|
بيتهم و بيوتنا
نيازي مصطفي
الحوار المتمدن-العدد: 2410 - 2008 / 9 / 20 - 10:14
المحور:
حقوق الانسان
في عصر يوم الثلاثاء 19 أغسطس 2008 شب حريق في مجلس الشوري المصري في وسط القاهرة و أمتد الحريق إلي مبني إداري مجاور له، يفصل هذا المبني الإداري بين مجلس الشوري و بين مجلس الشعب أي أن الحريق كان سيمتد إلي مجلس الشعب المصري أيضاً. و تذكر المصادر وصول 50 سيارة أطفاء و مروحيات من الجيش لعمليات الإطفاء و أصيب في الحريق 16 شخص و وفاة أحد جنود الإطفاء، ألتهم الحريق مقار الجان البرلمانية الخاصة بمجلسي الشعب و الشوري، و قد بدء الحريق في الطابق الثاني من المبني و أمتد إلي الطابق الثالث منه، حيث يتكون الميني من ثلاثة طوابق، و أثار الحريق و محاولات الإطفاء تساؤلات عن كفاءة الترتيبات الأمنية الخاصة بالمباني و عن كفاءة أجهزة الحكومة المصرية كالحماية المدنية وغيرها في السيطرة علي الكوارث و الحد من خسائرها.
و بعد 17 يوماً، في يوم السبت السادس من سبتمبر، و في عزبة بخيت بمنطقة الدويقة في منطقة منشية ناصر العشواائية بشرق القاهرة إنهارت الكتل الصخرية الضخمة لهضبة المقطم فوق عشش و مساكن المشردين المصريين و المساكين الذين لا مأوي لهم مما أسفر حتي الآن عن مقتل 250 شخصاً حسب بعض التقديرات غير الرسمية حيث تتضارب الأنباء حول العدد الحقيقي بسبب عدم الإعلان الرسمي عنها، و يقدر عدد الذين تحت الأنقاض ب 500 شخص.و كالعادة تم الحديث عن عدم كفاءة الأجهزة الأمنية المصرية و الدفاع المدني و إضطرارهم للأستعانة الدائمة بالجيش و بدائية عمليات الأنقاذ و غيرها من الأنتقادات، و لكن أنا هنا سأتكلم عن بعد آخر للمسألة و هو ردود الأفعال الرسمية تجاه حريق مجلس الشوري و كارثة الدويقة الإنسانية.
في حريق مجلس الشوري (بيتهم) هرع سكانه من الوزراء و رجال الأعمال الكبار و كبار رجال الإدارة و المحافظة في القاهرة فوراً إلي موقع حادث الحريق و هرعت سيارات الإطفاء البدائية المضحكة و رجال الإطفاء و قوات الدفاع المدني المضحكين و المظلومين في آن واحد. و بلغ عدد سيارات الإطفاء خمسين سيارة (سيارات بدائية مجرد النظر إليها يعلمك بحجم التخلف ) و مروحيات الجيش ساهمت هي و قواته في عمليات الإطفاء.أستنفار كامل من جميع مسئولين الدولة و من ضمنهم رجال الأعمال و ذلك في ظل سيطرة رجال الأعمال علي مقاليد أمور الدولة في نظام إقطاعي (ملكي) جديد عادت إليه مصر. فهذا المجلس كان قد تم تجديده قبل الحريق علي نفقة رجال أعمال مصريين، فأنتم تعلمون أن الفرد يحتاج إلي الشعور بالراحة و الرفاهية في منزله!
إن مجلش الشوري المفترض به كونه كغيره من المجالس و الهيئات النيابية أن يكون بيت للشعب و منبر يرفع أصواتهم ليسمعها الجميع و و يناقش و ينفذ ما يطالبون به علي أساس أن الدولة هي الشعب و ما هيئات الدولة الحكومية إلا هيئات خدمية للأفراد. و لكنه في مصر هو بيت للسلطة و رمز لهيمنة النظام السلطوي الإجباري و منبر لرجال الأعمال يتم من خلاله هو و مجلس الشعب تمرير قوانين و قرارات هدفها حماية النظام و حماية رجال الأعمال و قروضهم المليارية و ملايين الأمتار من أراضي الشعب الذين أستولوا عليها، فعدم وجود رجل الأعمال كعضو في مجلس الشوري لا يعني أنه ليس بيته، بل يعني أنه بيت أقربائه من رجال السلطة و المال الساهرين علي خدمته و حماية ممتلكاته و مكاسبه الإقطاعية و مكاسبهم أيضاً التي تم تحقيقها من دماء المساكين كدماء سكان الدويقة الذي أدي إفلاس الدولة بسبب السرقة و نهب الموارد إلي تجاهلهم و تجاهل مطالبهم بتوفير شئ أولي من بدائيات الحياة لهم و هو المسكن .
