|
- التبريرية- مرض يصيب العقل العربي – زواج النبي من عائشة نموذجا
حسن ميّ النوراني
الإمام المؤسِّس لِدعوة المَجْد (المَجْدِيَّة)
الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 07:15
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
لا يزال مقبولا في العالم العربي، زواج الرجل، حتى لو بلغ السبعين من عمره، من طفلة لا يتعدى عمرها التسع سنوات، وذلك اقتداء بما تؤكده السيرة النبوية المحمدية، من أن النبي محمد تزوج السيدة عائشة بنت أبي بكر وهي في التاسعة من عمرها، بعد أن خطبها، وهي في السادسة من عمرها.. ووفقا للروايات، فإن أبا بكر، استهجن، لكن بأدب، طلب النبي منه أن يزوجه عائشة، لدى خطبته لها، وهي في السادسة.. وقال للنبي: إنها ابنتك، وهي لا تصلح بك.. لكن النبي ردّ: كلا، أنا لست أباها، وهي تصلح بي.. فما كان من أبي بكر إلا أن يستسلم لرغبة النبي، ويوافق.. وكتب التراث الديني، تنقل قصة زواج النبي محمد من عائشة، بنت التاسعة، دون أدنى شعور بتأنيب الضمير، الذي قد ينشأ، من النفور من زواج رجل، بطفلة يفصل بينهما خمسة وأربعون عاما.. النفور مسألة تتعلق بقيم العصر، وما نشعر نحن بنفور تجاهه في عصرنا الراهن، قد يكون مقبولا في عصور أخرى خلت.. رغم أنه يبدو، أنه كان لدى الناس في عصر النبي محمد، شعور بعدم تقبل زواج طفلة (9 سنوات) من رجل جاوز الخمسين، بدليل، أن والد الطفلة (أبو بكر) وجد حرجا، من طلب النبي لابنته.. ومع ذلك، لم تثر مسألة زواج محمد من عائشة، فيما مضى من الزمان، أية إشكاليات تتعلق بنبوة محمد، إلى أن وصلنا لعصر، ينفر بقسوة، من مثل هذا الزواج، ويدينه.. ورغم قيم العصر الراهن، إلى أن لدينا رجال دين، لا يزالون يفتون بجواز زواج الطفلة، مبررين هذا الجواز، بالاستناد إلى حادثة زواج النبي محمد، من عائشة.. وهذا التبرير، صحيح من وجهة نظرهم، على خلفية أن النبي محمد قدوة للمسلمين، وأن من حق المؤمنين برسالته، أن يتبعوه.. وهذا التبرير خطأ، على خلفية أن دعوة النبي، محكومة بإطارها الزمني المكاني، الذي لم يكن ينفر نفورا مطلقا، من زواج رجل بلغ الخمسين، بطفلة في التاسعة.. والقيد الزمني على سلوك النبي محمد، لا يجعل من سنته، في كل مكوناتها، قدوة صالحة للزمان الراهن، المختلف اختلافا جليا، عن زمن النبي محمد.. لكن العقل الديني المعاصر، لا يقبل، قبولا صريحا، فرض تقييد زمني على "صلاحية السنة المحمدية"، رغم أنه يفعل ذلك، بالالتفاف والمداورة، لينتهي إلى النتيجة ذاتها، وهي فرض التقييد، بوسيلة لا عقلانية، هي وسيلة التبرير بما يسميه المتدينون المسلمون: "خصوصية النبي محمد"، التي تبيح له أن يفعل ما ليس مباحا لعامة المسلمين، أن يفعلونه.. ينسى إخوتنا وأخواتنا من المتدينين المسلمين، أن النبي محمد، جاء معلما للناس، وأنه القدوة بفعله، وقوله، وأنه بذلك، ليس له الحق في الخصوصية، باستثناء خصوصية واحدة، هي كونه ناقل رسالة ربه، التي حكمت بأنه "قدوة وأسوة حسنة"، للمؤمنين برسالته، الذين عليهم أن يقتدوا به، وأن يفعلوا ما كان يفعل.. ويأخذ التبرير شكلا آخر، عبرت عنه الباحثة السعودية الدكتورة سهيلة زين العابدين حماد، بقولها أن الراجح هو أن النبي محمد تزوج من عائشة، وعمرها حينئذ، تسعة عشر عاما، وليس تسعة أعوام.. التبرير هنا غالط المعلومة التي سجلتها كتب السيرة والأحاديث النبوية كلها.. والباحثة فعلت ذلك، من باب حرصها على إنقاذ سمعة الإسلام، نبيا ومؤمنين، من تهمة يرددها الناقدون، موضوعها هو زواج النبي محمد من عائشة.. ومع أني أود، لو أن اجتهاد الباحثة سهيلة، مصيب، إلا أنني لا أجد ارتياحا، وأنا أمام محاولة أخرى لتبرير صلاحية سلوك النبي، لكل زمان، وعدم تقييدها بظروف عصره، حيث التبرير هنا، يأتي بنفي حادثة أجمع التراث الديني كله، على صحة وقوعها.. وأفهم أن دعوى سهيلة، هي تعبير عن الرغبة في تنقية صفحة الإسلام دينا ونبيا ومؤمنين، في مواجهة حملة تشكيك به، تتخذ من حادثة زواج محمد من عائشة، ومن زيجات أخرى للنبي، سلاحا للهجوم على النبي وعلى الإسلام كله، والمسلمين أجمعين.. فإذا ما عجزت الباحثة الكريمة، عن إثبات صحة