|
دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية! (2)
ضياء ليلوة
الحوار المتمدن-العدد: 2413 - 2008 / 9 / 23 - 05:12
المحور:
المجتمع المدني
يقال انه لا توجد ثوابت في الحياة، وان المتغيرات هي الثوابت الوحيدة. وهي التي تؤطر اوجه الحياة في شتى نشاطاتها. و هذا صحيح، فكل شئ محكوم بصيرورة الزمن. لذا لا توجد مجتمعات بطبيعة ثابتة. فلولا حركة الزمن اللعينة لكان لنا حضوة اختيار حقبة معينة نعتبرها نموذجية تغنينا من جهد البحث عن الافضل. لنبقى فيها نراوح كما يحلو لنا، طالما تتعاطى مع رؤآنا البسيطة و تستجيب لتطلعاتنا الآنية. ولفضلناها ايما تفضيل عن حقبات تلتها شهدنا فيها الويل!
و لكتفينا بما ننتج!، قلوبنا ثلجة ساكنة هادئة، تغنينا من حالات القلق المميت من جراء حقبات شهدنا فيها صعاليك الاضطرابات السياسية و الاجتماعية و الثقافية. حقبات صُدرت فيها الحريات، و زهقت فيها ملايين الارواح، وكُثرت فيها التآويل عن شرعية الاستعباد و قدسيته. ناهيك عن حالات الدمار في شتى الميادين. و اهمها علاقة الانسان بالانسان و علاقة الانسان بالطبيعة و ما اصابهما من حالات التشويه المادي و المعنوي. و لم يكن هنالك ضرورة للتأمل عن اسباب كل هذا الدمار ودراسة مسبباته الكارثية التي انعكست في رداءة وجودنا الانساني و تعبيرنا الفني عن مفهوم المجتمع الفاضل و الدولة الصالحة. ولم يكن للسجع المميت ، مواويل!. حقبات متتالية شهدتها مجتمعاتنا الشرق اوسطية، و لم تتعظ!. حقبات متشابهة من حيث تداعياتها ونتائجها المدمرة للانسان و بيئته ومقدرات اجياله. وما انجز عن ذلك من تردي الأوضاع السياسية، وتقهقر الحياة الاجتماعية. اسوء تلك الحقبات هي الحقبات التي تشابهت فصولها من حيث المضمون و ما اسفر عنها من دماء كقربان مقدس، بغية تكرار وجه الجلاد وضروراته. وهي لعمري اسوء ما انتجنا! لكن الزمن لم ولن يتوقف، او تتراجع عجلته او تتعثر الا عند عقلية مجتمعاتنا! وبالاخص عند احزابنا السياسية ومنظريها الحكماء!. هذه العقلية المكبلة بمسلمات الماضي جعلت الحياة في مجتمعاتنا عبارة عن حقبات متكررة في احداثها و نتائجها بسبب ما تعانيه من امراض مستديمة كداء السلطة و المظلومية. بالاضافة لما تعانيه من ازدواجية تتمثل في الجمع بين كونها احزاب استبدادية تنتمي الى مرجعيات غير شرعية، دينية كانت او علمانية، وبين ان تكون ديمقراطية في نفس الوقت! فبالرغم من كل هذه الاوجاع التي يعاني منها الجسد الشرق اوسطي، تبقى هنالك فسحة للامل، فسحة للتغيير، فرصة لأستئصال كل الامراض الخبيثة. فمع حركة الزمن التصقت قوة لا تضاهيها قوة ،اسمها (الارادة)، والتي تمتد طوليا مع طبيعة تطور الوعي تاريخيا لدى الانسان. ففكرة المجتمع النموذجي، او الدولة الصالحة، ان وجدتا!