عبد السلام أديب
الحوار المتمدن-العدد: 2412 - 2008 / 9 / 22 - 09:48
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
بمناسبة الدخول الاجتماعي 2008/2009 شرعت جريدة المنعطف في إعداد ملف صحفي حول الانتفاضات الاجتماعية، وفي هذا الإطار أجرت الجريدة حوارا مع عبد السلام أديب صدر في عدد الاثنين 22 شتنبر 2008 وفي ما يلي مضمون الحوار.
* في سياق متابعتكم للانتفاضات الاجتماعية التي يعرفها المغرب منذ بداية القرن، برأيكم على من يحتج المنتفضون بالضبط ؟
** السياسات الاقتصادية والاجتماعية المعتمدة في بلادنا منذ خروج الاستعمار المباشر، ظلت تولد الاحتجاجات تلو الأخرى، فالسكتة القلبية التي تحدث عنها الحسن الثاني سنة 1995 وتكرر الحديث عنها خلال سنة 2007 و2008 كانت نتيجة السياسات المعتمدة وقد نلاحظ أن تاريخ المغرب منذ خروج الاستعمار المباشر عبارة عن سلسلة من السكتات القلبية، ففي سنة 1964 ظهرت أزمة اقتصادية ومالية خانقة وقد رأينا كيف حدثت انتفاظة 23 مارس 1965 الدموية ثم مع نهاية عقد الستينات وبداية عقد السبعينات أدى الاحتقان الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إلى ظهور بوادر العديد من الانتفاظات وكذا عدد من المؤامرات الانقلابية ثلتها اختطافات واعتقالات شهيرة طبعت ما يعرف بسنوات الرصاص لا زال المغرب يعيش انعكاساتها إلى اليوم، ثم في النصف الثاني من عقد السبعينات من القرن العشرين دفعت الأزمة الاقتصادية والمالية واعتماد سياسات التقشف والخضوع لتعليمات المؤسسات المالية الدولية مما كان له آثار اجتماعية وخيمة انفجرت في انتفاظة 20 يونيو 1981 خاصة بمدينة الدار البيضاء والتي كانت نتائجها دموية كذلك وصف ادريس البصري ضحاياها بشهداء الكوميرة، ثم مع اعتماد سياسات التقويم الهيكلي سنة 1983 وما ترتب عنها من انعكاسات اجتماعية قادت لانتفاضة 1984 خاصة بمدينتي مراكش والناضور، وفي نهاية عقد الثمانينات ومع ضاهرة الغلاء والزيادة في أسعار عدد من المواد الأساسية أدت إلى انتفاظة 14 دجنبر 1990 خاصة بمدينة فاس وبني مكادة بطنجة.
إن هذا الانتفاظات كانت ذات طابع مركزي وتتولد عقب اضرابات عامة أو احتجاجات جماعية، لكن طيلة عقد التسعينات وبداية الألفية الثالثة بدأنا نشاهد أن الانتفاظات بدأت تنتقل من المراكز إلى الهوامش، حيث تحدث تحدث انتفاظات في أقاليم ومداشر نائية نتيجة التهميش وانعكاس السياسات الاقتصادية والاجتماعية وعدم قدرة الأحزاب السياسية والنقابات التعبير سياسيا ونقابيا عن حاجيات الطبقات المسحوقة والتي تكتفي بالخطابات الجوفاء التي لا تتحقق، مما يؤدي بالجماهير الشعبية المتضررة إلى البحث عن أشكال بديلة لتبليغ احتجاجاتهم على السياسات المتبعة والتي تتسم بالكثير من الحيف في توزيع الثروات وسيادة اقتصاد الريع ونهب الأراضي الفلاحية مما يولد الكثير من الافقار والبطالة والهجرة القروية. وقد لاحظنا في هذا الاطار العديد من الانتفاظات في سيدي افني وبكارة وتاماسينت وأولوز وبومالن دادس وبوعرفة وصفرو ومراكش ... الخ.
