|
رثاء للدويقة.. بقلم أحمد بهاء الدين!
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2402 - 2008 / 9 / 12 - 09:59
المحور:
حقوق الانسان
لم أضع في حقيبتي وأنا ذاهب للسفر لقضاء عطلتي السنوية سوي كتابين. الأول مخطوطة كتاب مدهش للزميل الكاتب الصحفي الموهوب حمدي عبد الرحيم، اظن ان صدوره سيكون حدثا مدويا في الفضاء الثقافي. أما الكتاب الثاني فهو مجموعة من مقالات لأستاذنا أحمد بهاء الدين الذي مرت هذا العام الذكري الثمانون لميلاده ومازلنا نفتقده بشدة، ونفتقد مقالاته وآراءه الرصينة في هذا المناخ الذي تسوده الغوغائبة والركالة والسطحية والتردي المهني. أما الخيط الذي يجمع هذه المقالات المتفرقة فهو خيط »التنسيق الحضاري«. وهو خيط التقطه الزميل سمير غريب الكاتب الصحفي الذي اختطفته وزارة الثقافة من بلاط صاحبة الجلالة ليتولي حاليا رئاسة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري. ويقول سمير غريب في مقدمة هذا الكتاب الذي صدر عن »الجهاز«: بعد ان توليت رئاسة الجهاز القومي للتنسيق الحضاري أعدت اكتشاف جانب مهم من كتابات أحمد بهاء الدين، هو تفرده بين كتاب جيله بالاهتمام بالعمران والعمارة وانتشار القيم الجمالية في الواقع بحيث يمكنني القول - والحديث مازال لسمير غريب - ان أحمد بهاء الدين أب روحي للتنسيق الحضاري في مصر قبل ان يصك هذا المصطلح، وقبل أن ينشأ جهاز قومي له في بدايات القرن الحالي علي الرغم من انه لم يطالب بإنشاء مثل هذا الجهاز ويعود الفضل للفنان فاروق حسني وزير الثقافة في صك المصطلح وإنشاء الجهاز وكأنه يستجيب لهموم بهاء الدين: لذلك رحبت علي الفور بفكرة الصديق الناقد المخضرم عبد الرحمن أبوعوف حين ذكرني منذ عدة أشهر باهتمام الراحل الكبير بموضوعات هي من صميم عمل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري حاليا. وأنه كتب عنها مناقشا ومحللا في مقالاته الاسبوعية واليومية.. واقترح الاستاذ عبد الرحمن أبوعوف جمع هذه المقالات المتناثرة واصدارها في كتاب يساعد علي تأصيل مجالات عمل الجهاز ففوافقت علي الفور ليكون هذا أول كتاب يصدره الجهاز. وفكر الكتاب ممتازة وذكية وترجمتها إلي واقع خطوة جادة ومحترمة يستحق كل من شارك فيها التحية والتقدير. وإعادة قراءة مقالات استاذنا أحمد بهاء الدين - من هذا المنظور وفي هذا السياق - متعة صافية. كما يقول المعماري المرموق يحيي الزيني في إحدي مقدمات الكتاب ينبهنا أحمد بهاء الدين إلي أنه كي تبقي المدينة - وهي طليعة انجازات الإنسان - بيئة عمرانية نابضة بالحيوية الخلاقة، يجب ان تحظي من ساكينها بما تستحق من رعاية وتنمية وتطوير حيث انها ككل كائن حي تفقد بريقها وتشوهها تجاعيد الزمن فتذبل بالاهمال وفساد الذوق وهمجية التعامل وضعف الانتماء وانعدام الاحساس بالمواطنة«. ويصعد بنا أحمد بهاء الدين إلي مستوي أعلي - يرصده شيخ المعماريين يحي الزيني - حيث يلقي الأستاذ بهاء »نظرة بانورامية علي مصر.. كل مصر.. مطالبا برسم خريطة جديدة لها.. فيناقش التقسيم الإداري لمحافظات الجمهورية، ويقتحم مشكلات المدن المهمة وفي طليعتها القاهرة الكبري وينقد المشروعات ويقدم عدة اقتراحات ويطالب بدراسة كل ذلك في مؤتمرات قومية تضم ممثلي المجتمع المدني بجانب الخبراء والمتخصصين«. وقد أصاب شيخ المعماريين كبد الحقيقة واستنطق مقالات أستاذنا أحمد بهاء الدين واستخرج منها تلك الدور الثمينة. لكن متعة قراءة هذه المقالات »القديمة - الحديثة جدا« ليست متعة صافية، بل تشوبها حسرة حقيقية. وقد وضع سمير غريب يده علي هذا الجرح الغائر حين اعترف بأنه من المؤسف في هذا الموضوع ان كثيرا مما انتقده أحمد بهاء الدين منذ أربعة وثلاثين عاما وما طالب بتغييره منذ عشرين عاما لايزال علي حاله بل هناك ما ازداد سوءا بسبب التراكمات بلا علاج جذري ..