حمودي جمال الدين
الحوار المتمدن-العدد: 2402 - 2008 / 9 / 12 - 01:11
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
اتخذ بول بريمر الحاكم المدني لسلطة الاحتلال قراره بحل الجيش العراقي بعد مشاورات أجراها مع قيادته في واشنطن ,ومع بعض القادة العراقيين المتصدرين لسياسة ونظام الحكم في العراق الجديد حيث تبلورت واكتملت إبعاد ألصوره ونسيجها بذهنه والتي تمخضت عن قراره الخطير بحل المؤسسة العسكرية العراقية وكافة توابعها والذي تعزز بمذكراته التي نشرها بكتابه الموسوم عامي في العراق ,إذ يقول ((أصدرت الأمر رقم 2 في 23/5/2003 والمعنون حل مؤسسات والذي شمل وزارة الدفاع والحرس الخاص وميليشيات حزب البعث المسماة فدائي صدام كما شمل دفع نهاية خدمه لكل المسرحين من هذه المؤسسات وان إدارة التحالف بصدد تشكيل جيش جديد كخطوه أولى نحو خلق قدرات عسكريه للدفاع عن النفس للعراق الحر وسوف تكون هذه القوه التي تخضع لمسؤلين مدنين مهنيه وفعاله عسكريا وممثله لكل العراقيين )).
سلطة الاحتلال بسطت نفوذها على كامل السيادة العراقية عقب سيطرتها على بغداد في 9/4 ولم تعد هناك دولة وحكومة أو مؤسسات إلا وخضعت لهذه السلطة, والقرار الكارثي بحل المؤسسة العسكرية العراقية العريقة والمتجذره , قرارا أمريكيا صرفا ,لكن هل كان هذا القرار حكيما وصائبا أو كان مدروسا ومهيأ له مسبقا من قبل الاداره الامريكيه؟؟
من المعلوم إن الاداره الامريكيه كانت تخطط لإسقاط النظام ألصدامي في العراق ابتداء من تبنيها لقانون تحرير العراق الذي اتخذه الكونكرس الامريكي في سنة 1998 والذي بموجبه رصد مبلغ 97 مليون دولار لسبعة فصائل عراقيه معارضه لنظام صدام في الخارج ,وعلى ضوء ذلك القرار ووفقا لمخطط الاطاحه بصدام ونظامه, شكلت الاداره عدة لجان من خبراء وكوادر عراقيه متخصصه معارضه لصدام, وتم استضافتهم بدورات متلاحقة في واشنطن لتحليل ودراسة مؤسسات ألدوله العراقية ودوائرها المختلفة والخروج بتصورات ورؤى لكيفية إدارة وتمشية هذه المؤسسات بشكل نموذجي متطور يتماشى مع ما ترتئيه الاداره الامريكيه بعد إسقاط نظام صدام وتأسيس ألدوله العراقية الجديدة على أنقاضه .وكان من بين هذه اللجان لجنة وزارة الدفاع التي تشكلت من خبراء وضباط عرافين كبار معارضين للنظام والذين كان لهم موروثا وباعا طويلا في هذه المؤسسه .فلم يتبادر بذهن أي فرد من المشتركين بهذه الدورات بطرح فكرة أو رأي بحل الجيش العراقي بعد نظام صدام ولم ترد أي اشاره أو تلميح من الجانب الأمريكي المشرف على هذه الدورات بصدد حل الجيش العراقي.
ياترى من أين تولدت هذه الفكرة ,هل كانت ذاتيه من بنات أفكار الحاكم المدني وتصوراته من إن الجيش العراقي جيش عقائدي يدين بالولاء المفرط للحزب الواحد وللقائد الواحد وان بقائه واستمراره لايتناسب مع نظام ديمقراطي تعددي دستوري يتنافى مع مبادئ وقيم وأخلاق الحزب الواحد ,أم إن هذا القرار بحل الجيش لا يعدو إن يكون قرارا ارتجالي شكلي لأنه جاء إلى العراق ولم يجد مايشير إلى وجود جيش عراقي بالمعنى الصحيح كون الجيش انهار تماما وان كل منتسبيه تركو مواضعهم وثكناتهم ومعسكراتهم وفرو إلى بيوتهم مخلفين ورائهم ممتلكات الجيش وعدته وأجهزته طعما لذيذا للنهب والسرقة .
