أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عدنان حسين أحمد - من ضفاف الفلسفة الى مجراها العميق: قراءة نقدية في ثنائية الأسْر والانعتاق في الثقافة العربية (2)















المزيد.....

من ضفاف الفلسفة الى مجراها العميق: قراءة نقدية في ثنائية الأسْر والانعتاق في الثقافة العربية (2)


عدنان حسين أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2416 - 2008 / 9 / 26 - 09:22
المحور: قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
    


صدر عن " بيت الحكمة " في بغداد كتاب جديد للدكتور حسين الهنداوي بعنوان " على ضفاف الفلسفة ". ولا شك في أن نبرة التواضع جلية وواضحة في هذا العنوان الذي قد يحيل القارئ الى الضفاف الآمنة المطمئنة، بينما هو يتوق للخوض في معمعة البحر القُلَّب. يتألف الكتاب من سبع عشرة مقالة متنوعة المحاور والموضوعات. وقد سبق لكاتب هذه السطور المتواضعة أن توقف عند ثلاث منها وهي " تناقضات التأسيس الأرسطي لمفهوم الاستبداد الآسيوي "، " فوكوياما بين الفلسفة والاستراتيجيا " و " غياب ظاهرة الفيلسوف في الثقافة العربية ". أما في هذه الدراسة فسنبذل قصارى جهدنا من أجل تسليط الضوء على ثلاثة محاور أخرى تناقش مفهوم الحرية عند المثقف والفنان والمُترجم آملين أن نتوقف عند البقية الباقية من المحاور في دراسة نقدية قادمة. ركز الهنداوي على موضوع " المثقف بين الحلم وخيانة الذات " نظراً لما تثيره هذه الكلمة من إشكالية التعريف أو عدم وجود مقابل دقيق لها في اللغة الانكليزية تحديداً، وفي عدد من اللغات الأوروبية الحيَّة. ونعني بالمثقف هو ذلك الانسان المهذَّب والمشذَّب والمتعلم والمتمكِّن من العلوم والفنون والآداب. ومن المفيد الاستشهاد بالتعريف الذي أوردته " اليونسكو " لما يتضمنه من سعة واحاطة وشمولية حيث يقول " إن الثقافة هي مجموعة من المقوِّمات الروحية والمادية والذهنية والعاطفية المميزة لمجتمع أو جماعة ما، وتشتمل اضافة الى الفن والأدب وأنماط العيش، منظومة القيم والتقاليد والمعتقدات". وبغض النظر عن أنواع الثقافة سواء أكانت رفيعة أو هابطة، فوكلورية أو شعبية فان ما نعنيه بالثقافة هو مجمل فاعليات وأنشطة الانسان ونتاجاته في الأدب والفن والموسيقى والرسم والنحت والسينما والمسرح والطعام والشراب وأنماط العيش المختلفة. ولا يمكن، بأي حال من الأحوال، حصر صفة المثقف بالكُتاب والمبدعين فقط. يؤكد الهنداوي أن هناك وهماً ذهنياً مفاده " أن المثقف مؤسسة، بينما هو في واقع الحال محض معطى فردي موجود لذاته"(ص118) أي أن الآيديولوجيا تسعى دائماً لاحتواء هذا الكائن، ومحاولة تجريده من فرديته، واغرائه للتماهي مع المؤسسة. ولذلك فان الآيديولوجيا، بحسب الهنداوي، هي أول منْ أبدع في تقسيم المثقف الى عالمين متضادين ومتعاكسين على الدوام، ويسعى كل منهما الى ابتلاع الآخر وتغييبه. فالآيديولوجيا هي التي اقترحت هذا التقسيم التعسفي فمرة تصف المثقف بالانساني ومرة أخرى بالميتافيزيقي، وتارة بالتقدمي وتارة أخرى بالرجعي، وحيناً باليساري وحيناً آخر باليميني، وطوراً بالشعوبي