ناهده محمد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2409 - 2008 / 9 / 19 - 03:13
المحور:
حقوق الانسان
جلست ذات يوم أنا وإبني وكأنا قُطبي حضارة متناقضين , رغم الصلة الحميمة التي بيننا , ناقشني في موضوع ( الدراما العاطفية ) والتي يُدمن مشاهدتها دائماً , كان يعتقد أن قمة البؤس الإنساني هو الفشل العاطفي والنهايات المأساوية للعلاقات العاطفية , قلت له بل أن هناك ما هو أكثر مأساوية من النهايات الفاشلة لأن العالم وببساطة يدور على قرون ذهبية إذا سقطت سقط كل شيء , ثم تابعت وقلت : إن مأساة البشر الحقيقية هي الفاقة , ولا يجد الفقير الكثير من الوقت للعلاقات العاطفية بل يبقى يدور في دائرة تسحقه , وقد تسحق أبناءه من بعده , تم قلت : عزيزي إن المادة اليوم تحكم كل شيء , فكل يوم يموت بسبب العوز آلاف الأطفال وبسبب الجوع المُثقل بالعوز والمرض , قال : الحب أجمل عاطفة يتميز بها الإنسان , قلت : الموت جوعاً ومرضاً يجعلك تجلس وحيداً على سقف الكرة الأرضية تنتظر المجهول والنهاية دائماً قاسية , أضرب لك مثلاً : شاء سوء الحظ ذات يوم وأنا أمام إحدى القنوات الفضائية العراقية والتي هي ( قناة الفرات الفضائية ) , عرضت هذه القناة حادثاً مأساوياً لصبي عراقي ينتظر الموت في العيد القادم حسب تشخيص الأطباء , حيث يُعاني هذا الطفل من ( فتحة في القلب وضيق في الصمام ) مثل الكثير من الأطفال الذين ولدوا في العُتمة , كان صبياً يبلغ الثانية عشر إسمه ( مصطفى ) , ينظر وهو واجم ومذهول بمصيره المرتقب , يشخٌص ببصره الى المروحة السقفية القديمة وسقف المنزل المليء بالرطوبة , كان حزيناً جداً , قال : سأموت في العيد , أنا تعبان , ثم أُغميَّ عليه .
يعمل والد ( مصطفي ) كبائع للسكائر المفرد ( البسطة ) , تحدث عن حبه لولده , وعن العوز والفاقة وعن عدم إستطاعته علاج إبنه في الخارج لعدم توفر الإمكانيات الطبية في الداخل , كان صوت الأب ضعيفاً جداً وكأنه يخرج من معدته وأعتقد بأنه مصاب أيضاً بعجز في القلب , لكنه يفضل أن يُعالج إبنه ولا يدري الى أين يتجه في بلد ( الذهب الأسود ) .
قال إبني : إنه شكل مختلف للحب , قلت : نعم وهذا أقصى أشكال الحُب , فلو خُيِّر الأب مابين حياته وحياة إبنه لإختار حياة إبنه , قال إنها ( دراما ) لا يُمكن أن تُصور أو تُمثل , لإنها الحقيقة الدراما والدراما الحقيقية . أما إذا كانت عامة شاملة كما تقولين فهي تقع في مرحلة ما فوق الكارثة , نظرت إليه وقلت : ماذا يساوي فقدان طفل بسبب الفقر والمرض , ثم أجبت نفسي إنه يساوي فقدان الإنسانية لإرثها الحضاري وتحولها التدريجي الى قانون البقاء للأقوى , وحيث أن الأقوياء هم القلة , فسيبتلع القلة الكثرة من الناس .
#ناهده_محمد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