أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني















المزيد.....


من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني


حسقيل قوجمان

الحوار المتمدن-العدد: 745 - 2004 / 2 / 15 - 07:57
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


تحل اليوم، الرابع عشر من شباط، ذكرى اعدام الرفيق فهد، سكرتير عام الحزب الشيوعي العراقي. فكان فقدانه بالنسبة للحركة الوطنية العراقية والحركة العمالية الثورية العراقية خسارة فادحة لم تعوض حتى يومنا هذا. وقد ترك لنا فهد تراثا عظيما من الادب الثوري الماركسي. من ميزات القائد الماركسي ان ما يكتبه يبقى حيا حتى بعد مدة طويلة وحتى بعد ان تتغير الظروف التي كتبه فيها يمكن الرجوع اليه والاستفادة منه في النضال الثوري. ويرجع ذلك الى ان ما يكتبه الماركسي يكون صحيحا في الظروف التي يكتبه فيها وهذا يجعل التراث الذي يتركه الماركسي حيا دائما ينير الدرب امام الاجيال التي تأتي بعده. هذا ما نلمسه كل يوم عند قراءتنا لماركس وانجلز ولينين وستالين وغيرهم من مشاهير الكتاب الماركسيين. نحن نقرأ كارل ماركس اليوم ليس فقط لأن ما كتبه بقي صحيحا الى يومنا بل بالدرجة الاولى لكي نستفيد من طريقة بحثه للظواهر الاجتماعية وطريقة التوصل الا الاستنتاجات وهذا يساعدنا على سلوك نفس الطريقة في بحثنا للظواهر التي نجابهها والتوصل الى استنتاجات صحيحة بصددها. اننا نتخذ من تلك الكتابات دليلا لنا في العمل. واذا كانت الكتابات غير ماركسية وغير صحيحة في الظروف التي كتبت فيها فسرعان ما تختفي ويكون مصيرها سلة مهملات التاريخ. اذ حتى كاتبها لا يوافق على ذكرها ونشرها حين يظهر خطلها وينكشف زيفها وعدم صحة تحليلاتها. فأين كتابات خروشوف التي اعتبرت في حينه اكبر تطوير للماركسية او ما سمي بالماركسية الخلاقة؟ واين البيريسترويكا التي اطلق عليها ثورة اكتوبر الثانية واطلق على غورباشوف اسم لينين الثاني؟ ولنفس الاسباب ما زلنا حتى اليوم نقرأ كتابات فهد ونفتخر بها ولا نستطيع ان نفعل ذلك مع كتابات غيره من قادة الحزب الشيوعي الذين قادوا الحزب مددا اطول من المدة التي قاده بها فهد.
في هذه الذكرى فكرت في ان انتخب شيئا من التراث الذي خلفه لنا فهد اتحدث عنه فلم اجد افضل من الميثاق الوطني الذي اقره الكونفرنس الاول للحزب سنة ١٩٤٤. وسبب اختياري للميثاق هو ان الكثير من الانتقادات وجهت اليه خصوصا منذ نشره في مجموعة مؤلفات فهد التي نشرت في منتصف السبعينات وما زالت توجه اليه حتى اليوم. وكانت اكثر هذه الانتقادات صحيحة من الناحية العلمية ومن وجهة النظر الماركسية. ويرجع السبب في ذلك الى ان الميثاق المنشور في المؤلفات يختلف عن الميثاق الوطني الذي اقره الكونفرنس. فالميثاق كما نشر في المؤلفات ناقص حذف منه اهم جزء فيه فاصبح عرضة للانتقاد واصبح  فهد نفسه عرضة للانتقاد فيما يتعلق بالميثاق الذي كان هو واضعه.