وطوراً آخر بالقومي. غير أن هذه التوصيفات كلها تُبقي المثقف حبيساً في حلقة " المؤسسة " الضيقة التي تحاول أن تُوكِل للمثقف دوراً ما يلغي خصوصيته الفردية، ويحطم عزلته الذاتية، ويقوِّض في خاتمة المطاف حاضنته الابداعية التي تقتضي التأمل الذي يعتبر بمثابة المخاض الحقيقي الذي يسبق عمليه الخلق أو الولادة. ونتيجة لهذه التقسيمات القسرية فقد ارتبك أكثر المثقفين في تعريف ماهيتهم وفي تحديد " أدوارهم " المُناطة بهم من قبل المؤسسات الآيديولوجية. وهم في أحسن الأحوال، بحسب الهنداوي، " مخلوقات غائمة ونرجسية " ولو دققنا النظر في هذين التوصيفين لوجدناهما صحيحين تماماً لأن تشوِّش المثقف واضطرابه متأتيان من انتمائه أو ولائه المطلق الى آيديولوجيات ضعيفة واهنة ومنخورة من الداخل، هذا اذا لم تكن تحمل بذرة موتها في داخلها. فلا غرابة أن يُطلق عليهم الهنداوي صفة " اليتامى " التابعين لهذه الآيديولوجيات المدحورة التي لا تخجل من هزائمها المتكررة أمام واقع الحال الذي تعيشه، ومع ذلك فانها تكابر باجتراح طرق ووسائل جديدة للدفاع عن كينونتها ومستقبل وجودها مع العلم أنها انتقلت من أقصى اليسار الى أقصى اليمين من دون أن تعترف بالهزيمة النكراء التي لحقت بها وبجماهيرها مهما كَثُر عددهم أو ضَؤُل. يورد الهنداوي تعريفاً شهيراً لأرسطو حيث يصف المثقف بـ " برغي في ماكنة الثورة " وتعريفات أخرى مماثلة من قبيل المثقف " وردة على صدر الأمة " أو " عبد وضيع في خدمة الشريعة " والمتأمل لهذه التعريفات جميعها سيجد أن المثقف " لا شيء " لأنه استجاب للدور المُناط به، وخان نفسه حينما خان عزلته، وضحى بوحدته التي هي شرطه الأول في التفكير والكتابة الابداعية. وعن خيانة الذات يقتبس الهنداوي فكرة جوليان بندا التي تتحدث عن ظاهرة " انتقال المثقف من حالة الـ " أنا " الطاووسية المتضخمة الى حالة الـ " أنا " العصفورية المتذللة " (121) وفي حقيقة الأمر أن روح المبدع الحقيقية تنمسخ حينما يتحول هذا المثقف النخبوي من طاووس الى عصفور لأنهم سوف يكتبون نصوصهم في حضرة انكشاريين بلداء، والدروس الرخيصة التي قدّمها بعض الأدباء والمثقفين العرب في هذا المضمار كثيرة جداً. يقترح الهنداوي تعريفاً محدداً للمثقف مفاده أنه " متفكِّر عزلوي فرداني يدافع عن مُثُل الحرية والعدالة لمجرد الدفاع"(ص121) كما يطلب التمييز بينه وبين الشخص الواسع المعرفة. غير أن الآيديولوجيا ترفض هذا التعريف لأنه يحرمها من امكانية توظيف المثقف أو تحييده أو اسناد أي دور له. وأكثر من ذلك فهي تقرِّعه وتوبخه ولا تريد له أن يفكر منعزلاً، لأن التفكير المنعزل يتحرك بالاتجاه المضاد لها، ويدمرها ولو بعد حين. يعتقد الهنداوي أن المثقف ينجح دائماً في فعل شيئين أساسيين وهما التفكير والكتابة لأنهما يجعلانه يتموضع أمام " الحلم بعالمٍ آتٍ " وهذا الحلم يعني مبدئياً أن المثقف لا يتجه برؤيته وتفكيره الى الماضي، كما أنه لا يدافع بالضرورة عن الواقع الراهن. وإذا ما تبنى هذين المنظورين الأخيرين فإن المثقف ذاهب بقدميه الى خيانة ذاته وطعنها في الصميم. والمثقف من وجهة نظر الهنداوي يجب