إلا إن المتمعن بكتاب عامي في العراق لبول بريمر يلاحظ انه ضمنيا امتزج أراء وتصورات الساسة القياديين العراقيين المتحالفين مع أمريكا حيث ينوه لها في معرض توضيحه لهذه الحالة ((قال لي الطالبني انه أفضل قرار اتخذته إدارة التحالف خلال عملها في العراق الذي امتد لاكثر من 14 شهرا )) ويستطرد في كتابه أيضا ((اتصلت بالسيد عبد العزيز الحكيم لضم بعض ميليشيات بدر التابعة للمجلس الأعلى .كما ساءلني الحكيم انتم عازمون على تشكيل جيش ياحضرة السفير .انك قلت إن الجيش سيقوده ضباط عراقيون فمن هؤلاء الضباط؟؟فقلت له أعدك سيكون قائد الكتيبة الأولى شيعي ,وقد أوفيت بذلك الوعد )).وفي ذات المعنى يقول ((خلال أيام من حل الجيش زرت مسعود لبرزاني وعبر لي عن إعجابه بقرار حل الجيش العراقي وقدم لي التهاني بذلك وقال لي إن إدارة التحالف جادة بخلق عراق جديد وموحد .وقال إن إعادة ضباط من الجيش السابق سيمثل خطاء كبير ولكننا نحن الأكراد انفصلنا عن العراق فقد قاتلنا جيش البعث منذ البداية ولو عاد لقاتلناهم ولاندلعت الحرب الاهليه))
نستشف من حديث بريمر إن القادة العراقيين كانو مع القرار ومستأنسين به ومؤيديه .ولو أبدو هؤلاء الساسة أي اقتراح أو راءى أو حتى مناقشه قبل اتخاذ القرار لكن فيه مرونة أو تروي من قبل الاداره الامريكيه .
وتبقى تداعيات هذا القرار الخاطئ توقض مضاجع وضمائر الساسة العراقيين وحلفائهم لما آلت إليه الحالة العراقية من كوارث وأزمات نتيجة لتردي الوضع الأمني وفقدان النظام على اثر الفراغ الذي تركه قرار حل الجيش العراقي حيث أضحت حدود العراق مفتوحة من جميع الجهات للمتسللين الحاقدين و المفسدين الطامعين بالعبث في امن العراق وزعزعت استقراره .فضلا عما لحق بممتلكات ألدوله من نهب وسرقه, وبالأخص من مستودعات هذا الجيش وأسلحته والياته ودباباته التي ابهضت العراق وأثقلت كاهله لما بدد عليها من ثروات وأموال لتغطيتها والتي فككت وبيعة كخردة لتجار الحديد , بل إن القسم الأكبر منها تسرب خلف الحدود عن طريق السماسرة والمتربصين باهانة العراق وإذلاله . ناهيك عن مخازن العتاد الخفيف والثقيل التي تضج به مخازن الجيش ومستودعاته والذي نهب هو الأخر واضحى بيد أعداء العراق وشعبه من التكفيريين والصدامين ليرتد إلى صدور العراقيين ويحصد الآلاف من الأبرياء في مجازر بشرية مروعه لم يهدئ أوارها إلى يومنا هذا. والانكى من كل ما تقدم إن الفرار الأنف الذكر خلق جيشا من العاطلين بلا مورد مالي يسد لهم معيشتهم وغوائلهم وإنهم اضحو أرضا خصبة وهدفا سهلا مهيئا لكل المناؤين والمعارضين ولمن يروم الانقضاض على النظام العراقي الجديد من الارهابين والصدامين والتكفيريين حيث استطاعوا استمالت اغلبهم للانخراط في صفوفهم عن طريق الرواتب المجزية والمحفزات المادية المغرية ومن لم يلتحق ويحاول التملص و الالتحاق بالجيش الجديد يعرض حياته وحياة عائلته للخطر, الأمر الذي جعل الكثير من الضباط ومن رتب و صنوف الجيش المختلة للانضواء تحت رحمة المتمردين والخارجين عن سيادة ألدوله وقوانينها .ونظرا لما يتمتع به هؤلاء من خبرة ومهارة وتجربة في كيفية البراعة باستخدام السلاح وترويضه تفوق كثيرا عناصر ومنتسبي الجيش الجديد والذي يفتقر إلى مقومات ومستلزمات الجيش النظامي الرصين.. وما نلمسه في حياتنا أليوميه من مشاهد للعبوات الناسفة والسيارات المفخخة والتفجيرات المتنوعة والمقاومة المسلحة خير دليل على عدم التكافؤ بين جيشنا الجديد والمجاميع الارهابيه المسلحة العاملة في الخفاء.
