|
هل حقا أن ( فشل الحملات العلمانية وخاصة الشيوعية منها في مجتمعاتنا ) سببه الموقف من الدين ؟
حامد حمودي عباس
الحوار المتمدن-العدد: 2418 - 2008 / 9 / 28 - 09:34
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
لم يعد جديدا أمر معالجة تلك الاشكالية المزمنة بين الفكر الديني ونقيضه الفكر العلماني المتخذ لسبيل الحداثة ومحاكاة البناء الحياتي برمته بوسائل اكثر عقلانية واقرب للواقع المعتمد على الموضوعية بعيدا عن مظاهر الشعوذة والغيبيات ، فقد تصدى الكثيرون من رواد الحركات الفكرية الانسانية الحديثه وعلى امتداد الوطن العربي لظاهرة السحب السلبي باتجاه الخلف والتي تتعرض لها مجتمعاتنا من قبل قوى الفكر الرجعي والتي تشكل قوى التأثير الديني جزءا رئيسيا منها ، وتعرضت شخصيات فذة كثيرة لاقسى انواع العذاب والتشريد والنفي والقتل بسبب مواقفها الداعية لنبذ الفكر الديني المتخلف والدعوة الى تأصيل السعي لبناء مجتمعات تحكمها انظمة مدنية تعتمد في تسيير شؤنها على القوانين الموضوعية المعتمدة على الاسس المنطقية في الحياة . ورغم ما يعكسه واقع مريض يظهر جليا على سطح الحياة العامه في البعض من بلدان الوطن العربي والعراق واحد منها حيث تبدو الاحزاب الاسلاميه وكأنها قد تقلدت وبشكل كامل لمقاليد ادارة شؤون الحركة الاجتماعية ، الا ان الواقع المعاش يبين للمتقصي الواعي بأن هناك ثمة حركة فكرية متنامية بدأت ومنذ زمن ليس بالقصير للوقوف بوجه هذه الاحزاب وتعريتها وفضح اساليبها الماكرة للوصول الى مراكز اتخاذ القرار والعبث بالبناء الاجتماعي في البلدان التي تحضى فيها بصدارة كاذبه ستزول لا محاله ، ناهيكم عن ان التجربة الفاشله و الفعليه لمساهمة هذه الاحزاب والقوى الدينيه في عملية البناء الحضاري اثبتت للناس البسطاء والذين هم وقودها وادواتها للوصول الى المقدمه بأن تلك الاحزاب غير قادرة على توفير الحياة الهانئه واعادة الحقوق المهدوره للمعوزين والفقراء كما تعد باستمرار في ادبياتها ودعواها . وسط هذا الصراع المحتدم بين المراكز المشعه بالفكر الرجعي المتحمل لاوزار تخلف بلداننا جميعها وبين جبهات الفكر النير تظهر بين الفينة والاخرى وللاسف الشديد فعاليات كتابية تريد لنفسها أن تكون محايدة بين الطرفين ، ولو كان أصحاب هذه الفعاليات الثقافية هم ممن يحسبون على جبهة دعاة الفكر الديني وممن يدعون بالمتنورين أحيانا لما كان الامر بهذه الخطورة ، غير اننا نرى وفي احيان كثيرة بعض الذين يؤمنون باسباب نقد الفكر الديني من خلال اعتراضهم على فكرة الدين ذاتها ولكننا نجدهم يعودون للتذكير بحسن وجه اسباب التخلف بتقديم محاسن هذا الوجه حينما يذكروننا بان الدين يدعونا لحسن الاخلاق وعدم السرقه واحترام الجار ورعاية الايتام والبر بالوالدين ، وكأن الفكر المقابل يدعو لغير ذلك ، وكأن ما حل بالمجتمعات المتقدمه والتي عافت العمل بطقوس الدين البالية وتوجهت نحو البناء الاجتماعي المتطور والحضاري المعتمد على القوانين المدنية قد شابها الخراب الاخلاقي وتفتت اركانها واصبح اليتيم فيها غير مكفول كما هو حال اليتيم في السودان المسلم أو في اليمن أو ايران أو العراق .. ومن بين تلك الفعاليات الثقافية ما قرأته مؤخرا في مقال كتبه الاستاذ فيصل اورفاي حاول من خلاله ان يعالج فكرة ( فشل الحملات العلمانية ، وخاصة الشيوعية منها في مجتمعاتنا ) مشيرا ومن خلال سرد اخلاقي مسهب لوصايا الدين الحنيف الى ان السبب الرئيسي لتراجع الحركات العلمانية في بلداننا هو موقفها من الفكر الديني واتباعها سبيل محاربة هذا الفكر على نقيض ما يريده ( البسطاء و الفقراء ) .. وتأسيسا على هذا المذهب في التحليل فقد أقر الكاتب وبحزم أن المشاعر الدينية المستندة على الفطرة هي ضرورية جدا لتنظيم حياة الفرد في حين انحرف وبشده ليقرر بان الدين يحمل طقوسا باليه هي المسؤولة عن عرقلة حركة المجتمع باتجاه التقدم .. فالدين برأيه يوصي باحترام الوالدين