، يعتبر كل منهما نتاجا ملموسا و ترجمة لارادة الانسان في البحث عن النظام الامثل للحياة. جميع المجتمعات و حتى البدائية منها، كانت تعتقد انها الافضل. وحياتها هي الامثل. لولا حركة الزمن التي كشفت بالتالي عن عورة هذا الاعتقاد وعدم صحته. فمثلا فنلندا، البلد الذي اعيش فيه والذي يعد من الدول المتقدمة تقنيا و خدميا وثقافيا، نجد بوضوح انتشارا واسعا في شتى ميادين الحياة، لثمار فكرة (الافضل). وما زالت الاجيال تحمي هذه الفكرة باعتبارها وحدة حضارية انعكست آثارها المرضية للجميع خاصة في ميادين الفكر و الدين و الاخلاق. مما جعل البعض منهم ان يظن انهم الافضل ما بين الشعوب. ان التجربة الفنلندية كمعيار لطبيعة الارادة الانسانية تعتبر تجربة ناجحة، ولكنها ليست الامثل ما بين الشعوب. فحالات التمييز العنصري ما زالت تنتصر على ارادة الانسان الفنلندي امام اخفاقاته المتكررة في بناء مجتمع عادل ومنتج. وتنقسم حالات التمييز العنصري عند فئات المجتمع الى نوعين: منها وظيفي و منها سلوكي. فرغم شائبتها في الحالتين، تعتبر حالات التمييز العنصري عند البعض وحتى عند اعلى المستويات لهرم الدولة، آلية تتصدى لكل ما هو جديد. باعتبار ان استقبال الجديد هو خرق سافر لمسيرة المجتمع وابتعاد عن الهدف الذي دفع السلف من اجل تحقيقه كل التضحيات. هذه النظرة تتقاطع مصالحهها بين في فئات المجتمع و نخبها الثقافية و السياسية وخاصة في حالات التمييز العنصري الوظيفي. حيث ترفض رؤى البعض عمليات التجديد للهوية الفنلندية في موضوعات تمس وجودها و كيانها، كالانتماء لعضوية الوحدة الاوربية او الانتماء لحلف الناتو. في حين تبقى حالات التمييز العنصري السلوكي محصورة بشكل غير منهجي عند سلوكيات الافراد. فبعضهم ينبطح تلقائيا امام الامريكي او البريطاني، وهناك من يفضل الفرنسي على الاسباني، و هناك من يعلن عداءه ضد ذوي البشرة السمراء لاعتقاده ان كل اسمر هو عربي او مسلم. و هناك من يتودد للاسمر لاعتقاده انه ايطالي. وهناك من يركل الاسود الافريقي ولا يطيق رؤيته. وهناك من يفضله على جميع الاجناس! بالاضافة ايضا ما زلت كما معظم الفنلنديين، استعمل حاسوبا تم انشاء مكوناته او طورت برامجه في المانيا وتم تصنيعه بأيادي هندية او صينية، و تم تغذيته معلوماتيا في اليابان او بريطانيا. ولم تنجح جميع المحاولات في انشاء كمبيوتر خاص بهم، عدا ما تم تطويره من برامج تستعمل في اجهزة الهاتف النقال ( نوكيا). وما زال الفنلندي يفضل امتلاك سيارة المانية او يابانية على حساب ماركة سويدية يعود فضل نجاحها الى الايادي الفنلندية وهي نوع (ساب) و التي تعتبر اقل الماركات رواجا عند الذائقة الفنلندية. بالمقابل تعتبر فنلندا احدى الدول المهمة في الورق و الاخشاب و النظم المعلوماتية و شبكات الاتصال. والاهم من كل هذه المجالات ، تعتبر فنلندا من الدول الشريكة و الفعالة في حماية البيئة، في تقديم المجتمع الانساني. بالاضافة من كونها عامل مهم في تطويرالعلاقات الدولية و داعمة لسبل السلام كوسيط بين الشعوب. و لكن ، هل هي الافضل بين المجتمعات ؟ لا اعتقد. و السبب يعود ان فكرة (نحن الافضل)، تتعارض تماما مع طبيعة تطور الوعي تاريخيا لدى الإنسان و ارادته الخلاقة في تقديم ما هو افضل. فنلندا سعت ومازالت تواقة لاستبواء اعلى المرتبات في سلسلة المجتمعات المتقدمة. فبالرغم من ذلك مازالت فنلندا تعاني من مرض البطالة الذي ينتشر في قطاعات مختلفة. ومازل الفنلندي يعاني من ضعف قدرته الشرائية. التجربة الفنلندية من حيث معاييرالتقييم المختلفة لمراحل تطورالمجتمع، لا تخلو من شائبة. فتاريخها حافل ايضا بالمذابح التي نتجت ابان الحروب الاهلية. فلقد شهدت فنلندا اسوء حالات الدمار البشري و البيئي لا تختلف من حيث المضمون عن ما يدور الان في العراق. فمعظم الحقبات التي يتذكرها المواطن الفنلندي او دونتها اقلام المؤرخين تؤكد ان ما خلفته تلك الحقبات من ازمات اجتماعية و سياسية و ثقافية كان سببها حروب ايدولوجية دينية و سياسية. ولكن لم يستسلم الفنلندي ولم يتراجع عن فكرة (الافضل). رغم كل تجليات الازمة نهضت فنلندا بدافع الارداة نحو الافضل. و لا اعتقد سبب نموها يعود بسبب عامل الهوية المجتمعية. فلو قارنا تركيبة المجتمع الفنلندي و جذوره الثقافية مع تركيبة المجتمع العراقي و جذوره سنجد انها ايضا تزخر بتعدد القوميات و المذاهب الدينية و الاحزاب المختلفة بأختلاف انتماءآتها الايدولوجية. بل توجد حتى الان قوميات لا تتحدث اللغة الفنلندية والتي تنحدر من اصول اما سويدية او روسية بالاضافة عن وجود مكونات ثقافية مهمة "الساميين"، و تعتبر هي النواة الاولى للمجتمع الفنلندي. وجدير بالذكر، ان أول من أشار إلى وجود شعب بفنلندا هو المؤرخ الروماني تاسيتوس في كتابه جرمانيا، وقصد سكان اللابلاند الحاليين "الساميين"، وهم سكان فنلندا الاصليين. فنلندا لم تنهض لتعد احدى دول الفردوس بسبب هذه الاختلافات، ولا بسبب تفضيل طائفة على اخرى او تقديم قومية على اخرى. بل لوجود مشروع انساني عادل يعني الجميع. فهي قدمت لنفسها خيارات متعددة، ولكن بعد ذلك، اختارت ما هو افضل. فنلندا وكما في جميع الدول، مرت بنكبات و مراحل مظلمة، لكنها حفظت الدرس عن ظهر قلب، و علمت اجيالها قيمة هذا الدرس الذي كلفها ارواح مئات الالاف من المتحاربيين داخل المجتمع الفنلندي. ناهيك عن تكلفة هذه الحروب، المادية منها والمعنوية والتي تعد بقيمة مئات المليارات من الدولارات. ولكن حتى الان يشير للازمات عن كونها دافع حقيقي وراء التغيير. وراء مكامن الافضل! لم تهبط من السماء! و لكن تجربتها و النتائج التي تمخضت عنها، تعلو بها الى السماء! ان انتصار ارادة المجتمع الفنلندي للبحث عن الافضل او الامثل جديرة بالذكر. وان انهاء حقبات تعتبر وصمة عار في صفحات تاريخه كانت خطوات مهمة واساسية لتحويل فنلندا من ارض لا تصلح الا للصراعات الاقليمة و الحروب الاهلية الى احدى بلدان الفردوس. وبفترة قصيرة في عمر الشعوب. فنلندا تعتبر الان قبلة اللاجئين لكل من استعصت عليه الحياة و يحلم بملاذ آمن بعدما خذلته بلاده و كانت سببا لهزيمته مكسورا. هذه التجربة تستدعينا حقا للوقف عندها و التأمل في حيثياتها. لربما احد القراء سيقول وكما كان يردد والدي ، انني اتندر او بطران كما تستخدم هذه المفردة في اللهجة العراقية. او لربما سيقول احدكم اين نحن من التجربة الفنلندية ! ليس لكوننا اعتدنا في مضموننا الشرقي من انتاج ما هو سلبي. او لربما يعتقد البعض اننا مجتمعات قاصرة اعتادت على رعاية الرجل الابيض