|
إنَّها دولة وحكومة -وول ستريت- فحسب!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2411 - 2008 / 9 / 21 - 08:26
المحور:
الادارة و الاقتصاد
عند "الكسوف" فحسب، يمكنك أن ترى قرص الشمس، فكثرة الضوء، كما قِلَّته، تمنعك من الرؤية.. والآن، تهيأت الفرصة لرؤية "الدولة"، ماهيةً ودوراً ووظيفةً، في الولايات المتحدة، حيث تتركَّز قوى النظام الرأسمالي العالمي، على حقيقتها، التي يكفي أن نراها حتى نرى، في الوقت نفسه، "أنبياء" ما يسمَّى "الاقتصاد الحر" على حقيقتهم، فهم الدجالون الدجالون!
إذا كانت الغاية، المشتقة من مصلحة، هي تذليل العقبات من طريق افتراس الدسم من الاقتصاد عندنا فإنَّهم لا يتورعون عن فعل (وقول) أي شيء في سبيل مسخ "الدولة" عندنا اقتصادياً، مظهرين هذا المسخ على أنَّه إعادة خلق لـ "دولنا" بما يوافق "شريعة الاقتصاد الحر". حتى الدعم الحكومي لبعض من السلع والخدمات، التي إن غلت أسعارها يصبح بقاء الملايين من البشر الفقراء على قيد الحياة متعذراً أو من الصعوبة بمكان، يصوَّر على أنَّه تجديف بـ "ديانة السوق الحرة"، فيُحارَب حتى تستخذي حكوماتنا لمشيئتهم، فتفتح أبواب أسواقنا على مصاريعها، ويُحلَّل البيع والشراء ولو كانت العاقبة هي جعل "التسوُّل" نمط عيشنا الاقتصادي.
"القمر"، الذي هو الآن، وبحسب لغة الإعصار المالي ـ الاقتصادي العالمي المُتَّخِذ من "وول ستريت" مركزاً له، كناية عن "أزمة الرهون العقارية"، يحجب كثيراً من ضوء قرص شمس النظام الرأسمالي العالمي، فنرى "الدولة" في الولايات المتحدة على حقيقتها العارية من الأوهام الإيديولوجية، فحكومة بوش، مع وزير الخزانة ورئيس مجلس الاحتياط الفدرالي، في وحدة نادرة مع زعماء الكونغرس ومع الرئيسة الديمقراطية لمجلس النواب، من أجل إنقاذ "وول ستريت"، قلب النظام الرأسمالي في الولايات المتحدة، وفي العالم بالتالي؛ أمَّا الطريقة فهي "السرقة".
أجل، سرقة "المال العام" عبر "تشريع"، من أجل تمويل "الانقاذ" لـ "وول ستريت"، فحكومة بوش سارعت إلى إنفاق، أو تعهدت بإنفاق، نحو 900 بليون دولار للحيلولة دون انهيار السوق المالي وسوق العقارات اللتين تملكهما وتسيطر عليها قلة قليلة من المواطنين، مستهلةً عملها "السرقة ـ الإنقاذ" بإنفاق 85 بليون دولار لإنقاذ عملاق صناعة التأمين (شركة "إيه. آي. جي").
هناك يحق لـ "الدولة"، التي في أوقات الضيق والشدة على وجه الخصوص تظهر على حقيقتها الطبقية، أي تظهر على أنَّها ليست سوى هيئة لإدارة الاقتصاد القومي بما يعود بالنفع على مصالح أسياده الحقيقيين، أن تُنْفِق تريليون دولار (ألف ألف مليون دولار) أو أكثر في سبيل إنقاذ أصحاب الثروات الطائلة والأرباح الفاحشة، من غير أن يجرؤ أحد على اتهامها بالتطاول على قدسية "هُبَل" السوق الحرة، وهو بقاء "الدولة" على "الحياد الاقتصادي" المزعوم؛ أمَّا عندنا فـ "تُكفَّر" الدولة إن هي سولَّت لها نفسها إنفاق نزر من المال العام في سبيل إنقاذ الناس من خطر الموت جوعاً.
وإنَّها لكذبة كبرى أن تزعم إدارة الرئيس بوش أنَّ هذا المسروق من المال العام من أجل إنقاذ "وول ستريت" سيعود (عمَّا قريب) إلى "الخزانة"، فهي ما أن تُنْفِق التريليون دولار حتى تشتد أزمة العجز في الموازنة الفدرالية، فلا حلَّ عندئذٍ إلاَّ حلاًّ من حلَّين أحلاهما مُرُّ، فإمَّا أن توعز إلى "مجلس الاحتياط الفدرالي"، أي البنك المركزي، أن يطبع مزيد من "الورقة الخضراء"، فتُشعل نار تضخم لا مثيل له في الاقتصاد، وإمَّا أن تلجأ إلى الاستدانة من مصارف "وول ستريت" نفسها، موعزةً إلى البنك المركزي أن يرفع سعر الفائدة حتى تصبح الاستدانة ممكنة. وعندئذٍ، سنرى الدولار يصعد، متسبِّباً، بالتالي، بكساد بضائع الولايات المتحدة في سوقها القومية وفي الأسواق الخارجية، فلا يُنْقَذ "اقتصادها الورقي" إلاَّ ليغدو "اقتصادها الحقيقي (السلعي)" عرضة للانهيار!
ولا شكَّ في أنَّ شركات السلاح لن تظل معتصمة بحبل الصمت طويلاً إذا ما رأت الموازنة الفدرالية تُسْتَنْفَد في إنقاذ "وول ستريت"، أو المهدَّدين بالانهيار من عمالقة الاقتصاد السلعي المدني، فهي لها من "المال العام" حصةً لا تقبل لها التضاؤل.
