بعد الفشل التام لثورة الدستور و إنهيار كل المساعي الرامية لإنجاح خططها قام رضاخان بإنقلاب عسكري عام 1925 م و نجح في مسك زمام أمور البلاد بقبضة فولاذية و بذلك سجل لتاريخ إيران الحديث صفحـة جديدة من الأحداث و التطورات نشير الى ما يعنينا منها في هذا المقال و التي تعكس نوايا رضاخان و مناصريه لفرض نزعتهم العنصرية و رغبتهم في تجسيد ما كانوا يحلمون به من إحياء الماضي كواقع تاريخي لا بد منه و لا بديل له ! .
و في السنوات القليلة التي سبقت جلوس رضاخان على سدة الحكم أخذ التيار القومي الفارسي المتطرف يترنّم كسرويا و يتغنـّى الحضارة الفارسية القديمة و كان لبعض الصحف و الكتب دور هام في تصعيد هذا و ترسيخه في عقول الفرس و الآخرين، و وجد أقطاب هذه النزعة أنه لابد من إرساء دعائم الحداثة على ركام الحضارة البالية و بتحطيم القيم و التقاليد السائدة في المجتمع و التي تعد ظاهرة للتخلّف أتى بها العـرب المسلمون.
فأنصرف دعاة التحديث في ايران ــ و على مختلف عقائدهم و مشاربهم ــ بتضخيم أسطورة الحضارة القديمة و تفخيمها و الترويج لها لصنع الهوية الذاتية تقوم على (( العنصر الآري )) و تأسيس دولة المستقبل على غرار (( الحداثة الأوروبية )). و كان القوميون المحدثون يرون أن خلاص ايران مرهون بتأسيس دولة مقتدرة تحل محل البلاط الفاسد، و تقضي على إقتدار الحكام المحليين و تنهي الى الأبد مشكلة القبائل و تضمن وحدة تراب الوطن في إطار بلد موحد و تحد من تدخل علماء الدين في الشؤون الدنيوية و تمضي جاهدة في خلق شعب ذي ثقافة واحدة يتكلم لغة واحدة يسوده التضامن و الألفة يعي عصره و يعرف ماضية بدلا من شعوب فسيفسائية تنتمي الى قوميات متعددة تتكلم بلغات مختلفة يشوبها
التشرذم و التخلّف و يسودها العداوة و التناحـر.[1]
إن حلما كهذا دون شك يعبر عن رؤية عنصرية و نظرة ضيقه إحتكارية يريد النهوض بقومية دون الأخرى و بثمن القضاء عليها.
فقد دأب أرباب الصحف آنذاك ــ في الفترة الوجيزة بعد هروب محمد على شاه و ظهور رضا شاه ــ على تفخيم الماضي المجيد قبل الإسلام و العـداء للعـرب و الحط من شأنهم، و التهكم على الإسلام و الإستهزاء به، و رسم صورة جميلة رائعـة عن الحياة الأوروبية كنموذج مثالي لابد من تطبيقه على المجتمع الإيراني و غيرها من آمال و أحلام ...
و لكي نلغي نظرة على ما يروجه دعاة التجدد العنصريون من ايديولوجيا ، لابد أن نقف قليلا عند أبرز الصحف في تلك الفترة مثل : (( مجلة كاوة )) و (( مجلة ايرانشهر )) و (( مجلة آينده )) لنقرأ بعض ما كانت تنشره في مقالاتها :
مجلة كاوة :
كانت هذه المجلة تنتشر لمدة ثمان سنوات من ( 1916 الى 1924 ) باهتمام (( جماعة الوطنيين الايرانيين في برلين )) و كان المفكرون و المثقفون آنذاك من أمثال تقي زاده و جمال زاده و قزويني و فروغي ينشرون مقالاتهم فيها. و كان تقي زاده قلب المجلة النابض.
موقف المجلة من (( بناء المجتمع المدني في ايران )) :
يمكن تحديد نشاط مجلة كاوه بفترتين مختلفتين وفقاً لطبيعة الظروف في الفترة الأولى - و هي فترة الحرب العالمية الأولى - حيث كانت المقالات تدور حول إفشاء جرائم الروس و الإنجليز في إيران و الإشادة بألمانيا كحليف طبيعي للشعب الايراني و العالم الإسلامي .
