|
أما آن الأوان لتجارالمحاصصات أن يعلنوا إفلاسهم....؟
صادق إطيمش
الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 06:01
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
التجارة التي إمتهنتها أحزاب الإسلام السياسي باتخاذها الدين بضاعة لها تعرضها على أسواق المزايدات على حساب الهوية الوطنية العراقية . إلى جانب احزاب التطرف القومي العربي والكوردي التي دخلت أسواق المحاصصات هذه لتنافس بضاعة الدين من خلال التلاعب بالمشاعر القومية وتأجيجها لتكون البديل عن المشاعر الوطنية العراقية . هذه الأحزاب التي سلكت طريق المحاصصات الدينية القومية التي وضعت البلاد في كثير من الحالات على حافة الحرب الأهلية التي تبلورت في كثير من مناطق الوطن على شكل إقتتال ومنازعات وعداوات بين أبناء الوطن الواحد لتتشظى فتصبح بين أبناء الطائفة الواحدة أو بين أبناء القومية الواحدة أيضاً . لا نريد ان نقول هنا بأن السحر إنقلب على الساحر ، لأن السحرة في كل هذه السياسة العقيمة هم قادة ورؤساء هذه الكتل السياسية الذين لم ينلهم الكثير من هذه الخصومات الدينية والقومية بين ابناء الوطن الواحد ، بل بالعكس ، إذ يمكن القول بأنهم لم يزدادوا إلا غناً وسلطة وجاهاً ، بعد ان كان أغلبهم يعيش عيشة بسيطة ، بل وفقيرة أحياناً ، فسبحان مغير الأحوال . إن المواطن العراقي البسيط هو الذي أصبح ضحية هذه المحاصصات الدينية والقومية وهو الذي لا زال يكتوي بها كل يوم ويزداد أنينه تحت وطأتها التي أخذ ت تشتد يوماً بعد يوم . إلا أن ألأيام أثبتت لنا ايضاً ان تجارة المحاصصات هذه قد فقدت بريق أيامها ألأولى التي أوصلتها إلى الحكم وتراجع عنها المواطن الذي إنجذب إليها بهذا الشكل أو ذاك في وقت ما لم يعد قائماً في الوقت الحاضر . إن حالة هذه التجارة البائسة اليوم حالة لا يُحسد عليها تجارها ، حيث يمكن ملاحظة ذلك من خلال : إنهيار الشعارات الدينية والقومية التي ظلوا يتبجحون بها منذ إنهيار البعثفاشية ولحد الآن. لقد ربطوا عملهم السياسي البحت وتحقيق أهدافهم السياسية بالمشاعر الدينية والقومية التي جعلوها كالبضاعة التجارية يتفنون في عرضها على الناس بين الحين والحين مستغلين التوجهات الفطرية لديهم وارتباطهم التراثي بالدين او بالقومية ولم يخطر ببال أحد من الناس ان تصبح العمائم واللحى والتصريحات الرنانة ورقة للوصول إلى الثروة والمحسوبية والسلطة والتحكم برقاب الناس وتمويل المليشيات وتوزيع شبكات الإرهاب والسطو على قوت ومصالح وحقوق الآخر ، طالما لم يستجب هذا الآخر لنداءات التمحور الطائفي او لسياسات القمع القومي ، وطالما يرفض هذا الآخر ان يملأ راسه بخرافات القرون الوسطى وجهل الإنسان البدائي . لقد إنهارت شعاراتهم الدينية والقومية وبارت تجارتهم بها حينما إنهار ركن من أهم أركانها التي كانت تتغنى به من خلال طرحها لشعارات الصدق والأمانة والحفاظ على ألأموال العامة واحترام حقوق المواطنين بالحياة الحرة الكريمة في بلد تتوفر فيه كل الإمكانيات لتوفير هذه الحياة إلى مواطنيه الذين إنتظروها آملين تحقيقها بعد سقوط البعثفاشية على أيدي قوات التحالف في التاسع من نيسان عام 2003. إذ اصبحت الشعارات المعاكسة هي السائدة والمتمثلة بجمع الثروات لدى الحكام الجدد من تجار المحاصصات القومية والدينية ، في حين لا زال أيتام وأرامل المقابر الجماعية يفترشون الأرض ويلتحفون السماء وبطونهم خاوية . وانتشر الفساد الإداري والمالي والإداري الذي توجهه الأحزاب الحاكمة ، حيث اصبح الشعار السائد لديها : اليوم أمرٌ وغداً فرٌّ ، والشاطر هو الذي يستفيد من هذا الأمر اليوم على أحسن ما يمكن وفي مختلف المجالات ، كل ذلك ولا ينسى مواصلة طرح الشعارات