ما هي الأسباب التي حركت الشاب علي سالم التامك للأداء بتصريحاته المتنكرة والجاحدة لمغربيته والداعية إلى إجراء استفتاء لتقرير مصير"الشعب الصحراوي"؟ وكيف تعاملت الحكومة ومعها الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني الصحراوي منه على وجه الخصوص مع مضامين هذه التصريحات؟ وما هي تأثيرات مثل هذه التصريحات على أبناء المنطقة في ظرف تعرف فيه القضية الوطنية تفاعلات قوية؟ وما هي أسباب ودلالات مفارقة تراجع الأطروحة الانفصالية في الخارج وتناميها في الداخل؟ وهل يمكن القول بأن أنصار الصحراوي دداش ورفيقه التامك يحاولون نقل الصراع إلى الداخل ؟ ولماذا اقتصر النقاش على الفاعلين المدنيين وليس السياسيين؟ هذه الأسئلة وغيرها، تشكل المحاور الهامة لهذه الورقة.
عاد موضوع الانفصاليين بالمغرب ليطرح من جديد داخل الساحة السياسية ويتصدر مختلف واجهات المنابر الإعلامية بعد العفو الذي شمل أصدقاء علي سالم التامك والتصريح الناري الذي أدلى به هذا الأخير للزميلة "ماروك إيبدو"، وهو التصريح الذي تخللت مضامينه مواقف أقل ما يمكن أن يقال عنها إنها مواقف انفصالية بامتياز، وذلك أن هذا الشباب الصحراوي (المعتقل السابق) نفى علانية انتماءه إلى المغرب ونادى بملإ لسانه بوجوب تمكين الشعب الصحراوي من التعبير عن رأيه في استفتاء لتقرير المصير معتبرا أن الأقرب للشعب الصحراوي هو الشعب الموريتاني.
وقد قوبل هذا الكلام بانتقاد لاذع من طرف بعض الكتابات الإعلامية مقابل صمت مطبق للأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية خاصة تلك التي حرصت على تمتعه (التامك) بحقوقه المدنية أثناء اعتقاله وأيضا صمت غالبية مكونات المجتمع المدني الصحراوي والتي أصبح انشغالها بالدفاع عن الأطروحة مقتصرا على الخارج!!
ـ البوليساريو بيننا!!
الحقيقة أن الحركة الانفصالية بالمغرب عرفت في السنوات الأخيرة تناميا ملحوظا، إذ لم يعد أنصار الأطروحة الانفصالية يخفون تبنيهم لها، بل أكثر من ذلك أنه أصبح يتم استخدام بعض المواقع الجغرافية بأقاليمنا الصحراوية كالعيون كقاعدة خلفية للدعاية لفائدة أطروحة البوليساريو. وقد تطور الأمر بنجاح البعض في استغلال فرع العيون التابع للمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف قصد إضفاء شرعية على أنشطته الانفصالية قبل أن يتدارك مسؤولو المنتدى الأمر..
ويكفي الوقوف عند أنشطة وتحركات محمد دادش الذي حول منطقته إلى "تثميلية سياسية" لفائدة البوليساريو، إذ أصبح سفيرا غير معتمد لدويلة محمد بن عبد العزيز المراكشي بالعيون. فهو يستطقب الصحراويين ويعبئهم بطريقته الخاصة، كما يحتوي مقر سكناه على علم طويل عريض "للجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، بل أكثر من ذلك يتدخل من هناك بصفة حقوقية عبر الساتل (القمر الاصطناعي) في المنتديات واللقاءات المنظمة من طرف البوليساريو أو لفائدته بالخارج.
وكان دادش زعيم حركة الانفصاليين بالمغرب قد تدخل على سبيل المثال في الملتقى الذي نظم بسويسرا حول الاختفاء القسري بعد إقدام السلطات المغربية على منعه من السفر في 28 مارس 2003، حيث تم سحب جوازات السفر من عناصر الوفد الذي كان يقوده إلى جنيف. وقد كان تدخله في الملتقى المذكور عنيفا، حيث هاجم كعادته الدولة المغربية، ونفس الأمر قام به الشاب علي سالم التامك، حيث تدخل عبر الهاتف من داخل المعتقل في المؤتمر الأخير للبوليساريو متحديا بذلك الجميع!!