بعد انتهاء الحرب و بداية الفترة الثانية لنشاط المجلة، كتب تقي زاده يقول: " الآن و بعد إنتهاء الحرب ستنهي مجلة كاوه نشاطها المتعلّق بفترة الحرب و ستكون مجله أدبية علمية تاريخية و ستركز على ترويج الحضارة الأوربية في ايران و ستكافح العصبية و ستبذل جل إهتمامها في تنقية اللغة و الحفاظ عليها و على الأدب الفارسي ". ثم يقول ايضا :
"إن المهمة الأولى للوطنيين الايرانيين هي استقبال الحضارة الأوربية و ترويجها دون قيدٍ أو شرط و الخضوع المطلق لأوربا و الأخذ من آدابها و تقاليدها و عاداتها و علومها و صنعتها و أسلوب حياتها و كل ما يتعلق بها دون أي استثناء عدا اللغـة". [4]
و بعبارة أخرى: على إيران أن تصطبغ بصبغة إفرنجية ظاهراً و باطناً و جسماً و روحاً و لا غير. [5]
و يضيف قائلا: "... و على الشعب الإيراني أن يعي و يعلم بان الإصلاحات و الحضارة الأوروبيتين سوف تطبق لا محال إما على يد الأوروبيين المستخدمين في إيران بخيار من الإيرانيين و برضا منهم، وإما على يد الحكام الإيرانيين من ذوي المسلك الأوروبي قهراً. [6]
مجلة إيران شهر:
كانت مجلة ايرانشهر تنشر تحت إشراف السيد حسين كاظم زاده لمدة خمس سنوات ( من 1922 حتى 1927 ) في برلين و بلغ اهتمامها بماضي إيران قبل الإسلام أبعاداً جديدة و خطيرة. و كان بعض المثقفين من أمثال قز ويني و رضا زاده شفق و رشيد يا سمي و اقبل آشتياني و مشفق كاظمي و بور داود ينشرون فيها مقالاتهم و كان آخرون من جمعية المثقفين الإيرانيين في عهد حكومة رضا شاه يقدمون لها الدعم المادي و المعنوي و يعتبرون من حماتها و أعرافها.
إن ما كان يكتب في مقالات هذه المجلة كان يدور معظمه حول العداء للعرب و الأتراك و كل ما توصل إليه المستشرقون في القرن التاسع عشر من كشف و تحر ٍ عن تاريخ إيران قبل الإسلام، وسعت المجلة جاهدة في ترسيخ هذه الفكرة في أذهان الإيرانيين بأن تمتد جذوره إلى ما قبل الإسلام.
يقول كاظم زاده في إحدى مقالاته: " لابد أن نولي اهتماماً لوحدة إيران قبل كل شيء و في رأينا أن وحدة إيران أهم بكثير من وحدة المسلمين و وحدة البشر... " [7]
و في مقال أخر تحت عنوان " الدين و الوطنية " يقول: " أن الدين حصيلة الإيمان و أن إيمان المرء أمر وجداني شخصي وهي علاقة بين المخلوق و الخالق و ليس من حق أي احد أن يتدخل في هذا الشأن . [8]
أن هذه المقولة كانت قد طرحت من قبل أخو ند زاده لأول مرة و اعتبرت فكرة بروتستانتية إسلامية و اعتبرها كاظم زاده ثورة دينية.
أن هذه الأقاويل و النظريات بغض النظر عن صحتها وسقمها كانت تهدف إلى تضعيف العقيدة الدينية لدى الشعوب الإيرانية لاسيما المتعطشين إليها من فرس عنصريين كخطوة نحو فصل الفرس بوجهٍ خاص عن الحضارة الإسلامية لتمهد لهم الالتفاف من جديد حول الديانة الزرادشتية و إحياء الحضارة الإيرانية قبل الإسلام.
مجله آينده:
أسس محمود أفشار بعد عودته من الغرب رابطة إيران الفتيه(أنجمن إيران جوان ) أي ( رابطة شباب إيران ) مع جماعة من المثقفين الدارسين في الغرب. و في سنة 1304 ه. ش. أسس مجلة أينده و نشرها في طهران .