لقد وجدت شركة "إيه. آي. جي" للتأمين من ينقذها، أو يحاول إنقاذها؛ أمَّا نحن، أي الأثرياء من دولنا ومجتمعاتنا العربية، فلن نجد من ينقذنا، فَمِنْ نمط "الاقتصاد الورقي والإلكتروني" لـ "وول ستريت" ابتنينا اقتصاداً. إنَّ أثمن ما نملك، أو ما يجب أن نملك، من مقوِّمات "الاقتصاد الحقيقي"، كالنفط والغاز، نبيعه بأكوام من الورق، فجُلُّ ثرواتنا نحتفظ به على هيئة أوراق (دولار وأسهم..). وكلَّما امتلكنا من تلك الأوراق أكثر خسرنا مزيداً من "الثروة الحقيقية". وها هم مستثمرونا "الأذكياء" يغتنمون "الفرصة الذهبية"، فيشترون بـ "ثمن بخس (نسبياً)" العقارات في الولايات المتحدة، والتي سوقها والسوق المالية تتبادلان أسباب وقوى الانهيار.
إنَّنا لا نعرف من الاستثمار إلاَّ ما تغرينا به الأوهام، فإمَّا اكتناز، ومزيد من الاكتناز، لـ "الورقة الخضراء" والأسهم..، فنحن نفهم الاستثمار على أنَّه فن تحويل "الاقتصاد الحقيقي" إلى "اقتصاد ورقي"، وإمَّا شراء لعقارات كاسدة، وكأنَّ امتلاكنا لها امتلاك لسيادة اقتصادية حقيقية هناك!
وأخشى ما أخشاه أن يصاب القلب الاقتصادي للولايات المتحدة، أي "وول ستريت"، بجلطة فيودي الموت باقتصادنا أوَّلاً، أو فحسب!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مِنْ آفات الكتابة السياسية اليومية!
-
-الوعيد- و-الصفقة- في خطبة مشعل!
-
-تجربة- تَحْبَل ب -ثورة فيزيائية كبرى-!
-
-القاعدة-.. لعبةٌ لمَّا تُسْتَنْفَد المصالح في لعبها!
-
عندما تتصحَّر -الليبرالية- ويزدهر -الليبراليون الجُدُد-!
-
تهاوي -ثقافة الحقوق- في مجتمعنا العربي!
-
-العرب الجُدُد- و-العرب القدامى-!
-
أُمَّةٌ تبحث عن فلك تسبح فيه!
-
ما ينقص -الفكرة- حتى تصبح -جذَّابة-!
-
-خيار أوكسفورد- لا يقلُّ سوءاً!
-
ثقافة -الموبايل- و-الفيديو كليب-!
-
لقد أفل نجمها!
-
أسبرين رايس والداء العضال!
-
خطر إقصاء -الأقصى- عن -السلام-!
-
العالم اختلف.. فهل اختلفت عيون العرب؟!
-
-الإعلام الإلكتروني- يشبهنا أكثر مما نشبهه!
-
-العلمائيون- و-السياسة-.. في لبنان!
-
-إيراروسيا-.. هل تكون هي -الرَّد-؟!
-
ثرثرة فوق جُثَّة السلام! -دولتان- أم -دولة واحدة ثنائية القو
...
-
ما معنى جورجيا؟
المزيد.....
-
-خفض التكاليف وتسريح العمال-.. أزمات اقتصادية تضرب شركات الس
...
-
أرامكو السعودية تتجه لزيادة الديون و توزيعات الأرباح
-
أسعار النفط عند أعلى مستوى في نحو 10 أيام
-
قطر تطلق مشروعا سياحيا بـ3 مليارات دولار
-
السودان يعقد أول مؤتمر اقتصادي لزيادة الإيرادات في زمن الحرب
...
-
نائبة رئيس وزراء بلجيكا تدعو الاتحاد الأوروبي إلى فرض عقوبات
...
-
اقتصادي: التعداد سيؤدي لزيادة حصة بعض المحافظات من تنمية الأ
...
-
تركيا تضخ ملايين إضافية في الاقتصاد المصري
-
للمرة الثانية في يوم واحد.. -البيتكوين- تواصل صعودها وتسجل م
...
-
مصر تخسر 70% من إيرادات قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر
...
المزيد.....
-
الاقتصاد المصري في نصف قرن.. منذ ثورة يوليو حتى نهاية الألفي
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاقتصاد الإفريقي في سياق التنافس الدولي.. الواقع والآفاق
/ مجدى عبد الهادى
-
الإشكالات التكوينية في برامج صندوق النقد المصرية.. قراءة اقت
...
/ مجدى عبد الهادى
-
ثمن الاستبداد.. في الاقتصاد السياسي لانهيار الجنيه المصري
/ مجدى عبد الهادى
-
تنمية الوعى الاقتصادى لطلاب مدارس التعليم الثانوى الفنى بمصر
...
/ محمد امين حسن عثمان
-
إشكالات الضريبة العقارية في مصر.. بين حاجات التمويل والتنمية
...
/ مجدى عبد الهادى
-
التنمية العربية الممنوعة_علي القادري، ترجمة مجدي عبد الهادي
/ مجدى عبد الهادى
-
نظرية القيمة في عصر الرأسمالية الاحتكارية_سمير أمين، ترجمة م
...
/ مجدى عبد الهادى
-
دور ادارة الموارد البشرية في تعزيز اسس المواطنة التنظيمية في
...
/ سمية سعيد صديق جبارة
-
الطبقات الهيكلية للتضخم في اقتصاد ريعي تابع.. إيران أنموذجًا
/ مجدى عبد الهادى
المزيد.....
|