ولا نعرف أمام هذا الوضع حدود هذه الحركة الانفصالية التي أضحت تهدد النسيج الاجتماعي بأقاليمنا الصحراوية، كما لا نعرف الحدود المرسومة لأنصار محمد بن عبد العزيز المراكشي من طرف الدوائر الأمنية خاصة وأن الانتماء سياسيا وإيديولوجيا إلى الضفة الأخرى المناصرة لجبهة البوليساريو أصبح علنيا ولم يعد هناك بالتالي أي مجال للخوف يجعل هؤلاء الآخرين لا يخرجون عن صمتهم(انظر نص الحوار الذي أجريناه مع علي سالم التامك)!؟
وهذا الوضع يشكل في حد ذاته مفارقة كبرى، ذلك أنه في الوقت الذي يتراجع فيه المنتظم الدولي في تأييده للأطروحة الانفصالية وتسحب العديد من الدول اعترافها بالبوليساريو نشهد نتاميا ملحوظا لانصاره في داخل المملكة!!
ـ "سفير" البوليساريو بالمغرب!!
يعد سيدي محمد ولد محمد سالم ولد دداش زعيم حركة الانفصاليين بالمغرب، ولد بكلتة زمور عام 1957، ينتمي إلى قبيلة الركيبات سلام. في البداية التحق كجندي مقاتل بسيط بصفوف جبهة البوليساريو عام 1973 وأسر من قبل القوات المسلحة الملكية يوم 28 فبراير 1979 بمنطقة أماكلة.
وتجدر الإشارة إلى أنه أثناء فترة اعتقاله تنقل بين عدة سجون من سيدي إفني إلى أكادير ثم إلى مراكش ليستقر في نهاية المطاف بثكنة الدرك الملكي بالعيون.
وقد حاول دداش الهروب إلى تندوف إثر هجوم كانت قد شنته مجموعة من عناصر البوليساريو، غير أن محاولته تلك باءت بفشل ذريع، إذ سرعان ما ألقي عليه القبض بعد أن سقط جريحا في حين نجح بعض من رفاقه في الفرار إلى الضفة الأخرى. وأمام هذا الوضع عرض على أنظار المحكمة العسكرية بالرباط بتاريخ 17 أبريل 1980، حيث حكمت عليه بالإعدام بتهمة الخيانة العظمى وتم إيداعه السجن المركزي بالقنيطرة في انتظار التنفيذ، غير أن هذا الحكم سيعرف تحولا، إذ سيتم تحويل عقوبة الإعدام الصادرة في حقه إلى السجن مدى الحياة، وذلك بتاريخ 8 مارس 1997. وستلعب التطورات التي عرفها المشهد الحقوقي بالمغرب دورا لفائدته، إذ ستحظى قضية اعتقاله باهتمام المنظمات الحقوقية الدولية، ففي عام 1995 سيزوره وفد من الصليب الأحمر الدولي، كما ستتبنى منظمة العفو الدولية قضيته بصفته معتقلا سياسيا!! ومنذ ذلك التاريخ سيذيع صيت دداش وسيروج له إعلاميا من طرف العديد من المنابر بإسبانيا وجزر الكناري.. المتعاطفة مع البوليساريو.
