|
المقاهي !!!!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 2415 - 2008 / 9 / 25 - 00:22
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
المقاهي أماكن مفتوحة تسكن معظم المدن المغربية، و مساحات تلبس وتعشش بالمدن التي غزت بدون تدرج، بعضها بشيشة وبعضها الآخر من دون.. بعضها ذكوري خالص وأخرى أعلنت الاختلاط في خجل، وغيرهما تحولت بفعل تقاليد وعادات مجلوبة إلىعوالم النظرة فالابتسامة وربما رقم الهاتفال و الموعد والقاء!!!. ليس هناك مدينة مغربية من دون مقهى بل مقاهي، تشرع أبوابها منذ ساعات الصباح الأولى للباحثين عن كوب من القهوة أو قطعة خبز أو "كرواسون" ساخن وربما أشياء أخرى.. يرتادها الفارون من جحيم الفراغ وروتينه، وكل العاطلين الهاربين من حسرة ومرارة نظرات الآباء والأمهات، وأولئك الذين ضاقت بهم الطرقات أو أولئك الذين حلت بهم لعنات الزوجات. جيران ومعارف وغرباء. أشخاص عديدون نصادفهم في المقاهي لا يجدون سوى كأس " قهوة معصرة" أو "الكابتشينو" وسيلة للتلاقي والتواصل..وقد اضطجعوا على كراسي نخرها الكساد وطول القعاد حتى غدت ترتعش تحت أُست المنظرين و الخطباء. يتصدر الرجال المواقع الأجمل والأبرز قريباً من النوافذ والفضاء المشرق، بينما تخصص مناطق معزولة خلف ‘’البارافانات’’ للنساء أو العائلات. الكل يناقش، الكل يجادل، الكل يندد، والكل يشجب. نقاشات تنافس المشروبات سخونة.. وحوارات تغذي الأنفس والقلوب والأرواح المتعبة، و جدالا يزيد من ضيق المجال .. قد نتحدث إلى بعظهم دون سابق معرفة، فنتفق مع البعض منهم ويتفقون معنا، ويختلف آخرون ونختلف معهم، لكن الذي يميز هؤلاء أن هناك بينهم من يمتلك فكرا كبيرا يستطيع من خلاله أن يقنعك بما يريد، وأن هناك من لا عقلية له ويحتاج إلى مترجم فوري كلما أراد أن يتحدث عن موضوع ما! ومع ذلك تراه يلاجج ويحاجج في عراك شديد، وهو لا ينطق إلا بتافه الكلام وأكذبه، يبرره ويعززه بالخرافات الخيالية السخيفة، محاولا بها جذب الانتباه، للرفع من قدره أو للتنقيص من قدر غيره مستخدما مختلف الأساليب اللعينة من سخرية واستهزاء وتحريض وتعريض، مما يرفع قوة اللغو، ويعلي منسوب اللغط، ويؤجج مجال النقاش، ويصعد حدة الملاسنة، فتتحول الجلسات إلى ما يشبه المؤتمرات العربية بكل أنواعها، الثقافية والسياسية والاقتصادية، حيث يتزاحم المتحدثون والمنظرون حول ما يثار من مواضيع تطرح للنقاش والمحاورة، فلا يستطيع أحدهم التفوه ببنت شفى حتى ينبري له غيره من المؤتمرين ويجهز عليه بالكلام الإنشائي المعلوك المكرور.. عادة ما أن تتنوع أحاديث المقاهي بتنوع اهتامامات المشاركين، وتختلف مواضيعها وتتشعب باختلاف مقاصد المتدخلين ونواياهم، وتتميز بتميز مؤهلاتهم الفكرية والسياسية وقدراتهم الحوارية، فيفتح من يهمه أمر السياسة كل ملفاتها الشائكة، ويُشرِح انعكاساتها الداخلية والخارجية، فيندد هذا باحتلال فلسطين وغزو العراق، ويشجب ذاك حرب لبنان، ويساند ثالث إيران في سعيها لامتلاك ما تريد من سلاح، ولا يلبث أن يتميز آخرون غضبا عندما تثار قضية رضاعة الكبير ونسبتها إلى النبي الصادق الأمين محمد صلى لله عليه وسلم. وهناك من الرواد من لا تهمه السياسة داخلية كانت أو خارجية، ويعتبرونها رجسا من عمل السياسيين فيجتنبوها لعلهم يفلحون في الحصول على ملايين اللوطو أو " التييرسي " التي يتأبط المولعون بها قوائمها الكثيرة، ويتفرغون كليا لعوالم "اليانصيب" الذي يحسبونه خال من السياسة، فيساند بعضهم هذا