أن يكون " خميرة لعالم آتٍ ". يفرِّق الهنداوي بين الباحث والداعية والمثقف على الرغم من أن ثلاثتهم يستعملون التفكير والكتابة كأدوات لكنهم يختلفون في غاية الاستعمال وهدفه. فالباحث، كما يرى الهنداوي، يكرِّس المدرسي والأكاديمي الماضي، أما الداعية أو الآيديولوجي فهو يروِّج للحاضر، ويحاول ترميمه إن صحَّ التعبير، بينما يكرِّس المثقف نفسه لتأسيس الحلم الذي سوف يتحقق مستقبلاً. خلاصة القول إن إناطة أي دور بالمثقف كفيله بأن تقوده الى خانق العبودية، وتفضي به الى التمأسس الآيديولوجي الذي يحوله الى مجرد " دَرَكي على ما هو آت، والى عدوٍ لدود لكل ما حر بذاته "(ص123)
الصراع بين الوظيفي والجمالي في فن العمارة
قبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع الشائك لا بد من الاعتراف بأن الدكتور حسين الهنداوي قد اجترح طريقة نقدية مهمة في توضيح هذه الاشكالية التي تتحدث عن اتصال الفنون بعضها ببعض، وانفصال بعضها عن البعض الآخر لاحقاً لأسباب كثيرةً. أما ما أسماه بـ " الملاحظات الأولية، والاستنتاجات الافتراضية " فهو مجرد تواضع من لدن هذا المفكر العراقي الذي يعمل من دون جلبة وضوضاء. تهدف هذه الدراسة أصلاً الى الوقوف عند محنة الفنان المعماري السومري والبابلي والآشوري والمصري والأغريقي والأندلسي وفنان العصر الحديث، وهو يدافع عن المفهومات الجمالية بينما كان يضع حجر الأساس الى الزقورات أو الجائن المعلقة أو الأهرامات أو قصر الحمراء وغيرها من الصروح الفنية الشاخصة. يتساءل الهنداوي عن كيفية الموازنة الدقيقة بين الوظيفي والجمالي في العمل الفني. وهذا سؤال شائك يحتاج الى رؤية فلسفية تعيننا في الوصول الى الحل الأمثل الذي يقبل بأقل الخسائر. يقول الهنداوي " إذا كان الوظيفي يتراجع دائماً أمام الجمالي في الفنون المختلفة، فان الجمالي هو الذي يتراجع أمام الوظيفي في العمارة"(47) وهذا استنتاج دقيق ولا يحتاج الى براهين أو أدلة دامغة. ولتفسير هذه الاشكالية يورد الهنداوي خمسة أسباب معقولة جداً وهي على التوالي:
1-إن فن العمارة هو الفن الوحيد الذي يلبّي وظيفة عملية أو منفعية مباشرة لا علاقة لها بالفن من قريب أو بعيد مثل الحماية في مواجهة الطبيعة كما في العمارة المدنية أو الايحاء بالجبروت كما في العمارة العسكرية، أو اخضاع الجزئي للمطلق كما في العمارة الدينية، أي أنها تستجيب لضغوط الغائية وشروط العرض والطلب.
2-تتعامل العمارة مع هياكل ضخمة مثل الصخور والجذوع والألواح الكونكريتية الصماء والتي تضيّق في خاتمة المطاف مساحة الحرية التي يحتاجها الجمالي ويتحرك فيها.
3- فن العمارة هو الفن الوحيد المُلزم بالتعامل مع الفضاء والطبيعة الخارجية بما في ذلك الشمس والقمر والنجوم التي تصبح جزءاً لا يتجزأ من مشهدية اللوحة المعمارية، بينما لا يستطع الفنان غير المعماري أن يتحكم بهذه العناصر الثلاثة المشار اليها سلفاً.
4-العمارة هي الفن الوحيد الذي لا يشاكس العلوم الأخرى، بل يعتمد عليها، لأن المعماري في جوهره ممزق الى نقيضين متصارعين كونه كمهندس معماري وحرفي من جهة، ومعماري وفنان مبدع من جهة أخرى.
