|
مصر تستحق علم مصري ، لا ألماني قيصري و لا تركي الأصل
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2410 - 2008 / 9 / 20 - 03:37
المحور:
القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
هل يختلف إثنان على أهمية العلم - أو الراية الوطنية – كرمز قومي ؟ و هل يطعن في شرعية الراية الوطنية طاعن ؟
لا أعتقد أن الأغلبية المصرية الساحقة تنكر العلم كفكرة ، فلا الأديان تشجبها ، و لا أي نظرية سياسية تتعارض مع تلك الفكرة النبيلة ، أما المنكرين فليسوا إلا قلة معزولة لا تجد من يسمعها .
ما نحتاجة في مصر إذا ليس الإيمان بفكرة العلم ، و إنما التوحد تحت علم ، فمصر – في العصر الحديث - للأسف لم يهبها حتى الأن أبنائها العلم الذي تستحق ، علم مصري أصيل ، نابع من تاريخها ، و معبر عن شخصيتها ، و ممثل لهويتها ، محايد في مسألة العقيدة الدينية و النظرية السياسية ، فلا يبتعد عن حمله المصري ، أكان مسلم أو مسيحي أو غير ذلك ، و لا يأنف المصري اليميني أو اليساري أو الوسطي ، أو صاحب أي هوية سياسية أو فكرية ، من التلويح به أو القيام لتحيته .
أعلامنا في العصر الحديث في مصر ، أي منذ بدايات القرن التاسع عشر ، ليست إلا أعلام مستوردة في جوهرها ، و تم فقط تمصيرها ، إنها تذكرني بمرحلة التعريب التي مر بها الأدب المصري الروائي الحديث في فترة طفولته ، حين كان الأدباء المصريين يقومون بتعريب روائع الأدب القصصي العالمي إلى العربية ، أي وضع الرواية في قالب عربي ، ليس فقط لغوي – و إلا أصبحت فقط ترجمة - و لكن بتعريب كل ما تشتمل عليه مقومات الرواية من أشخاص و أحداث و حيز مكاني ، فتصبح صورة مشوهة للرواية الأصلية .
محمد علي الكبير ، و رغم إنه نتاج ثورة مصرية شعبية أصيلة ، توحدت فيها طبقات الأمة المصرية ، و كانت في الأساس ضد الطغيان التركي ، و وصلت المواجهة المصرية – العثمانية إلى أقصاها بحروب دامية دامت قرابة العقد ، إلا إنه تبنى علم مقتبس بشكل فج من العلم العثماني ، فقد أستمر محمد علي يستخدم أرضية حمراء ، و أضاف هلالين و نجمتين ، للهلال و النجمة في العلم العثماني ، ليصبح علم بثلاثة أهلة و ثلاثة نجوم ، و هو علم تم تبنيه في مرحلة أخرى من التاريخ المصري .
مصر ، و بعد ثورة 1919 ، بدلاً من أن تتبنى علم جديد ، يعبر عن مرحلة جديدة ، تأكدت فيه الهوية المصرية ، مزيحة بقايا السيطرة التركية – الشركسية من واجهة السياسة و الثقافة و المال ، في المجتمع المصري ، إلا أن العلم المصري ظل أسير عملية التمصير للعلم التركي .
ربما كان بالإمكان إلتماس العذر لهذا الإصرار لو كان الهلال بالفعل رمز ديني له قدسيته ، فالهلال التركي ، الذي تمسكنا به لفترة قرن و نصف تقريبا ، منذ شبوب ثورة 1805 ، ليس في حقيقة الأمر إلا تحوير لصورة القوس ، الذي كان رمز لقبيلة آل عثمان التركية ، التي أسست الإمبراطورية العثمانية ، و يؤكد هذا أن أعلام الرسول ، صلى الله عليه و سلم ، و الخلافة الراشدة ، و من بعدها الأموية ، و العباسية ، و الفاطمية ، و أعلام الدولتين الأيوبية و المملوكية ، لم تشتمل على الهلال ، أو حتى ما شابهه .
إذا كانت الأسرة المالكة السابقة تمسكت بأصلها التركي – المزعوم – و فرضت بالتالي إرادتها على الشعب المصري ، خلال قرن و نصف تقريبا ، و خضعت للإسف لتلك الإرادة الطبقة الوسطى المصرية الأصيلة ، عماد ثورة 1919 ، فكان العلم المصري – التركي الأخضر ، بهلاله الأبيض و نجومه الثلاث ، فإن القيادة السياسة التي حلت محل الأسرة المالكة السابقة و الطبقة السياسية السابقة على يوليو 1952 ، فرضت على مصر علم أخر مستورد ، و هو العلم الألماني القيصري ، و إن كان قد تم تمصيره بعملية أبسط ، و ذلك بقلبه ، فأصبح اللون الأحمر لأعلى ، يليه الأبيض ، ثم الأسود ، بدلاً من الأصل الألماني القيصري ، الذي كان فيه الأسود لأعلى ، فالأبيض في المنتصف ، ثم الأحمر لأسفل ، و تم الترويج بأن هذا هو علم العروبة ، و القومية العربية .