كان بودي ان اكتب مثل هذا المقال حين يكون الميثاق بنصه الاصلي الاول في يدي. ولكني حاولت جهدي للحصول على نسخة منه خلال عشرين عاما فلم افلح. لذلك فان حديثي عن الميثاق يأتي من الذاكرة فقط كما كنا ندرسه في السجون. واعلم علم اليقين انني مهما حاولت لا يكون تقديمي وتحليلي للميثاق من الذاكرة موثوقا كما يكون لو كانت في يدي نسخة اقتبس منها في هذا المقال. ولكن ما في اليد حيلة. فساقوم بابداء رأيي حول الميثاق كما درسناه في السجون وارجو ان يكون اقرب ما يمكن من الواقع وسأكون على اتم الاستعداد لتصحيح ارائي امام كل قرائي صراحة حالما تتوفر لي نسخة من الميثاق. ومع ذلك اتامل ان يكون لمقالي بعض الفائدة في الدفاع عن ميثاق فهد وعن فهد الذي وضع الميثاق كما اتأمل ان يكون المقال مفيدا للمناضلين الذين يريدون فعلا قيادة الشعب العراقي في سبيل تحقيق شعار فهد "وطن حر وشعب سعيد".
ما هي الصفات التي يجب ان تتوفر في برنامج او منهاج اي حزب سياسي جدي؟ اهم صفات الحزب السياسي هي انه يهدف الى استلام السلطة السياسية في مجتمعه. وهذا يصدق بدرجة اكبر على الحزب الماركسي. فاهم صفة في الحزب الماركسي هي انه يريد الاستيلاء على السلطة السياسية. ومن هذا تنشأ ايضا الصفة التي يجب ان تتوفر في برنامج الحزب. على المنهاج ان يعلن الهدف الذي يريد الحزب تحقيقه عند استلامه السلطة. وبما ان اهداف الحزب الماركسي هي ابعد الاهداف التي يمكن لاي حزب ان يتوصل اليها، هدف بناء المجتمع الاشتراكي عند استلام السلطة، فان هذا الهدف يجب ان يكون اهم هدف في منهاج الحزب الماركسي في كل الظروف وفي شتى مراحل التطور الاجتماعي. والهدف الذي يريد اي حزب وخصوصا الحزب الماركسي الوصول اليه يسمى في اللغة السياسية الهدف الاستراتيجي. والهدف الاستراتيجي لاي حزب ماركسي يجب ان يكون استلام السلطة واقامة حكومة باستطاعتها ان تقود الشعب في طريق بناء مجتمع اشتراكي. فاي حزب يتبنى الماركسية ولا يضع في منهاجه هدف الاستيلاء على السلطة وتكوين حكومة كهذه لن يكون حزبا ماركسيا مهما اطلق على نفسه من اسماء ومهما طبل وزمر بوصف برنامجه. وبما ان الهدف الاستراتيجي لجميع الاحزاب الماركسية هو نفس الهدف، هدف استلام السلطة وبناء مجتمع اشتراكي، فلابد ان يكون بين برامج هذه الاحزاب كثير من التشابه. وبامكان اي حزب عند وضع منهاجه ان يستفيد من تجربة الاحزاب الاخرى بهذا الصدد.