5-العمارة هي الفن الوحيد الذي يخاطب العقلانية والجدية والالتزام والجماعية، ولا يخاطب العبثية والذوقية والفردية والحلم إلا لماماً. ولو تأملنا الشق الثاني لوجدنا أغلب العناصر الجوهرية التي يعتمد عليها الفنان غير المعماري طبعاً في العملية الابداعية. وكنا قد أشرنا في مقدمة هذا البحث الى أهمية الحلم والفردية في عملية الخلق والابداع الفنيين. أما الذوقية والعبثية فهما لا يقلان أهمية عن العناصر الأخرى وذلك لارتباطهما بالتمرد وعدم الانسياق وراء الذائقة الجمعية.
إذاً، ثمة صراع مرير يخوضه المعماري بشكل متواصل من أجل الاحتفاظ بمساحة جمالية تحرك الكتل الصماء. كما أنه لا يريد أن يصبح " حِرَفياً " في الوقت ذاته. إن جوهر هذا الصراع بين الوظيفي والجمالي بحسب الهنداوي هو تاريخ الفن أو ديناميكيته. وعلى الرغم من أن تطور فن العمارة محكوم بتطور الحياة الانسانية العامة الا أن الصراع الديناميكي يظل قائماً. فالجمالي لا يتراجع مطلقاً أمام أساليب الهجوم المتطورة التي يتبعها الوظيفي والتي تفرض هيمنتها بشكل أو بآخر، لكنها تتيح للجمالي أن ينعكس هنا أو هناك وسط الألواح والأعمدة الكونكريتية الثقيلة التي تقطّع الأنفاس. يؤكد الهنداوي بأن مساحة هذا البحث ضيقة جداً، ولا تتيح له توثيق ملاحظاته أو افتراضاته الأولية كما أشرنا سلفاً، لكنه يمر مروراً عابراً على السيرورة الديالكتيكية أو المخطط الاجتهادي الذي اختصره بأربع مراحل رئيسة وهي:
1-المرحلة البدئية: تتمثل هذه المرحلة بالمغاور والكهوف التي اتخذها الانسان مأوىً له. غير أن دوره كان محدوداً ومقتصراً على اختيار الكهف أو المغارة وتوسيعها. فلا أثر للصراع بين الوظيفي والجمالي في هذه المرحلة. أما النقلة الثانية في المرحلة البدئية فهي ظهور الرسم الذي تمثل بتخطيط بعض الأشكال البشرية والحيونات والنباتات والأفلاك وآلات الصيد كما هو الحال في بعض الكهوف الأفريقية وقد أدت هذه الرسوم وظيفة جمالية وروحية في آن معاً، خصوصاً وأن الديانات الأحيائية أو الطبيعية كانت سائدة آنذاك. ولا شك في أن غاية تلك الرسوم والتخطيطات البدائية هي طرد الأرواح الشريرة وجلب الرحمة وبث الاطمئنان في النفوس القلقة المضطربة. أما النقلة الثالثة في هذه المرحلة فهي انتقال الرسم من الداخل الى الخارج عندما شمَّر الانسان القديم عن ذراعيه وبدأ يشيِّد المساكن. وكانت تلك النقلة هي بداية ظهور الرسم الهندسي كما هو الحال في بناء الزقوة السومرية كهيكل ديني، وسور الصين العظيم الذي يمثل هو الآخر انتقالة حقيقية من الديانة الايحائية أو الطبيعية الى الديانة التي تؤله العاهل أو الامبراطور. ويخلص الهنداوي الى أن انتقال الرسم التخطيطي الداخلي الى الرسم الهندسي الخارجي هو ايذان بالقطيعة بين العمارة والرسم واستقلال كل منهما كفن قائم بذاته.
2-المرحلة الثانية: تتكون هذه المرحلة من ثلاث نقلات أيضاً. ففي الأولى حبسَ الفنان المعماري نفسه داخل الصرح، الأمر الذي حدَّد امكانية تحرره واستقلاله. ولعل الاهرامات هي خير مثال لما نذهب اليه. فالاهرامات الفرعونية من وجهة نظر الهنداوي هي صروح معمارية ميتة جمالياً من الخارج لكنها تخبئ كنوزاً فنية عظيمة من الداخل. أما النقلة الثانية فتتمثل بالانعتاق النسبي للفنون المعمارية البابلية وتلميذتها الأوغاريتية. أما النقلة الثالثة والأخيرة فتتجسد بالفن الأغريقي الذي حقق القطيعة بين النحت والعمارة وأعلن عن استقلال النحات عن المعماري بشكل كامل. ولهذا فان الهنداوي يصف الوشائج التي تربط التماثيل الأغريقية بالصروح المعمارية بأنها وشائج خارجية وسطحية أحيانا.