و قد قام رئيس الدولة حسني مبارك بزيارة موقع حريق مجلس الشوري بنفسه و ما أداه ذلك من معاناة لمنطقة وسط البلد و حركة المرور و الأفراد فيها، فنزول الرئيس المصري لمنطقة ما يعني شلل الحركة المرورية فيها و التضييق علي المواطنين و كأن المواطنين لا يكفيهم ما هم فيه. و كان الرئيس قبل قيامه بالزيارة قد قام بإجتماع مع عدد من الوزراء(وزيري الداخلية و الدفاع من ضمنهم طبعاً) و رؤوساء مجلسي الشعب و الشوري و محافظ القاهرة ... إلخ. تكاتفت جميع قوي النظام أو بمعني أصح جميع المستفيدين في البلد في مواجهة كارثة حلت برمز من رموز السلطة. أنا لا أنقص مجلس الشوري قيمته الأثرية ووجوب التكاتف لمواجهة خسارته الرمزية. و أنا لا أقلل من قيمته النيابية و تمثيله للشعب و ذلك في دول تعترف بالشعب و حقه أساساً أو تعترف بقيمة التمثيل النيابي و تأثيره علي خط سير الدولة. و لكن لفهم ما أقصده لنلقي نظرة علي الغالبية العظمي من الشعب و التي لم تكترث بما حدث بل فرحوا (في ظاهرة غريبة علي المجتمعات الحديثة) لما حدث. إحساسهم العميق بسيطرة الفساد و أصحاب المال و النفوذ علي أجهزة الدولة و مجلسيها النيابيين أدي إلي فرحهم لما حدث، بل قاموا بتصوير بعضهم في سعادة بجانب المبني المحترق و هم يبتسمون. و هي ما أورده أحد الكتاب الصحفيين المصريين علي أنه دليلاً علي حزنهم!!!!
نأتي" لبيوتنا" و هي منطقة الدويقة بمنشية ناصر بشرق القاهرة، و سألمح قليلاً عن بعض المعلومات عن موقع الكارثة المصرية. منطقة الدويقة يبلغ عدد سكانها نصف مليون نسمة يعملون في جمع القمامة و تربية الخنازير و يعيشون بكثافة عالية جداً حوالي 500 فرد في الغالب في الغدان الواحد. و لك أن تتخيل وجود هذا العدد بالأضافة للخنازير و القمامة و خدمات صرف صحي متهالكة و كمثال تعيش أسرة مكونة من حوالي 15 شخصاً في تلك المنطقة في شقة تبلغ مساحتها25 متراً!
المهم أن الدولة التي يبني فيها مئات المنتجعات السياحية و عشرات المدن الخاصة في النظام الطبقي الجديد في مصر يوجد بها الملايين من سكان العشش و العراء و مقالب القمامة و المشردين.
عزبة بخيت إحدي مناطق الدويقة العشوائية يعيش سكانها تحت خط الفقر بعشرات المراحل بل تحت جميع الخطوط الموضوعة كمقياس، يشتكون من سنين من أعمال البناء أعلي المقطم فوق منطقة الدويقة حيث تبني شركة إعمار الإماراتية العديد من المساكن الفاخرة و ذلك علي حد قول حزب التجمع المصري من حصولها علي 4 ملايين متر أعلي سفح المقطم و يتم من العديد من الشركات الأخري بناء الفيلل و الأبراج و هذه الشركات الإعمارية لم تقوم بما عليها من تنظيم شبكات صرف صحي علي مستوي جودة عالي تلائم الطبيعة الجيرية و الطفيلية لحجارة جبل المقطم حيث تتسرب مياه الصرف الصحي داخل الجبل إلي الطبقة الطفيلية مما يؤدي إلي هشاشاتها بالإضافة غلي ضغط المباني الشديد. كل هذا و الأهالي يشكون من السقوط المتتالي للصخور فوق رؤوسهم و إصابة العديد منهم بجروح و يذهبون للمجالس المحلية إلا أنهم يتم طردهم من المكاتب بإعتبارهم طبقة دنيا لا يليق بهم الحديث معهم، حتي المساكن التي يتم بنائها بمنحة إماراتية لم تقم الدولة بتسليم وحداتها لأهالي الدويقة و منها عزبة بخيت مكان الكارثة، حيث يتم توزيع المساكن بالمحسوبية و الرشوة لأفراد غير مستحقيها.و بعد إنهيار الصخور و مقتل هذا الجمع الغفير من الناس و دفن المئات أحياء تحت التراب ، تتصوروا ماذا حدث : أعلي موظف حكومي من النظام زار المنطقة في أيامها الأولي هو محافظ القاهرة. و لم نري الوزراء و رجال الأعمال يزورونها فورياً كما حدث مع مجلس الشوري بل إن رئيس الجمهورية الذي زار مجلس الشوري في ثاني يوم للحريق، لم يذهب أيضاً رغم أن كارثة الدويقة أكثر ألماً بكثير فالنفس الإنسانية أكثر قيمة بكثير من مبني (مهما كانت قيمته) حتي لو كانت نفس جامع قمامة.
