|
المصطلحات الفضفاضة في الإتفاقية الأمنية
يحيى السماوي
الحوار المتمدن-العدد: 2407 - 2008 / 9 / 17 - 04:56
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
يوم 13 من الشهر الجاري ، نقلت وكالة رويتر عن وزير خارجية العراق هوشيار زيباري قوله في جنيف : " ان المفاوضات الخاصة باتفاق امني امريكي عراقي على وشك الانتهاء وقد تمهد السبيل لانسحاب على نطـاق واسـع للقوات بحلول عام 2011. .. " مضيفا : " نحن لا نتحدث عن جدول زمني محدد. نحن نتحدث عن افق زمني .. اطار زمني .. موعد نطمح اليه." ....
الحرف " قد " حين يدخل على الفعل المضارع ، فإنه يفيد التقليل .. أي تقليل احتمال حدوث الفعل ... فقوله " قد تمهد للإنسحاب " يعني أن حدوث الإنسحاب هو أمرٌ مستبعد وقليل الإحتمال ... فهو قد يحدث ـ ولكن ليس في الزمن المنظور ... فالإنسحاب لا وجود لجدول زمني يحدده ... فهو مرهون بـ " أفق زمني " .... الخطورة في ضبابية مصطلح " الأفق الزمني " تكمن في أنه يمكن أن يكون عام 2009 هو نهاية هذا الأفق مثلما يمكن أن تكون نهايته قيام يوم القيامة ... فالإحتمالان صحيحان ... فهل ثمة استغفال للشعب العراقي واحتيال عليه أكثر من هذا ؟
إن عقد إيجار حانوت بقالة في سوق شعبي ، لابدّ وأن يتضمن تحديد سقف زمني .... فكيف يرتضي وزير خارجيتنا بمعاهدة أمنية تـُخـْضِـع العراق ـ وليس حانوت بقالة ـ لقوات الإحتلال ـ باعتبارها مستأجرا ـ بدون سقف زمني يُنهي عقد إيجار العراق ؟
وفي جانب آخر من حديثه قال السيد زيباري : " نفكر انه في الصيف القادم .. 2009 .. شريطة استمرار هذا التحسن في الاداء والاستعداد الامني العراقي .. ربما لا تكون هناك حاجة لتواجد القوات الامريكية او قوات التحالف في قلب المدن." ... معنى كلامه هذا ، أنه في حال تحسن أداء القوات العراقية ، سـتنسحب القوات الأمريكية من " قلب المدن العراقية " لتقيم في " أطرافها ... وأما " تحسن الوضع الأمني ، فيكفي أن تقوم قوات الإحتلال بتدبير تفجير سيارة أو تسهيل مهمة " خروف بشري ليفجر نفسه في سوق شعبي ، كي تثبت أن الوضع الأمني غير مستقر ٍ وبالتالي فلابدّ من تمديد وجودها انسجاما مع " الأفق الزمني " !!
**
المحلل السياسي العراقي أزهر الخفاجي إطلع على بنود الإتفاقية بصيغتها المعدلة فتساءل مستغربا : ""العجب كل العجب في هذه الاتفاقية ، ان الجندي الأمريكي يمتلك الحصانة في معسكراته وقواعده وفي خارجها ، أي انه له الحصانة في كل أنحاء العراق ، كما ان مسؤولي المراكز الحدودية ، لايحق لهم ، منع دخول وخروج أي فرد من أفراد القوات المسلحة الأمريكية ولا منع دخول وخروج العناصر الأمنية ولا أعضاء الكيانات التي تعمل مع القوات الأمريكية ، ولا يحق لهم منع قيام القوات المسلحة الأمريكية او الكيانات العاملة معها من نقل وتصدير اية مواد وامكانات من العراق "!...وتساءل السيد الخفاجي : " هناك بند من بنود المسودة المصححة للمرة الثالثة ، يوجب على القوات العراقية ان تطلب مشاركة القوات الأمريكية في أية عمليات عسكرية تقوم بها القوات العراقية ، وأننا نتساءل : بأي حق تفرض الولايات المتحدة على الحكومة العراقية الاستعانة بالقوات الأمريكية في عملياتها الأمنية التي تقوم بها مستقبلا في العراق ..؟ "
وكما لجأ السيد وزير خارجيتنا إلى استخدام مصطلحات ضبابية وفضفاضة في تصريحه ، حفلت الإتفاقية بمصطلحات وكلمات أكثر ضبابية وفضفضة قابلة لما تريده الولايات المتحدة الأمريكية من تفسيرات تخدم شرعنة احتلالها للعراق .. فقد ذكر السيد الخفاجي أن المسودة الثالثة تضمنت في أحد بنودها : "" الكيانات " التي تعمل مع القوات المسلحة ، والتي وردت كرارا في مسودة الاتفاقية ، والتي اخذت صفة العموم، فماهي هذه الكيانات ومن هي ..؟!! فهل هي شركات امن .؟! ام عناصر القوات القذرة .؟! ام اجهزة استخبارات دولية اسرائيلية وغير اسرائيلية ؟! ام شئ اخر لايعرفه العراقيون ولاحكومتهم ..؟ " ومسميات أخرى غائمة الدلالة مثل كلمة " المساحات " فكتب الخفاجي محذرا ومتسائلا : "" المساحات " التي تكررت في هذه المسودة والتي تخص القوات الأمريكية او التي تستخدمها فعليا ، هل تعني القواعد العسكرية فقط ..؟ ام كل شئ يرى الأمريكيون ضرورة الاستحواذ عليه لتامين عملهم في العراق ، وتساءل عن سر عدم ذكر وتحديد مكان هذه - المساحات - وحدودها وماهيتها ..؟! وهل المقصود بها هي القواعد العسكرية فقط ..؟! ام مساحات أخرى ..؟! وإذا كانت القواعد العسكرية هي المقصودة بعبارة " المساحات " فلماذا لاتذكر وتحدد من الان حدودها ومساحتها ، ومراكزها وتذكر اسماؤها ، فهل هي الـ 179 قاعدة امريكية صغيرة وكبيرة الموجودة في العراق ..؟ ام أنها القواعد العسكرية الكبيرة فقط ، واين هذه القواعد حاليا وأية مناطق تشمل واية مدن ..؟ وهل المساحات المقصود بها هي كل المساحات التي تسيطر عليها في كل العراق حاليا ام هي بعض منها بينما يسلم البعض الأخر للحكومة العراقية .؟!
