أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - التثوير الديني















المزيد.....

التثوير الديني


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 03:18
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


الكثير من مميزات الوعي البشري التي دفعت الإنسان تجاه الارتقاء، هي في حقيقة أمرها مظاهر عجز فيه. النسيان مثلاً، أهم ظاهرة مكنت الإنسان من الاحتفاظ بتوازنه النفسي وساعدته على الاستمرار بالبناء والتطور الثقافي من خلال حجزها بين النفس البشرية وبين معظم الهموم والهواجس التي تهددها باليأس أو الإحباط. النسيان على الرغم من روعته هو في النهاية نحو من أنحاء العجز في ملكة التذكر البشرية
الاختلاف بوجهات النظر مثال آخر، فمع انه داينمو الإبداع في الحضارة الإنسانية، إلا انه كظاهرة تنشأ عن عجز في منظومة وعي البشر خلال تعاطيها مع الأشياء. فهذه المنظومة لا تستطيع أن تكون موضوعية، عقل الإنسان لا يعمل بمعزل عن عاطفته أو عن مجموعة المتحكمات بشخصيته، ومن هنا فكل إنسان يعالج الموضوع من وجهة نظر مختلفة، ولو اننا طلبنا من مجموعة من البشر أن يعطونا تفسيراً لظاهرة معينة فاعتقد أن من المستحيل أن تأتي آراؤهم متطابقة مائة بالمائة. الإدراك من هذه الجهة مثل البصمة، وكل إنسان يضع بصمته الخاصَّة على الموضع الذي يفكر فيه أو يتعامل معه. لذلك فعندما تريد أن تأخذ رأي قارئين بمادة نشرتها بإحدى الصحف (مثلاً)، ويكون أحدهما محباً لك والآخر كارهاً، فإن آراءهما لن تكون موضوعية، لأن الأول سيقرأها بعين الرضا، والآخر بعين السخط، وسيتعاملان مع المادة الكتابية من منطلقات ذاتية.
من هذه الزاوية أريد أن أدخل لموضوعة التنوير الديني، فالتنوير الديني مقولة قد تكون خاطئة. خاصَّة عندما تعيد التأسيس للثابت الديني من جديد، فتؤسس لجذر المشكلة لا لحلها. فقد بات واضحاً أن مشكلة الدين تكمن بإدعاء رجاله بأن مقولاتهم هي عين الدين. ولأن الدين ثابت (بنظرهم) يصبح من غير المعقول أو المقبول عندهم مناقشة هذه المقولات. لأنها مقولات الله. الله هو الذي يتحدث على لسان عالم الدين. بعبارة أخرى؛ عندما يبحث هذا العالم بموضوع ما، ويخرج من ثم بنتيجة أو حكم فإنه سيسند هذه النتيجة إلى الله، فيكون حكمه هو بمثابة حكم صادر عن الله.
التنوير فعل حضاري غربي، قامت على أساسه ثورة فكرية أنقذت الإنسان من مشكلة الخلط بين الأحكام البشرية وحكم الله. أما عندنا فالأمر مختلف، فالتنوير عندنا مجرد عملية طلاء للمشاكل وإعادة إنتاج لها. إلى الآن لم نرق لفعل التنوير عند الغرب، ذلك أنه حاصر الكنيسة بعد أن فك الارتباط بينها وبين الله، إيماناً منه بأن ليس لله ناطق ينطق باسمه. وأن دُوْر العبادة عندما تخرج من كونها مؤسسات للتعبد إلى كونها مؤسسات للتحكم فهذا يعني بأنها تريد أن تستثمر الله لحسابات خاصَّة. عندما أدركت الحضارة الغربية هذا المضمون وعملت على أساسه فقد قامت بثورة. على هذا الأساس فنحن بحاجة لتثوير المجتمع ضد (الاستغلال والانحراف) الدينيين وليس لتنويره من خلال إعادة صياغة مبررات الاستغلال لتكون أقل ضرراً.
الدين يتأسس على جملة من المقولات الثابتة.. لكن كيف يمكن أن تكون هناك فكرة ثابتة والإنسان يفهم الأشياء بطرق مختلفة؟ الأفكار الدينية التي يتناقلها رجال الدين هي من بنات أفكارهم، أو لا أقل هي مزيج مختلط من أفكار أساسية (دينية) وميول ذوقية وعاطفية ومسلمات معرفية معرضة لمنطق الصح والخطأ. أما الإدعاء بانها أفكار الله وأوامره ونواهية فهذا رأي باهت جداً.
مقولة العصمة بنفسها تدل على أن الدين لا يمكن أن يكون ثابتاً، ففلاسفة الإسلام ومتكلموه (أو مؤسسته الدينية) ابتكروا هذا المفهوم من أجل أن يردوا على من ادعى بأن الرسالة يمكن أن تكون عرضة لتدخلات الرسول وإملاءاته، بمعنى انها ليست سماوية تماماً بل وبشرية أيضاً. على هذا الأساس افترضت المؤسسة الدينية بان الرسول أو جملة من يقوم بعملية التبليغ معصومون. بمعنى أنهم غير قادرين على التأثير على الرسالة السماوية.. على الأقل أثناء تبليغها. وبالتالي تكون الرسالة سماوية تماماً. لكن في طيات هذه الفلسفة اعترافاً ضمنياً بأن الإنسان ـ أي إنسان ما خلا مبلغي الرسالات ـ يقوم بالتأثير على الرسالة أثناء نقلها أو التفكير فيها، لأنه غير معصوم، وبالتالي يسقط فرض الثبات في الدين من مقولة العصمة التي جاءت من أجل تكريسه.