هل من الضروري ان يضع الحزب الماركسي شعاره الاستراتيجي بصراحة ووضوح في برنامجه؟ اليس من الافضل ان يخفي هذا الشعار الاستراتيجي عن السلطات التي تستخدم ذلك في اضطهاد الحزب وارسال قادته الى السجون او الى المشانق؟ الجواب هو ان الحزب لا يمكن ان يكون حزبا حقيقيا اذا لم يعلن صراحة في منهاجه عن هذا الشعار الاستراتيجي. فالهدف الاستراتيجي، الهدف الذي يبتغي الحزب تحقيقه لدى استلامه السلطة، يجب ان يكون نصب عيني الحزب في كل لحظة وفي كل دقيقة في حياته السياسية. يجب ان يكون هذا الهدف دليله للعمل كل يوم وكل ساعة. فاذا نسي حزب هدفه الاستراتيجي لحظة واحدة فقد اتجاهه في العمل اليومي في تلك اللحظة. ان الهدف الاستراتيجي هو الموجه الحقيقي لعمل الحزب في كل لحظة وكل دقيقة من حياته النضالية. وميزة الهدف الاستراتيجي انه لا يتغير بتغير ظروف النضال اليومي. فهذا الهدف يبقى ثابتا الى يوم تحقيقه. هناك نوعان من البرامج الماركسية عموما من وجهة نظر الشعار الاستراتيجي. برنامج حزب في بلد راسمالي كانت الثورة البرجوازية قد تحققت به قريبا او منذ مدة. يتألف برنامج مثل هذا الحزب من مرحلة واحدة يكون استلام السلطة وبناء المجتمع الاشتراكي فيها الهدف الاستراتيجي المباشر. وبرنامج حزب في بلد لم تتحقق فيه الثورة البرجوازية بعد كما هو الحال في كافة البلدان المستعمرة والتابعة. ويتألف برناخج الحزب في مثل هذا البلد من مرحلتين يكون البرنامج الاستراتيحي للمرحلة الاولى تحقيق الثورة البرجوازية سواء بقيادة الحزب ذاته او بدونها، ويكون البرنامج الاستراتيجي للمرحلة الثانية استلام السلطة وتحقيق بناء المجتمع الاشتراكي بقيادة الحزب ذاته. وكان الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي، اي الحزب الشيوعي الروسي، حزب لينين، اول حزب من احزاب النوع الثاني الذي وضع منهاجه على اساس المرحلتين. ونظرا للتشابه الكبير في جميع البلدان التي لم تتحقق فيها الثورات البرجوازية فبامكان اي حزب في هذه البلدان ان يستفيد من برنامج هذا الحزب لدى وضعه برنامج حزبه. ومن هذا التشابه نشأ الشرط الاساسي لقبول الاحزاب الشيوعية في الاممية الشيوعية وهو شرط وضع الهدف الاستراتيجي في برنامجه، هدف الاستيلاء على السلطة وبناء المجتمع الاشتراكي، هدف اقامة دكتاتورية البروليتاريا.
ولكن التشابه بين البلدان التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية يتوقف عند هذا الحد. فكل بلد له خصائصه الخاصة ولذلك يكون على الحزب ان يكيف اعماله اليومية وفقا لظروف بلده. ونشاطات الحزب اليومية هي نشاطات متغيرة تبعا لتغير الظروف التي يمر بها كل بلد. وهذه النشاطات اليومية المتغيرة تسمى في الادب السياسي التكتيك. فالاهداف التكتيكية لاي حزب تتقرر وفقا للظروف التي يجابهها الحزب في نضاله اليومي. فالشعار الذي يكون صحيحا اليوم قد يكون خاظئا في اليوم الثاني. ولكن الصفة المشتركة في جميع الاهداف التكتيكية اليومية في الحزب الماركسي هي ان الهدف اليومي يجب ان يكون موجها في اتجاه الشعار الاستراتيجي. فكل شعار تكتيكي يتخذه الحزب يجب ان يجيب على السؤال "هل يقرب هذا الشعار الحزب من تحقيق شعاره الاستراتيجي ام لا؟ وعلى الحزب ان لا يرفع اي شعار تكتيكي يبعد الحزب عن شعاره الاستراتيجي. فبينما تتشابه برامج الاحزاب في البلدان التي لم تتحقق فيها الثورة البرجوازية من حيث شعارها الاستراتيجي تكون شعاراتها التكتيكية مختلفة نظرا لاختلاف الظروف الاجتماعية التي تتطلب رفع هذه الشعارات التكتيكية.
