أولاً أوجه شكري وتقديري لجريدتنا الغراء بعقلانيتها وواقعيتها وشجاعتها الفكرية والسياسية "الأحداث المغربية"التي تعد من أكثر الصحف العربية انفتاحاً وديمقراطية على النقاش المتعارض خلافاً للإعلام العربي السائد وخاصة الإسلاموي الذي لا ‘يسمع فيه إلا صوتاً واحداً وحيداً لا شريك له ومن هنا جاز لي أن أسمي الإعلام الإسلاموي إعلام الشرك بالله في وحدانيته، بل إن الإعلام الإسلاموي وما لف لفه تجاوز في لا ديمقراطيته ورفضه للنقاش المتعارض الله جل جلاله الذي يقول في تنزيله الحكيم "ويوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها" فمن حقنا يوم القيامة أن نعارض الله، أي أن نجادله فيما ينسبه لنا من سيئات، ولكنه لا يحق لنا اليوم أن نعارض الإعلام الإسلاموي، وإلا هل قرأتم يوماً في جريدة إسلامية مغربية أو تونسية أو مصرية أو أردنية أو لبنانية ..إلخ، مقالاً واحداً يرد على خطاب الإسلاميين فيها، كلا والله!.
لقد رد علىّ الأستاذ واصف منصور دون أن يذكر اسمي حتى لا ينجس لسانه وقلمه في منبر الآراء بجريدة الأحداث المغربية بتاريخ 30/1/2004 بعنوان :"مع سيل الكتابات اللامسؤولة أو المغرضة تصبح الأمية فضيلة"، وكانت له ثلاثة اعتراضات على وجهة نظري في حديثي المتخيل مع الرئيس المخلوع صدام حسين الذي نشرته "الأحداث المغربية" بتاريخ 21/1/2004 ، اشتكي الأستاذ واصف منصور من انتشار الأمية كسبب للعزوف على القراءة ، لكنه لم يذكر سبب انتشار هذه الأمية، فـ43% + 37% من التلاميذ لا يكملون تعليمهم الابتدائي فيسقطون بدورهم في الأمية فيكون مجموع الأميين 80% والسبب هو فنبلة الانفجار السكاني التي نفجرها في أنفسنا. فمثلاً تونس التي لو لم تعتمد تنظيم النسل من الرئيس الحبيب بورقيبة إلى الرئيس زين العابدين بن علي لكان عدد التونسيين اليوم 25 مليون بدلاً من 10 ملايين حالياً، كما أبارك مشروع الرئيس محمد حسني مبارك لنزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني المصرية التي نفجرها في أنفسنا بمساعدة الإخوان المسلمين، الذين هم كما قال عنهم مؤسسهم حسن البنا"ليسو إخواناً وليسوا مسلمين"، متناسين أن العالم العربي والإسلامي لن يتقدم للنهضة قيد ذراع إلا إذا نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني لكي يتجاوز معدل التنمية الاقتصادية معدل النمو السكاني عكس ما عليه الوضع الآن. فمعدل النمو السكاني في العالم العربي 48،3 وهذا يتطلب أن يكون معدل النمو الاقتصادي 7% لكن معدل النمو الاقتصادي لم يتجاوز خلال عشر سنوات 3% بينما النمو السكاني الصيني بفضل نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني 2،2 و معدل النمو الاقتصادي 10% ولذلك ترتعد الولايات المتحدة فرقاً(أي خوفاً) من العملاق الصيني القادم في القرن الحادي والعشرين، ولم يصبح عملاقاً اقتصادياً إلا بعد أن نزع فتيل قنبلة الانفجار السكاني بإلزام كل عائلة صينية بأن تنجب طفلاً واحداً فقط، وإذا أنجبت طفلاً ثانياً تدفع عنه غرامة. وجديراً بنا أن نتعلم من هذه التجربة الصينية الرائعة حتى لا نتدحرج كل يوم أكثر إلى هاوية بدون قرار.