وأهم ما يمكن استخلاصه هو أن السياسات المعتمدة التي تسعى للانتقال بالبلاد من الدولة الراعية حيث القطاع العام يشكل أهم متدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى دولة دركية تنتقل فيها الهيمنة الاقتصادية من القطاع العمومي إلى الرأسماليين الخواص فتتخلى الدولة عن المرافق والخدمات الاجتماعية التي يحولها رأس المال إلى سلع يصعب على الجماهير الواسعة الحصول عليها نتيجة الإفقار والبطالة وتهميش مناطق بكاملها، فهذا الانتقال السريع والحاد الذي يخلف الضحايا بالعشرات لا بد أن تهيج ردود فعل قوية في كل مكان خصوصا مع تعطيل الآليات الحزبية والنقابية ودفعها لخدمة النموذج الاقتصادي والاجتماعي الوحيد المفروض من طرف الامبريالية عبر المؤسسات المالية الدولية. فالانتفاظات المشتعلة في كل مكان هي قبل كل شيء مطالب اجتماعية اساسية تحاول الحفاظ على الحد الأدنى من القدرة على العيش، وكان من المفروض الاستماع لهذه المطالب ومحاولة تحقيق بعضها، لكن الممارسة تنحرف نحو الخيارات الأمنية والقمع الوحشي مما يخزن شحنات هذه المطالب لكي تنفجر من جديد.
* هل يمكن أن تتطور هذه الانتفاضات المحلية إلى انتفاضة وطنية؟ وماهي شروط ذلك ومؤشراته وطنيا ودوليا؟
** هناك قانون فزيائي يؤكد أن الضغط يولد الانفجار، فالأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تتردد كل أربع أو خمس سنوات وتحدث ما يعرف بالسكتة القلبية تكون وخيمة على الطبقات المسحوقة من عمال وفلاحين وحرفيين والباعة الصغار كما تكون لها آثار عميقة على الطبقة الوسطى التي تتدهور معيشتها وتبدأ في الانحدار نحو الطبقات الدنيا، بينما تراكم الطبقات العليا من تجار وصناع كبار وملاكين عقاريين وشركات كبرى وأصحاب النفوذ من داخل أجهزة الدولة نتيجة هذه الأزمات ثرواث هائلة نتيجة الاحتكار والتخزين والغلاء المفتعل وفوائد أسهم البورصة وأرباح المضاربات، ففي ظل هذا الوضع تتولد لدى الجماهير الشعبية ثقافة حسية تتجسد لديها يوما بعد يوم عبر مختلف مظاهر الاستغلال والحرمان الذي تعانيه خصوصا وأن أجهزة الدولة الأساسية تنحاز بشكل فضيع إلى جانب الرأسمالية المتوحشة ويترجم ذلك في مظاهر قمع كل محاولات الاحتجاج على الاستغلال القائم خارج كل منطق مثلما حدث في سيدي افني، وكذلك عندما ينظم جهاز القضاء لهذا القمع فتفبرك الأحكام وتغيب العدالة. هنا تصبح البلاد على فوهة بركان قابلة للانفجار في أية لحضة في الهوامش أو في المراكز.
* كيف يمكن فهم تنامي هذه الانتفاضات من خارج النقابات والأحزاب السياسية؟ وعلى ماذا يؤشر ذلك؟
** لقد تمكنت الدولة من تدجين وإضعاف الأحزاب السياسية والنقابات وتسخيرها لخدمة سياسات اقتصادية واجتماعية مملاة من طرف الامبريالية، حيث يشعر المواطن خصوصا خلال الانتخابات أنه سواء صوت على ما يسمى باليمين أو ما يسمى باليسار أو ما يسمى بالأحزاب الاسلامية فإن ذلك لا يحسن من معيشته ولا يخفف من غلاء قفة معيشته اليومية بل يلاحظ حدوث العكس وهو المزيد من انتشار الفقر والبطالة والغلاء وأن هذه الكائنات لا تتحرك إلا خلال الانتخابات لاصطياد صوته للتموقع في مربع السلطة واعادة انتاج الفقر والتهميش، لذلك تظهر بوادر التمرد على الانتخابات ومقاطعتها بل والبحث عن أي اطار بديل يمكنه أن يعبر عن سخطه الشديد على السياسات الاقتصادية والاجتماعية المفروضة عليه.