كان النموذج الامثل لمنهاج حزب لم تتحقق فيه الثورة البرجوازية منهاج الحزب الاشتراكي الديمقراطي الروسي الذي وضعه لينين سنة ١٩٠٣. فهذا المنهاج وضع هدفه الاستراتيجي بوضوح وبين ان روسيا تجابه مرحلتين سياسيتين هما مرحلة الثورة البرجوازية ومرحلة الثورة الاشتراكية. وقد طرأت على ظروف النضال اليومي في روسيا منذ ١٩٠٣ حتى ١٩١٧ تغيرات كثيرة ولكن الشعار الاستراتيجي للحزب لم يتغير وبقي برنامج ١٩٠٣ البرنامج الوحيد للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي تحول الى الحزب الشيوعي حتى انتصار ثورة اكتوبر وتحقيق الشعار الاستراتيجي باقامة دولة اشتراكية تعمل على بناء مجتمع اشتراكي. ولكن الشعارات التكتيكية للحزب تغيرت حسب تغير الظروف السياسية والاجتماعية في روسيا. ولكن لينين والحزب الشيوعي لم يرفع شعارا واحدا ما لم يكن شعارا يهدف الى تقريب الحزب خطوة نحو شعاره الاستراتيجي.
هذا هو الاساس الذي يجب ان نتخذه لدى مناقشة الميثاق الوطني الذي اقره الكونفرنس الاول للحزب الشيوعي العراقي وتقدير فهد واضع هذا الميثاق سلبا ام ايجابا. ولا يصلح في رايي اي اساس اخر يتبع في بحث وتقدير الميثاق الوطني والرفيق فهد فيما يتعلق بوضع الميثاق.
كان الميثاق الوطني على ما اتذكر مقسما الى جزءين. الجزء الاول تحت عنوان المنهاج والجزء الثاني تحت عنوان الميثاق. والميثاق المنشور في المؤلفات هو الجزء الثاني وحده وليس هناك ذكر او اثر للجزء الاول، للمنهاج.
كان المنهاج قصيرا موجزا كل ما فيه هو تحديد مرحلتي الثورة في العراق، الثورة البرجوازية والثورة الاشتراكية. وكان هذا المنهاج شبيها بمنهاج الحزب الشيوعي الروسي الذي دام من ١٩٠٣ حتى ثورة اكتوبر. وقد وضع الرفيق فهد هذا المنهاج ليكون البرنامج الاستراتيجي الثابت للحزب. ان هذا المنهاج هو المنهاج الذي يجب ان يسير عليه اي حزب يريد فعلا ان يقود الطبقة العاملة والفلاحين حتى تحقيق الثورة الاشتراكية واقامة نظام حكم اشتراكي وبناء المجتمع الاشتراكي.
يعلق الباحثان في كتابهم في الصفحة ٢٣١ على الميثاق بشكله الناقص الذي عرفوه بالفقرة التالية:
"تمكن الحزب الشيوعي العراقي منذ انعقاد الكونفرنس الحزبي الاول والمؤتمر الاول ان يرسم سياسة عملية ويطرح على المجتمع رؤية واضحة حول "النضال من اجل الاستقلال الوطني والديمقراطية والتقدم الاجتماعي". وكان الحزب يناضل بمختلف الوسائل السلمية من اجل تحقيق تلك الاهداف. ولم يطرح فهد فكرة "الثورة البروليتارية"، بل استغنى الحزب عن شعار "دكتاتورية البروليتاريا" في نظامه الداخلي، رغم نقده الشديد الذي وجهه الى عبدالله مسعود وجماعته لرفضهم الحديث عن، وتثبيت فكرة، دكتاتورية البروليتاريا."
