|
ثلاثي الانحطاط البشري
جمان حلاّوي
الحوار المتمدن-العدد: 2402 - 2008 / 9 / 12 - 01:07
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
الدين / القومية / التاريخ ، ثلاثة مصطلحات أوجدتها البشرية لحاجة ما بسبب التفكير البربري الاحتوائي لعدم فهم ماهية الإنسان للإنسان بل فكرة الإنسان عدو الإنسان لأنه يزاحمه في الطريدة والمأوى الآمن والمرأة ، وذلك لعدم التوصل إلى اختراع وسائل إنتاج موارد الحياة وسبل الاحتماء من المجهول الكائد بعنفه المهول ، لذا كان الدين هو المسكـّن والأفيون في قبول ما هو غير مدرك آنذاك . وجاءت القومية كحاضن لهذا التجمع الأبوي الذي يجمع الأبناء والأحفاد ومن يقاربهم في النسب والدم أمام الأعداء المتربصين بممتلكاتهم وهم من انساب ودماء أخرى طبعا" . ثم التاريخ الذي يمجد الأب الكبير ( المقتول أصلا" على يد الأبناء الطامعين) ليجعلوه رمزا" وتاريخا" لسلالتهم ..
لذا نلاحظ أن ما يجمع هذه الإيقونات الثلاثة هو قاسم مشترك واحد : الشوفينية والتفرد الأجوف والتعالي المفرط بهمجيته ، والنظر بدونية إلى الشعوب الأخرى ومحاولة إذلالها وإفشالها والتعامل معها بنديـّة . وكانت وبالا" على التقدم الإنساني ونهضته ، فالدين بجموده الدوغمائي لا يسمح للفكر الإنساني بالتحرر والنهوض ونبذ الخرافة والفانتازيا التي تدخل في كل مستويات الحياة ، وبالتشريعات الفجة في القبول بالمقسوم ؛وان الفقير خلق هكذا وأن يقبل برزقه ،هكذا كتب عليه ، والغني يسرق جهد الفقير ويثري على حسابه ، وهذا ما قدّر له أيضا" . وان الذكر وجب أن يحقـّّر المرأة وينكح ماطاب له منهن ، وأن لا يسمح لها إلا أن تسير خلفه ولا تتكلم في مقامه ، وان لا تخرج رأسها من البيت ولا تذهب إلى الجامعة ولا تمارس حقها الحياتي في الترشيح لأي منصب اجتماعي تطبيقا" للنص : (وقرن في بيوتكن )!!
إن ظهور الدين كان دعما" لتثبيت القبيلة ذات النسب والدم الذي لا يعلى عليه ، وبالتالي القومية حاضنة التجمع السكاني ذو العرق والدم والتاريخ الواحد وما عداه هم من الدرجة الثانية ويعاملون كخدم او عبيد حين يأسروا أو يسبوا ، وكان التاريخ الثالوث الممجـّد لمآثر أبطال هذا التجمع القبلي وكيف انتصروا وسحقوا أعدائهم من التجمعات الأخرى .
إن ثاني هذه الإيقونات البرّاقة والتي يفاخر بها القوميون هو تقسيم المجتمعات على أساس عرقي عدائي فالقومية الألمانية الآريّة هي فوق الآخرين .. والقومية الفارسية الساسانية هي الأحق في الوجود وشم الهواء.. والقومية العربية كما أرادها الناصريون والبعثيون هي خير امـّة أخرجت للناس وبذا وجب أن تكون فوق الأقليات الأخرى كالقومية الكردية المضطهدة على مدى العصور، فالقومية العربية وبسبب جهل حامليها اعتبرت بأنها خير امـّة !! في ماذا تميزت هذه الملـّة عن بقية الأمم ؟ وما الذي قدمته للبشرية غير العداء و الإرهاب والعنف والجهل والاستهلاك المفرط للمنتج الغربي إضافة إلى إرسال الطفيليين الإرهابيين ناكري الجميل الذين يتسكعون في حدائق الغرب لدسّ المفخخات !