الأستاذ واصف منصور لم تعجبه العبارة التي قلت فيها:"فالدرس الذي يجب أن نأخذه حكاماً ومحكومين هو أن كل مطلب للدبلوماسية الدولية لن نحققه في وقته بإرادتنا، سيحققه المجتمع الدولي رغم أنوفنا"، فأقول له بأننا لازلنا عاجزين عن التعامل الصحيح مع متغيرات العالم السياسية والدولية، فجمودنا الذهني يقف عائقاً أمام التحليل العقلاني والواقعي واتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب، باعتبار السياسة هي فن الممكن وليست فن التخييل والعيش في الأوهام، فمازلنا نتعامل مع العالم وفي قضايانا المصيرية وكان جدار برلين لم ينهدم ، ولازلنا نجتر أوهامنا، وأقرب مثل أضربه هو رفض عرفات والسلطة الفلسطينية مقترحات كلينتون التي رفضتها حماس وعرفات والتي لو وافقا عليها لكانت الدولة الفلسطينية قائمة الآن، لكن عرفات رفضها ثم عاد بعد عامين فأعلن ندمه وطالب إدارة بوش بأن تعرضها عليه مرة أخرى ليقبلها، لكن هيهات فما فات مات. ولا شك أن الأستاذ واصف منصور يعي ولو في دخيلة نفسه أن مطلب الدبلوماسية الدولية من عرفات بالتخلي عن سلطاته لرئيس الحكومة الفلسطينية أحمد قريع مطلب لا مناص من تنفيذه وإلا فلن يحصل الشعب الفلسطيني على ذرة واحدة من أرضه المحتلة عام 1967. وأضيف مثلاً ثانياً، الرئيس بشار الأسد أعلن أنه وفاءً لوصية أبيه فلن يتفاوض مع إسرائيل إلا من النقطة التي وصلت إليها المفاوضات السابقة مع باراك أي استعادة الجولان كاملة باستثناء حوالي 200 متر. لكن الآن أعلن أنه يقبل المفاوضة مع إسرائيل دون شروط أي عودة الجولان انطلاقاً من الحدود الدولية، أي بنقص عشرات الكيلومترات من الجولان وقبول إقامة محطات إنذار أمريكية مبكرة في الأراضي السورية بمشاركة الإسرائيليين وهو ما لم يكن وارداً في العروض التي قدمها باراك للمفاوض السوري سنة 200.
فعندما قلت لأبو عمار على لسان صدام حسين:" قل لأبو عمار أن يأخذ الدرس مما حدث لي، لأنه مازال يحلم بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وأنه سيدخل المسجد الأقصى دخول الفاتحين" تماماً مثل الشيخ أحمد ياسين، ألم أكن في نصيحتي الثمينة هذه واقعياً مع نفسي وأعترف بمبدأ الواقع الذي يصيبنا بالإحباط الذي لا مفر منه؟ وأذكر ناقدي بأن الشيخ أحمد ياسين الذي كتب القانون الأساسي لحماس الذي ينص على تحرير فلسطين حتى آخر ذرة تراب، وبقي هو وحماس إلى الأسابيع الأخيرة يرددون دون كلل أو ملل هذه الأسطورة التي مازال يؤمن بها ناقدي الكريم، لكن الشيخ احمد ياسين أعلن مؤخراً أنه يقبل "هدنة" مع إسرائيل إذا وافقت على دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة سنة 1967 بينما كانت حماس إلى عهد قريب تعتبر الدولة الفلسطينية خيانة كبرى سياسية ودينية، لكن بعد أن أصبح 85% من الشعب الفلسطيني يعتبرون انتفاضة حماس سلبية و61% منهم يرون أنها كانت كارثة على الشعب الفلسطيني، فقد عادت قيادة حماس بقيادة الشيخ ياسين إلى الواقعية العقلانية السياسية ولكن بعد خراب البصرة، أي بعد سقوط صدام حسين الذي بث الرعب في قلوب جميع القيادات العربية بما فيها قيادة حماس العنترية.