أليس غريبا ان ينقلب فهد من اشد الانتقاد لعبدالله مسعود لعدم ذكره دكتاتورية البروليتاريا الى فهد المسالم الذي لا يضع في الميثاق الوطني ذكرا لاي شعار استراتيجي؟ هل هذا ممكن وهل يقبله المنطق؟
لنرجع الان قليلا الى كراس "حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية" الذي وقعت مقدمته التي كتبها زميل كفاحه الرفيق حسين الشبيبي (صارم) والذي اعدم في نفس يوم اعدام الرفيق فهد في يوم ٧ شباط ١٩٤٤ اي قبل انعقاد كونفرنس الميثاق بوقت قصير. وردت في المقدمة الفقرة التالية:
"واود ان الفت نظر القارئ الى ما بين يديه من دراسة داخلية، اعني دراسة تتعلق بالدرجة الاولى بكيان الحزب الشيوعي وحياته، اي بنظريته وتنظيمه، فمن الواجب ان يضع كل حريص على وجود هذا الحزب نصب عينيه دائما وأبدا، الاهداف البعيدة التي يرمي اليها كل حزب شيوعي وان لا يصرف النظر عن تلك الاهداف، فليست الاحزاب الشيوعية، مهما كانت المرحلة التي تجتازها، سوى منظمات بروليتارية ثورية، منظمات لا يتحقق منهاجها الاعظم الا بثورة البروليتاريا ودكتاتوريتها، واذا كان مما يخيف البعض ذكر هذا الهدف ويرعبه فمن الخير له ان يتنحى عن السبيل وان ينزع اثوابا لا يطيق حملها والتزين بها، وان يتفادى الارتجاف من الحق والارتعاب من الواقع وان يتحاشى التذرع والتذبذب لئلا يصيبه الدوار اذ ليس في هذا الميدان مجال للمجلس مالم يكن من ارومتها". (مؤلفات الرفيق فهد ص٥-٦)
هذه عبارة كتبت في شباط ١٩٤٤ فهل يعقل ان حسين الشبيبي اصبح ممن لم يكونوا من ارومتها بعد شهر؟
وجاء في كراس حزب شيوعي لا اشتراكية ديمقراطية "قلنا ان الهدف النهائي للحزب البولشفي كما سجلته مناهجهم كان اسقاط البرجوازية واقامة الدكتاتورية البروليتارية. ولم يقف حزب شيوعي في العالم الا على هذا الاساس..." (ص ٢٠) فهل يعقل ان فهد بعد شهر ينقلب الى الاصلاحي المسالم الذي يتخلى عن الثورة وعن دكتاتورية البروليتاريا؟ ولا اريد ان اطيل على القارئ بمزيد من الاقتباسات لاعتقادي بان ذلك لا يضيف شيئا الى ما اقتبسناه.
ويؤكد الباحثان ان فهدا عرض مسودة الميثاق على الاممية الشيوعية قبل عرضه على الكونفرنس لاقراره. فاذا كان هذا صحيحا ينشأ السؤال كيف وافقت الاممية الشيوعية على ميثاق اصلاحي كهذا لا يذكر الشرط الاساسي من شروط عضوية الاممية الشيوعية، شرط وضع هدف دكتاتورية البروليتاريا في المنهاج لا مجرد كلمات بل بالعمل المثابر المتواصل في سبيل تحقيقه؟ هل قبلت الاممية الشيوعية هذا الميثاق وقبلت الحزب عضوا فيها لجمال اعين فهد؟ ان المنطق ومعرفة فهد الشيوعي الاممي والمثقف بنظرية ماركس انجلز لينين وستالين والملتزم كل الالتزام بشروط عضوية الاممية الشيوعية لا ولن يمكن ان يتقبل من فهد ان يتحول الى هذا الشخص الاصلاحي اللاثوري الذي تصفه به الفقرة المقتبسة اعلاه.