العم سام و اخيه ابو ناجي! او لربما سيذهب احدهم في القول والاسهاب من ان ليس بمقدورنا ان ننفض غبار التخلف و العزول عن التراجع المستمر. بسبب كوننا ننحدر من قمم التخلف والرجعية. وان احدى اسباب التخلف عن ركب المجتمعات وتفضيلها على التمرغل المستديم لا يعود بسبب مواجهتنا للرياح العاتية المغبرة والتي جعلتنا نبدو كالمومياء، بل يعود اسبابها الى ظروف هويتنا الشرقية والتي تحددت ضمن عوامل دينية وقبلية وقومية. و لكن في حقيقة الامر، لا توجد تجربة انسانية اجتازت الاختبار التاريخي. و لا توجد شعوب لم تتراجع امام تقدم الاخرى او بقت تراوح حتى اصابها الكساح. الحقيقة اننا مجتمعات لا تتعظ رغم كل هذه التجارب المريرة و قسوتها. فبدل ان نتقدم رحنا نتراجع الى عهد العصور البدائية. وبدلا ان نجتهد لاحياء المجتمع في كل مؤسساته، رحنا نفاضل بين فئة واخرى، وشريحة على اخرى. وبدلا ان نحافظ على غنى المجتمع بكل الوانه العرقية والاثنية، رحنا نختزل المجتمع الى سني و شيعي و كردي. وبدلا ان نقدم الافضل على السيئ رحنا نقدم الاسوء على السيئ. وبدلا ان ننصر الحاضر على الماضي، رحنا نقدم الماضي على المستقبل. تستهوينا جدا فكرة الماضي ولا ادري لماذا! ليت احدكم يذكر لي سبب واحد مقنع عن سر هذا الاستهواء! فبدلا ان نبني و نـنتهج فكرا انسانيا ذو قيمة عصرية و مدنية، يتسم بالعدالة و التقدم، رحنا نبش قبور العصور الغابرة بحثا عن النموذج الافضل للانسان العراقي. و لم نجني من الماضي سوى ديدانه المقرفة. و النتيجة الاخيرة ، اننا ما زلنا نكرر حالة الفشل في استباط انسان يـبني مجتمعا انسانيا حيا. المجتمعات الاخرى اجتازت محنة الاختبار، بفعل الارادة و نجحت. و احدى مقومات النجاح انها اتعضت من مرارة الماضي وعقدته و تحررت منه. و اعتبرت كل مواطن قوة انتاجية على الصعيد المعرفي و الاجتماعي و السياسي و الاقتصادي. لكن مجتمعاتنا بكل نخبها الثقافية و السياسية بقت تنتج من نفس الخطاب القبلي و الديني و القومي ابجديات جديدة و نواميس جديدة و رقصات جديدة لا تختلف عن ابجديات الخطاب القديم الذي كان سبب لكل هذه الويلات و الانكسارات. فاذا اعتبرنا دولة القانون ، و مقومات الحراك الاجتماعي – الثقافي، و طبيعة استقرار المناخ السياسي عند المجتمعات المتحضرة ثالوثا مقدسا يؤطر اوجه الحياة للمجتمع النموذجي ، فننا نجد ان ثالوثنا المكبل بمسلمات المقدس بات يؤطر اوجه الحياة من خلال هيمنة الماضي على الحاضر. فنجد دولة الاشخاص القبلية و الدينية و القومية وميلشياتها، تتكرر، بديلا عن دولة المؤسسات. و كأننا نعيش في عصر الاحراش. ونجد ان الروح القطيعية كعامل سايكولوجي هي القيمة والقوة والاداة في التأثير على حراك المجتمع كبديل عن النظم المؤسساتية للمجتمع المدني. و بالتالي نجد ان مناخنا السياسي يتأثرسلبا بفعل التدخلات الاقليمية التي سيطرت بمخالبها على تشكيل احزاب سياسية مرتبطة بها عضويا بفعل العامل العقائدي المشترك. لذا اصبحت الاحزاب عبارة عن ظل للخطاب الاقليمي واداة لتفعيل ارادته على حساب الوحدة الوطنية و اولوياتها. فبدلا ان