كما آخذني الأستاذ واصف منصور أيضاً على قولي:"كما يجب أن نكف عن سعينا المحموم والمرضي للحصول على أسلحة الدمار الشامل، التي لم ندمر بها حتى الآن إلا أنفسنا دماراً شاملاً، وتراجع القذافي المشكور عن إنتاجها بعد مليارات الدولارات التي أنفقها على ذلك، وأتمني أن تستمع القيادة السورية وكوريا الشمالية إلى نصيحة القذافي الثمينة" فلازلت أقول إن موقف الأخ العقيد القذافي موقف مشكور لأنه اعترف بمبدأ الواقع ومارس نقده الذاتي، وأدرك أن موازين القوى الدولية والإقليمية تغيرت، وأن العالم قبل انهيار جدار برلين ليس هو عالم ما بعد الانهيار، وأن العالم قبل أحداث 11 سبتمبر ليس هو العالم بعد الأحداث، وأن العالم قبل سقوط بغداد ليس كما كان العالم بعد السقوط. فالعقيد القذافي طبق سياسة محمد رسول الله (ص) في صلح الحديبية فقد قبل إذلال مشركي قريش له، فعندما أراد أن يكتب في وثيقة الصلح باسم الله الرحمن الرحيم، رفض ممثل مشركي قريش ذلك قائلاً: لا أعرف هذا، بل اكتب:باسمك اللهم، فأمر الإمام علي بكتابة ما أملاه عليه ممثل الشرك ورأسه. وعندما قال للإمام علي: اكتب هذا ما صالح عليه محمد رسول الله، قاطعه ممثل مشركي قريش قائلاً له: لو كنت أؤمن بأنك رسول الله ما عارضتك، بل اكتب اسمك واسم أبيك. فأمر رسول الله (ص)الإمام علي بأن يكتب هذا ما صالح عليه محمد بن عبد الله .. لقد قبل رسول الله (ص)إذلال مشركي قريش له وثار عليه 99% من الصحابة الذين كانت العزة العربية الجاهلية مازالت تغلي في عروقهم ورفضوا هذا الصلح المذل الذي قال فيه عمر بن الخطاب:"يا رسول الله لماذا نقبل الدنيّة (الإذلال) في ديننا؟، لكن الرسول أصر على هذا الصلح المذل خضوعاً لموازين القوى، أي تطبيقاً للسياسة العقلانية الواقعية التي يجرمها اليوم شيوخ المتأسلمين مثل الغنوشي وعبد السلام ياسين والقرضاوي والترابي والإخوان المسلمين.
فلماذا لا يقبل القذافي باسم الواقعية التي دشنها رسول الله (ص) مع مشركي قريش إذلال الأمريكيين له للخروج من مأزق صعب لا مخرج منه بدون ذلك؟ لكن ناقدي كشيوخ المتأسلمين لا علاقة له بواقعية وعقلانية رسول الله (ص) بالأمس ولا بواقعية وعقلانية العقيد القذافي اليوم، فاسمعوا ما يقوله ناقدي:"إن هذا الكلام يمثل دعوة للاستسلام للإدارة الأمريكية (..) وإن علينا أن نتنازل عن كل حقوقنا وأمانينا وكرامتنا مادامت تتعارض مع ما تريده أمريكا حتى لا يصيبنا ما أصاب صدام حسين" كلام إنشائي يستحق صاحبه دكتوراه بدرجة مشرف جداً في الديماغوجية .وأسأل ناقدي، لماذا لا نصرف هذه الملايين على مشروعات تعود علينا وعلى شبابنا بالخير؟ لماذا لا نوظفها في مجالات تحديد النسل ورفع الأمية وإصلاح التعليم والتنمية والمستديمة (التي تأخذ في الاعتبار مصالح الأجيال القادمة) والصحة وإصلاح وضع المرأة لإخراجها من سن القصور الأبدي إلى سن الرشد والمساواة مع أخيها الرجل في الحقوق والواجبات، فماذا فعل صدام حسين بأسلحته الكيماوية غير أنه استخدمها ضد شعبه في شمال العراق وضد الشعب الإيراني المسلم، وهل أجدته نفعاً هذه الأسلحة أمام الغزو الأمريكي للعراق؟! لذلك قلت في مقالي:"أننا لم ندمر بها إلا أنفسنا دماراً شاملاً".