وعلي سبيل المثال نجد انه »كتب عن العشوائية في العمران التي صارت صفة رسمية معترفا بها. وقدر سكان هذه العشوائيات بثلاثة ملايين.. واليوم ازداد عدد سكان العشوائيات ملايين أخري.. وتأكدت صفة »الرسمية« لها بدخول المرافق فيها.. ولذلك فالكتاب الذي بين أيدينا اليوم كتاب جديد رغم أنه يجمع بين دفتيه مقالات قديمة فالموضوعات التي أثارها الاستاذ أحمد بهاء الدين مازالت مثارة حتي اليوم وما حذر منه من مشاكل تضاعفت من بعده.. وكأنني نعيش بالفعل ما اسماها هو »أيام بلا تاريخ« علي العكس من أيام أخري اطلق عليها »أيام لها تاريخ«. هذا الذي يقوله المسئول عن الجهاز القومي للتنسيق الحضاري يدمي القلب ويحير العقل.. فلماذا هذا التردي المذهل؟ لماذا كل هذه البلادة التي »تتحلي« بها البيروقراطية المصرية التي تضرب عرض الحائط بكل الافكار والأراء المهلمة؟ لماذا نعود إلي الوراء ولا نتقدم للأمام؟ وقبل ان افيق من هذه التساؤلات.. داهمتني صور أحجار جبل المقطم وهي تسقط علي رؤوس »الناس اللي تحت« الذين يسكنون إحدي أشهر العشوائيات المصرية في الدويقة فماذا عساه ان يكتب في عموده المدهش لو كان استاذنا احمد بهاء الدين حيا ورأي هذا المشهد التراجيدي، وعلم ان مراكز بحث علمي، بعضها له صفة »رسمية« حذر من هذا الكارثة قبل أربعة عشر عاما.. ومع ذلك بقي الحال علي ما هو عليه حتي نكتمل المأساه. رحمه الله أحمد بهاء الدين.. وليرحمنا جميعا.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
اختراعات مصرية: الحكومة ضد الحكومة!
-
مصر الأخرى!
-
مبروك للدمايطة.. على الانتصار فى نصف المعركة
-
من يستحق التعويض .. -أجريوم- أم -دمياط-؟!
-
تسليم وتسلم!
-
إحرقوا كتب الفلسفة.. اليوم قبل الغد!!
-
وثيقة مستقبل مصر «2»
-
الجريمة... والعقاب
-
تنويعات علي لحن المشروع الليبرالي (1)
-
دبرنا يا وزير!
-
وقفة احتجاجية.. من أجل البحث العلمي!
-
دماء على رمال مرسى مطروح !
-
هل استعار -الأخوان- شعار -الإسلام هو الحل- من أمريكا؟!
-
.. و على المتضرر اللجوء الى .. الجماهير
-
السفيرة وفاء: رغم كل شئ .. مصر تتغير
-
-الشخص-.. الذى نحب أن نكرهه!
-
شعاع أمل: رئيسة جمعية أهلية ترفض «التمويل الأجنبي»
-
تصوروا: كيسنجر يرفض دبلوماسية العضلات الأمريكية!
-
تأملات عبر المحيط الأطلنطى (2)
-
تأملات عبر المحيط الأطلنطى: يوم الاعتذار القومى
المزيد.....
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا
...
-
إعلام إسرائيلي: مخاوف من أوامر اعتقال أخرى بعد نتنياهو وغالا
...
-
إمكانية اعتقال نتنياهو.. خبير شؤون جرائم حرب لـCNN: أتصور حد
...
-
مخاوف للكيان المحتل من أوامر اعتقال سرية دولية ضد قادته
-
مقررة أممية لحقوق الانسان:ستضغط واشنطن لمنع تنفيذ قرار المحك
...
-
اللجان الشعبية للاجئين في غزة تنظم وقفة رفضا لاستهداف الأونر
...
-
ليندسي غراهام يهدد حلفاء الولايات المتحدة في حال ساعدوا في ا
...
-
بوليفيا تعرب عن دعمها لمذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت
-
مراسلة العالم: بريطانيا تلمح الى التزامها بتطبيق مذكرة اعتقا
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|