محمد مقصيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2414 - 2008 / 9 / 24 - 06:05
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
يبدو أن الديمقراطية في المغرب أخذت بفعل الصحراء والحرارة شكلا مختلفا تماما عن أصلها , ويبدو أيضا أن بعض الجمال قد رفستها - دون قصد طبعا - فغدت تلكز بدل أن تمشي , حيث لن تستطيع أن تفهم ما الفارق بين هذه الحركة الديموقراطية وهذه الحركة الديموقراطية أيضا . الكل هنا ديموقراطي والكل هنا يشحد الخطابات من أجل الديموقراطية , والكل بدون استتناء حتى المخزن والبوليس والنظام ديموقراطي جدا . قبل شهور خرج علينا فجأة وزير الداخلية المنتدب المغربي فؤاد علي الهمة باستقالة من وزارته , وكان جليا حينها أن ثمة استراتيجية تبنى من طرف المخزن في الأفق من أجل ترسيخ الديموقراطية ( طبعا لا أعرف أية ديموقراطية )ولكن الأهم أن السيد الوزير أسس حركة سياسية أسماها حركة لكل الديموقراطيين , ولأننا في بلد ديموقراطي أصبح هذا الكائن السياسي حزبا سياسيا يناضل من أجل تحقيق الديموقراطية ضد حركات ديموقراطية أخرى . رؤساء الأحزاب الديموقراطية والنقابات المحسوبة عليها - بالديموقراطية - يغيرون القوانين الأساسية والقوانين الداخلية من أجل أن يستمروا في مناصبهم ديموقراطيا كزعماء حتى الموت , وغالبا ما يكون ابن رئيس الحزب الديموقراطي رئيسا ديموقراطيا لنفس الحزب الديموقراطي ...
النظام الحاكم الديموقراطي بإمكانه أن يفعل ما يريد بدون حسيب أو رقيب بالديموقراطية , ولكي يخلق دينامية ديموقراطية في البلاد دأب على فبركة وتغذية أحزاب صفراء من أجل النضال الوطني الديموقراطي , الأمر أشبه بمسرحية بفصول متشابهة . أما قادة الأحزاب الديموقراطيون فهم لا يتحركون إلا بالتيليكومند الديموقراطي التي يديرها النظام , لأنهم يجلسون في مقاعدهم الديموقراطية ليس بفضل المؤتمرات بل بفضل ولي نعمتهم النظام الديموقراطي . أما صديقنا الديموقراطي فؤاد علي الهمة بحركته (حركة لكل الديموقراطيين ) فقد استطاع بالديموقراطية في أسابيع قليلة أن يجمع عصابة من الإنتهازيين الديموقراطيين لم تستطع كل الأحزاب أن تجمعهم في عشرات السنين .
لقد اختلط الديموقراطيون بالديموقراطيين .
في المغرب ,ولأنه زمن الديموقراطية حتى الجلادون ومجرموحقوق الإنسان والمتورطون في نهب المال العام يؤسسون حركات وأحزاب ومؤسسات مجتمع مدني للنضال من أجل الديموقراطية . بصراحة ليست حركة لكل الديموقراطيين هي ما لم أهضمها بل كل ما هو ديموقراطي في هذا البلد , من مفهوم الإنتقال الديموقراطي الذي عمره الآن عشر سنوات إلى مؤتمرات الأحزاب الراديكالية الديموقراطية التي لا تناقش وضع الديموقراطية المأزوم في البلاد والوثائق السياسية بقدر ما تنتهي بشتائم متبادلة بين الديموقراطيين والديموقراطيين وبانتخاب الرئيس المنتهية ولايته مرة أخرى , ولو ضد الأنظمة الداخلية والقوانين الأساسية ديموقراطيا , إلى التضييق على الحريات العامة ديموقراطيا أيضا , إلى الفساد الإداري الديموقراطي , إلى الدستور الديموقراطي الذي ينص ديموقراطيا على أن البرلمان ليس سلطة تشريعية راشدة وأن الحكومة ليست سلطة تنفيذية مطلقة , إلى هيئة الإنصاف والمصالحة التي تأسست لتعزيز الديموقراطية والتي تتفرج كل يوم على انتهاكات حقوق الإنسان وعلى التضييق على الحريات وعلى التجاوزات الديموقراطية السافرة للقانون من طرف ذوي النفوذ والسلطة الديموقراطيين , إلى المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان الذي محصور دوره فقط في مديح الديموقراطية المغربية في المنتديات الدولية وإصدار التقارير عن الوضع المزدهر للديموقراطية والحرية في المغرب, إلى ...إلى ...