الفريق ويعلون من شأن القائمين عليه، ويجاهر غيرهم بكراهيتهم لغيره من الفرق ويطلقون للسانهم عنان السلاطة والبذاءة، ويكيلون لمالك الحصان الفلاني وفارسه ومدربه وحتى للعلف الذي يأكله من اللوم والشتائم ما يندى له الجبين، لأنه تخلف عن الفوز حينها راهنوا عليه مرة فخذلهم.. و ليست هذه هي العينات الوحيدة التي يحلوا لها أن تدفن نفسها في دخان المقاهي التي يجتهد قديمها للمحافظة على ما تبقى من شهرته السابقة كما عزيز قوم بعدما ذل!!! بل هناك رواد من نوعية خاصة، يجلسون وعيونهم كما الرادار ترصد كل ما تقع عليها بينما آذانهم تلقط كل ما تستطيع سمعه لتكتمل عندهم الأخبار وتتيسر حبكات القصص .ينظرون إلى تلك التي ارتدت فانيلة وبنطلون رياضي وتركت شعرها من دون غطاء، وينظرون إلى تلك التي خرجت وهي مغطاة من أعلى رأسها حتى أخمص قدميها، وينظرون إلى ذلك الرجل الأنيق الذي ارتدى ثيابا راقية، ويحملقون في ذاك الذي لسبب أو لآخر لم يرتد ملابس مناسبة من وجهة نظرهم .ينظرون إلى كل شيء، ويعلقون على كل شيء، ثم بكل بساطة تسمعهم ينتقدون مثل هذا السلوك لدى الآخرين. المقاهي تجتذب الذين يعشقون كل جديد، والذين يستهويهم إغراق فكرهم في لجاج ثرثرتها لتمضية الوقت والتمتع بالأحاديث البريئة المطروحة بدون أهداف ولا مرامي، وما يدور فيها من نكت بجميع أشكالها الساذجة والذكية، وحتى الخبيثة، السياسة والاجتماعية، بعيدا عن مجالات أصحاب الفضول والباطل والتحريض بالغير، وإفشاء الأسرار وفضح العيوب، وتعرية النقائص بالنميمة والغيبة، سواء كان بالتقليد في الفعل أو القول أو الإشارة، على وجه الهزل والضحك. هذه هي أجواء المقاهي التي تعودنا ارتيادها وابتلينا بالإدمان عليها، والتي تبقى هي عناوين مدننا التي لا تحترف تقديم الثقافة والفن والفكر، و تتنفس بحدائقها و ملتقياتها المتشحة بالحرية والمتعة.. و الله يعفو ويتوب آمين يا رب العالمين .
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحرشة والملاوي في بيبان القهاوي
-
لاعذر للنساء...
-
كل النساء جميلات
-
حتى واحد ما هاني
-
نزاهة القضاء وعدله ضمانة لحقوق المرأة
-
رضاعة الكبار
-
°°°الاغتصاب
-
بريئة من ذنبها!!!
-
°°°ماذا لو حكمت النساء العالم؟
-
المرأة ضحية جمالها
-
وراء كل إمرأة عظيمة رجل يستحق الاحترام والتقدير
-
الضامة ملجأ مسني مدينة فاس
-
°°° بسطاء يرفَعهم الفساد إلى طبقة الأثرياء!
-
أندية للمتقاعدين؟!
-
الألقاب الطريفة والمثيرة للسخرية
-
الواقع شيء والمرتجى شيء آخر
-
رقابة الانتخابات
-
.فرخ الوز عوام
-
بنك الزواج للمزلوطين!!
-
°°°صراعات المنتخبين وتعاسة الناخبين
المزيد.....
-
مصر: الدولار يسجل أعلى مستوى أمام الجنيه منذ التعويم.. ومصرف
...
-
مدينة أمريكية تستقبل 2025 بنسف فندق.. ما علاقة صدام حسين وإي
...
-
الطيران الروسي يشن غارة قوية على تجمع للقوات الأوكرانية في ز
...
-
استراتيجية جديدة لتكوين عادات جيدة والتخلص من السيئة
-
كتائب القسام تعلن عن إيقاع جنود إسرائيليين بين قتيل وجريح به
...
-
الجيشان المصري والسعودي يختتمان تدريبات -السهم الثاقب- برماي
...
-
-التلغراف-: طلب لزيلينسكي يثير غضب البريطانيين وسخريتهم
-
أنور قرقاش: ستبقى الإمارات دار الأمان وواحة الاستقرار
-
سابقة تاريخية.. الشيوخ المصري يرفع الحصانة عن رئيس رابطة الأ
...
-
منذ الصباح.. -حزب الله- يشن هجمات صاروخية متواصلة وغير مسبوق
...
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|