ويقول الأستاذ واصف منصور:" إن الكيان الصهيوني يمتلك هذه الأسلحة بل ويستخدمها ضدنا، ألا يعني ذلك دعوة للاستسلام للكيان الصهيوني". أولاً الكيان الصهيوني ليس في حاجة إلى استخدام أسلحة الدمار الشامل ضدنا وحسبه أخطاؤنا السياسية والاستراتيجية التي ‘تقدم له على طبق من ذهب والتي تقدم له أجل الخدمات بما فيها عمليات حماس الانتحارية التي قررت فقط وقفها ضد المدنيين الإسرائيليين منذ بضعة شهور بعد أن وصل الفأس في الرأس باعتراف قيادة حماس نفسها التي عرضت وقف هذه العمليات ضد المدنيين الإسرائيليين مقابل أن توقف إسرائيل عمليات اغتيالها لقيادة حماس. لكن عندما كانت إسرائيل تغتال المدنيين الفلسطينيين ولا تمس قيادة حماس، فإن حماس واصلت عملياتها ضد المدنيين الإسرائيليين، فأي جبن بل وأي نذالة ارتكبتها هذه القيادة الآثمة في حق شعبها وفي حق الإسلام الذي تتلاعب به كما يتلاعب صبي بخرقة بالية،فمثلاً الانتفاضة ها هي في عامها الثالث ولا أعرف أي عقلية دبرت وفكرت لهذه الانتفاضة؟! فلقد كانت القرار الخطأ في الزمان الخطأ، والنتيجة نراها الآن، فالعالم كله يري كل يوم الشعب الفلسطيني يذبح ، ويبارك العدوان الإسرائيلي الغاشم، بل ويصفون شارون الدموي برجل السلام،لماذا؟ لأن من خططوا للانتفاضة لم يراعوا المتغيرات العالمية والإقليمية، وانه خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر اللعب بالإرهاب هو لعب بالنار، أولم يؤيد أبو عمار صدام حسين في احتلاله للكويت؟ الذي كان المدخل للكوارث التي عشناها منذ ذلك الحين إلى الآن، أما حماس فقد أيدت الكويت ضد صدام لا باسم الواقعية السياسية بل باسم دنانير الكويت التي كانت تنهمر عليها كالمطر. فبسبب هذه العقلية المريضة التي لا تري أبعد من أرنبة أنفها، ‘احتلت الضفة الغربية وغزة ، وها هو عرفات محاصر، وتحطمت كل البني التحتية للسلطة الفلسطينية، وخسرنا الدولة الفلسطينية التي عرضها مشروع باراك _ كلينتون والذي رفضه كل من عرفات وحماس ربما إلى الأبد، وخسرنا الرأي العام العالمي الذي هو قوة سياسية أخلاقية كبرى تقرأ لها الدبلوماسية الدولية ألف حساب، بل إن الرأي العام العالمي كما قال أحد السياسيين هو القوة الدولية الثانية المعارضة لأمريكا.هذه هي نتائج الانتفاضة التي مازال الكثيرون عبر الصحف والفضائيات يعددون محاسنها، والتي لا أجد لها حسنة واحدة، بل إنها كانت نقمة على الشعب الفلسطيني باعتراف الفلسطينيين أنفسهم.
فلقد أوصي عمر بن الخطاب أبو موسى الأشعري قائلاً:"إن الحق والرجوع إليه خير من الباطل والتمادي فيه"، فقف يا أخي واصف مع نفسك بعقلانية وموضوعية، ودع عنك الشعارات الرنانة الإنشائية الفارغة التي لا نفع فيها، كن صادقاً مع نفسك ومع مشاكلنا المصيرية مع مراعاة الرأي العام العالمي وموازين القوى الدولية والإقليمية، ومارس نقدك الذاتي وستتغير كثير من الأمور أمامك، فلقد ذكرت في ردك عليّ" أنك تفضل أن تكون أمياً حتى لا تقرأ ما كتبت وأن الأمية تصبح فضيلة"، وأنا أقول لك إن عدم علمك بهذه الحقائق البديهية رذيلة، وأي رذيلة ، وأن أمة اقرأ لا تقرأ.
وفي النهاية أكرر شكري لجريدتنا المحبوبة "الأحداث المغربية" لفتحها منبرها أمام الرأي والرأي الآخر.