وأما الإيقونة الثالثة فهي التاريخ الذي يتشدق به العرب بأنهم حاضنة الأنبياء ويا ليتهم لم يظهروا ، وما الفائدة منهم ! وإذا كان ظهور الكتابة لدى العراقيين وما تفاخر بها القوميون بان العرب جنوب العراق هم من اوجد الكتابة والقوانين فأقول لهم أن لا علاقة للسومريين بالشعوب الساميـّة البدوية الغازية التي سكنت هذه المنطقة بل هم شعب مهاجر من أواسط آسيا ليسكن المنطقة الخصبة ضفاف الفرات وليستغل ( أور ) ميناء العراق القديم على الخليج قبل انحسار الأخير بسبب الأطيان الغرينية ليصل حتى وضعه الحالي في الفاو وكما وضحت ذلك الباحثة وأمينة المتحف الفرنسي الوطني ( مرغريت روثن )في كتابها ( علوم البابليين ) : قسـّم الآثاريون شعوب بلاد مابين النهرين إلى قسمين : أقوام غير سامية أو " آسيويون " وأقوام سامية . أما من الناحية الاجتماعية فقد قسمت هذه المجاميع إلى حضر وهم السومريون الذين أسسوا عدة مدن على الساحل القديم للخليج وفي ضواحي الفرات ، وأما أصل السومريين فثمة آراء كثيرة أقربها يعتمد نظرية الأبراج في بلاد مابين النهرين السفلى لأننا نراهم يعرفون فن البناء بالحجر والخشب ، وهما مادتان معروفتان في المناطق الجبلية ، ويكون السومريون بذلك من الأقوام الآسيوية . أما النصف الساميّ فهم الأكاديون وهم من البدو وهم يسمون باسم عرب باعتبار الجزيرة العربية الموطن الأصلي لهؤلاء الساميين .. وكما نلاحظ فأن السومريون تلك التجمعات المتحضرة التي نقلت حضارتها إلى العراق من مواطنها الأصلية ليناصبها العرب الساميون ذو الأصول والنزعات البدوية بالعداء وكما تذكر الأستاذة الباحثة آنفة الذكر انه " في الألف الثالث ق.م تم قيام الكيان السومري بتلك الحضارة المعروفة ، لكن ما لبث أن غزاه الأكاديون فأندرس بذلك ذكرالسومريين " ، لا حول الله !!
وبالتالي فالتشدق بالتاريخ الكاذب الملفـّق والذي كتبه الملوك والسلاطين والذين تحولوا من خلاله الى أنصاف آلهة يحكمون بدل الربّ على الأرض هو ليس التاريخ الحقيقي .. تاريخ الشعوب المظلومة التي عانت على مر السنين من الدسائس والحروب الاسرية و المصالح الذاتية ، والتي كانت الشعوب فيها الوقود والحطب .. التاريخ الحقيقي يكمن في قلوب الناس التي سحقتها سنابك خيول الغزاة والمحتلين والمتآمرين من عوائل بلاطات الملوك والأباطرة والخلفاء المتوارثين للسلطة الثيوقراطية بأسم الدين يباركهم ارستقراطيي الحاشية ليمارسوا سرقتهم لقوت الشعب وبيت مال المسلمين أمام خليفة صغير السن أو شبه معتوه . هذا التاريخ الذي مجـّد الدين وتمجـّد به وتحت خيمة الكيان القومي والأمة التي تشرق عليها الشمس دوما" !!! انه تمرّغ فارغ قام بتحويل مجتمعاتنا الحالية إلى مزبلة الفكر المنحطّ والذي لا يستطيع النهوض أبدا" من تمرغـّه في الوحل إلاّ بإسقاط الدين وقوميته في هذا الوحل نفسه ، ومحو التاريخ وعدم ذكره .
أريد أن أسأل : هل عمل التاريخ حضارة الشعب الأمريكي مثلا" ؟ إن تاريخ هذا الشعب ابتدأ منذ 1492م فقط ؛ أي قبل 516 سنة لا أكثر حين أكتشف كريستوفر كولومبس القارة الجديدة وكما هو معروف . إذن لماذا وصلت حضارة الشعب الامريكي إلى هذا المستوى من الرقيّ مخترقة عذرية المريخ نحو المشتري خروجا" من النظام الشمسي نحو الفضاء اللامتناهي ناقلة صوت الإنسان وصوره وإبداعاته في شريط أودي وقطعة من الذهب عن طريق فوياجر مصممة لتقاوم مئات السنين . مخترعة تقنيات التواصل العالمي ، وعلاجات أطالت من عمر البشر، مصنعة معامل إنتاجية عملاقة مستخلصة الهيدروجين والنتروجين النقيين لإنتاج الأمونيا NH3لتثليج ماء المناطق الحارة ( أي مناطقنا !!) ، او دمجها مع ثاني اوكسيد الكربون المصنـّع بنقاء 100% لإنتاج السماد الكيماوي ( اليوريا ) للزراعة ، مشيدة ناطحات سحاب ، صانعة سيارات ( لولا مخترعها الأمريكي فورد لبقينا على ظهر البعير !!) ولا أنسى ذكر النعمة التي منحها الأمريكي (إديسون) إلى البشرية " الكهرباء " ..
هذا الشعب الذي عرف كيف يخلق حضارة علمية ممنهجة ورصينة، واقتصادا" متينا" يحرّك أسواق العالم والسبب لأنه لم يتعكز على التاريخ ولم يؤمن بضرورته ، ولم يجعل الدين المحرك الأول لحركة الشعب في جميع مستوياته بل مجرد عبارة بروتوكولية على عملة الدولار ( In god we trust ) ، وبالمناسبة فأنا لا امجـّد النظام الأمريكي ، بل احيـّي الشعب الأمريكي الشجاع في خلق وجوده بهذه الفترة القصيرة متخلصا" من ثالثة الأثافي بعد أن تخلص من الدين والتاريخ إلا وهي القومية وذلك بعد حرب الاستقلال من البريطانيين عام 1776م ، وهم من أصولهم !!! وهذا هو أهم حدث في التاريخ الحديث في أن يتخلص شعب من سطوة قوميته ، ووصايتها عليه . وهو ، وحسب علمي وقراءاتي ، الشعب الوحيد الذي قام بهذا الفعل الجريء والمجيد .