اعود الان الى القسم المنشور من الميثاق في مؤلفات الرفيق فهد وهي التي استند اليها الباحثان في تحليلهم للميثاق ولشخصية واضعه الرفيق فهد. يتالف الميثاق المنشور من ١٥ فقرة تبدأ كل فقرة منها تقريبا بكلمة نناضل وتشير الى مشكلة من المشاكل التي كان يعاني منها الشعب العراقي في فترة انعقاد الكونفرنس. انها كلها شعارات انية يناضل الحزب من اجل تحقيقها. جعل استقلال قطرنا حقيقة لا لفظا، ايجاد حكومة وطنية، حل مشكلة التموين، تنمية الاقتصاد الوطني، ايقاف نهب اراضي الفلاحين، الدفاع عن مصالح العمال السياسية والاقتصادية والاجتماعية والصحية، نظام ضرائب يعفي اصحاب الدخل الصغير، توسيع نطاق التعليم، مساواة المرأة بالرجل بالحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية، مساواة حقيقية في الحقوق للاقلية الكردية، الاعتناء بالجندي المكلف، الصداقة والتعاون السياسي ولاقتصادي مع الدول الديمقراطية وتاسيس علاقات مع الاتحاد السوفييتي، التعاون الاجتماعي بين شعوب البلاد العربية، التعاون الاقتصادي بين الاقطار العربية. نلاحظ من كل هذه الشعارات التي يناضل الحزب في سبيل تحقيقها انها شعارات يمكن تحقيقها كليا او جزئيا ضمن النظام القائم وليس فيها من الشعارات ما لا يمكن تحقيقه الا بالثورة وتغيير نظام الحكم. ان هذه الشعارات كلها شعارات تكتيكية يمارسها الحزب من اجل تحسين احوال الشعب وتحقيق وحدته في النضالات الاعلى من ذلك، باعداده للثورة المقبلة وتغيير نظام الحكم. ومن ميزة الشعارات التكتيكية انها قابلة للتغير بخلاف الشعارات الاستراتيجية. فلو فرضنا ان الحزب يطالب بحل مشكلة التموين فلا يبقى اي سبب لابقاء هذا الشعار في حين الغي نظام التموين واصبح بامكان الناس ان يشتروا الطحين والرز والسكر في السوق بحرية، واذا طالب باجازة الاحزاب وتحقق هذا المطلب باجازة الاحزاب كما حدث في ١٩٤٥ فلا تبقى حاجة الى ابقاء شعار المطالبة باجازة الاحزاب ويختفي هذا الشعار من الميثاق لينشأ شعار اجازة حزب التحرر الوطني مثلا. واذا طالب الحزب باجازة نقابات العمال وتحقق هذا الشعار لا يبقى هذا الشعار في الميثاق. ولكن شعارات جديدة تنشأ دائما في مسار تطور المجتمع. ينشأ مثلا شعار الغاء معاهدة بوتسموث، شعار الغاء حلف بغداد، شعار الغاء الاتحاد الهاشمي، وهي شعارات لم يكن لها وجود في الميثاق ولكنها نشأت ويناضل الحزب من اجل تحقيقها ولذلك تدخل ضمن الميثاق. الشيء الوحيد الثابت في الميثاق هو المنهاج، اي الشعارات الاستراتيجية التي لا يمكن تحقيقها الا بالثورة وبتغيير نظام الحكم.
وقد انتقد الباحثان الميثاق بما لم يجداه فيه. اورد مثلا واحدا فقط على ذلك، لان الامثلة الاخرى كلها قائمة على نفس الاساس. فقد بحث الباحثان في الميثاق عن اهداف لا يمكن تحقيقها في ظل النظام القائم فلم يشاهدوها في الميثاق الذي لم يتضمن سوى شعارات تكتيكية يناضل الحزب من اجل تحقيقها ضمن النظام القائم.
جاء في الصفحة ٢٢٩ انتقاد الفقرة الخامسة المتعلقة بالمشكلة الفلاحية "كانت النقطة الخامسة المتعلقة بالمسألة الفلاحية ذات طبيعة اصلاحية ضعيفة وغير ثورية وغير كافية لمعالجة اشكاليات الريف والزراعة العراقية. فالميثاق لم يحدد المهمة الرئيسية في الريف والاقتصاد العراقي خلال تلك المرحلة، الى جانب الاستقلال والسيادة الوطنية، اي حل المسألة الزراعية من خلال اصدار قانون للاصلاح الزراعي يهدف الى تصفية علاقات الانتاج شبه الاقطاعية ..."
واضح هنا ان الباحثان يبحثان في الميثاق عن شعارات استراتيجية هي من مستلزمات مراحل غير المرحلة القائمة. الا ان فهد ليس من السذاجة بحيث يطلب من حكومة اقطاعية ان تصدر قانونا للاصلاح الزراعي الذي يقضي على علاقات الانتاج الاقطاعية. فأبسط ابسط انسان يعلم ان الحكومة التي تصدر قانونا بالقضاء على علاقات انتاجها لم تخلق بعد. فالشعار الذي يناضل من اجله الحزب ضمن النظام القائم هو الحصول على بعض الحقوق للفلاح والتخفيف من درجة استغلاله.