ترحم احزابنا السياسية جماهيرها التي عانت قسوة الامريين، قسوة الانتماء القطيعي باختلاف اشكاله من جهة، وقسوة تكرار وجه الجلاد في حقبات مختلفة و ازدياد التدخلات الدول الاقليمية من جهة اخرى، راحت الاحزاب السياسية تكرس استمرار القسوة و تغذي جذور المجتمع بروافد الفرقة والكراهية التي حصدت ما تبقى من ارواح الاهالي في جميع المدن العراقية وتدمر بيئتها الجميلة. ان البلدان التي تعتبر متقدمة في شتى ميادين الحياة يعود سبب تقدمها لانتصار فكرة الانسان. فلا قيمة لبلد مهما كانت عراقته، طالما يسحق فيه الانسان على حساب تبلور فكرة معينة اخرى. ان فكرة الانسان اكبر قيمة من فكرة الوطن. و فكرة المواطنة اكبر قيمة من فكرة انا شيعي وانا سني، واكبر من قيمة انا عربي و اخر كردي او كلداني او آشوري او مندائي او شبكي او ايزيدي. حيث تستخدم هذه المعرفات ليس للاشارة عن غنى المجتمع بل للمفاضل و التنكيل بالاخرى. ولربما يعتبر البعض ان تحقيق فكرة المواطنة حسب ابجديات احزابنا هي انتصار لخاصية للانسان. وهي لعمري انتصار للحالة القطيعية المقيتة التي كرست حالات التخندق الايدولوجي في صميم المجتمع. فالخاصية الحقيقية للانسان تعني الحرية والاستقلالية والانجاز المعرفي والخلقي. فمفهوم كالوطنية والدين والقومية ليست من خاصية الانسان، بل هي مجرد مقولات من مفاهيم ذات تاثير سيكلوجي لا اكثر. مفاهيم تستخدم للتفاضل بين القوة السياسية المتساوية في التخلف والجريمة بعدما فشلت في تحقيق العدالة. المواطنة لا تتحقق في ظل دولة استبدادية منحازة لطائفة على حساب الاخرى، او لقومية على حساب الاخرى، او لدين او مذهب على حساب الاخر. مفهوم المواطنة لا يتحقق في ظل دولة الشخوص والافراد. بل تتحقق المواطنة في ظل دولة القانون. فلو تعمق هذا الفهم عند عقلية المواطن و هو يلمس عبأ الحياة و تدهور معيشته بسبب انتمائه الديني او القومي لتحول مفهوم المواطنة الى مفهوم عنصري. لذا نجد تخبط المواطن العراقي كوحدة غير مستقلة، تابعة، بسبب تخبط حكماء العصر في رسم شعارات احزابها وتحديد مهامها، و التي لا تقل دناءة وخسة عن فكرة التظليل و الكذب وللمنافسة على اصوات الناخبين لا اكثر. فبمجرد ان يتطور الجانب السياسي يتطور هذا المفهوم ايضا ويصبح مفهوما للشراكة والانفتاح على الاخر من دون تعسف او مزايدة. وانا على يقيين كامل من ان ما تطرحه الاحزاب الان في اداءها من مفاهيم لا تخدم تطلعات الانسان ولا تعمل على تقديم انجاز فعلي لخلق مجتمع متسامح مع نفسه، سيكون مصير هذا الاحزاب السقوط في برك الفشل الذي امتلأ ببصاق الجماهير الغاضبة. و ان المستقبل سيكشف لنا حتما من ان مصير كلمة سني او شيعي، كردي او عربي ، آشوري او كلداني، ايزيدي او مندائي، سيكون مصيرها بائس بفعل التجارب وبفعل صيروة الزمن المتحرك وفعل عامل الارادة نحو الافضل. وان اكثرهن جريمة الان ستصبح اكثرهن شتيمة في المستقبل، كما هو مصير كلمة بعثي. ان كل التجارب تؤكد بعدم كفاءة الاحزاب السياسية ذات التوجه العنصري، الديني او القومي وفشلت على التوالي في ادارة البلد ابان الازمات. و