والحفاظ على الامانه وعدم الاعتداء على الاخرين ( لا ادري ما معنى كل تلك الدماء التي ذرفتها البلدان الاسلامية وكان سببها الغزو الفكري والزام الشعوب بالايمان بالاسلام باستخدام السلاح والحكم على المرتدين عنه بالموت ) ومن ثم يقرر فجأة بان الدين الاسلامي وكل الاديان هي حاضنة لمعاني خرافية تعد الانسان باخرة تمنحه انهارا من خمر وعسل وحور عين وولدان مخلدون ولذا فانها – تلك الاديان – هي محض خرافات وطقوس يجب محاربتها والابتعاد عنها . فبأي اتجاه يريدنا ان نسير وهل علينا ان نمتلك رأسين للتفكير واحد يؤمن بالدين الموصي بالاخلاق الحميده والاخر يوصي بالابتعاد عن الدين المحمل بالطقوس الهمجية المنطلقة من حاضنات الجهل والغيبيات ؟ .. ثم يصل بنا الكاتب وبغير عناء ظاهر الى أن واحدة من اسباب عدم نجاح القوى العلمانية في مجتمعاتنا هي انها وقفت متصدية لمشاعر البسطاء من الناس وخاصة الفقراء منهم حينما حاربت الدين وبذلك فانها حاربت الاخلاق ووصايا الرب وتعرضت بالنقد للفكر الديني المنقذ للمجتمع من براثن الضياع والابتعاد عن سبل السلام وحب الاخرين واحترام الجار ورعاية اليتيم . ان واحدة من الاسباب الرئيسية لتراجع الحركة التقدمية في بلادنا أمام الحركة الرجعية المتخلفة هي ذلك الموقف غير المدروس باتجاه معالجة تفشي الفكر الديني المتخلف والمتأصل في مجتمعنا والمدعوم من قبل احزاب وحركات وشخصيات منتفعه من جهل شرائح واسعة من ابناء الشعب . . وان تلك الاحزاب وخاصة الشيوعية منها لم تكن واعية لسبيل عملها الفكري وسط المجتمع و لم تحزر مستقبلا سبل اعدائها الطبقيين بشكل عام ومنها القوى الدينية المتضررة الاولى من عملية التغيير باتجه الحداثة والتقدم . فعلى سبيل المثال كانت قوى الردة في العراق منتبهة وبخبث كبير الى طبيعة التأثير الكبير للفكر الديني على العراقيين البسطاء فوضفت هذا الجانب لصالحها واقدمت بكل سفالة على شن حرب دنيئة راح ضحيتها الالاف من اصحاب الرأي الحر ، وظهرت المظاهرات الصوريه ليمزق فيها القران من قبل البعثيين والهتاف بشعارات الشيوعيين لاظهار صورة للناس بان الشيوعيين ضد الدين كما اعترف مؤخرا حسن العلوي في احدى مقابلاته التلفزيونيه ، وجندت الاحزاب القوميه المتطرفه الكثير من الفتاوى الدينيه بهتك حرمات العوائل والتسبب بيتم الاطفال واعدام المئات من العراقيين بتهمة الكفر والالحاد ، ويتذكر الكثيرون تلك الاصوات الخبيثه والتي كانت تنطلق من مكبرات الصوت أيام الاحتفالات بمولد الرسول في النجف وهي تصرخ مدوية في اذان الزوار ( الشيوعيه كفر والحاد ) .. كل هذا ولم تنتبه تلك الاحزاب المستهدفه لخبث الحركة الراميه للقضاء على كل ما هو تقدمي وكان الاساس فيما بعد لوصول قوى الردة الى قمة السلطه . . لقد كان الشعب العراقي برمته يهتف لثورة الرابع عشر من تموز وزعيمها وللحزب الشيوعي العراقي ولم يكن للاحزاب الدينية أي فعل في الميدان السياسي والاجتماعي ، ولم يأبه احد من العراقيين بأية اخلاق كانت تعد بها الاديان بعيدا عن تلك التي تتعلق بمحابرة الاقطاع والمهيمنين على ارزاق الناس من محتكرين ورأسماليين ، غير ان هناك اسباب اخرى غير التي اشار لها الاستاذ فيصل ارورفاي كانت سببا للانتكاسة التي اصابت مجمل الحركة التقدمية في العراق على وجه الخصوص ومنها عدم تمكن الحزب الشيوعي العراقي من استقراء طبيعة المرحلة التي كان فيها رأس الحربة في هيكل الحركة التقدمية وبالتالي تخلف عن اخذ المواقع المناسبة لامتلاك اسلحة من شأنها ان ترد الاعداء من رجعيين وقوى دينية متضررة من الواقع الجديد في العراق . وجرى ترك الساحة شبه فارغة للقوى المناوئة تتحرك فيها كما تشاء بحجة الدفاع عن النظام الجمهوري وزعيمه دون التحرك الفوري لاخذ زمام المبادرة وهذا ما شخصه الحزب بشجاعة من خلاله كونفرنساته ومؤتمراته المتعاقبه ، وكان الدين واحد من الاسلحة التي استخدمت ضد الشيوعيين والتقدميين عموما الى جانب