3-المرحلة الثالثة: تتمثل هذه المرحلة بسيادة الديانات التوحيدية الروحية، وباستقلال النحت عن العمارة نهائياً، وظهور فن الزخرفة والمنمنمات بديلاً عن النحت في محاولة لتوسيع الابعاد الجمالية لفن العمارة. وقد شخّص الهنداوي ثلاث نقلات أيضاً تمثلت الأولى بالفن اليهودي وما انطوى علية من تكوينات زخرفية مجازية. ثم انتقل الى المعابد اليهودية متخذاً من " حائط المبكى " أنموذجاً. أما النقلة الثانية فتمثلت بالفن المعماري المسيحي، القوطي على وجه التحديد، مشيراً الى الأيقونات والزجاجيات الملونة التي تحمل رسوماً دينية. أما النقلة الثالثة فهي ظهور الفن المعماري الاسلامي الذي اتخذ دلالات رمزية وروحية مبتعداً كلياً تصوير الأشكال الانسانية والحيوانية، مستبدلاً اياها بالأشكال النباتية المجردة الى أبعد حد. ولهذا السبب فقد ضعف التشخيص في الفن العربي الاسلامي بينما ازدهر التجريد وهذه قضية مهمة جداً تستحق بحثاً خاصاً ومنفردا. يشير الهنداوي الى أن " الأرابيسك " قد تطور كثيراً واستقل بقدر أو بآخر عن الفن المعماري حينما انتقل من الجدار الى القطع الخشبية والقماشية.
4-المرحلة الرابعة: تقترن هذه المرحلة بفصل الدين عن الدولة، وظهور التيارات المعاصرة التي جاءت نتيجة لتسيّد القيمة الفردية وما أسفرت عنها من تداعيات خطيرة ولدّت فنوناً تشكيلية جديدة تعكس واقع الحياة الراهنة بكل تعقيداتها. يعتقد الهنداوي أن المرحلة الراهنة قد طوت نقلتها الأولى، وستعقبها نقلات، وربما مراحل جديدة تنضاف الى المراحل الأربع السابقة فيما يظل الصراع بين الوظيفي والجمالي قائماً ولن يعرف الركود أو الاستقرار.
الترجمة الفلسفية
يعد هذا البحث من الأبحاث الطويلة التي احتضنها كتاب " على ضفاف الفلسفة " وقد بذل الهنداوي جهداً كبيراً في ضرور التأسيس للترجمة الفلسفية، كما دعا الى اجتراح فلسفة جديدة للترجمة تتجاوز تناقضات الترجمة الفلسفية التي تحفل بها المكتبة العربية على ندرتها. يؤكد الهنداوي في هذا البحث القيم على أن " الكثيرين منا ينظرون للترجمة باستصغار واستهانة كما لو كانت عملة مزورة "(ص101) كما أشار الى بعض القواميس التي تعرَّف الترجمة تعريفاً سطحياً ساذجاً كأن تقول إن الترجمة هي " نقل النص من لغة الى أخرى " والأتعس من ذلك أن المترجم العربي كما يعتقد الهنداوي " لا يعرف ماهيته بالتحديد هل هو مبدع أم حِرَفي؟ أم لا هذا ولا ذاك؟"(102). يؤكد الهنداوي بأن القسم الأعظم من النصوص الفلسفية الكبرى غير مُترجَم الى اللغة العربية، بينما تحتاج الثقافة العربية الى هذه الكتب والنصوص الفلسفية التي يُفترَض أن تكون مترجمة من لغاتها الأصلية الى العربية. لا يزال البعض ينظر الى الترجمة كفعل غير ابداعي وذلك "بسبب طبيعتها المزدوجة كفعل نصف تقني- نصف ابداعي "(ص103) بينما يشير واقع الحال الى عكس هذه الرؤية الغريبة المضطربة. يقدِّم الهنداوي عرضاً مهماً وشيقاً عن المترجم الحر الذي يتصرف بالفكرة الأصلية واللغة الهدف من دون المساس بروحيتهما الأصلية، أو أن يصبح عبداً تابعاً لكل من الفكرة الأصلية واللغة المُترجم اليها. ويطالب الهنداوي المترجم الناجح أن يحرر الفكرة المترجمة من سجن اللغة الأصلية وسجن اللغة المستقبِلة. يقدم الهنداوي مقاربة منطقية تكشف عن صعوبة الترجمة الفلسفية حيث يقول" أن جبرية النص الصحفي سهلة