مجلة أينده و التماسك الوطني في إيران:
نقرأ لمحمود أفشار في مقال افتتاحي كتبه في مجلته ما يلي :
من أمنياتنا الاجتماعية التي نتطلع إليها إكمال الوحدة الوطنية و الحفاظ عليها . و مما نعنيه بالوحدة الوطنية هي الوحدة السياسية و الاجتماعية و الأخلاقية لشعب يعيش في حدود إيران اليوم و نعني أيضا المحافظة على الاستقلال السياسي في إيران و وحدة أراضيها و نريد بإكمال الوحدة الوطنية القضاء على
السلطة الطائفية و نشر اللغة الفارسية في جميع أرجاء إيران و إزالة التنوع الثقافي و التقليدي بما في ذلك الأزياء و العادات و الخلقيات و غيرها حتى لا يميز الأكراد و الأتراك و العرب و القشقائيون و اللور و التركمان و غيرهم عن بعض، و أن لا يرتدوا أزيائهم التقليدية و لا يتكلموا بلغاتهم الخاصة . و حسب اعتقادنا أن الأخطار سوف تهدد استقلالنا السياسي و وحدة أراضينا و غيرها و سنواجه أمامنا مستقبلاً مظلماً إذا لم نقدم على سواسية الأقاليم و الطوائف المختلفة و بالتالي نطبّعها بطابع الهوية الإيرانية.[9]
و في مقال أخر تحت عنوان الوطنية و وحدتها في إيران يقول:
....بالرغم من أن شعب إيران يمتاز عن جيرانه الصفرالتورانيين و العرب الساميين في امتلاكه تاريخاً عريقاً حافلاً بالمفاخر تمتد جذوره إلى ألاف السنين و يتأصل بالعنصر الآري الأفضل لكنه يفتقر لوحدة وطنية شاملة و هذا الأمر يعود إلى اختلاف لغات الأتراك في أذربيجان و عرب اللسان في خوزستان مع الفرس في بقية نقاط إيران. فلهذا يجب أن نؤسس لأنفسنا وحدة وطنية إيرانية شمولية (بان ايرانيسم ) مقابل الوطنية الشمولية للأتراك ( بان تركيسم ) و العرب ( بان عربيسم ). [10]
و ترى مجلة أينده: "أن وحدة كهذه سوف لن تتحقق إلا إذا تم التغلب على الإخطار المحدقة بإيران و من أكثرها خطورة الخطر الأبيض و الأحمر ( الروس ) و الأزرق (الإنكليز ) و الأصفر (العثمانيون ) و الأخضر (العرب ) و الأسود (الجهل و الاستبداد ) ".
و السبيل الممكن لمواجهة هذه الأخطار هو الترويج الشامل للغة و الأدب الفارسيين و تاريخ إيران في البلاد برمتها و خاصة في اذربايجان و كردستان و خوزستان و بلو شستان و المناطق الأهلة بالتر كمان و مد سكك الحديد و إنشاء المواصلات في مختلف المناطق و تجهيز بعض القبائل في اذربايجان و خوزستان ( عر بستان )إلى مناطق أخرى داخل إيران و الإتيان بقبائل فارسية اللغة إلى الأقاليم المذكورة و إسكانهم في المدن و إحداث تغيرات في خارطة القضية و تغير أسماء اذربايجان و خراسان و عر بستان و غيرها و إزالة الأسماء التركية و العربية عن المناطق و الأرياف و الجبال و الأنهر و استبدالها بأسماء فارسية و التصريح بممنوعية استخدام اللغات المحلية في المحاكم و المدارس و الدوائر الحكومية و الجيش و غيرها .....(11)
و يشير علي اكبر سياسي في مذكراته:... بان رضا شاه تبنى إصلاحاته على غرار المنهج المبدئي لرابطة إيران الفتية و يقول في توضيحه لهذا الموضوع: بُعيد تأسيس رابطة إيران الفتية و نشر منهجها المبدئي في فر وردين 1300ه. ش استحضر القائد الأعظم للجيش (سردار سبه ) و الذي كان رئيساً للوزراء في ذلك الوقت ... مندوبي الرابطة و هم إسماعيل مرات، مشرف نفيسي، محسن رئيس، و محمود أفشار نفسه. فحضروا عنده و هم يرجفون خوفاً. و قال ماذا تقولون أنتم الشباب العائدون من أوروبا ؟ ماذا تعني رابطة إيران الفتية ؟ و يرد علي اكبر سياسي قائلا : نحن وطنيون و يؤلمنا تخلف إيران و الفجوة الكبيرة الموجودة بين بلادنا و البلدان الأوروبية و نسعى إلى إزالة هذه الفجوة . فمنهجنا يقوم على هذا الأساس ، ثم أخذ رضا شاه نص المبدأ و نظر فيه و قال: أن ما كتبتموه جيد جداً. حبذا لو تروّجون لهذا المبدأ و تنشرونه لتوعية الناس ، فالكلام منكم و العمل سوف يكون مني . إني أطمئنكم و أتعهد لكم بأني سوف أحقق هذه الآمال و أنفذ هذه المبادئ التي تتفق مع مبادئي جملة و تفصيلاً . دعوا هذه النسخة عندي و سوف تسمعون الأخبار بعد سنوات . (12 )
المصادر:
1 ـ نكاه نو ناسيوناليسم و تجدد در فرهنك سياسي بعد از مشروطيت نادر انتخابي صفحة 13 .
2 ـ كفتمان روشنفكري كذشته نكر ( مقاله ) محمد تقي قزلسفلي روزنامه شنبه 4 بير 1379 صفحة 11
( كوناكون ) ستون دوم .
3 ـ نفس المصدر رقم ( 1 ) ... صفحة 140 و 150 .
4 ـ نفس المصدر صفحة 150 .
5 ـ نفس المصدر صفحة 150 .
6 ـ نفس المصدر صفحة 150 .
7 ـ ص 21 .
8 ـ ص 20 .
9 ـ ص 23 و 24 .
10 ـ ص 24 .
11 ـ ص 25 .
12 ـ ص 25 .
عامر الأهــوازي
9 – 2 – 2004 م