إن الديموقراطية ليست عدد الأصوات المحصل عليها في الإنتخابات فقط . الديموقراطيون الذين يريدون تحجيمها في هذا الإطار يسعون فقط للحفاظ على مصالحهم واستمرار امتيازاتهم كمواطنين ديموقراطيين درجة أولى , وذلك ليتمكنوا من نهب ثروات البلد وسرقة الشعب , فحتى الديموقراطية اليونانية في أثينا القديمة كانت أكثر تقدما وعمقا من ديموقراطية المغرب الراهنة , حتى الأدبيات الأولى للحكم المطلق عند ميكيافيلي وبودان وهوبز أكثر تماسكا وانفتاحا من هذه الديموقراطية المغربية الهجينة التي أصبحت أغنية رتيبة ...
الديموقراطية ليست هي الإنتقال من التزوير المباشر للإنتخابات إلى حياد الدولة السلبي حيث مرشحو المخزن يشترون ويبيعون في الأصوات كأنهم في سوق ماعز
الديموقراطية ليست هي بناية برلمان بكراسي فخمة في شارع رئيسي في العاصمة , بل بقدرة هذا البرلمان التشريعية ودينامية مكوناته السياسية , فكل دولة تحترم مواطنيها لن تسمح بأن تكون السلطة التشريعية الأولى محدودة الإختصاصات دستوريا وخاضعة بصورة مطلقة لسلط أخرى توجهها وتتحكم في مسارها , أي أن البرلمان سلطة صورية موجهة فقط للكاميرات الأجنبية للتباهي بما وصلت إليه الديموقراطية المغربية. كما أن أي دولة تحترم مواطنيها أيضا لن تسمح أن يناقش تصوراتها الاستراتيجية وعلاقاتها الخارجية وقوانينها الإقتصادية برلمانييون أميون لا يفرقون بين الألف والباء إلا بمشقة .
الديموقراطية ليست هي التقارير السنوية والأرقام المفبركة المقدمة للمؤسسات والهيئات الدولية والوطنية وإنما هي ممارسة يومية تستدعي أن يتوقف المخزن وذيوله عن التدخل في مؤتمرات وحياة الأحزاب السياسية وأن يبتعد عن هواجسه الأمنية والتدخل المفضوح وملاحقة الأشخاص والهيئات عن طريق المخابرات والأجهزة القمعية . وليست سن ترسانة من القوانين فقط على الأوراق وإنشاد محفوظات تتغنى بحقوق الإنسان في كراسات التلاميذ في المدارس العمومية , في حين يقسم المغاربة إلى مواطنين درجة أولى هم أبناء عائلات معروفة تتحكم في كل شيء : في الإقتصاد وفي السياسة وفي العدالة , ومواطنين درجة تالثة محرومين من كل شيء: من العمل ومن العلاج ومن الحرية ومن التعبير ومن العيش بصفة عامة.
الديموقراطية هي إحساس المواطن بالمساواة وبالحرية وبالقدرة على المشاركة وبالعدالة , فمن غير المنطقي مثلا أن يحاكم شيوخ في أواخر عمرهم بأحكام قاسية بسبب رأي أو تعبيرولا يحاكم حسن اليعقوبي زوج عمة الملك بعدما أطلق الرصاص على رجل أمن في الشارع العام وعلى منواله الكثيرين ...
إن الديموقراطية ليست قبعة نرتديها حينما نريد وننزعها عندما لا نريد
أيها الديموقراطيون المغاربة هنيئا لكم بالحسابات البنكية الديموقراطية , بقمعكم الديموقراطي , بكراسيكم الديموقراطية , بنزولكم في الفنادق الفخمة من أجل الديموقراطية , بالدوس على أعناق المواطنين بأحذية ديموقراطية ... , وعموما هنيئا لكم بالديموقراطية المغربية
#محمد_مقصيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