اردت هنا ان ابحث موضوعا اخر انتقد الباحثان فيه فهد في فصل الميثاق هو موقف فهد من الانتهازيين او من يسميهم الباحثان الحركات الماركسية وعدم تمسكه بضرورة وحدة الحركات الوطنية في جبهة من اجل الاستقلال الحقيقي. ولكني وجدت ان الموضوع اوسع من ان يناقش في فقرة ضمن هذا المقال وان بالامكان اتخاذه اساسا لحلقة مستقلة فقررت ترك بحثه في هذا المقال.
اكتفي بهذا القدر من مناقشة ما جاء في الكتاب حول الميثاق. وانتقل الان الى ما حل بالميثاق بعد فقدان الرفيق فهد.
ان القيادات التي جاءت بعد فهد لم تفهم طبيعة الميثاق ولم تعرف التمييز بين قسمه الاستراتيجي وقسمه التكتيكي. وكان اول ضربة لميثاق فهد الغاؤه في زمن قيادة باسم واعلان ميثاق جديد خطه بهاء الدين نوري شخصيا بدون استشارة احد وبدون ان يجد حاجة لمناقشته في كونفرنس او غيره. وقد امتاز ميثاق بهاء بالتخلي عن مرحلتي الثورة في العراق. وللتاريخ اسجل الملاحظة التالية.
بعد مجزرتي سجن بغداد وسجن الكوت سنة ١٩٥٣ عزلت الحكومة السجناء اليهود بصرف النظر عن نوع محكومياتهم في سجن نقرة السلمان ودام هذا العزل حتى سنة ١٩٥٥. ولكن الحكومة لسبب ما عزلت بهاء الدين نوري (باسم) وثلاثة من رفاقه عن السجناء غير اليهود فابعدتهم الى نقرة السلمان. كان بين السجناء اليهود شيوعيون ويساريون منفصلون عن الشيوعيين وصهاينة وسجناء عاديين محكومين على جرائم غير سياسية. فانضم بهاء ورفاقه الى المنظمة الشيوعية الصغيرة. لم تكن لهذه المنظمة ادبيات سياسية وكانوا معزولين عن الحركة وعن الحزب عزلة تامة تقريبا. وفي تلك الفترة كنت ادرس الرفاق الميثاق الوطني شفهيا لان الميثاق نفسه لم يكن موجودا لدينا وكان بهاء الدين حاضرا في تلك المحاضرات. كنت اثقف بميثاق فهد متجاهلا ميثاق بهاء ولم يعترض بهاء ولو مرة واحدة على ذلك.
وبعد ميثاق بهاء وادعاء بعضهم ان الميثاق الوطني كان ميثاقا لزمن الحرب وقد اكل الدهر عليه وشرب، انعقد الكونفرنس الثاني للحزب سنة ١٩٥٦ وكانت نظريته ان الميثاقين لم يعودا ملائمين لسياسة الحزب الشيوعي واتخذ الكونفرنس برنامجه التحريفي الذي جاء بتأثير قرارات المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفييتي. وبعد ذلك كان الحزب يضع برنامجا جديدا في كل مؤتمر وكان كل برنامج ابعد من سابقه عن المناهج الشيوعية الى ان وصلنا الى التخلي عن ذكر الماركسية واللينينية ولو باللفظ فقط.
