|
الميئوس منه.. أم المسكوت عنه...!؟
جهاد نصره
الحوار المتمدن-العدد: 2408 - 2008 / 9 / 18 - 09:38
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
ربما تكون المقاربة الخارجية لقضية الصراع الناشبة بين حراس الدستور العلماني التركي والإسلاميين في الحكومة والحزب وملحقاتهم حول مسألة الحجاب ومنعه في القطاعات الحكومية والتعليمية بمعزل عن القضايا الحيوية الأخرى التي عانت منها الدولة التركية ولا تزال غير كافية لاستصدار أحكام مطلقة.. أوتصدير خلاصات تعبوية تحشيدية كما هو حاصل في كلا المعسكرين العلماني والإسلامي كطرفين معنيين من خارج الساحة التركية لمجريات وحيثيات الصراع المحتدم على التخوم.! ذلك أن مسألة الحجاب غدت إشكالية ساخنة في كثيرٍ من البلدان الغربية والشرقية.. العلمانية وغير العلمانية.. وتونس، ليست البلد الأخير الذي تطفو فيه هذه الإشكالية بأبعادها الدينية، والتشريعية، والسياسية والاجتماعية.! وبالطبع يمكن إضافة معسكر ثالث أقل حجماً وتأثيراً يتبنى أصحابه الفقه الجنائي لتفسير التاريخ وحقائق الصراعات الكبرى أي ما يُخطط له في الكواليس بعيداً عن مسرح الأحداث وهذا الفريق جلّه من كتاب الصحافة العربية الذين يكيِّفون آراءهم وفق خط ورؤى الممول للصحيفة أميراً كان أم جنرالاً فالمهم عندهم التسعيرة .!؟ لنقل بدايةً: لقد أخفق العلمانيون الأتراك في معالجة قضايا الأقليات وفق المعايير الديمقراطية وبخاصة قضية الشعب الكوردي أكبر الأقليات القومية في البلاد بحيث استمرت هذه الإشكالية الإنسانية عالقة في فضاء التجربة العلمانية عسكرية الطابع والذي لبَّدته الغيوم الراعدة طيلة الوقت، لقد تساووا في ذلك من دون أدنى شك مع حكام الأنظمة الأخرى غير العلمانية إسلاميةً كانت أم ( إسلاعلمانية ) من حيث أن الجميع تنكروا للحقوق القومية التاريخية للطيف الكوردي ولغيرهم.! واحتكموا في تعاملهم مع هذه القضية إلى الهيمنة و العنف، والتهجير، والإقصاء، في محاولة واهمة ومستمرة لإطفاء شعلة الكفاح المتواصل التي أوقدتها الأحزاب والمنظمات الكوردية وغير الكردية ولا تزال..! وقد ترتب على هذا الفشل العسكري العلماني اتساع دائرة التيار العنفي المطالب بالانفصال واستمرار الصدامات المسلحة الدامية وذلك على حساب التيارات العقلانية التي بقيت عند حدود الحل الديمقراطي المواطني في إطار وحدة الأرض الوطنية..! لكن، من تبسيط الأمور اعتبار ما واجهته العلمانية التركية من إشكاليات معقَّدة بمثابة فشل للخيار العلماني إذ يجب عدم نسيان أن تركيا كانت دولة دينية نموذجية وهي ظلَّت على مدى قرون مقراً للخلافة الإسلامية بما يعني هذا من تجذر مديد للثقافة والفقه الإسلاميين وقيمهما المتوارثة منذ أن تخطَّ المسلمون حدود الحجاز وحتى اليوم وهذا ما يفسِّر نجاح الأحزاب الإسلامية التركية الدائم في الانتخابات النيابية..! وعلى هذا الأساس، ظلَّت حقيقة انتصار العلمنة في العرين الإسلامي العثماني غير قابلة للهضم لا من الجيران ولا من الآخرين حتى أنها لم تهضم بعد من الدول الغربية..! وهي ستظل كذلك من واقع استمرار توارث ثقافة وفقه الدين الإسلامي كناظم مؤثر بدرجة فائقة في حياة المجتمعات الإسلامية وهو حال بقية الأديان وإن بفعالية أضعف بكثير وذلك عائدٌ إلى خصوصية الدين الإسلامي المتعلقة بجدلية الدين والدولة والربانية وهو ما كان عليه واقع المسلمين منذ نشأتهم الأولى وإلى سقوط الخلافة الإسلامية ( العثمانية )..!؟ الصيادون في الماء العربي العكر وهم مستلبون دينياً بالرغم من اليافطات النظرية الجريئة التي يرفعونها كما تظهر حقائق ممارساتهم الحياتية الاجتماعية، انتهزوا الفرصة التركية الحالية ليصوبوا سهام مثاقفاتهم السياسوية والتي ظلّت طائشة منذ بداية عصر الاستقلالات الوطنية، باتجاه العلمنة التركية الفاقدة بنظرهم لسياقات واستحقاقات تتطلبها العملية الديمقراطية فيما خص مسألة الحريات الفردية التي يقتنصونها وهي هنا لا تزيد عن مسألة الحجاب دون أن يتوقفوا لبرهة ليقولوا شيئاً عن هذه الحريات الفردية التي غيِّبتها كوابح التدين والفقه والشريعة التي تحيلها أولاً وأخيراً إلى الله وأوامره المطلقة.! وهذا التغيِّيب تظهره قواميس وأجندات الإسلاميين وأحزابهم أينما وجدت الصناديق الانتخابية التي أحبوها بعد أن باتت المعبر السالك الوحيد هذه الأيام باتجاه السلطة الدنيوية التي يبتغونها مع الإشارة إلى أن حزب العدالة والتنمية نفسه كان قد سبق له التأكيد قبل نجاحه في الانتخابات على احترامه وتمسكه بالقيم العلمانية المحروسة جيداً من المؤسسة العسكرية...!؟ ويرى عشاق الديمقراطية النقية الخالصة لوجه الله.. والملازمة شرطياً للعلمنة، في وجود الحدود الدستورية والقضائية الناظمة والكابحة للتأثير السلبي الارتدادي المتوقع لثقافات الأديان كل الأديان.. وللممانعة الربانية بلبوسها التشريعي الأرضي، نكوصاً للعلمانية التي يغضّون النظر عمداً عن انجازاتها المحققة على الأرض..! لا شك أن مسألة الحجاب ستكون محض حرية فردية مثل أي زي آخر لو لم تكن المرجعية في ذلك أوامر ونواهي فقهية تجرِّم السفور وتحرِّمه فتنعدم هذه الحرية عند الكلام عن الأزياء الأخرى الأمر الذي يعني أن الخطوة الأولى في أجندة الإسلاميين المتمثلة بإشاعة الحجاب في المؤسسات التعليمية والحكومية العامة سيلحقها في الوقت المناسب الخطوة الثانية المتمثلة بتعميمه في كل مكان الأمر الذي يعني قولاً واحداً تجريم الأزياء السافرة وهو ما تقرّه وتتطلبه مرجعية كافة الأحزاب الإسلامية المعنونة بالشريعة وحينها سيشَِّكل هذا العمل خروجاً سافراً على القيم العلمانية والديمقراطية التي تعَّهد حزب العدالة باحترامها والتي من خلالها وعبرها تمكن من المشاركة في الانتخابات..!؟ الحقيقة المسكوت عنها هاهنا، تتحدد في المضادات الحيوية المتوفرة في الثقافة الإسلامية السائدة، والممانعة الفقهية لاستحقاقات الحداثة والمدنية الأمر الذي يملي على العلمانيين في المجتمعات الإسلامية التعويل وحتى إشعار آخر على حراسة بذارهم من خارج الصناديق الانتخابية التي كان الإسلاميون إلى الأمس القريب يجهلونها، أو ينكرونها، أو يحرِّمونها..! واليوم، باتوا يعشقونها، ويتغنون بها عند كل آذان يرفع وشمس تغيب..!؟ لكن، يبقى سؤال لا مندوحة منه عن صحة تعميم المعايير الديمقراطية حيثما وكيفما كان هذا إذا ما تذكرنا النسب المتواضعة للمشاركة المجتمعية في عمليات الانتخاب في معظم الدول المتقدمة بالرغم من الجهود الضخمة والأموال الوفيرة والبرامج المثيرة في حين تكفي في المجتمعات الإسلامية فتوى دينية واحدة من صاحب لحية فقيهاً كان أم متفيقه، كي تندفع جماهير الناخبين قطيعياً إلى صناديق الانتخابات حالاً بالاً ومن دون كيف ولماذا...!؟ إشكالية عويصة ورب الكعبة...!؟
#جهاد_نصره (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
زوال إسرائيل... أم غيرها...!؟
-
العابرة للأديان.. والأيديولوجيات.. والحدود...!؟
-
أم علي.. ومناورات السلام الإسرائيلية...!؟
-
الفضائحيون الجدد....!؟
-
المختصر في: الأفسد من الفاسدين...!؟
-
حول الغلاء والحكومات والذي منه...!؟
-
دوام الاحتلال بالديمقراطية...!؟
-
فساد التدِّين.. أم ( تديِّين ) الفساد...!؟
-
الإنسان: حيوانٌ عاقل..أم غير ذلك...!؟
-
الثرثارون العرب...!؟
-
سيمفونية الهزيمة...!؟
-
ثمّ ولكن: لسنا محكومين بالأمل...!؟
-
كيف انتصر القوميون العرب لمواطنيهم...!؟
-
شرُّ الانتخابات ما يضحك...!؟
-
ميليشيا الصقر العربي...!؟
-
تسيبي ليفني والفحول العرب...!؟
-
الماركسيون الإسلاميون العرب...!؟
-
الحزب الشيوعي السوري يسأل ...!؟
-
المسألة أبعد من: تفاؤل.. وتشاؤم...!؟
-
السوريون الجدد...!؟
المزيد.....
-
قائد الثورة الاسلامية يستقبل حشدا من التعبويين اليوم الاثنين
...
-
144 مستعمرا يقتحمون المسجد الأقصى
-
المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية: مذكرة اعتقال نتنياهو بارقة
...
-
ثبتها الآن.. تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 علي كافة الأقم
...
-
عبد الإله بنكيران: الحركة الإسلامية تطلب مُلْكَ أبيها!
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الأراضي
...
-
المقاومة الإسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
المقاومة الاسلامية العراقية تهاجم هدفا حيويا في جنوب الاراضي
...
-
ماذا نعرف عن الحاخام اليهودي الذي عُثر على جثته في الإمارات
...
-
الاتحاد المسيحي الديمقراطي: لن نؤيد القرار حول تقديم صواريخ
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|