إذا كان مبلغ الرسالة معصوماً فالمجتمع الذي تلقاها غير معصوم، بمعنى أن الرسالة تعرضت للتأثير والتغيير من خلال فعل التلقي، فليس هنالك تلق سلبي تماماً. وهذا ما عليه إجماع ليس المسلمون وحدهم بل وجملة معتنقي الأديان الأخرى. لأنهم يقرون باختلاف مذاهبهم، ويعترفون بالتالي بأن منشأ اختلاف هذه المذاهب ليس من مصدر الدين نفسه بل ممن تلقوا الدين.
إذا كانت هناك ثوابت دينية أو مقولات سماوية مطلقة فإنها، ولا بد، قد جاءت مع مبلغي الرسالات وماتت معهم. فحتى خلال عملية تدوين الوحي من خلال كتابته لا نستطيع أن نخرج بحل ناجع يقفز بنا على عمليات التأثير البشري، لأن الكلمات، وفي أية لغة، لا تعطي دلالات ثابتة ومحددة بدقة، أبداً. وفي النصوص المقدسة تزداد هذه المشكلة تعقيداً، لأننا نريد من الكلمات أن تنقل لنا المعنى الحرفي الذي أراده الله سبحانه، والكلمات غير قادرة على أداء هذه المهمة. وهنا نحتاج إلى إيراد مثال توضيحي لأن الأمثلة أكثر قدرة على إيصال الأفكار.
هناك آية في القرآن تقول (إنما الخمر والميسر رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه). هذه الآية تتضمن عدة كلمات تعطي كل منها دلالات متعددة، ومن هنا جاءت عمليات تفسير الآية وتأويلها مختلفة عن بعضها إذا لم تكن متعارضة. ففي النهاية ما معنى كلمة (الخمر) تحديداً، وهل يدخل في إطارها الدلالي فقط الخمر الذي عرفه أهل الجزيرة، أم مطلق الخمر حتى الذي سيبتكر بعد آلاف السنين؟
بعبارة أخرى: هل أن جميع المشروبات التي تسمى (روحية)، هي خمر؟ وهنا سيتدخل جملة ذوي الاختصاص. على الأقل منهم المختص بالفقه، من أجل تحديد الحكم، والمختص بالكيمياء من أجل تحديد الموضوع. لكن ثمة رأياً يعترض على هذا التدخل، مفاده بأن رأي ذوي الأختصاص هنا غير لازم. لأن القرآن خطاب موجه لعامة الناس، أو لاقل هو توجه أول ما توجه لمجتمع لا يعرف لا الكيمياء ولا الفقه، ما يلزم أن يكون المعنى المراد إيصاله أولي ومباشر ولا يحتاج الى دقة نظر المختصين. على كل حال، هناك من الفقهاء أو المفسرين من قالوا بأن المراد من وراء كلمة خمر هو المسكر عموماً، لكنهم مع ذلك لم يحرموا لا الحشيشة ولا الأفيون ولا الكثير من المسكرات، وعندما أثير الموضوع قال فقهاء آخرون: بأن المراد من الخمر هو المسكر المائع وليس الصلب، وهنا يتبادر إلى الذهن سؤال ملح يقول: إذا كان الله يقصد تحديداً المسكر المائع، فلماذا لم يحرمه علينا بوضوح لماذا استخدم كلمة (خمر) متعددة الدلالات؟ الجواب لأن اللغة غير قادرة على أن تنقل المعاني بدقة متناهية، فحتى كلمتي (المسكر المائع) أيضاً ستؤديان لدلالات متعددة، فما هو ضابط الميوعة، وما هو ضابط المسكر، ثم ماذا لو تمكن الإنسان من تحويل الخمر إلى مادة صلبة كالحليب المجفف مثلاً، فهل يصبح حلالاً؟ وما هي درجة الإسكار التي سنعتمد عليها في الحكم بالحرمة، بمعنى آخر هل ستتناسب الحرمة مع درجة تركيز المسكر في البيرة مثلاً، وبالتالي ما هو الحد المسموح به من هذا التركيز؟
إذا فحتى لو استبدلنا الكلمات فسنبقى الدوامة نفسها، لأن الأمر ببساطة يتعلق بمنظومة اللغة البشرية، وهذه المنظومة نسبية في دلالاتها وليست مطلقة، لأن الوعي البشري الذي انتجها لا يمكن أن يكون دقيقاً تماماً، وإلا كان مطلقاً ولما احتجنا عندها إلى الرسالات.
طبعاً الموضوع نفسه ينطبق على كلمة (الميسر) فما هو الميسر تحديداً، أو ما هو المعنى الذي أراده المطلق وهو يختار كلمة (ميسر) دون سواها من الكلمات؟ ماذا أراد من وراء استخدام فعل الأمر (اجتنبوه)؟ هل قصد الحرمة؟ ولماذا لم يقل وببساطة أن الخمر حرام عليكم؟ إذن هناك كم غير متناه من المعاني التي يحملها الخطاب المقدس: أحدها هو المعنى الذي أراده الله وبلَّغه إلى الرسول على شكل كلمات محددة. أما بقية المعاني فتتوزع على تلك التي فهمها مسلمو زمن الدعوة، وتلك التي فهمتها ـ أو ستفهمها مستقبلاً ـ مجموعة المؤسسة الدينية على اختلاف مشاربها وتلك التي نفهمها نحن ممن نمثل جانب التلقي غير المختص والمستمر عبر الزمن.
إذن إدعاء الثبات في الدين غير ممكن بسبب عجز الوعي البشري عن التعاطي مع المعاني المطلقة، فلا لغته تستطيع أن تمنحه القدرة على ذلك ولا منظومة مفاهيمه تفعل. ومن هنا يأتي الاعتراض على التنوير واختيار التثوير. بمعنى أننا بحاجة لثورة على مؤسسة الدين تسلبها حق ادعاء الناطقية باسم الله. فإذا فعلنا ذلك أصبح الدين عصياً على الاستثمار لأنه يصبح حقاً مشاعاً لجميع الناس، بمعنى أن القرآن خطاب موجه للبشر ويمكنهم كلهم أن يفهموه كما يفهموه وليسوا بحاجة لوساطة ما دامت كل الوساطات لا تستطيع أن تنقل لهم المراد الإلهي بشكل دقيق.