ولازال الكثير من المتتبعين والمهتمين بقضية الصحراء المغربية يتذكر دخوله إلى العيون دخول الأبطال وتحركاته المكثفة بين الأقاليم الجنوبية للالتقاء برفاقه هناك.. وفي عام 2002 سيحصل هذا الانفصالي على جائزة "الرافتو" بالنرويج تتويجا لأنشطته الحقوقية!! وستمنحه السلطات المغربية جواز سفره لحضور حفل تسليم الجائزة، إذ سيغتنم دداش فرصة حضوره هناك للإدلاء بتصريحات مسمومة ضد المغرب حكومة وشعبا. وبتاريخ 27 مارس ستمنعه السلطات المغربية من السفر من مطار محمد الخامس بالدارالبيضاء لحضور ملتقى دولي بجنيف بسويسرا، لكن المنظمين هناك أصروا على إعطائه الكلمة، حيث تحدث مباشرة عبر الهاتف محتجا بطريقته المعهودة على المنع الذي طاله صحبة رفاقه بالمغرب..
ـ من هو علي سالم التامك؟
ولد سالم التامك عام 1973 قبل المسيرة الخضراء بسنتين بمنطقة اسا الزاك، وفي عام 1993 حاول هذا الشاب الانفصالي التسلل إلى التراب الجزائري، فألقي عليه القبض لكون الحدود المغربية الجزائرية كانت تحت مراقبة مشددة. وستنطق العدالة بحكمها ضده صحبة أربعة من رفاقه بخمس سنوات سجنا ليتحول الحكم بعدها إلى سنتين قبل أن يستفيد من العفو العام الذي أصدره الراحل الملك الحسن الثاني في صيف عام 1994. وفي نهاية عام 1997 سيعتقل سالم التامك بسبب تضامنه مع شباب المنطقة، لكن سيطلق سراحه بعدها في العيون. ومنذ هذا التاريخ ستنقله وزارة الداخلية التي كان يشتغل في كنفها ككاتب ببلدية أسا الزاك إلى نواحي مكناس، وسيقوم بالاحتجاج على هذا التنقيل معتبرا إياه ذا صبغة تعسفية، مع الإشارة في هذا الصدد إلى أنه سيحرم جراء عدم رضوخه إلى قرار التنقيل من راتبه الشهري وبعدها سيحرم من جواز سفره، الشيء الذي جعله يكاتب وزير الداخلية آنذاك، حيث سيوجه إليه رسالة مفتوحة عبر صفحات إحدى الأسبوعيات المغربية وفي عام 2002 سيزدان فراشه بمولودة اختار لها من الأسماء "ثورة"، وهو الاسم الذي امتنعت وزارة الداخلية عن تسجيله، مما جعله يصطدم بضابط الحالة المدنية الذي يبرر رفض التسجيل بكون الإسم المذكور لا يوجد في قائمة الأسماء الموضوعة من قبل الداخلية.
انخرط في صفوف المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف بالعيون حيث لازال عضوا في مجلسه الوطني، كما انخرط في صفوف الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يرأس فرعها بأسا الزاك ويشتغل عضوا بلجنتها الإدارية، بل أكثر من ذلك قام صاحبنا المصاب بانفصام في الشخصية بمحاولة الترشح للانتخابات الأخيرة باسم حزب اليسار الاشتراكي الموحد، إلا أنه منع بصفته صحراويا مشاغبا، حيث سيتم اعتقاله بعد طلبه وثيقة السوابق العدلية لاستكمال ملفه القانوني المتعلق بالترشح في الانتخابات، وذلك يوم 26 غشت 2002 بالعاصمة الإدارية الرباط، وتم نقله إلى الدارالبيضاء وبعدها إلى أكادير لتصدر المحكمة في حقه حكما بسنتين سجنا نافذا، لكنه استفاد بدوره من قرار العفو الصادر من قبل الملك محمد السادس يوم 7 يناير 2004 دون أن يتمم مدة عقوبته الحبسية.
وهاهو اليوم علي سالم التامك ينفي مغربيته وينادي بوجوب تمكين الشعب الصحراوي من التعبير عن رأيه في استفتاء لتقرير المصير، وقبله بشهور استطاع ـ كما أشرناـ التحدث مباشرة من داخل سجن آيت ملول عبر الهاتف في المؤتمر الأخير لجبهة البوليساريو.
ـ الصمت غير المبرر!!