الاسلحة الاخرى كفلسطين وحقوق العرب المهدوره وخيانة ( الاتحاد السوفيتي للقضية الفلسطينيه ) وياليت ان الاتحاد السوفيتي لم يأخذ تلك المواقف السانده لقضايا العرب ولم يتركهم يوجهون اقسى الضربات له متحالفين مع الامبريالية العالميه الهادفه الى هده وقد نجحت في ذلك بفعل قوى عديده كان العرب واحد من اقواها واكثرها تأثيرا . ان ما حدث في العراق منذ انتهاء تجربة ثورة الرابع عشر من تموز عام 1958 ولحد الان والذي كان الشعب العراقي ضحية له ودفع الكثير من دماء ابنائه وهدر في اقتصاده وتراجعه عن ركب الحضارة الانسانيه ما هو الا تداعيات متعاقبه لما حدث بعد وئد تلك الثورة وسرقة منجزاتها ومن ثم القضاء عليها ، ولم يكن الموقف من الدين سببا وحيدا للتراجع الذي اصاب الحركة التقدمية انذاك واستمر حتى وقتنا الحاضر ، بل كانت هناك كما اسلفت جملة من الاسباب الموضوعية ادت مجتمعة لوقوع مطبات قاتله أماتت فيها روح المبادرة بالتصدي واتاحت الفرص امام اعدائها لتنحيتها والاحلال محلها في قيادة المجتمع وبالتالي فان القول بان السبب في تراجع الفكر العلماني والشيوعي هو بسبب الموقف من الدين ، ومن ثم الذهاب الى تمجيد الدين باعتباره مصدر للاخلاق الحميده هو من جهة تجني على منطق الاشياء ومن جهة اخرى محاولة لاخراس صوت التاريخ الذي يحكي لنا احداثا وحقائق من نوع اخر .
#حامد_حمودي_عباس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ارهاب وكباب .. وألمولود العراقي المنتظر !!
-
ليتوقف فورا هذا ألاجحاف ألمتعمد بحق المرأة في العراق !
-
ثلاث قصائد سطرتها امرأه
-
حول بيان مركز الاتصالات الاعلاميه للحزب الشيوعي العراقي ردا
...
-
ردود ألافعال على زيارة مثال الالوسي لاسرائيل هي عودة للخطاب
...
-
لمصلحة من تنشط قناة المستقله لتأجيج نار الفتنة الطائفية بين
...
-
مرثية متأخره للشهيد كامل شياع
-
خانقين مدينة عراقية أم كرديه أم انها عربيه .. أين الحل ؟؟
-
من أجل احياء حملة تضامنية عاجله مع سكان حي السعدونية في البص
...
-
ألاقتصاد العراقي المتين هو الحل لبناء علاقات دولية متينه
-
ألتظاهر اليومي واعلان العصيان المدني هما الحل الوحيد لتحقيق
...
-
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي عطا الدباس وعلي ا
...
-
الشيوعيون وكافة التقدميين العلمانيين في العراق مدعوون للتحرك
...
-
معاناة الطفل في العراق .. ومسؤولية قوى اليسار
-
ايها المثقفون العراقيون .. لا تنتظروا ان يقول التاريخ فينا م
...
-
أيها العراقيون .. اسحبوا البساط من تحت كراسي المسؤلين عن افق
...
-
سهيل احمد بهجت .. ألانسان ألاثمن رأسمال
-
الى متى يبقى الشعب العراقي أسيرا للصراع على المناصب وضحية لل
...
-
عزيز الحاج بين السياسة والادب ... محاكاة مؤثره
-
أحموا الكاتب رضا عبد الرحمن علي من شيخ الازهر
المزيد.....
-
-لقاء يرمز لالتزام إسبانيا تجاه فلسطين-.. أول اجتماع حكومي د
...
-
كيف أصبحت موزة فناً يُباع بالملايين
-
بيسكوف: لم نبلغ واشنطن مسبقا بإطلاق صاروخ أوريشنيك لكن كان ه
...
-
هل ينجو نتنياهو وغالانت من الاعتقال؟
-
أوليانوف يدعو الوكالة الدولية للطاقة الذرية للتحقق من امتثال
...
-
السيسي يجتمع بقيادات الجيش المصري ويوجه عدة رسائل: لا تغتروا
...
-
-يوم عنيف-.. 47 قتيلا و22 جريحا جراء الغارات إلإسرائيلية على
...
-
نتنياهو: لن أعترف بقرار محكمة لاهاي ضدي
-
مساعدة بايدن: الرعب يدب في أمريكا!
-
نتانياهو: كيف سينجو من العدالة؟
المزيد.....
-
الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات
/ صباح كنجي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو
...
/ الحزب الشيوعي العراقي
-
المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت
...
/ ثامر عباس
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد
...
/ كاظم حبيب
-
لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|