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يقين الأحمق
- كلام المفجوع لا يعول عليه يا صائب
- البقاء للأقوى يا كامل
- اقليم الجنوب
- القرد العاري
- محمد حسين فضل الله
- وأعدائهم
- عبد الكريم قاسم
- ثقافة الوأد
- أعد إليَّ صمتي
- سخرية القصاب
- وعينا المثقوب
- ولا شهرزاد؟
- لو أنته حميد؟
- I don’t believe
- كيف تسلل الشيطان
- دويلات عراقية
- سحقا لكم أيها الأتباع
- حتى أنت يا كلكامش؟
- اكتاف الفزاعة


المزيد.....




- أول رد من الإمارات على اختفاء رجل دين يهودي على أراضيها
- غزة.. مستعمرون يقتحمون المقبرة الاسلامية والبلدة القديمة في ...
- بيان للخارجية الإماراتية بشأن الحاخام اليهودي المختفي
- بيان إماراتي بشأن اختفاء الحاخام اليهودي
- قائد الثورة الاسلامية آية الله‌خامنئي يصدر منشورا بالعبرية ع ...
- اختفاء حاخام يهودي في الإمارات.. وإسرائيل تتحرك بعد معلومة ع ...
- إعلام العدو: اختفاء رجل دين اسرائيلي في الامارات والموساد يش ...
- مستوطنون يقتحمون مقبرة إسلامية في الضفة الغربية
- سفير إسرائيل ببرلين: اليهود لا يشعرون بالأمان في ألمانيا
- المقاومة الاسلامية في لبنان تستهدف مستوطنة -أفيفيم- بصلية صا ...


المزيد.....

- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعدون محسن ضمد - التثوير الديني