من البديهي ، إنّ تقديم الرشوة لإنجاز عمل ٍ ما ، يعني بالضرورة أن هذا العمل يصبُّ في مصلحة الراشي وليس المرتشي ... ويعني أيضا ً لا مشروعية العمل .... وما يبذله المسؤولون الأمريكيون من جهود لحمل أعضاء البرلمان العراقي على قبول الرشاوى للموافقة على الإتفاقية ، هو الدليل القاطع على حقيقة أن المعاهدة تضرّ بالعراق وتخدم الجاني الأمريكي وحده .... فقد نقلت وكالة الكوفة للأنباء عن أعضاء في البرلمان العراقي قولهم : " السفارة الأمريكية في بغداد عرضت صراحةعلى عدد من النواب والسياسيين وبينهم من يشغل مناصب حكومية ، تعهدا بضمان سلامتهم وتامين لجوء دائم لهم في الولايات المتحدة وبامتيازات عالية في حال شعورهم بالخطر ورغبتهم في الخروج من العراق اذا ما تسبب تأييدهم لـلاتـفاقية الأمنية او التسويق لها مخاطـر على حياتهم او على أسـرهم .. " .
حسنا فعل السيد رئيس الوزراء بسحبه ملف المفاوضات من وزارة الخارجية ... فالسيد هوشيار زيباري يبدو وزيرا لخارجية إقليم كردستان أكثر من كونه وزير لدولة العراق ... وحدها حكومة إقليم كردستان تؤيد توقيع الإتفاقية ( ولا عجب في ذلك ، فهي تعارض تسليح الجيش العراقي تسليحا جيدا للقيام بمهامه التي تـُمَكـّنه من تأدية مهامه التي وُجـِدَ من أجلها )... وحسنا فعل افي إصراره على التمسك بالثوابت الأساسية للسيادة الوطنية ـ لكن المؤكد أن التاريخ سيذكره بحروف مضيئة لو رفض الإتفاقية من أساسها ... وسيجد أن الشعب العراقي يزداد التفافا حوله .... فالشعب العراقي قد عبّر عن رفضه للإتفاقية ولوجود قوات الإحتلال ـ ولا أدلّ على ذلك من التظاهرات الجماهيرية الغفيرة والتي تخلل بعضها حرق العلم الأمريكي وتطريز صور جورج بوش بالأحذية ... والمرجعية الدينية قد عبرت عن رفضها ... والقوى الوطنية عبرت هي الأخرى عن رفضها لها ...
التاريخ بانتظار ما سيقوله برلماننا وما سيقوله السيد المالكي وما سـَتـُفـتي به المرجعية الدينية ، كي يكتب للأجيال عن أشـدّ فترات العراق حلكة و ضبابية ...
#يحيى_السماوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عن محاولة اغتيال الشاعر جواد الحطاب
-
بعض ملامح الشاعر
-
متى يشبع لصوص عراقنا الجديد ؟
-
تناقض التصريحات حول وجود قوات الإحتلال في العراق
-
رثاء متأخر ... ( إلى روح الصديق الصديق الفنان الأديب د . ناج
...
-
همستان في ليل ٍ موحش ..
-
باقة من نبض القلب على ضريح الشهيد كامل شياع
-
وصية محمود درويش للرئيس الفلسطيني محمود عباس ..
-
رحيل محمود درويش نكبة للإبداع الإنساني
-
مقتدى الصدر ليس عميلا لأمريكا .. لكنه يخدمها دون وعي !!
-
الجواهري نهر العراق الثالث
-
المحتل الأمريكي وأسلوب الإذلال مع سبق الإصرار
-
لمناسبة اليوبيل الفضي لإستشهاد البطل -ابو ظفر -
-
لمناسبة اليوبيل الفضي لاستشهاد البطل - أبو ظفر -
-
شكرا ً لأنكِ حاربتِني وانتصرت ِ عليّا
-
إيهود باراك بمثابة ملاك رحمة قياسا ً بجورج بوش
-
إصرخ بوجه الخوف : ذا قدري
-
إفتراق
-
نبوءات ..
-
مَلَكتِني جميعا ..
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|