رأيها، فستكون أمام واقع يفرض عليها أن تسلم بما هو متواتر بين مؤرخي سيرة النبي محمد، ومدوني سنته، حول زواجه من الطفلة عائشة.. وستجد أن عليها عندئذ، أن تتخلى عن إيمانها بالنبي، أو أن تتخلى عن مشاعر نفور من حادية زواج النبي محمد بعائشة، تقف وراء محاولتها لإثبات أن الرقم الصحيح لعمر عائشة عند زواج النبي محمد كان (19 عاما) وليس (9 أعوام).. وأظنها، لن تملك شجاعة الإعلان عن التخلي عن إيمانها بمحمد، خاصة وأنها في بلد لن يتردد حكامه، باتهامها بتهمة الإلحاد والردة، وهي تهمة ستستحق عليها القتل، التزاما بالشريعة التي جاء بها النبي محمد.. ومع أني أتفهم موقف الباحثة، وأتعاطف معها على المستوى الشخصي، ومع النبي محمد الذي حبب الله إليه النساء ونكاحهن بشهوة عادلت عنده، شهوة 40 رجلا من رجال الجنة.. إلا أن أمانة الفكر، تدفعني للإعلان الواضح الجريء بأني أعتقد أن منهج التبرير لا يخدمنا، ونحن نتطلع لنهضة عقلية تؤسس لنهضة مدنية، ذلك أن التبرير كذب على الذات وعلى الناس، ولا يفلح من يكذب على ذاته، أو يكذب على الناس، ولن يفلح معه الناس إذا قبلوا التبرير المعادل للكذب، خاصة إذا جاء ممن يزعمون أنهم حملة رايات التفكير والإصلاح.. دعونا نواجه الحقائق من غير التفاف عليها.. ودعونا نوجه النقد لأنفسنا، ومهما كان النقد قاسيا.. وقبل أن يوجهه الآخرون لنا.. إنه وحده، سبيلنا لنهضة أخلاقية مدنية، نبدع فيها عالما نورانيا، يواجه الواقع بشجاعة، ولا يهاب المفكر فيه، وبمنهجه المتنور، من حمل الشمس إلى مغارات الظلمة النفسية والعقلية والتاريخية، التي لا نزال نقبع في قيعانها.. لنتحرر منها..
#حسن_ميّ_النوراني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل الغباء شرط لازم للتدين؟!
-
دعوة للمعذبين والأحرار الأخيار في العالم للانضمام إليه انطلا
...
-
.. والحمام أيضا يمارس اللواط.. وخائن.. وقاتل.. ولكنه متسامح!
...
-
بمناسبة عيد الحب..أرفع صوتي من تحت ظلام الحصار وأدعو الناس ك
...
-
ما المانع من الاعتراف بإسرائيل ؟!
-
قانون الحب ينقذ غزة من موت يلف سماءها ويغتصب أرضها ويطال برا
...
-
هل أنا -من أخطر الماسونيين نوعا- كما قال أخي الكريم الدكتور
...
-
حب النورانية وحريتها
-
ظاهرة تساقط الشهب في عقيدة أمي وتفسير العرب الأقدمين والقرآن
...
-
دعوة النورانية - الله: الحرية المبتهجة بنورانيتها
-
ديوان النوراني - إنَّ ال.... حبَّ فَوْقُنْ
-
جائزة نوبل لأديب عربي! نجيب محفوظ ذو موقف فلسفي*
-
أيها الإسرائيليون.. هل تريدون إطلاق أسيركم؟!.. أنا أدلكم على
...
-
النوراني للرئيس عباس: كن إلى أبد الآبدين نورانيا.. ولا تستفت
...
-
يا شرفاء فلسطين والعالم.. أعلنوا ثورة المجوعين المحاصرين الم
...
-
حماس تدخل في النور من باب دخله عرفات متسللا.. قلبي وعقلي معه
...
-
حكومة حماس لن ترجم الزناة ولن تقطع أيادي السارقين، وتحتسب فل
...
-
تفكير المسلم المعاصر أبوي مغلق استبدادي!!
-
النوراني يدعو حكومة حماس القادمة لإعلان -عيد الحب- عيدا وطني
...
-
أسرة فتاة غزية تحمل الماجستير ترفض تزويجها لرجل يحمل الدكتور
...
المزيد.....
-
بدء احتفالات الذكرى الـ46 لانتصار الثورة الاسلامية في ايران
...
-
40 ألفا يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
40 ألفاً يؤدون صلاة الجمعة في المسجد الأقصى
-
تفاصيل قانون تمليك اليهود في الضفة
-
حرس الثورة الاسلامية: اسماء قادة القسام الشهداء تبث الرعب بق
...
-
أبرز المساجد والكنائس التي دمرها العدوان الإسرائيلي على غزة
...
-
لأول مرة خارج المسجد الحرام.. السعودية تعرض كسوة الكعبة في م
...
-
فرحي أطفالك.. أجدد تردد قناة طيور الجنة على القمر نايل سات ب
...
-
ليبيا.. وزارة الداخلية بحكومة حماد تشدد الرقابة على أغاني ال
...
-
الجهاد الاسلامي: ننعى قادة القسام الشهداء ونؤكد ثباتنا معا ب
...
المزيد.....
-
السلطة والاستغلال السياسى للدين
/ سعيد العليمى
-
نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية
/ د. لبيب سلطان
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
المزيد.....
|