*هل عوضت التنسيقيات المحلية لمناهضة غلاء الأسعار وتدهور الخدمات الأساسية النقابات والأحزاب السياسية؟
** التنسيقيات المحلية مزيج من المناضلين القاعديين داخل التنظيمات السياسية اليسارية والمركزيات النقابية والهيئات الحقوقية والجمعوية ومناضلين مستقلين ينتمون أساسا للطبقات الكادحة وحدتهم ارادة الاحتجاج المنظم على الغلاء المنهجي الذي يطال القوت اليومي ومن أجل تحقيق عدد من المطالب الاجتماعية البسيطة كاعادة الاعتبار لمرافق وخدمات أساسية كقطاعي التعليم والصحة العموميين التي عرفت تدهورا خطيرا جعلت المنظمات الدولية نفسها تستنكر هذا التدهور.
وقد وجدت الجماهير الشعبية في حركة التنسيقيات منبرا تلجأ إليه للتعبير عن سخطها ومطالبها بشكل منظم، وتأمل من وراء خلق حركة احتجاجية واسعة فرض اختياراتها في مجال العدالة الاجتماعية وتقليص الفوارق الطبقية واستبدال السياسات الاقتصادية والاجتماعية ذات المنحى الرأسمالي المتوحش بسياسات تعبر بالفعل عن مطامح الطبقة العاملة وعموم الكادحين.
* إلى أي حد يمكن اعتبار الحوار القائم بين النقابات الأكثر تمثيلية والحكومة حوارا اجتماعيا؟
** لم يكن ما دشنته الحكومة حوارا اجتماعيا بل كان املاء لمجموعة من الترتيبات لاخراس النقابات لفترة معينة، فالزيادات الهزيلة للموظفين والمستخدمين الصغار والتي فرضتها الحكومة على الرغم من رفضها من طرف النقابات تسعى إلى اسكات مطالب تحسين مستوى الأجور لمدة ثلاث سنوات على الأقل، في الوقت الذي شاهدنا فيه أن الزيادات في أسعار المنتوجات والخدمات التي حدثت منذ أربعة أشهر فقط قد ابتلعت تلك الزيادات الهزيلة في المداخيل،
* ما هي في نظركم بدائل التعامل الأمني مع هذه الانتفاضات؟
** الانتفاضات لا تحدث من تلقاء نفسها، بل تأتي في الغالب نتيجة الاستفزازات الأمنية، وخير مثال على ذلك انتفاضة صفرو في 23 شتنبر 2007 حيث أنه لولا التجاهل المطلق لاحتجاجات جماهير البهاليل وصفرو ومقابلة هذه الاحتجاجات بالقمع المجاني لما حدثت الانتفاضة بل هيجان جماهيري ساخط على سوء المعاملة في الوقت الذي تتضور فيه جوعا وفقرا.
فلو تم فتح باب الحوار مع ممثلي الجماهير وتم اعطاء وعود بحل عدد من المشاكل القائمة وبرمجة مخطط لتجاوز الوضعية الصعبة التي تعيشها، لما حدثت الانتفاظة، كما أن الاحتجاجات السلمية لتنسيقيات مناهضة الغلاء والتي غطت حوالي تسعين مدينة وقرية ومدشر فكانت تنتهي بسلام إلا في الحالات التي تختار فيها السلطة اللجوء إلى القمع الوحشي مما يحدث الفوضى والمواجهات. فالاحتجاجات السلمية تعم مختلف البلدان الديموقراطية وأغلبها ينتهي بسلام إلا إذا كانت هناك تدخلات عنيفة من طرف السلطات، فتحدث الفوضى ويسقط الضحايا.
#عبد_السلام_أديب (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