مما لا شك فيه أن تصريحات المعتقل السابق علي سالم التامك تستدعي من المجتمعين السياسي والمدني التعبير عن موقفهما بخصوص ما جاء به من كلام يمس بالقضية الأولى للمغرب، فالجمعية المغربية لحقوق الإنسان سبق لها أن دافعت عن التامك إبان فترة اعتقاله. وهي اليوم ملزمة بالخروج عن صمتها.. نفس الشأن بالنسبة إلى الكونفدرالية الديمقراطية للشغل التي يؤكد سالم التامك أنه ينتمي إليها مع العلم بأن مركزية الكونفدرالي نوبير الأموي عقدت مؤتمرها الأخير بالعيون لتحسيس ساكنتها على الخصوص بضرورة الدفاع عن قضية الصحراء المغربية ونصرتها.. الجمعيات الصحراوية ملزمة هي الأخرى بالإفصاح عن موقفها اتجاه تصريحات هذا الشاب الانفصالي، ونفس الشأن بالنسبة إلى الهيآت السياسية، فهي الأخرى ملزمة بالإدلاء بموقفها اللهم إذا كانت تنتظر كعادتها إشارات من طرف الإدارة في هذا الباب!!
أكيد أن هذا الأمر يطرح بدوره إشكالية قانونية، يمكن تلخيصها في مدى مشروعية تحريك النيابة العامة ـ إذا عن لها ذلك ـ دعوى عمومية ضد التامك من أجل طرده من المغرب على اعتبار أنه صرح بكونه ليس مغربيا وطالب بإجراء استفتاء نزيه يمكن للشعب الصحراوي من خلاله أن يدلي برأيه صراحة ودون تحفظ أو خوف
وفي محاولة لملامسة موقف بعض الهيآت من تصريح التامك، اتصلنا هاتفيا بعبد القادر الزاير، قيادي بالكونفدرالية الديمقراطية للشغل، فأكد لنا هذا الأخير أن سالم التامك تحمل المسؤولية داخل تنظيمات النقابة قبل أن يدلي بمواقفه الأخيرة، إلا أن التهم التي حوكم من أجلها تتناقض مع الثوابت والقانون الداخلي للمنظمة النقابية، وبالتالي فإنه بتصريحاته تلك يكون قد وضع نفسه خارجها. وأضاف الكونفدرالي الزاير أن هذه التصريحات الأخيرة والتي ينفي فيها التامك مغربيته لا تحتاج الكونفدرالية الديمقراطية للشغل أن تصدر بشأنها بيانا أو بلاغا لأن الأمر لم يعد يهم الكونفدرالية وحدها بل الشعب المغربي برمته مؤكدا في ذات السياق أنه لم تعد تربط الكونفدرالية به أية علاقة تذكر.
أما الجمعية المغربية لحقوق الإنسان التي سبق، أن نددت كعادتها باستماتة بالتضييق الذي تعرض له علي سالم التامك أثناء تواجده في السجن، ففي اتصال هاتفي أجرته المستقل ببوجمعة سعدون، عضو بمكتبها المركزي، أكد هذا الأخير أن الجمعية معروفة بمواقفها المبدئية والثابتة بخصوص الدفاع عن حرية الرأي والتعبير، ومناصرة حقوق الإنسان مهما كانت الانتماءات والآراء. واعتبر سعدون أن الجمعية المغربية لحقوق الإنسان ساندت التامك في إطار حرية التعبير مضيفا أن الجمعية لا يمكن أن تحل محل القانون، ذلك أن هناك أجهزة قانونية منظمة مخولة للنظر في المسألة من الوجهة القانونية الصرفة، والجمعية لن تعمل إلا على المطالبة بمحاكمة عادلة في هذا الاتجاه.
