" القبَـضاي" في الدارجة العربية ، يقابله " الشقاوةُ " أو " الأشقياء " في الدارجة العراقية ؛ تقول : هذا شقاوةٌ وأشقياء ، وتعني رجلاً يتمتع بقوّة جسدٍ مهيبةٍ ، وبنوعٍ خاصٍّ من الأريحية ، وغالباً ما كان هذا الرجلُ من منبتٍ
شـعبيٍّ أقرب إلى الفقر ، حتى كأنّ الشقاء دفعه دفعاً إلى أن يغدو " شقاوةً " ، ولازَمـه إسـماً بالرغم من تبدّل
الحال والمآل.
شقاوات بغداد ، كان لهم أيضاً ، دورهم في المسـرح السياسي العراقي ، وهو دورٌ عنيفٌ ينتهي على الدوام بموتٍ
عنيفٍ : خليل أبو الهوب مثلاً .
وكان للشقاوات دورهم في تنفيذ مآرب البعثيين ، انقلابيي شباط 1963 ، وأتباع صدام حسين في أواخر الستينيات . وكثيرٌ منّـا يتذكر ليلة كواتم الصوت الشهيرة ( الشبيهة بليلة الخناجر الطويلة الهتلرية ) حين انقلب صدام حسين على شقاواته ، وأبادهم في ليلةٍ واحدةٍ ، ليدفنهم مع أسرارهم الرهيبة ، في قبورٍ مجهولةٍ حُفِـرتْ
على عجلٍ.
ربما أغراني جِـناسُ اللغةِ ، فعـرّجتُ على بيت القبَـضاي ، غفلةً وانسراحاً مع الجناس ، وما كنت قاصداً ذاك .
أردتُ أساساً ، أن أداعب القابضينَ ، لا على الجَـمر الأحمرِ ، وإنما على الورق الأخضرِ ، وأن أسخرَ قليلاً من حربهم الضاريةِ التي يمكن أن نسـمّــيها أمّ المعاركِ. وبما أن المفلس في القافلة ( وهو أنا ) أمينٌ ، فقد وجدتُ لي
أرضاً عاليةً أُطلُّ منها على معـركة المستنقع …
القابضون من الإحتلال والشيوخِ يهـلِّـلون ويكـبِّـرون كلما أعلنوا عن قابضٍ من صدّام .
والقابضون من صدام يهللون ويكـبِّـرون كلما أعلنوا عن قابضٍ من الإحتلال ودوائره .
والجميع سواسيةٌ كأسنان المشط .
الجميع سواسيةٌ في السقوط السياسي والثقافي والأخلاقي لشريحةٍ نصّـبتْ من نفسها نخبةً سياسيةً وثقافيةً ، لعقودٍ .
يقالُ : حين يُـنـهَبُ منزلٌ تظهر الأســرار …
ومع أن أمر القابضين ( من الطرفين ) ليس بيتاً للأسـرار ، إلاّ أن غافلين كثاراً سوف يفيقون من غفلتهم ، وهم
يـطلّــون ، مثلي ، على هذا المستنقع المنتن ، مستنقعِ أمّ المعاركِ …
لندن 13/2/2004