الدينية والقومية ، تيمناً بمقولة : لا ضرائب أو كمارك على الكلام ، خاصة لأؤلئك الذين لا يعلمون اليوم بما قالوه بالأمس ، أو تنفيذاً لمقولة : كلام الحسينيات تمحوه سلطة الوزارات . أو من خلال ما صرح به بعض المسؤلين الذين أبدوا خوفهم من تزايد نفوذ المؤسسة العسكرية التي قد تقوم بانقلاب عسكري يأتي على كل الأوضاع القائمة الآن دون العلم بوجهة التغيير او طبيعته . لقد نشرت جريدة البيّنة ألألكترونية على موقعها في الإنترنت اليوم 15.09.2008 الخبر التالي تحت عنوان : آخر المعلومات ، العدد 729 ، أحزاب عسكرية ( علمت البينة من مصادر مطلعة أن وزيرا لوزارة امنية اعلن تشكيل حزب جديد يحمل اسم (حزب...) واكدت هذه المصادر ان وزيراً آخر اعلن إنضمامه لهذا الحزب واوضحت المصادر ان هذا الإجراء مخالف للدستور ويتنافى تماماً مع طبيعة عمل الوزارات والمؤسسات الأمنية التي يجب ان تكون بعيدة عن السياسة وتلتزم بالمبادئ المهنية في عملها. واعربت المصادر عن مخاوفها من ان يهيئ هذا الوضع إلى استقطاب مئات الآلاف من منتسبي هاتين الوزارتين اللتان ربما يخطط المسؤولون فيها وعلى المدى القريب للإستحواذ على السلطة في البلاد من خلال إنقلاب عسكري....) وجاء في الخبر ايضاً من ان موقع البينة هذا سيكشف قريباً أسماء هؤلاء . إن هذه المخاوف إن دلت على شيئ فإنما تدل على فشل السياسة التي تمارسها الأحزاب الدينية والقومية المتسلطة على أمور البلد اليوم وعدم نجاح كافة ألإجراءات التي تسعى لبناء الدولة المدنية ، دولة القانون ، التي يصبح فيها الجيش مؤسسة من مؤسسات الدولة وليس رقيباً على سياستها بحيث يستطيع ألإجهاض عليها وتغييرها في الوقت الذي يشاء فيه هذا القائد العسكري او ذاك ، ليعيش الوطن وأهله دوماً على كف عفريت يتقلب بين جشع الحكام ومزاج العساكر. إن فشل سياسة المحاصصات لتأسيس دولة القانون أمر طبيعي جداً ، إذ أن مثل هذه السياسة لا تصب في المصلحة الوطنية العليا التي تشكل الضمانة الرئيسية للوصول إلى دولة المؤسسات القانونية ، إلى الدولة المدنية التي نراها اليوم على مختلف بقاع المعمورة ، لا جيش يهدد وجودها ولا حزب يتحكم بسياستها وليس غير المواطن الناخب الذي يحدد وجهة الحكم فيها ضمن برامج سياسية واقتصادية لا دخل للدين فيها من قريب أو بعيد . بل ان العكس هو الصحيح ، إذ حينما يستشف المواطن في دولة القانون أي توجه متطرف دينياً كان أو قومياً أو سياسياً فإنه يعزف عن مثل هذه التوجهات وذلك بعدم التصويت لها وبالتالي إبعادها عن موقع التأثير على السياسة العامة للبلد. أو من خلال ما يمر به الوطن منذ القضاء على البعثفاشية ولحد الآن ومعاناة اهله من النقص في كل شيء . الحكومة التي لا تستطيع توفير العمل لملايين العاطلين ، ولو بجزء بسيط من ألأموال المسروقة من قبل الأحزاب ومليشياتها وقادتها. الحكومة التي لا تستطيع ان توفر ولو نصف إحتياجات المواطن من الخدمات الكهربائية والصحية والبلدية والتعليمية والثقافية ، نعم نصف هذه الإحتياجات لا كلها ، في غضون خمس سنوات من تسلطها على امور البلاد والعباد . الحكومة التي لا تستطيع توفير المياه الصالحة للشرب في بلاد النهرين العظيمين دجلة الفرات وفروعهما الكثيرة ، بحيث يلجأ المواطن إلى إستعمال المياه المخلوطة بمياه المجاري لشربه وطعامه وغسيله ، فيتنج عن كل ذلك ما نراه اليوم من إنتشار ألكوليرا والأمراض والأوبئة الأخرى التي يعاني منها الناس حالياً في العراق ، مع إنعدام المستشفيات والمستوصفات التي يمكن أن تساهم في التغلب على مثل هذه الأمراض ، كما يجري ذلك لدى الحكومات التي تحترم نفسها وتعمل لمصلحة شعوبها ، لا لملئ جيوبها . أو من خلال إنحسار الوعي الثقافي الحر