أما المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف الذي ينتمي التامك إلى مجلسه الوطني فقد أكد رئيسه محمد الصبار أن المنتدى ليس مسؤولا عن تصريحات أعضائه في قضايا لا تهم المنتدى، معتبرا أن محاسبة المنتدى تتم في حدود المسؤولية المسندة إليه وأيضا في حالة الخروج عن استراتيجيته واعتبر الصبار أن علي سالم التامك مازال يملك البطاقة الوطنية مع العلم بأن الانتماء إلى المنتدى مفتوح في وجه الأجانب، وأن الدفاع عن انتهاكات حقوق الإنسان لا يقتصر على المغاربة، كما أن دفاعه هذا يتم كيفما كانت طبيعة التصريحات المعبر عنها.
ومن هذا المنطلق نتساءل ماذا لو أقدم صحراويون مغاربة على مقاضاته بسبب كلامه احتراما لمشاعر الجنود المغاربة الذين يذودون عن حوزة الوطن وصونا لذكرى وجهود وأحلام الجنود الذين سقطوا شهداء وهم يدافعون عن تراب المملكة وأيضا احتراما لأبنائهم ونسائهم وعائلاتهم.. واحتراما لقسم المسيرة.. وأيضا للإقتطاعات الضريبية التي تؤخذ من أجور العاملين لفائدة تنمية الأقاليم الجنوبية..؟؟
كان لغياب الديمقراطية أثر كبير في تنامي أنصار الأطروحة الانفصالية بالمغرب، كما أن غياب سياسة ناجعة لإدماج الصحراويين بشكل أقوى داخل المجتمع المغربي مقابل السياسة الأمنية المنتهجة لعب دورا في بروز هذا الوضع المأساوي، فالدولة نهجت منذ ظهور البوليساريو سياسة أساسها تقديم إغراءات لفائدة المتحدرين من المناطق الصحراوية، ذلك أن أغلب الذين عادوا إلى الوطن الأم أعطيتهم امتيازات هامة، أما الشباب الصحراوي، فقد حظي بما يكفي من الخدمات الاجتماعية وأعطيته الأولوية في كل شيء، حيث استفاد من ولوج الجامعة والارتقاء إلى السلك العالي.. والحصول على الشغل في القطاع العام في وقت ظل فيه المعطلون حاملو الشواهد والديبلومات يخوضون اعتصامات أمام مبنى البرلمان وينظمون إضرابات عن الطعام بمقر الاتحاد المغربي للشغل بالعاصمة الادارية للمملكة الرباط من أجل الاندماج في الحياة العملية، فضلا عن استفادته من الإقامة المحروسة والمنح الدراسية وما شابه ذلك من الإمكانيات التي منحت لهم ضمن "مواطنة امتيازية" على حساب شباب الداخل. وهذا الوضع ولد لدى هذه الفئة الاجتماعية انتهازية لا مثيل لها، إذ بلغ بها الجشع والانتهاز أن أصبحت تساوم من موقعها الإدارة المغربية!!
وهكذا لم تولد هذه السياسة إلا التطرف، وتكفي زيارة بعض الأحياء الجامعية، من أجل الوقوف على التنامي الخطير لهذه النزعة الانفصالية.
ـ إشكالية قانونية
من المؤكد أن البوليساريو في طريقه إلى خلق قاعدة خلفية بالمغرب لمساندة أطروحته المعادية لوحدتنا الترابية، فالتحركات التي تشهدها بعض المناطق الصحراوية من قبل أنصاره فضلا عن التصريحات الإعلامية والمشاركة عبر الأنترنيت في الاستفتاءات التي تنظمها بعض الجهات بالخارج.. دليل على خطورة تنامي هذا المد الذي تقف أمامه السلطات المغربية موقف المتفرج.. مع العلم بأن هؤلاء أصبحوا يحاربوننا من الداخل مستخدمين إمكانياتنا.. ومساندين من قبل قوى أجنبية معروفة بعدائها لمصالحنا الوطنية... في حين أن المنطق والعقل يفرضان التعامل معهم وفق مرجعية قانونية تضع المصالح الكبرى للوطن فوق كل الاعتبارات.