و بعد الكارثة تم توزيع بقايا البشر الأحياء علي خيم إيواء في العراء كمخيم الفسطاط بمركز شباب منشأة ناصر حيث هناك المئات من البشر يبيتون في العراء حيث أنه حتي خيم الإيواء يتم توزيعها بالمحاباة. و بهذا المركز ( الفسطاط) دورة واحدة للمياة للرجال و أخري للنساء يتم فيهم الشرب و الغسيل و قضاء الحاجة و الأستحمام ، كل هذا في دورة مياة واحدة و تخدم مئات الأفراد. هل تتخيلون معي حجم معاناة هؤلاء، حتي المساعدات الإنسانية يمنعوها عنهم. حيث منع نائب مجلس الشعب المستقل مصطفي بكري من دخول المنطقة و توزيع 200 بطانية علي ساكني الخيم حيث يتم توزيع بطانيتين فقط لأسرة تتكون من ثمانية أبناء بالأضافة للأب و الأم كما قال "أفكار عبد الكريم" الزوج رب الأسرة حيث يقول في جريدة" المصري اليوم" أنه حصل علي بطانيتين و مرتبتين صغيرتين، أسرة من عشرة أفراد يحصلون علي هذا، و رغم عدم رحمة النظام إلا أنه يمنع أيضاً فاعلي الخير من تزويدهم بالبطاطين و الأغذية!
الأمر الغريب فعلاً هو أن أنهيارات صخرية حدثت في سفح المقطم عام 1993 و أدت لوفاة سبعين شخصاً و لم يتم أخذ الحذر و سرعة تسكين أهالي سفح جبل المقطم حماية لهم بل تركوا حتي يلقوا مصير من سبقوهم!
كل هؤلاء القتلي من يتحمل وزرهم. من يقف في جنازاتهم . من يواسي أهاليهم و هم يتصلون بهم من التليفونات المحمولة من تحت الأنقاض يستعيثون بهم و يبلغون ذلك لرجال الإنقاذ فلا يتحركون ساكناً ، من يتحمل عقوبة عشرات القتلي بسبب بطئ أعمال ألإنقاذ و بدائيتها و لامبالاة النظام و أعوانه بما يمرون به.
من يرضي بأن تحول الأجهزة الأمنية موقع الكارثة إلي ثكنة عسكرية محاطة برجال الشرطة لترهيب الأهالي و المراقبين و الإعلاميين و يمنعون المساعدات من الكثير من أهل الخير و يمررون القليل منها ، صورتهم و هم يرتدون خوزاتهم و يحملون دروعهم الواقية تذكرك برجال العصور الوسطي، و يتراصون في المنطقة يطوقونها و كأنهم في حرب و ليسوا في كارثة إنسانية، يرهبون المواطنين بدلاً من مساعدتهم و تطمينهم علي أهلهم و أبنائهم، من يرضي بأن يمنع الإعلام المستقل من الدخول و تصوير ما يحدث هناك من أنتهاك آدمية البشر و تجميعهم في خيم في العراء و بدون حتي بطاطين كافية أو مراتب للنوم عليها.
من يرضي بما قاله أحد المتضررين و يدعي "رفيق جميل كامل" لجريدة المصري اليوم من أن موظفوا الحكومة رموا له خيمته علي الأرض و قالوا له" محدش هنا حيساعدك".
لهم كل الحق فمن يساعد الفقيرو الضعيف في بلد مثل مصر.
#نيازي_مصطفي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه
...
-
أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
-
-وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس
...
-
الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
-
بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة
...
-
بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
-
قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|