وانتشار الثقافة الطائفية والقومية المتطرفة المليئة بالحقد والكراهية والداعية إلى التمحور الذي مزق الهوية الوطنية العراقية وأحل محلها التوجهات العشائرية والمناطقية التي أبعدت المواطن عن مواصلة الفكر الثقافي الواعي الذي يربطه بالوطن قبل كل شيء لينقله إلى التناغم مع ثقافات العالم الأخرى التي هي ثقافات الشعوب التي نبذت التخلف الفكري والتعصب الديني والإحتراب القومي . الثقافة الحرة التي تفرضها مسيرة القرن الحادي والعشرين من تطور البشرية التي تريد ثقافة الإنحسار الفكري الثيوقراطي الشوفيني ان تبعدنا عنه قدر ما تستطيع لأن إنتصار هذه الثقافة في وطننا يعني خذلان الفكر المتخلف الذي تنادي به ألأحزاب المتخلفة دينية كانت أو قومية وبطلان تسويقه في أسواق محاصصاتها . أو من خلال الوجه القبيح الذي وضعته أحزاب المحاصصات هذه الأيام على ما يسمونه بالديمقراطية البرلمانية التي جعلت من قاعة البرلمان العراقي حلبة للملاكمة وسوق هرج جديد للمزايدات البذيئة ومرتعاً للشقاوات التي يحن إليها بعض أعضاء هذا المجلس الذي يسمونه ممَثلاً لإرادة الشعب. البرلمانات وُجدت للحوار ولمقابلة الحجة بالحجة واستعمال سلاح المنطق . البرلمانات هي الساحات التي يتحرك فيها من يملك ويستطيع إستخدام هذا السلاح ضد خصومه السياسيين. أما من لا يملك هذا السلاح ويريد أن يمارس السياسة مع ذلك ، فما عليه إلا الخروج إلى الشارع بارزاً عضلاته داعياً إلى القتال بالوسائل الأخرى التي يجيدها. إلا ان تجار المحاصصات لا يفقهون مثل هذه القوانين التي تحكم برلمانات الشعوب الأخرى ، ولا غرابة في ذلك حيث أن المثل يقول : إذا كان رب البيت بالدف ناقراً فشيمة اهل البيت كلهم الرقص ، وقد سبق لنا أن سمعنا ورأينا مناقب رب هذا البيت البرلماني العراقي ، فماذا نتوقع أكثر من ذلك....؟ بعد خمس سنوات من اللعب على حبائل الدين والقومية والتلاعب بمشاعر الناس المرتبطة بدينها وقوميتها إرتباطاً فطرياً تراثياً عمل تجار المحاصصات على إستغلاله أبشع إستغلال ، بعد هذه السنين الخمس العجاف اصبحت الرياح لا تسير بما تشتهيه سفن التجارة الدينية القومية ، وربما شعر قادة هذه السفن بذلك ، فلجأوا إلى تمهيد خط الرجعة قبل ان تتحول هذا الرياح إلى عواصف عاتية لا تبقي لهم شيئاً ولا تذ ر . بعد ذلك كله فإن احسن نصيحة يمكن أن يعمل بها هؤلاء التجار هي ان يقوموا بجرد ما تبقى من بضاعتهم التي بدى تسويقها يصعب يوماُ بعد يوم ، كما يفعل كل تاجر بارت بضاعته ، ويعلنوا إفلاسهم على الملأ ، ويغلقوا أسواق محاصصاتهم قبل ان يجهض هذا الملأ عليهم وعلى أسواقهم، وعند ذلك سيكون الحساب عسيراً جداً.
#صادق_إطيمش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دعوات غير مسؤولة لإخلاء العراق من مواطنيه ألأصليين
-
وماذا بعد السبع العجاف.....؟
-
صحافة السجون.....مرة أخرى
-
باب التجيك منه الريح.....سده واستريح
-
الشباب والإرهاب
-
دور المثقف العراقي في مواجهة الطائفية
-
مهرجان نادي الرافدين الثقافي في برلين
-
اهازيج الشارع العراقي اليوم
-
يا اهل العراق....هل انتم مؤمنون حقاً...؟ فالمؤمن لا يُلدغ من
...
-
دروس تموز
-
مدينة الثورة ....الإنجاز المسروق
-
القضية الكوردية وإشكالات المسيرة 2/2
-
القضية الكوردية وإشكالات المسيرة 1/2
-
أصحوة أم كبوة....؟
-
كتاب جدير بالدراسة والتأمل.....3/3
-
كتاب جدير بالدراسة والتأمل.....2/3
-
كتاب جدير بالدراسة والتأمل....1/3
-
هوس التكفير في عقول أعداء التفكير
-
ألقصف التركي لقرى جبل قنديل له ما يبرره....!!!!!
-
سعي الرأسمالية لعولمة العمل بعد عولمة رأس المال
المزيد.....
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|