اولادهم وتربيتهم ودراستهم. ينبغي على مجلس الحكم والعراقيين الذين يترددون على دول الجوار ان يبصروا هذه البلدان من خطر اللعب بالنار ونقل تناقضاتهم مع الغير من بلادهم الى العراق. فتجربة لبنان وتدميره مازالت بادية للعيان.
ياأبناء العراق، يامن تعز عليهم تربة ارض السواد الطاهرة، ضيقوا الخناق على فلول الشيطان وسدوا الطرق امام من يحاول التسلل عبر الحدود ولتمتد ايادي العراقيين بعضهم لبعض ليشيدوا سداً امام من يحاول امرار مخططهم الاجرامي وليتحرر العراق من مسلسل التضحيات الرهيبة التي دامت اربعون عاماً ولنطوي صفحة والى الابد على مسلسل القبور الجماعية والابادة بالسلاح الكيمياوي ونبني عراقاً حراً سعيداً بأهله وصديقاً لمن يمد له يد العون والصداقة خاصة في محنته الحالية. لنعمل ونأخذ بتحذير شاعرنا الاكبر الجواهري الخالد عندما قال:
وضيق الجبل واشدد من خناقهم لعل كان في ارخائه ضــــــــــرر
تالله لاقتيد زيد بأسم زائــــــــدة ولأصطلى عمر والمبتلى به عمر