ختاما اود ان اشير الى ان اي حزب ماركسي حقيقي يريد فعلا قيادة الطبقة العاملة والفلاحين وسائر الكادحين في العراق الى تحقيق شعار الحزب "وطن حر وشعب سعيد" يجب ان يتخذ الميثاق الاول، ميثاق فهد، بقسمة المحذوف، المنهاج الذي يحدد الشعارات الاستراتيجية لمرحلتي الثورة العراقية منهاجا له. وان يعترف بان العراق قد اجتاز المرحلة الاولى، مرحلة الثورة البرجوازية، يوم ١٤ تموز ١٩٥٨ وان العراق الان يجتاز المرحلة الثانية، مرحلة الثورة الاشتراكية. لا يغير هذا كون ان الثورة الاشتراكية لا تبدو الان في الافق العراقي. وقد لا تتحقق بعد عشرات السنين. ان المهم هو ان يعرف الحزب شعاره الاستراتيجي، شعار الثورة الاشتراكية وان تكون شعاراته التكتيكية في خدمة هذا الشعار وان لا ينسى شعاره الاستراتيجي ولو لحظة واحدة. فكل شعار تكتيكي يرفعه الحزب يجب ان يقاس بالسؤال هل يقدم هذا الشعار خطوة نحو الشعار الاستراتيجي للمرحلة ام يبعده عنه. ذلك هو المقياس لاي شعار تكتيكي. ولا يكون الشعار التكتيكي صحيحا باي حال من الاحوال اذا لم يكن يدفع الطبقة العاملة العراقية والفلاحين وسائر الكادحين خطوة نحو الهدف الاستراتيجي.
ان اعظم ذكرى لفقدان الرفيق فهد هي ان نتعلم منه وان نناضل في سبيل الاهداف الاستراتيجية التي اختطها لنا والا نحيد عنها قيد شعرة او ننساها لحظة واحدة.
حسقيل قوجمان
١٤ شباط ٢٠٠٤

 



#حسقيل_قوجمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من وحي كتاب فهد، الحلقة الرابعة - احتكار الماركسية
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثالثة) ثورة اكتوبر
- من وحي كتاب فهد (الحلقة الثانية)العبودية المقيتة
- من وحي كتاب فهد - الحلقة الاولى
- المؤتمر العشرون للحزب الشيوعي في الاتحاد السوفييتي
- زوار موقعي الاعزاء
- جواب على رسالة ! حول الحزب الشيوعي الاسرائيلي
- لماذا مادية ديالكتيكية؟
- رسالة مفتوحة من حسقيل قوجمان الى آرا خاجادور
- ديمتروف والانتقال السلمي الى الاشتراكية
- حينما يصبح البتي برجوازي شيوعيا
- سياسة الاحلاف والجبهات بين الماركسية والانتهازية
- عبادة الشخصية بين المادية والمثالية
- عراق اليوم بنظر ماركسي يتتبع الاحداث من بعيد
- الحوار المتمدن
- مستلزمات انشاء الحزب البروليتاري الجديد
- من يزرع الريح يحصد العاصفة - حول انهيار المانيا الشرقية واتح ...
- أنهاية حرب باردة ام بداية حرب حارة؟
- دفاع عن الماركسية في محنتها
- التعايش السلمي من ستالين الى خروشوف


المزيد.....




- رقمٌ قياسيّ لعملة فضية نادرة سُكَّت قبل الثورة الأمريكية بمز ...
- أهمية صاروخ -MIRV- الروسي ورسالة بوتين من استخدامه.. عقيد أم ...
- البرازيل.. اتهام الرئيس السابق جايير بولسونارو بالضلوع في مح ...
- اكتشاف عمل موسيقي مفقود لشوبان في مكتبة بنيويورك
- وزيرة خارجية النمسا السابقة: اليوم ردت روسيا على استفزازات - ...
- الجيش الإسرائيلي يوجه إنذارا إلى سكان الحدث وحارة حريك في ال ...
- أين اختفى دماغ الرئيس وكيف ذابت الرصاصة القاتلة في جسده كقطع ...
- شركة -رايان- للطيران الإيرلندية تمدد تعليق الرحلات الجوية إل ...
- -التايمز-: الغرب يقدم لأوكرانيا حقنة مهدئة قبل السقوط في اله ...
- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - حسقيل قوجمان - من وحي كتاب فهد (الحلقة الخامسة) الميثاق الوطني