وتأسيسا على ما سبقت الإشارة إليه، فإنه يجب علينا التعامل مع أنصار الأطروحة الانفصالية بنوع من الجدية، واضعين التجارب الدولية في هذا الاتجاه نصيب أعيننا، وذلك إما عن طريق متابعتهم وفق القوانين المعمول بها بالمغرب أو عن طريق طردهم من تراب المملكة للالتحاق بالضفة الأخرى، وآنذاك سيكونون منطقيين ومنسجمين مع ذواتهم وسيكون بإمكانهم تبني أطروحة البوليساريو بكل الشجاعة الأدبية اللازمة، وسيكون بإمكانهم آنذاك أخيرا أن يحاربونا من هناك لكن السؤال الجوهري الذي ينبغي طرحه: ما الذي سيستفيده المغرب في حالة إقدامه على طرد التامك من ترابه؟
هناك من يعتبر أن الصمت هو المخرج الإيجابي للدوائر الرسمية في هذه النازلة لاعتبارات متعددة أولها أن الظرفية الراهنة لا تستدعي من الدولة اللجوء إلى الأساليب التقليدية لمواجهة التامك كالإقدام على طرده كما فعلت بالأمس مع المعارض اليساري السابق أبراهام السرفاتي حيث اتهمته بأنه برازيلي الأصل وطردته من تراب المملكة، حيث اختار التوجه إلى فرنسا.. وثانيها أن خروج هذه الدوائر عن صمتها قد يحوله إلى "زعيم" ينضاف إلى رفيقه داداش بعدما كان موظفا بسيطا ببلدية أسا الزاك، وثالثها أن الدولة تعلم أن انتماءه القبلي (أيت توسة) يحمل دلالات ثقافية وسياسية هامة، فأغلب أبناء أعمامه متواجدون في صفوف الجيش وكانوا قد شكلوا نواة داخل جيش التحرير بالجنوب، كما أن أحدهم (محمد صالح التامك) سيتربع على رأس سفارة المملكة النرويجية وكان قبل ذلك عاملا على إقليم شيشاوة.. إلخ مما يفيد بأن الصمت يعبر عن التوجه الوحدوي الساعي إلى إقناع الأبناء الصحراويين بالعدول عن طروحاتهم الانفصالية، وهو موقف سياسي من شأنه أن يخدم موقع المغرب.
من المتوقع أن يقوم الملك محمد السادس بزيارة إلى إقاليمنا الصحراوية، إذ من المنتظر أن تعرف قرارات هامة حول قضية الصحراء المغربية اعتبارا للظرفية الحساسة والدقيقة التي تمر منها هذه القضية، كما تستعد مجموعة من العائلات الصحراوية للقيام بزيارة إلى تندوف تحت رعاية الصليب الأحمر الدولي، إذ سيتم نقلها عبر طائرات روسية ذهابا وإيابا بين الأقاليم الجنوبية ومخيمات تندوف. ولا يعرف ما إذا كانت تصريحات علي سالم التامك تسير في اتجاه التشويش على هذه التطورات أم إنها مجرد تصريحات طائشة تعبر عن واقع معين؟!.
الأكيد أن التصريح الذي صدر عن الشاب سالم التامك يستدعي من الحكومة والأحزاب السياسية والمجتمع المدني الصحراوي منه على وجه الخصوص الخروج عن صمتهم اعتبارا لخطورة هذا الموقف تأثيراته على أبناء المنطقة وأيضا على بعض المنظمات الدولية التي تركب موجة البوليساريو والتي قد تجد في مضامينه ما يشفي غليلها!!
ـ علي سالم التامك، سجين الرأي السابق، يتحدث عن انتمائه إلى "الشعب الصحراوي":
- إلى أي حد تتفقون على ما جاء في الحوار الذي نشرته أسبوعية "ماروك إيبدو" علما بأن كلامكم قد ترجم من العربية إلى الفرنسية؟
أؤكد لكم أن ما نشر في جريدة "ماروك إيبدو" هو ماصرحت به، بل أتفق معه جملة وتفصيلا وأقولها للمرة الألف أنني فرد من أفراد الشعب الصحراوي.
