|
لماذا فشلت الحملات العلمانية ، و خاصة الشيوعية منها في مجتمعاتنا !
فيصل آورفاي
الحوار المتمدن-العدد: 2417 - 2008 / 9 / 27 - 08:04
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
" الكلام " هو غير " التكلم "، فالكلام لا يحتاج لشرح ، لكن التكلم فيه بعض الغموض . فالتكلم هو التصنع في الكلام من حيث رفع الصوت و خفضه ، أو التكلم بشكل صحيح دون أخطاء و تاتاة ، أو التكلم بانسجام ، أو التكلم باسلوب يهدف الى جذب السامع ، او اقناعه بما يهدف اليه المتكلم من فكر او قضية . و لهذا قرأنا في التاريخ العربي عن المتكلمين ، في العصر العباسي ، كالمعتزلة ، الذين رفعوا من قيمة العقل ، و غيرهم . و" الدين" هو غير " التدين" ، فالدين هو حس فطري عند الانسان ، يجد في اعماقه مرتعا له ، و يجد في عقله قبولا . فالانسان العادي ينشد الدين في سلوكه ، بغض النظر عن المؤسسة الدينية التي تعمل على تحويل ذلك الحس الفطري الى " تدين" . و التدين ، هو اتخاذ الدين مهنة للارتزاق ، او صنعة للاحتراف ، او اسلوبا للوصول الى غاية سياسية ، او لنشر فكر ما ! ولو نظرنا الى الانسان العادي ، لوجدناه ذي دين ، و يتبع دينه ببساطة و عفوية ، و ربما ينوء تحت دينه ، فيغض الطرف احيانا عن بعض الشعائر لسبب او لآخر ، دون تطرف ، او تعصب ، او تصنع " تدين" ! أما التدين ، فنجده واضحا لدى من اتخذوه وسيلة للتشيع ، او الارتزاق ، او لخدمة حزبية ضيقة ، تهدف الى الوصول الى غايات سياسية ، و مكاسب معنوية ، على حساب البسطاء من الناس . و تجد المتدين متعصبا ، غليظ القلب ، متعجرف ، ينبذ غيره ممن لا يتقبل رأيه . كما تجد المتدين يستخدم تدينه ، بشكل من الافراط و الاسراف في العبادات و الشعائر، و العيش في جو غير واقعي . و لقد اعتادت الاحزاب العلمانية ، و خاصة الشيوعية منها على مهاجمة الدين ، و احتقار بسطاء الناس من المتدينين ، و النظر اليهم على انهم متخلفين ، مضللين ، و غير عقلانيين . و هم (تلك الاحزاب ) يخلطون ، في تهجمهم ، بين الناس العاديين، الذين يتبعون دينهم ببساطة و تلقائية ، و بين المتدينين الذين يتسلطون ، بما يحملون من تطرف ، و عدوانية ، و تهديد ، يمس حياة الناس العاديين . و بما ان الشيوعية لا تختلف عن أي دين شمولي ، فهي تجد في اديان الناس خطرا يتهددها ، تماما كما تنظر الاديان الكلاسيكية تجاه بعضها البعض . و لقد قامت فلسفة التنوير على مهاجمة الفكر الديني المسيحي ، لما كان يمثله من دور سلبي مقيت ، و رجعي ضد التقدم الفكري و العلمي الذي كانت تحمله فلسفة النهضة من قبلهم . و كان الهجوم الفكري في ذلك الوقت يندرج تحت مهاجمة الفكر الديني . وما زال هذا التقليد متبعا اليوم في دول العالم الثالث ، املا في الانتقال الى مجتمع علماني ، عقلاني ، خاصة ان الغرب قد صفى الحساب مع غيبيات الفكر الديني ، و ترك للمواطن الحق في اتباع الدين الذي يحلو له . اصل الى ان الفكر الديني ، ليس مشكلة بحد ذاته ، و ان هناك هجوما غير مبرر ، على ذلك الفكر ، يتجاهل ما فيه من ايجابيات ثقافية ، لا بد منها ، ولا غنى عنها . فمن حق الانسان ان يتبنى الدين الذي يرغبه ، و قد كفلت شرعة حقوق الانسان هذا الحق ، و اصبح من مسلمات القرن العشرين ، و القرن الواحد و العشرين بعده . وما زالت الاحزاب العلمانية ، و خاصة الشيوعية تعتبر ذلك نقيصة لدى الانسان . و أرى بان علينا الا نخلط بين التدين ، الذي انتج الاحزاب الدينية المتطرفة من اخوان مسلمين او احزاب الله ، او وهابيين ، او منظمات القاعدة ، او ما يقابل تلك الاحزاب في الدين المسيحي ، او الليكود اليهودي من ناحية ، و بين الناس العاديين البسطاء الذين لا يملكون العيش بدون دين ، فهو الحامل لثقافتهم التي تربوا عليها منذ عصور ، وهو عنصر التوازن النفسي الذي يقومون به علاقاتهم الاجتماعية ، و هو المرجعية الثقافية التي لم يتوصلوا الى البديل عنها بعد . لهذا اجد بان مهاجمة " الفكر الديني" في ادبيات العلمانية ، اصبح مغايرا للحقيقة ، و غير دقيق . و يفضل استخدام مصطلح " غيبيات الفكر الديني" . و لقد فشل الفكر الشيوعي في المجتمعات عامة - بغض النظر عن الظروف الخاصة للثورة الروسية الشيوعية - كونه لم يستطع التمييز بين المصطلحين ، بل عمم الهجوم على الفكر الديني بشكل عام ، و اصبح عدوانيا تجاه افراد المجتمع الذي يقوم فيه ، مما ادى الى ردود افعال سلبية تجاهه من بقية افراد المجتمع . و ان في استخدام مصطلح غيبيات الفكر الديني كهدف للهجوم ، عبر مهاجمة المقدس في الفكر الديني ، لهو السلوك الامثل . فان نحن حذفنا المقدس من الفكر الديني ، لوجدنا ان ما تبقى، هو فكر، و ثقافة مقبولة الى حد ما ، بل هي قابلة للتطوير، و التعديل، بما يخدم عملية التطوير الثقافي في المجتمع . و قد يقول قائل ، و ماذا يعجبك في الفكر الديني ؟ فاقول ، اولسنا ، جميعا ، نحمل فكرا دينيا معينا ؟ اولسنا نؤمن باخلاقيات علمنا اياها الدين . اوليس الدين هو من جمع الاخلاق و صبها في قوالب جامدة لنتعلمها منه ! اولم يعلمنا الدين ، الصدق ، و الوفاء ، و التضحية ، و الفداء ، و بر الوالدين ، و احترام صلة الرحم ، و اكرام اليتيم ، و العطف على الفقراء و المساكين ، و المرضى ،و الخدم ، و ذوي الحاجات ، و الضعفاء ، و و العجزة ، و تقدير الجار ، و الصديق ، و العالم ، و عطاء الانس و الامن و الطمأنينة لكل من يعيش بيننا ! اولم يعلمنا الدين ، التعاطف مع الاخوة ، و الاهل ، و الجيران ، و زملاء العمل ! اما نهانا الدين عن الانانية ، و الانعزالية ،و العدوانية ، و طلب منا الجنوح الى السلم، بدلا عن الحرب، اذا كان ذلك ممكنا ! اولم يطلب منا الدين الخروج من اطار محبة النفس الى محبة الآخرين أيضا ! اولم يحضنا على التعاون ، و المشاركة الوجدانية مع الاهل و الجيران ، و زملاء العمل ! اولم ينهنا عن الغيبة و النميمة و الشتيمة و السرقة و القتل و رمي الاذية على الآخرين ! اولم يؤكد الدين على طلب العلم ، و الحكمة ، و حب العمل ، و الدفاع عن العرض ، و الارض ! أولم يطالبنا الدين ، بكف الاذى ، و حفظ الاخوان ، و الامر بالمعروف ، و النهي عن المنكر ! أولم يطلب من التيسير على المعسر عبر التسهيل و المسامحة ! اولم يطلب منا التصدق ، ولو بالكلمة الطيبة و فعل المعروف ! اولم ينهنا عنا الاثم و العدوان ! أولم يحضنا على الاخذ بسبل العلم و المعرفة ! اولم يحذرنا من رذائل الشح ، و الظلم ، و الرشوة ، و الانانية ، و الغش، و الاحتكار ، و السلب ، و النهب ، و حب التسلط ، و سفك الدماء و استحلال المحارم ! اولم يربط الدين الاخلاق بالمعاملات مثل الصدق ، و الامانة ، و العدل ، و احترام الحقوق ، و المساواة ، الى آخر تلك المعاني الجميلة !
لا شك ان مهاجمي الدين ، ينسون كل تلك القيم و الاخلاق الدينية ، و هم يعتقدون انهم انما يخدمون مجتمعهم في التهجم على الدين دون أي احترام لرأي الناس البسطاء ، و قد خلطوا العير بالبعير ، و السم بالدسم ، فما ميزوا بين المتدينين المتطرفين ، المتعصبين ، العدوانيين ، الذين جعلوا الغيبيات من جنان تجري من تحتها انهار اللبن و العسل ، و الغلمان ، و النساء الحور ، و التقرب من قثم القرشي، هدفا لهم ، من جهة ، و سددوا سهامهم تجاه البسطاء من الناس ، وهم الاغلبية ، الذين اتبعوا الدين بفطرتهم ، دون أي تعقيد ، او تحزب ، او تصنع ، من جهة أخرى .
لهذا فشلت الحملات العلمانية ، و خاصة منها الشيوعية في عالمنا العربي .
#فيصل_آورفاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
البرجوازية الصغيرة ، هل تصبح الطبقة التاريخية الجديدة ؟
المزيد.....
-
اصطدمتا وسقطتا في نهر شبه متجمد.. تفاصيل ما جرى لطائرة ركاب
...
-
أول تعليق من العاهل السعودي وولي العهد على تنصيب أحمد الشرع
...
-
بعد تأجيله.. مسؤول مصري يكشف لـCNN موعد الإفراج عن فلسطينيين
...
-
السويد: إطلاق نار يقتل سلوان موميكا اللاجئ العراقي الذي احرق
...
-
حاولت إسرائيل اغتياله مرارا وسيطلق سراحه اليوم.. من هو زكريا
...
-
مستشار ترامب: نرحب بحلول أفضل من مصر والأردن إذا رفضتا استقب
...
-
الديوان الأميري القطري يكشف ما دار في لقاء الشيخ تميم بن حمد
...
-
الجيش الإسرائيلي يواصل عملياته العسكرية في الضفة الغربية ويق
...
-
بعد ساعات من تعيينه رئيسا لسوريا.. أحمد الشرع يستقبل أمير قط
...
-
نتانياهو يندد بـ-مشاهد صادمة- خلال إطلاق سراح الرهائن في غزة
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|