بما لا يقاس مقارنة مع جبرية النص الأدبي، وهذه الأخيرة سهلة بما لا يقاس مقارنة مع مثيلتها في النص الفلسفي"(ص107) لأن جبرية النص الصحفي من وجهة نظره شكلية، وجبرية النص الأدبي خارجية أي أسلوبية وانشائية أما جبرية النص الفلسفي فهي داخلية وعميقة ووعرة في آن معاً. وهذه الأخيرة هي من نتاج العقل المحض المستقل عن تأثيرات الذهن والحواس والمشاعر. ثمة أفكار كثيرة تستحق الدراسة والتحليل في هذا البحث المكثف الذي ينم عن قدرة المفكر حسين الهنداوي في اجتراح مقاربات جديدة تبحث في صميم الهم الفلسفي الذي لا يزدهر الا في فضاء الحرية. والحرية، من وجهة نظر الهنداوي، هي مدينة الفلسفة.



#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المثقف وفن الاستذكارات في أمسية ثقافية في لندن
- - القصة العراقية المعاصرة - في أنطولوجيا جديدة للدكتور شاكر ...
- فيلم - ثلاثة قرود - لنوري بيلجي جيلان وترحيل الدلالة من الحق ...
- المخرج قيس الزبيدي يجمع بين السينما والتشكيل والعرض المسرحي
- - الطنجاوي - لخالد زهراو... محاولة جديدة لهتك أسرار محمد شكر ...
- قراءة المهْجَر والمنفى بعيون أوروبية
- رواية - الأم والابن - لكلاوﯿﮋ صالح فتاح: نص يع ...
- - زيارة الفرقة الموسيقية - لكوليرين . . شريط ينبذ العنف ويقت ...
- في شريطه الروائي الوثائقي - فك ارتباط - عاموس غيتاي يدحض أسط ...
- جابر الجابري يتحدث عن الثقافة العراقية في مخاضها العسير
- مجيد ياسين ل - الحوار المتمدن -: في قصائدي لوحات تشكيلية رُس ...
- - مُلح هذ البحر - لآن ماري جاسر والاصرار على حق العودة
- ترجمة جديدة ل - هاملت - تسترشد بالأنوار الكشّافة للشُرّاح وا ...
- صلاح نيازي يعمل بروح الشاعر ومبضع الجرّاح
- ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج
- الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - ل ...
- القاص لؤي حمزة عباس: يتخلى عن الغموض، ولا يزال متشبثاً بشعرن ...
- القدس: قصة الجانب الشرقي للمخرج الفلسطيني محمد العطار: القدس ...
- علاء سريح في معرضه الشخصي الثالث: تكوينات متكررة على سطوح تص ...
- تلاقح الأجناس الأدبية في رواية - حبل السُرّة - لسميرة المانع


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- -فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2 / نايف سلوم
- فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا ... / زهير الخويلدي
- الكونية والعدالة وسياسة الهوية / زهير الخويلدي
- فصل من كتاب حرية التعبير... / عبدالرزاق دحنون
- الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية ... / محمود الصباغ
- تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد / غازي الصوراني
- قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل / كاظم حبيب
- قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن / محمد الأزرقي
- آليات توجيه الرأي العام / زهير الخويلدي
- قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج ... / محمد الأزرقي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قراءات في عالم الكتب و المطبوعات - عدنان حسين أحمد - من ضفاف الفلسفة الى مجراها العميق: قراءة نقدية في ثنائية الأسْر والانعتاق في الثقافة العربية (2)