وحين نقارن هذا الشعب المتمدن بالشعوب الأوربية نراها لم تستطع أن تصل إلى ما وصل إليه لأنها بكل بساطة مازالت متمسكة كلّ بقوميته العتيدة وبتاريخ أبطاله الذين هشـّموا أنوف جيرانهم من الشعوب الأخرى!! لكنها تقدمت على شعوبنا الشرقية بتخلصها من عدو التقدم والتمدن " الدين " ذلك السمّ والأفيون ... لذا كانت انطلاقتها نحو الأفق الحضاري وسع الأحضان . وتبقى الشعوب الشرقية وبالذات العربية شعوب استهلاكية لا تعرف الإنتاج والاعتماد على النفس ، تستورد نتاج حضارة الشعوب المتحررة الغربية ، ولولاها لبقيت هذه الشعوب تحت خيمة الوبر لا تعرف كيف تصنع آجر واحد للبناء ، وتتنقل بواسطة البعير لا أكثر، وتنام في حر الصحراء وغباره لا تعرف كيفية تكييف الهواء وتبريده ، ولا صناعة الثلج كمنتج بدائي للحضارات المتقدمة ، وتنظر إلى النفط الأسود الذي يخرج من تلقاء نفسه كبحيرة جرباء آسنة لا فائدة منها !
ملاحظة 1 / تعريف الشوفينية من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة الشوفينية فكرة متطرفة وهي التحزب باسم المجموعة التي ينتمي اليها الفرد، وخاصة عندما يتضمن الحزب حقد وكراهية تجاه أي فريق منافس. كأصحاب التمييز العرقي . بمعنى آخر الشوفينية هي المغالاة في التعصب. ففي حال التعصب القومي و حب الوطن يعتبر الشوفيني وطنه أفضل الأوطان و أمته فوق كل الأمم وخصوصاً عندما تكون هذه المغالاة مصحوبة بكره للأمم أخرى. وقد جاءت هذه الكلمة من اسم نيكولاس شوفان الجندي الفرنسي الذي جرح عدة مرات في حروب الثورة الفرنسية و حروب نابليون و لكنه ظل أبداً يقاتل في سبيل مجد فرنسا ومجد نابليون، وتستعمل الشوفينية حالياً في مجال الاستهجان وعدم الاستحسان وتمثل النازية الألمانية قمة التعصب الشوفيني.
ملاحظة 2 / استعملت مصطلح ( لا حول الله ) وهو مصطلح اجتماعي لا ديني ..دارج في اللهجة العراقية يعبـّر عن الأسى والأسف وما زلت استعمله على الرغم من ابتعادي عن وطني وإقامتي في الدنمارك ثم أمريكا كما استعمل غيرة إذ حين أقوم أقول : يا ألله ، وهو أيضا" له علاقة بالتراكمات اللاشعورية لشعب مستلب ( بفتح اللام) والتي لا يمكن التخلص منها ، لكنها غير مؤثرة في التحرر الفكري المطلوب . عذرا" أردت التنويه .
#جمان_حلاّوي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ممارسة الطقوس .. عبادة , أم مازوخية التراكم القمعي
-
مليكة مزان والربّ ( ظاهرة شعرية اسمها مليكة مزان )
-
ليس هناك مفهوم حياتي غير الكذب ، والدعارة ( الإمارات والممال
...
-
مسرحية ( أغتصاب )
-
الفن وصراع الأضداد
-
ثنائية التفكير والسلوك البشري ( إبليس أو الشيطان مثالا- )
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء الثاني ع
...
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة- عاصمة الزنج ) / الجزء الحادي عش
...
-
( ألدولة ) في المفهوم الماركسي
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء العاشر
-
ليلة مع الأمازيغية ..--قراءة لقصيدة من ينقذ الرب من هكذا عاه
...
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة - عاصمة الزنج ) / الجزء التاسع
-
أزمة المثقف العربي مع النص المقدس
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة- عاصمة الزنج ) / الجزء الثامن
-
أوجه الفكر الديني الحقيقية
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة ) / الجزء السابع
-
المرأة في النص الألهي ( اغتصاب مريم العذراء أنموذجا- )
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة ) / الجزء السادس
-
حوار الاديان أم الغاء الاديان
-
سيناريو فلم ( سقوط المختارة ) / الجزء الخامس
المزيد.....
-
طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال
...
-
آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|