حتى نخبنا الثقافية و الدينية اصبحت عاملا مساعدا لتكريس هذا الفشل و تبرر استمراره. جميعها ، احزابا و نخبا فشلت في قراءة محيطنا الداخلي والخارجي. لذا لا يمكن الوثوق بأي من هذه الاحزاب او النخب. لانها كل ما قدمته هو هامشي ولا يرتقي لمستوى ما قدمته الشعوب الاخرى. وان جميع الخطابات المأثورة عن حرمة الدين والقومية والقبلية او بما تسمى خصوصيات المجتمع العراقي لم تبني مجتمعا نموذجيا بل قتلت في الانسان العراقي كل قيم الجمال وسبل النهوض و كرست فيه حالة العجز وتكرار الفشل. فاذا تأملنا قليلا ادبيات الاحزاب السياسية و التي تعتبر مكونات السلطة السياسية، وحاولنا كشف تناقضاتها وفضائها، سنجد ان الخلل يكمن في الجذر الثقافي و امتداده التاريخي والجغرافي. و سنتفهم حينها سبب دفع الاحزاب بالانسان العراقي الى ان يكون هامشي، قوة مسلوبة، مهانة منتهكة في كل المراحل بكل تغيراتها وان يكون جنازة على مر التاريخ. ليعتبر ثمنا او شهادة ولاء لحالة التبعية المتكررة. لو تأملنا اكثر، سنجد ان هذه النتائج مرتبطة عضويا مع طبيعة الجذر الثقافي والذي يعتبر المحرك الاساسي لادبيات الاحزاب السياسية كثقافة ايدولوجية وما يغذيها من روافد معرفية، هو نفس الجذرالثقافي الذي يتغذى عليه المجتمع. نحن بحاجة الى خطاب مدني عقلاني معتدل وهادف لا يبتعد بنا الى افق المستحيل. وهذا الخطاب لا يمكن استلهامه من نفس الجذر الثقافي الملتهب عدائية و جنون. نحن بحاجة ماسة الى موعظة التأمل لتجارب الشعوب في حالة استعصى علينا تأمل تجاربنا. وهذا الشرط لا يمكن ان يتحقق في ظل ضجيج الموت المقرف من اجل حرمة الدين و المذهب و القومية. ولكن بالامكان تحقيقه لو توفرت ضروريات العيش الكريم و تحقيق الامن للجميع تحت اطرالعلاقات الانسانية السامية والتي ترتكز على مبدأ الشاركة الفعلية بما ننتج. وليس بما زرع الماضي وحصد. ان تجربة الشعوب في استعادة دورها التاريخي و استنباط مجتمع الافضل ليست عصية على شعوبنا، كما يعتقد البعض. فكما تحررت الشعوب من عقدة الماضي سنتحرر نحن ايضا بفعل العامل الزمني المتحرك واستحقاقات العصر لو اتعضنا مرة واحدة من الدروس الماضية اسوة بالشعوب.
#ضياء_ليلوة (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دماء الحروب العراقية! و دماء الحروب الفنلندية!
-
الالوسي و صرخة وافلسطيناه !!!!
المزيد.....
-
غرق خيام النازحين على شاطئ دير البلح وخان يونس (فيديو)
-
الأمطار تُغرق خيام آلاف النازحين في قطاع غزة
-
11800 حالة اعتقال في الضفة والقدس منذ 7 أكتوبر الماضي
-
كاميرا العالم توثّق معاناة النازحين بالبقاع مع قدوم فصل الشت
...
-
خبير قانوني إسرائيلي: مذكرات اعتقال نتنياهو وغالانت ستوسع ال
...
-
صحيفة عبرية اعتبرته -فصلاً عنصرياً-.. ماذا يعني إلغاء الاعتق
...
-
أهل غزة في قلب المجاعة بسبب نقص حاد في الدقيق
-
كالكاليست: أوامر اعتقال نتنياهو وغالانت خطر على اقتصاد إسرائ
...
-
مقتل واعتقال عناصر بداعش في عمليات مطاردة بكردستان العراق
-
ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|