- على أي أساس تستندون في طرحكم القائل بانتمائكم إلى "الشعب الصحراوي" علما بأنكم ازددتم داخل أرض المغرب؟
بالفعل أنا مزداد بإحدى مناطق جنوب المغرب وتحديدا منطقة "أسا" وللإشارة فهي منطقة صحراوية ليست ضمن المناطق المتنازع عليها بالنسبة إلى الأمم المتحدة، لكن هذا لا يعني مطلقا أنني لست فردا من الشعب الصحراوي لأن مكان ولادة الإنسان ليس هو المحدد الوحيد بل أصوله التاريخية ولغته وكل ما يرتبط بما هو سوسيوثقافي هو الذي يحدد هذا الانتماء، إذن انتمائي إلى الشعب الصحراوي مبني على هذه المحددات لذلك فإنني معني بالمشكل السياسي القائم بقوة المعطيات السالفة الذكر وحتى إذا افترضنا أنني أفتقد لهذه الشروط، فإنه بحق لي بأن أعتقد بوجود هذا الشعب من عدمه.
وفي هذا السياق أود أن أشير أن المخطط الأممي الأفريقي الذي توافق عليه الطرفان وحددا من بين المعايير التي يجب توفرها في الأشخاص الذين يحق لهم التصويت في الاستفتاء، الانتماء العائلي والعرقي. في الحقيقة هذه الإجابة تقودني إلى طرح إشكالية أساسية وهي أن بعض المفاهيم التي تستعمل تثير الكثير من الحساسية والتشنج لدى زمرة من الإعلاميين والسياسيين المغاربة كالصحراء الغربية، الشعب الصحراوي، الاستقلال، مخيمات اللاجئين الصحراويين...إلخ، في الوقت الذي نجد فيه أن الأمم المتحدة توظف في كل تقاريرها جهازا مفاهيميا واضحا، والصحافة بنفسها تنشرها بأمانة متضمنة على سبيل المثال: الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب... بل أكثر من ذلك فإن المغرب يتعامل رسميا مع هذا الخطاب ويتبناه في مراسلاته الموجهة إلى الأمين العام للأمم المتحدة ولكن في المقابل نجد الخطاب الموجه إلى الراي العام المغربي خطابا يتناقض مع ما يرد في هذه التقارير الأممية الخاصة بملف الصحراء الغربية، ولاأجد له مبرر سوى استصغار واستخفاف بالمواطن المغربي الذي له الحق في معرفة ما يجري في الصحراء. ولقد حان الأوان للتعامل معه كإنسان كامل المواطنة، لأن العالم أصبح بمثابة قرية صغيرة بسبب الثورة المعلوماتية، فلا داعي لمزيد من التعتيم والتغليط...
- كيف تفسرون سعيكم إلى الترشح في الانتخابات الأخيرة وانتماءكم إلى المركزية النقابية الكونفدرالية الديمقراطية للشغل والمنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف علما بأنكم تنفون انتماءكم إلى المغرب، ألا يدل هذا على وجود انفصام شخصيتكم؟
أجبت عن هذا السؤال مرات عديدة وفي مقابلات سابقة، وكما قلت فإنني كنت أعتزم خوض الانتخابات المغربية حتى يتسنى لي الضغط من مواقع متقدمة وعلى الأقل الدفاع في الحدود الدنيا عن مطالب المقهورين، هذا لا يعني أنني لا أملك تقييما سياسيا لطبيعة الانتخابات المغربية والقوانين المؤطرة لها وشكل المؤسسات التي تفرزها ولكن كسب بعض الأشياء خير من عدمها. أما بالنسبة إلى انتمائي لمنتدى الحقيقة والإنصاف، والكونفدرالية، فأنا مناضل تقدمي ديمقراطي تجمعني قواسم مشتركة بهذه الإطارات التقدمية التي انخرطت في نضالها، لأنها تروم تحقيق كرامة الإنسان بغض النظر عن انتمائه، ولا أرى أي تناقض في انتمائي لها واعتقادي السياسي لأن النضال في آخر المطاف هو نضال أممي من أجل الإنسانية جمعاء.