فالجيش العراقي لم يكن جيشا لصدام كما يحلو للبعض إن يوسم انه جيش للعراقيين جميعا وما سياسة التبعيث التي انتهجتها القباده السابقه إلا سعيا منها لجعل الجيش نسخة ممسوخة تدور في فلكها . ,الأمر الذي لايعني إن منتسبي الجيش بكافة مفاصله وعروقه وإفراده مؤمنين و معتقدين بمبادئ وسلوكيات حزب البعث. فالإيمان لايتاتى بالضغط والإكراه وإنما انتماء وشعور ذاتي نابع من قراره المرء وإدراكه والانتماء الحزبي للأعم الغالب كان وظيفيا تقتضيه الظروف المعيشية ومتطلبات الحاجة بغية الاستمرار في الحياة والتواصل معها وليس إيمانا راسخا نقيا بمفاهيم ومعتقدات حزب البعث .إلا القلة الذين انصهرو وتقولبو بسلوكيات وأساليب صدام وتوجهاته وتشبعت عقولهم وأفكارهم بمبادئ ومفاهيم حزب البعث .هؤلاء كان على قادة النظام الجديد وحلفائهم إقصائهم واستبعادهم لأنهم يشكلون عبئا مناوئ وتركة ثقيلة للنظام الجديد, وليس حلا نهائيا لمؤسسة عسكريه لها امتداد متأصل من تاريخ ونشأت ألدوله العراقية ألحديثه .وثمة دروس ومعطيات يسطرها التاريخ لتجارب الشعوب وحركاتها التحررية التي قلبت بها أنظمة ضاربة عروقها في القدم كالثورة البلشفية التي أطاحت بنظام القياصره لكنها لم تمس أو تسرح مؤسستهم العسكرية العتيدة رغم الحصار المطبق لثورتهم الفتيه من قبل الجيوش الالمانيه ورغم المناداة من بعض أركان الثورة بحل الجيش وتقديم ضباطه وقادته للمحاكم إلا إن حنكة وشجاعة قائد الثورة لينين وتوجيهاته بالاستفادة من تجارب وخبرات وكفاءات قادة الجيش القديم وضباطه ولكونهم دولة حديثه بحاجة إلى جيش قوي متمرس بالقيم والمفاهيم والمبادئ العسكرية.
.وكذاك الحال في ثورة إيران الاسلاميه التي قوضت معاقل حكما إمبراطوريا موغل بقدمه حيث تترى إرشادات وتوصيات الإمام الخميني من منفاه إلى شعبه الثائر إن افتح صدوركم للبنادق الموجه إليكم من إخوتكم وأبنائكم العسكريين ولا تمسوهم بأذى فان مرجعهم الأخير إليكم وبين صفوفكم . وفعلا انظم الجيش إلى الشعب المنتفض وانتصرت الثورة ولم يسرح من الجيش الشاهنشاهي إلا النزر اليسير.
قد يتبادر إلى الذهن إني في معرض الدفاع والمحاباة للجيش العراقي السابق والمتتبع لقراءة ما كتبته عن الجيش العراقي السابق يجب التهمه عني ويعفيني من هذا التوجس كوني ذكرت الكثير من مساؤ وإخفاقات وشائنات هذا الجيش مع أبناء شعبه ووطنه والتي لازالت جروحها غائرة لم تندمل في نفوس شعبنا. فضلا عن كونه كان آلة قمع وسوط سخره الساسة والمتسلطين على رقاب الناس لكن حراجة الموقف الذي يمر به بلدنا ألان تستدعي إن يكون لنا جيشا قويا نظاميا يعتمد العقيدة والأسلوب العسكري للتصدي ومعالجة الهجمات البربريه الحاقدة وليس إلى جيش ضعيف متعدد الولاءات.
#حمودي_جمال_الدين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