لقد كان نتيجة التأثر الثقافي النازي على معظم أعضاء النخبة الحاكمة التي جاءت مع 1952 كبير و دائم ، و ربما نتذكر ما قام به السادات في أخر أيامه ، حين ألبس حرس الشرف الذي يحيي كبار الزائرين لمصر بالمطار خوذات الجيش النازي ، و مثلما ذكر هتلر أن الألوان الثلاثة التي يتكون منها العلم الألماني في العهد القيصري ، هي التركيبة المثالية و العبقرية ، و إستخدمها في علمه الجديد ، قامت القيادة السياسية في مصر في الخمسينات من القرن الماضي بحركة أبسط ، فقلبت العلم النازي ، ليصبح هو علم القومية العربية ، و تم تعميمه على الجميع .
أنا شخصيا ضد أن يتجاهل العلم المصري الهوية العربية ، فهي أحد أهم مقومات الهوية المصرية المعاصرة ، و لكن ما أعترض عليه هو أن نقوم بما يمكن تسميته بعملية تعريب لعلم ألماني ، ثم الإدعاء بأنه علم مصري أو عربي .
مصر تستحق منا ما هو أفضل مما قدمناه إليها خلال قرنين ، مصر تحتاج علم مصري أصيل ، يعبر عن هويتها المعاصرة ، التي جاءت نتاج تراكم حضاري طويل يصل إلى سبعة آلاف عام ، علم يتوافق مع إنتماء مصر العربي ، و لكن لا يلغي تاريخها السابق على العروبة ، علم نابع من مصر ، و ليس مستورد من خارجها ، علم يفخر به كل مصري ، في بحري و الصعيد ، في الواحات و البحر الأحمر ، في سيناء و مطروح و النوبة ، في داخل الحدود المصرية أو خارجها .
إننا يجب ألا نعتبر العلم الحالي علم لنا ، حتى لو ظل النظام الحاكم الحالي يتبناه ، و لا العلم المصري الأخضر علم يجب إسترجاعه ، فليس علينا كمصريين أن نحيي علم تركي الأصل ، أو نقف إحتراماً لعلم ألماني علق بالمقلوب في سارية مصرية .
لا تحية منا لعلم ألماني الأصل ، و لا مطالبة بعودة علم تركي ممصر ، و نعم و ألف نعم لنشيد بلادي بلادي ، و علم مصري أصيل لكل مصر .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسنية
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مبارك و الخديوي إسماعيل ، مقارنة لازالت في صالح الثاني
-
الدعاء وحده لا يكفي يا شيخ إبراهيم
-
في مسألة التمييز ، لماذا لا نعدل فتأمن مصر ؟
-
عرب الحضارة ضد عرب البداوة ، صراع قديم قائم
-
غزة ، مرحباً بالإنضمام ، و لا لعودة الإدارة المصرية
-
يوم الفخر - يوم الدرعية 9-9-1818
-
أوباما أو ماكين ، العبرة بالموقف من القضية المصرية
-
لسنا ضد أهل الخليج ، و لكن ضد بيع مصر لهم
-
تصوراتنا للإتحاد المتوسطي ، دراسة مدرسية متبادلة لتاريخ بعضن
...
-
عبد الوهاب المسيري حي بنا
-
لا تنامي يا محلة ، فمن يتحدى آل مبارك لا ينام
-
هل ينقص مصر الطلاب ؟
-
المحكمة المتوسطية العليا لحقوق الإنسان
-
تصوراتنا لإتحاد المتوسط ، السفر و العمل و التجارة و البيئة و
...
-
إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
-
إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
-
أئمة المساجد بالإنتخاب
-
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
المزيد.....
-
-أكسيوس-: وزراء عرب يعارضون في رسالة إلى واشنطن إجلاء الفلسط
...
-
4 احتمالات.. سيناريوهات -اليوم التالي- في غزة تتصدر لقاء نتن
...
-
البعثة الأممية تكشف عن تشكيل لجنة استشارية تمهيدا لجولات حوا
...
-
الدوحة: إسرائيل لم ترسل وفدها المفاوض لإجراء محادثات المرحلة
...
-
الخارجية الروسية تتهم USAID بالتلاعب الإعلامي وتجاهل جرائم ا
...
-
الشرع: إجراء انتخابات رئاسية بسوريا سيستغرق 4-5 سنوات
-
ملامح المرحلة الجديدة من الصراع بعد الطوفان
-
ترامب يعتزم توقيع أوامر تنفيذية جديدة
-
مهرجان للأضواء في كوبنهاغن.. المدينة تشعّ نورا يكسر رتابة ا
...
-
حادث عرضي وليس تخريبًا: السويد تكشف أسباب قطع كابل بحري في م
...
المزيد.....
-
الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية
/ نجم الدين فارس
-
ايزيدية شنكال-سنجار
/ ممتاز حسين سليمان خلو
-
في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية
/ عبد الحسين شعبان
-
موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية
/ سعيد العليمى
-
كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق
/ كاظم حبيب
-
التطبيع يسري في دمك
/ د. عادل سمارة
-
كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟
/ تاج السر عثمان
-
كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان
/ تاج السر عثمان
-
تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و
...
/ المنصور جعفر
-
محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي
...
/ كاظم حبيب
المزيد.....
|