- كيف تلقيتم مختلف ردود الفعل التي صدرت بعد حواركم مع أسبوعية "ماروك إيبدو"؟
حقيقة فوجئت بردود هذه الجرائد التي لا تعدو أن تكون إلا جعجعة بلا طحين، لأنه سبق لي أن أعلنت عن حق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره سواء بالمحكمة الابتدائية أو الاستئنافية بأكادير، وسبق أن أدليت بتصريحات مماثلة من داخل السجن، لمجموعة من الجرائد المستقلة والحزبية، فلماذا لما يصدر حينها أي رد من هذه الجرائد: هل لأني كنت آنذاك وراء القضبان؟ أم أن الردود الحالية هي بإيجاز من جهات خفية لازالت تحن لسنوات القمع والرصاص لذلك سخرت هذه الأقلام المأجورة لتضليل الرأي العام المغربي، من جهة ولطمس ما يجري في الصحراء الغربية من انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان والتي تشهد عليها معتقلات: أكدز ومكونة ويستثني بالعيون، وكثرة الاعتقالات التعسفية والإبعاد القسري من الصحراء إلى داخل المغرب، والمختطفون الذين لازالت مصيرهم مجهولا إلى اليوم، والرمي من الطائرات والمقابر الجماعية والتي لحد الآن هي مسكوت عنها بسبب الصراع السياسي والعسكري الذي تعرفه المنطقة منذ 31/10/1975. لقد آن الأوان لتكون لدينا الجرأة السياسية والشجاعة لوضع حد لهذه المأساة الإنسانية التي عانى منها الصحراويون لأكثر من ربع قرن من الزمن والعمل على فضح المسكوت عنه بالصحراء الغربية وإحياء مبادرات "جماعة المغرب الكبير"، "وحوار الشبيبة الديمقراطية المغربية" والشبيبة الصحراوية، هذه المبادرات التي تم وأدها في مهدها وهذا لن يتأتى إلا بإشاعة ثقافة حقوق الإنسان، وحرية الرأي والديمقراطية الحقيقية التي تشجع على الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر.. وليس على سيادة الرأي الواحد وتبليد الرأي العام المغربي بمفاهيم من قبل "الإجماع الوطني حول الصحراء" و"الاستفتاء التأكيدي" و"الانفصاليين"..
ولعل استقبالات الجماهير الصحراوية لأقدم معتقل سياسي صحراوي سيدي محمد ددش ورفاقه بالعيون يوم 9/11/2001 ويوم 14/11/2001 بالسمارة.
وكذا الاستقبال الذي خصنا به الجماهير الصحراوية "بأسا" أنا ورفاقي من المعتقلين السياسيين الصحراويين يوم 10/1/2004 لدليل قاطع على ما أقول.
فلماذا إذن هذه الجرائد تغض الطرف عن هذه الاستقبالات التي تعبر فيها الجماهير الصحراوية عن رأيها بكل عفوية وتلقائية؟
لهؤلاء أقول وبكل شجاعة تعالوا نتحاور ونتناظر ولتفتح لنا القناة الأولى.
أو الثانية المغربية المجال أو أي منبر إعلامي تريدون وتأتون ببراهينكم وحججكم ولننأى بأنفسنا عن اللغة الخشبية والتلاسن المنحط والتخفي وراء الأسماء المستعارة وكل ما من شأنه أن يسيء إلى مهنة الصحافة والحوار الحضاري.
ـ علمنا بأن الكونفدرالية الديمقراطية للشغل اعتبرتكم خارج هياكلها إثر تصريحاتكم الأخيرة؟
لا علم لي بأي تصريح صدر من أي عضو من أعضاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل.